خاص الاجتهاد: تحدث سماحة السيد منذر الحكيم، أستاذ الدراسات العليا في الحوزة والجامعة في هذا الحوار حول الهيكل المقترح لعلم الأصول من جانب محمد تقی الحکیم و الدکتور عبدالهادي الفضلی وتأثيره علی مسار تعلیم علم الأصول وعملیة الاستنباط، مجيبا على هذا السؤال و هو: هل یسهّل الهيكل والبنية المقترح بناء النظم الفقهیة وکیف؟
سماحة السيد منذر الحكيم، أستاذ الدراسات العليا في الحوزة والجامعة ومدير قسم فقه الأسرة في جامعة المصطفى(ص) العالمية في قم المقدسة وعمید معهد “الذریة النبویة” في الحوزة العلمیة، بمدینة قم المقدسة. کذلک هو مسئول مجموعة تحقیق کتاب «الاصول العامة للفقه المقارن»، من مؤلفات السید محمد تقی الحکیم؛ بالمناسبة هو مهتم بمناقشة افکار آیة الله عبد الهادی الفضلی. إطلاعه علی آراء هذین الاصولیین سبّب أن نتحاور معه حول الهیکل المقترح لعلم الأصول من جانبهما.
• رجاءا بینوا لنا الهيكل المقترح من جانب محمد تقی الحکیم و الدکتور عبدالهادي الفضلی؟
السيد الحكيم: حقیقة انا طَبعتُ حول فکریاتهما مقالا فی مجلة« الفکر الاسلامی» و مقالا فی مجلة «الحیاة الطیبة»، و هناک کنت بصدد تعریف الکتب الدراسیة قبل الشهید الصدر او مقارنا به و ابرزت کلاما قصیرا و شاملا بشأن قِیَم نشاطاته. و فی مجلة «الفکر الاسلامی»، ابدیت مقالا باسم « تطور الدرس الاصولی» حول التغیيرات المُنشأة فی الکتب الدراسیة الاصولیة فی الحوزة العلمية في النجف و قبل النجف.
و للاجابة عن سؤالکم هذا یمکنکم مراجعة هذین المقالین المذکورین الذین ناقشت فیه بعض الکتب الدراسیة کأصول الاستنباط و کتاب الشیخ الفضلی و حلقات الشهید الصدر و الاصول العامة للفقه المقارن من سماحة السید محمد تقی الحکیم.
و لکن اذا نرید أن نتحدث عنه بالاختصار فنقول: کتاب الشیخ الفضلی الراحل مستلهم من اصول الفقه المظفر(ره) و هذان الکتابان بعد المعالم و القوانین و حتی بعد الکفایة و الرسائل أبدیا اسلوبا آخر للاستنباط. و بعد تالیف هذه الکتب یمکن تقسیم التیارات الاصولیة الی نحوین:
علی حسب العادة اسلافنا بعد التعریف و التوضیح عن مبادئ علم الاصول کانوا یخوضون فی مناقشة الاصول العملیة و کذلک دراسة الحجج و الامارات فی مجالین مستقلین؛ و بعد هیمنة شکوک الاخباریین علی الحوزات العلمیة غطی غبار النسیان بحوث الحجج لانهم کانوا معتقدین بحجیة الاخبار قطعا و بحجیة القرآن سلبا.
و عدد من الفقهاء مثل الشيخ الأنصاري (ره) اهتموا بتعزیز الحجر الاساس لعلم الأصول و لذلک تناول بحجیة القطع و الظن بنحو واسع الارجاء؛ و بالاکید هذه الجهود مسبوقة بجهد حثیث من جانب صاحب الفصول و المیرزا القمی .
و من بین هؤلاء صاحب المعالم وحیدا لم یهتم بانظار الاخباریین لانه آنذاک عقائدهم لم تنضج حتی یقوم الآخرون بنقاشها، بل دامت نشاطاتهم خمسین عاما و نیفا، حتی تمثلت خلال رسائل الشیخ الانصاری(ره).
و ههنا برز خلاف جدید حول بحوث حجیة الظهور صغرویا، و یبدء بالسؤال: هل المشتق، الصحیح و الاعم، الاوامر و النواهی، بحوث اصولیة او بحوث لغویة إلا أنه قد تطرقوا إلیه فی علم الاصول استطرادا لأجل الحاجة إلیها فی عملیة الاستنباط.
یبدو لی ان علماء مثل الشيخ النائینی و الشيخ الأنصاري كانوا ملتزمين بهذا الرای و ما راو انفسهم بحاجة الی نقاش هذه البحوث، و ان کانوا باحثین عنها احیانا والسید محمد تقی الحکیم ایضا راغب فی هذا الرای، و کتابه «الاصول العامة» من المقرر ان یکون بازاء« الاصول الخاصة» التی تشمل بحوثا صغرویة و کبرویة لحجیة الظهور او هی التی صغری لحکم العقل مثل المستقلات العقلیة.
