زيارة الأربعين

أقوال الفقهاء وفهمهم لزيارة الأربعين / الشيخ حيدر الصمياني

الاجتهاد: لئن كانت أقوال الفقهاء التي ذكرتها نابعة من فهمهم الرشيد والسدید لروايات الأربعين فإنهم مع ذلك لم يكتفوا بذلك في حث المؤمنين على إتيان هذه الشعيرة المباركة وإنما زادوا عليها بأن باشروا هم بأنفسهم زيارة الأربعين راكبين وراجلين.

روى الشيخ الطوسي عن داوود بن فرقد قال: قلت للإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام: ما لمن زار الإمام الحسين عليه السلام في كل شهر من الثواب؟ قال: له من الثواب ثواب مائة ألف شهيد مثل شهداء بدر»(1).

ولاشك أن هذا الإطلاق الوارد في زيارته كل شهر يشمل شهر صفر فهو داخل في قوله: «في كل شهر» وعليه تستحب زيارته كذلك في العشرين من شهر صفر لاسيما إذا حملنا هذه على رواية الإمام الحسن العسكري عليه السلام في أن من علامات المؤمن زيارة الأربعين حيث تم تحديد العشرين من صفر دون غيره.

وحتى يعي المؤمنون الموالون لأهل البيت عليهم السلام، أن ما يصنعونه في هذه السنوات من المسيرات المليونية المباركة نحو الحسين عليه السلام يوم الأربعين وبهذا الشكل الذي قلَّ بل عدُم نظيره في العالم، أن كل ذلك إنما جاء نتيجة الحث الأكيد والبعث الشديد من قبل أئمة أهل البيت عليهم السلام وعلمائهم في الارتباط بالحسين عليه السلام في أربعينيته والسير إليه رجالاً وركباناً.

ومثل هذا الأمر أكده العلماء من خلال فهمهم الرشيد طيلة هذه الفترة الطويلة والتي استمرت منذ أيام المعصومين وإلى يومك هذا ما شذ عنهم إلا نزر قليل، وسوف أحاول ذكر أقوالهم في هذه المسألة أبتدأ من الشيخ الطوسي ثم الذين يلونه من بعده :

١. قال الشيخ الطوسي في كتابه مصباح المتهجد: «وفي يوم العشرين منه (أي شهر صفر) كان رجوع حرم سیدنا أبي عبد الله الحسين عليه السلام…»(2).

۲- قال الشيخ المفيد في كتاب المزار: «(۲۳) باب فضل زيارة الأربعين …»(3).

٣- قال العلامة الحلي في منتهى المطلب : «ويستحب زيارته يوم الأربعين من مقتله وهي العشرون من صفر…».(4)

4. قال السيد ابن طاووس: «فإننا روينا باسنادنا إلى أبي محمد هارون بن موسى التلعکبري … عن صفوان بن مهران قال: قال لي مولاي الصادق صلوات الله عليه في زيارة الأربعين…»(5).

5- قال العلامة المجلسي في بحار الأنوار: «فضل زيارته صلوات الله عليه في يوم عاشوراء وإكمال ذلك اليوم وفضل زيارة الأربعين…»(6).

6. قال صاحب الحدائق الناظرة: «وتتأكد (أي استحباب زيارة الحسين عليه السلام في النصف من شعبان ويوم مقتله عليه السلام ويوم عرفه… ويوم الأربعين من مقتله عليه السلام.

۷. قال الشيخ عباس القمي في أعمال شهر صفر: «اليوم العشرون: يوم الأربعين وعلى قول الشيخين هو يوم ورود حرم الحسين عليه السلام … ويستحب فيه زیارته…»(7).

ولئن كانت أقوال الفقهاء التي ذكرتها نابعة من فهمهم الرشيد والسدید لروايات الأربعين فإنهم مع ذلك لم يكتفوا بذلك في حث المؤمنين على إتيان هذه الشعيرة المباركة وإنما زادوا عليها بأن باشروا هم بأنفسهم زيارة الأربعين راكبين وراجلين مع كثرة مشاغلهم وأهمية أوقاتهم في الدرس والبحث والتأليف وذلك أعلاناٌ منهم بأهمية هذا العمل.

فقد جاء في ترجمة السيد هاشم الحداد ما نصه: «كان متعارفا بين طلبة النجف الأشرف وفضلائها وعلمائها في أيام الزيارة المخصوصة لمولى الكونين أبي عبد الله الحسين عليه السلام سيد الشهداء كزيارة عرفة وزيارة الأربعين وزيارة النصف من شعبان: أن يذهبوا من النجف الأشرف إلى كربلاء المقدسة سيرا على الأقدام، إما عن الطريق الصحراوي المعبد المستقيم وطوله ثلاثة عشر فرسخا أو عن الطريق المحاذي لشط الفرات وطوله ثمانية عشر فرسخا.