و هو قام ببحوث الحجج و الامارات و کذلک بالاصول العملیة و ایضا بالتعادل و التراجیح، بمثابة الاصول العامة للاستنتاج. و هو یحاول غالبا ان یقوم بمناقشة قضایا مفیدة للاستنباط و کذلک یقوم ببیان اسلوبه، کما یشیر المحقق الکرکی او صاحب الوافیة ایضا إلی اسلوب الاستنباط اختصارا.
السید الحکیم یُعد من اساتذة« کلیة الفقه» للشیخ المظفر- رحمه الله- و هناک تدرس کتاب الاصول العامة و اصول الفقه للمظفر. و الشیخ الفضلی ایضا تعلم فی تلک المدرسة، وهو فی الواقع یجمع او یُدمِّج بین الکتابین ثم یرید ان یوضح اسلوب الاستنتاج من البدایة، فلذلک یقول من این یبدأ للاستنتاج و من ای مصادر یجب ان یستفاد؛ ثم قام بتعریف المصادر واحدا تلو آخر مثل الکتاب، و السنة، والعقل، والقیاس و الاستحسان… و یبادر بتقییم کل منها و یوضح اسلوب الاستفاده منها.
و من هنا تعرف الحاجة الی بحوث الالفاظ و المستقلات العقلیة، و لتکمیل هذا البرنامج و الدمج بین ترکیبی علم الأصول- الترکیب المقترح من اتجاه المظفر و الحکیم- یجب مراجعة کتاب اصول المظفر و القیام بتعویض نواقصه. وعلی کل حال ان العیوب المتواجدة فی کتابی الحکیم و المظفر قد زالت فی کتاب الفضلی و قدمت خطة جدیدة و متکاملة فی هذا الکتاب؛ و علی سبیل المثال قضایا غیر مطروحة فی الاصول العامة او مواضع اخری، اتضح هنا مصیرها.
علی هذا الاساس کتاب الفضلی بمثابة فن التعلیم مبادرة جیدة و یُسهِّل التعرف بعلم الاصول؛ و هذا الترکیب اجمل ترکیب لتنویر افکار الطلاب و یزوّدهم بصیغ تسجل فی اذهانهم القوالب الاصولیة قبل الورود الی القضایا المتراکمة لعلم الاصول و المتنازع فیها جدا، و هذا ترکیبٌ بذل المظفر جهده لتتمیمه بنحوٍ و الحکیم بنحو آخر.
و المظفر اقام ترکیبه علی اساس الاصول القدیمة مرفقا بعض الاصلاح و التعدیلات؛ یعنی یُقدِّم بحوث الالفاظ، ثم یذکر البحوث العقلیة. و القدامی کانوا یلحقون البحوث العقلیة الی بحوث الالفاظ و لکن المظفر فصل بینهما.
و هذه الخطه مستمدة من خطة المحقق الاصفهانی و هو یعتقد بمیز مبدئی بین الالفاظ و القضایا العقلیة، کذلک بین المستقلات العقلیة و غیر المستقلات.و لکن هذا المقترح لا یخلو من الاشکال. بالتاکید دلیلهم علی هذا ان الطالب بلحاظ اسلوب التعلیم یبدء من بحوث سهلة و ینتهی الی بحوث اعمق.
و فی مقابل هذه الخطة، خطة السيد الحکیم و هو یبدأ من الکلیات و الاصول العامة، دلیله ان الطالب البدائی ینبغی أن یعرف أن الظهور حجة و یتعرف علی بعض الامور التی تثبت حجیة الظهور بها. و غیر مستحسن فی باب الالفاظ ان نبحث ظهور الاوامر و النواهی دون ابراز ایّ ضابطة لحجیة الظهور و حتی لم یعلم الطالب بأن ای ظهور هو الحجة؟
و هذا یسبب الحیرة لدی الطلاب. و الطالب الذی یدرس الاصول باسلوب الکفایة یشعر بالانفصال، الا ان یکون ذا عقل نشیط و مبدع حتی یجعل المفردات فی ترکیب متناسق و منتظم ثم یقوم بترصیف الصغری و الکبری وینتج مطلوبه فی النهایة.
و السید الحکیم في الحقیقة یبدأ من مصادر الاستنتاج و حجیتها وطریقة التمتع بها وتعیین الحد للاستفاده عن کل مصدر وهذا یعنی متی یمکن التمسک بهذه المصادر و کیف نستفید منها و ما مدی حجیة هذه المصادر و الشروط المعتبرة للاستفاده منها؟
فمثلا ان کانت السنة مصدراً ما هی علاقته بالقرآن؟ و ماذا یقصد عندما یقال إن السنة حجة؛ هل هی سنة المعصوم؟ او اهل البیت؟ او سنة الصحابة. و حلقات السيد الشهید الصدر ایضاً تخطو فی نفس المسار حیث قام مؤلفها بترتیب القضایا وفق أولویاتها.
فلذلک یبدأ من موضوع القطع و حجیته کأول رکن یحتاج إلیه المستنبط و یفسرالحجة بالمنجزیة و المعذریة. ثم علی اساس حجیة القطع یقوم باثبات الحجج المتعلقة بحجیة القطع. و من میزات اسلوب الشهید الصدر هو ذکر القضایا بشکل جامع یعنی حینما یتحدث عن حجیة الظهور، یتحدث عن مصادیقه ایضا او بعبارة أخری هو یقوم بذکر الصغریات و الکبریات للاستنتاج معاً.
• برایکم أتؤثر البنیة المقترحة من جانب السید الحکیم والشیخ الفضلی علی مسار تعلیم علم الأصول غیر ما تسهّل عملیة الاستنباط؟
السيد الحكيم : الاثر المهم لهذا الهیکل أو الاسلوب هو التسهیل فی التعلیم، لانه یخلو من النقاشات واطالات الکلام المخلة بالمقصود، و هذا یوجب ان يعرف الطالب الامور العامة بسهولة.
و يتعرف بحجیة الکتاب، السنة، العقل، والاجماع و توضیح نطاقها او منطقة نفوذها و یدرب الطالب و یجعله یخوض بحوث الاوامر و النواهی ثم المستقلات العقلية و غیر المستقلات العقلیة بمعرفة أکثر؛ علینا ان نتقدم فی الکتب الاصولیة بالتدریج و لذلک الترکیب المقترح من الشهید الصدر نافع من هذه الجهة ایضا ای من اجل انه یُعرِّف الطالب بالمبادئ الرئیسة لعلم الأصول، مثل ما نری فی المراحل الجامعیة الثلاث التی نسمیها بمرحلة البکالوریوس والماجستیر ثم الدکتوراه؛ کلما تتقدم المراحل تصبح الدروس اکثر تخصصاً و یتعرف الطالب علی التفاصیل والفروع المختلفة.
• المواضیع الأصولیة وفق ترکیبه المقترح هی نفس البحوث السابقة أو حذفت منها القضایا غیر النافعة؟.
السيد الحكيم : الوتیرة فی الاصول هی أن کل أحد یقوم بالحذف و إضافة المواضیع علی أساس حاجاته و یدرج فی الاصول بعض المواضیع التی یظنها ذا أهمیة فی الاستنباط؛ أی کل شخص وفق حاجاته و اولویاته یضیف أو یحذف موضوعا . علی سبیل المثال لم یبحث الشهید الصدر الصحیح و الاعم و کذلک المشتق والحقیقة الشرعیه. او الشیخ الاعظم یهتم بما یقوله الاخباریون تفصیلا و لکن صاحب الکفایة یکتفی بوضوحه و یجتاز.
و یمکن لموضوع ان یکون غامضا فی السابق و بَیّناً للجیل الآتی و لم یؤخذ له مکانة فی الترکیب. و نتیجة لما سبق، بعض الافراد یرفض الافتراضیات المسبقة و یهتم بنفس المفروضات و الآخرون یبادرون بکلیهما و لکن الواجب تبیین الفرضیات المسبقة و إن کانت واضحة. و من الممکن توضیح الفرضیات السابقة بشکل موجز ثم القیام باثباته.
و السید الحکیم لم یقم بمناقشة الالفاظ بل المهم من وجهة نظره هو العنایة بالاصول العامة لان لها دور اساسی فی الاستنباط. وفی النسخة التعلیمیة من کتاب «الاصول العامة للفقه المقارن» طبعة دار الفقه للنشر الذی قد کتبت مقدمة علیها، قد ذکرت ثلاث نقاط کالحاجات الاساسیة للمجتهد:
1- تحدید مصادر الاستنباط.
2- تقریر قواعد الاستنباط من هذه المصادر.
3- تقریر اسلوب الاستنباط.
ونحن بحاجة الی هذه المجالات الثلاث فی علم الأصول بینما فی الاصول المتعارفة و الکتب الدراسیة الحالیة، مزجت هذه البحوث مزجا. تشخیص مصادر الاستنباط و نطاق کل المصدر و تشخیص القواعد المستخرجة من هذه المصادر و بالتزامن المحتاجة الیها لاجل الاستنباط ، له اهمیة کبیرة.
و ان کان دلیل المجتهد هو الکتاب و السنة فینبغی الحدیث عن ظهور الالفاظ المتواجدة فی الکتاب والسنة ایضا و ان کان دلیل المجتهد هو الاجماع او السیرة او دلیل العقل فینبغی الحدیث عن مقدار دلالته و کذلک یجب ان نجیب عن هذا السوال انّ فی کل موضوع من أیها یمکن ان نستفید؟. او فی باب تعارض الادلة ماذا علینا ان نفعل اذا کانت الادلة مثبتة أو سالبة؟ عند المواجهة بالعام و المطلق ما هو طریق الحل؟
و لکن هذه الادلة غیر کافیة احیانا للاستنباط و یحتاج الی الادلة و القواعد الحدیثة؛ و لاسیما عند المحاولة لاستنباط النظریة او النظام الفقهی. و بواسطة هذه الامور (المصادر و القواعد و الاسلوب)یمکن لنا دراسة الهیاکل. ما هوالمهم هو ترتیب المباحث و کیفیة القیام بها. یبدو انه لا یوجد کتاب یقدم اسلوبا شاملا و حاسما لنظام الاستنباط.
• ولِمَ لم تواصل الحوزات العلمیة طریقة هذین الجلیلین؟
السيد الحكيم : علی طیلة التاریخ و بعد تزاید الاقبال علی البحوث المقارنة لمدة من الزمن، شیئا فشیئا بدأت تتدنّی مستوی هذه البحوث فی الفقه و الاصول، و ذلک أنه خطر إلی الذهان أنه لا داعی أن نتطرق الی البحوث الاصولیة المقارنة بینما لا نعتقد بحجیة القیاس أو سنة الصحابة. فهذه الفکرة همّشت البحوث المقارنة و حولها إلی بحوث زائدة و غیرنافعة.
و حینما برزت حقیقة البحوث المقارنة و فاعلیتها انفسح المجال للتواصل و التعامل بین ألوان الثقافات من الامم و من الشیعة و السنة، و تهیأت الارضیة للمناظرة بین الادیان المختلفة و مست الحاجة إلی البحوث المقارنة بین الادیان و المذاهب، فتحولت أصول الفقه المقارن إلی حاجة ملحة فی الاوساط العلمیة.
افضلیة کتاب السید الحکیم علی اصول الفقه للمظفر وحتی علی مبادئ اصول الفقه للشیخ الفضلی، هی طابعه المقارن بالضبط. و بما أن هذا الکتاب قد قام بالمقارنة علی کل موضوع من الاصول فیُکسب الفقیه القدرة و البراعة اللازمة للبحوث المقارنة ، فیُعدّ عنده التمهیدات اللازمة والقدرات العلمیة المطلوبة. و هذه السمة من السمات الملحوظة لکتاب الحکیم لان الفقه المقارن یعتبر الیوم حاجة ماسة للحوزات العلمیة.
و مازال الکتاب ینفرد بهذه المیزة ولمّا یضاهه کتاب آخر فی الجدارة و الاتقان؛ و یعدّ من المصادر الرئیسة فی مجال الاصول المقارن و لم یحلّ کتاب محله بعد. و في الواقع کل الکتب التی ألفت بعد کتاب الحکیم مستمدة ومستلهمة منه و مازالت الحوزات العلمیة بحاجة إلی هذا الکتاب.
• الترکیب المقترح من جانبه هل یسهّل بناء النظم الفقهیة؟ و ان امکن فکیف؟
السيد الحكيم : و بالتاکید کل واحد من الکتب الدراسیة نافعة بنوع و کل منها خطت خطوة فی مسیرة تکامل علم الأصول . هذه الکتب تعدّ ذهن الطالب للخوض فی البحوث الهامة واللازمة عبر تنقیح المطالب وتبیینها والتخلی عن مناقشة المسائل غیر اللازمة یعنی تصوّب هذه الکتب فکرة الطالب إلی البحوث النافعة و تساعده للاستنباط و تمنع عن الارهاق الفکری عنده و تضیء له طریق الدراسة.
ولکن لنسأل أهذه الکتب کافیة ام لا؟ للاجابة عن هذا السوال لنرى اننا ماذا نرید ان نستنبط، و ان لم نقصد بناء النظام فهذه الکتب الاصولیة المتاحة تغنینا عن ای کتاب آخر. ولکن إذا اردنا بناء النظام الفقهي و کمال الفقه و تقدیم مجالات حدیثة من الفقه فنحتاج إلی أصول أخری تمکّننا من بناء النظام و الاستنباط فی منطقة الفراغ خاصة مثلما قام به الشهید الصدر فی اقتصادنا.
و بما أن هذه المواضیع جدیدة و غیر محتاجة إلیها فمن الطبیعی أن علم الأصول الحالی لم یقدم اسلوبا مناسبا لها و لم یعتن بها تماما و لکن المجتمع الحالی یتطلب ترکیبا جدیدا لعلم الاصول یقودنا الی بناء النظام و استنباط النظام الفقهی إلی أن نخطو خطوات کبیرة نحو المجتمع الاسلامی و تکامله.