وكان الطريق الصحراوي قاحلا يخلو من الماء والخضرة، لكنه قصير يمكن للمسافرين أن يطوونه بسرعة خلال يوم أو يومين، على العكس من الطريق المحاذي لشط الفرات الذي كان يتعذر فيه السفر بالسيارة، فكان ينبغي السير خلاله على الأقدام أو بامتطاء الحيوانات، وكان هذا الطريق منحرفا غير مستقیم، لكنه في المقابل يتميز بالخضرة ويتخلل بساتين الأشجار والنخيل البالغة وتوجد في كل عدة فراسخ أماكن لاستضافة المسافرين – وهي مضائف مصنوعة من الحصير تعود لشيوخ العرب يستقبلون فيها القادمين فيضيفونهم مجانا مهما شاءوا الإقامة عندهم –

وكان الطلبة يسيرون نهاراً ثم يأوون إلى هذه المضائف ليلا؛ فيبيتون فيها وكان سفرهم في هذا الطريق المحاذي للنهر يستغرق غالبا يومين أو ثلاثة ولم يوفق الحقير خلال مدة إقامته في النجف الأشرف، والتي دامت سبع سنين للسفر إلى كربلاء مشيا على الأقدام إلا مرتين فقط،

ذلك لأن الوالدة المرحومة كانت على قيد الحياة وبالرغم من ممانعتها للسفر إلا أن الحقير كان يرى آثار الاضطراب عليها، لذا لم أتقدم في الانضمام إلى مواكب المشاة حتى السنة أو السنتين الأخيرتين من إقامتنا في النجف الأشرف، حيث رأيت تناقص ذلك الاضطراب عندها من خلال العلاقات مع العوائل النجفية، لذا فقد أرسلتها إلى كربلاء مع بعض المسافرين والزوار الإيرانيين كانوا قد وفدوا علينا،

وصحبت الرفقاء في مسيرتنا إلى كربلاء، وكان الحقير في هذين السفرين في معية سماحة آية الله الشيخ عباس القوچاني – أفاض الله علينا من رحمته وبركاته – وكان هناك أيضا سماحة آية الله المرحوم الشيخ حسين علي نجابت الشيرازي وسماحة حجة الإسلام والمسلمين السيد محمد مهدي دستغيب – الأخ الأصغر للمرحوم الشهيد دستغيب – وقد صحبنا في السفر الثاني أحد الطلبة ممن له معرفة بآية الله القوچاني واسمه السيد عباس ینکچی»(8).

ناهيك عن الآخرين كالسيد مهدي بحر العلوم والشيخ نصر کاشف الغطاء والسيد المرعشي والسيد محسن الحكيم والشهيد الصدر الأول والثاني الذي أفتی بوجوب السير والمشي إلى الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في ظل ظروف خاصة تحديا للنظام الصدامي المقبور، والقائمة تطول بأسماء المراجع العظام سواء في وقتنا الراهن أم الماضي.

أقول إذا كان الأمر كذلك، ألا يكون مثل هذا الأمر شهادة من أهل الاختصاص أن هناك دليلا على الاستحباب ؟ أفهل توجد عندنا معرفة بروايات أئمة أهل البيت عليهم السلام وما ورد وما لم يرد أفضل من مراجعنا الكرام الذين نذروا أعمارهم من أجل خدمة هذه الطائفة المباركة؟

أفلا يكونون في أعلى درجات السيرة الشرعية التي يعتمد عليها في اكتشاف الدليل الشرعي.

والجواب متروك للقارئ العاقل الذي أدرك معنى بعض الكلمات التي تصدر من هنا وهناك بأن لا وجود للدليل على زيارة الأربعين والمشي إليها.

الهوامش

1 . التهذيب للشيخ الطوسي: 6/ 47.

2. مصباح المتهجد للشيخ الطوسي: ۷۳۰.

3. المزار للشيخ المفيد : 53.

4. منتهی المطلب للعلامة الحلي : 2 /۸۹۲ کتاب الزيارات.

5. إقبال الأعمال للسيد ابن طاووس: 3/ ۱۰۱.

6. بحار الأنوار للعلامة المجلسی: 98 / 102.

7. مفاتیح الجنان : ۳۹۵.

8. کتاب الروح المجرد للسيد محمد حسين الطهراني : ۲۲ – ۲۳.

المصدر: كتاب ” الأربعين وفلسفة المشي لزيارة الحسين عليه السلام. للشيخ حيدر الصمياني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky