دين الإسلام جاء لتنظيم الحياة وتقدمها، فكيف يجوز أن يغفل فقيه عن الاطلاع على الحوادث الطبيعية، وألا يؤمن بتقدم البشر في الحياة، ثم يكون قادرا على تطبيق قوانين هذا الدين الرفيعة التقدمية التي جاءت لتنظيم هذه الحوادث والمستجدات نفسها ولضمان توجيهها وهداية تحولاتها وتقدمها في أكمل صورة وأصحها؟
الاجتهاد: عمل الفقيه والمجتهد هو استنباط الأحكام الشرعية، إلا أن معرفته واحاطته وطراز نظرته الى العالم تؤثر تأثيرا كبيرا في فتاواه . على الفقيه أن يكون محيطأ احاطة كاملة بالموضوع المطلوب منه اصدار فتوى فيه. فإذا افترضنا ففيها دائم الانزواء في بيته أو مدرسته، ثم نقارنه بفقيه أخر يعایش حركة الحياة حوله، نجد أن كليهما يرجعان إلى الأدلة الشرعية الاستنباط الحكم، ولكن كل منهما يستنبط حكمه على أساس وجهة نظره الخاصة.
ولنضرب مثلا: لنفرض أن شخصا قد ترعرع في طهران، أو في مدينة كبيرة مثل طهران حيث تكثر المياه الجارية و( الكر) والأحواض ومخازن الماء والأنهر، ولنفرض أن هذا الشخص نفسه فقيه ويريد أن يصدر فتوى في احكام الطهارة والنجاسة
فهذا الشخص بالنظر الى المحيط الذي عاش فيه، يرجع الى الأحاديث والروايات، ويسعى إلى استنباط أحكامه مقرونة بالكثير من موارد الاحتياط ولزوم تجنب الكثير من الأمور، ولكن هذا الشخص نفسه إذا ما ذهب إلى حج بیت الله الحرام، ورای هناك حالة الطهارة والنجاسة وندرة الماء، فان نظرته إلى باب الطهارة والنجاسة تختلف، أي أنه بعد عودته من الحج ورجوعه مرة أخرى إلى الأحاديث والروايات فانه سوف يجد لها مفهوما اخر.
لو أن أحدا أجرى مقارنة بين فتاوى الفقهاء، وتعرف في الوقت نفسه على ظروف حياة كل فرد منهم وطريقة تفكيرهم في مسائل الحياة، لعرف كيف أن المنظورات الفكرية لكل فقيه ومعلوماته عن العالم الخارجي المحيط به تتأثر بها فتاواه، بحيث أن فتوى العربي تفوح منها رائحة العرب، ومن فتوى العجمي رائحة العجم، من فتوى القروي رائحة القرية، ومن فتوى المدنی رائحة المدينة.
إن هذا الدين خاتم الأديان، لا يختص بزمان معين ولا مكان معين، بل هو لكل المناطق والأزمان. انه دين جاء لتنظيم الحياة وتقدمها، فكيف يجوز أن يغفل فقيه عن الاطلاع على الحوادث الطبيعية، وألا يؤمن بتقدم البشر في الحياة، ثم يكون قادرا على تطبيق قوانين هذا الدين الرفيعة التقدمية التي جاءت لتنظيم هذه الحوادث والمستجدات نفسها ولضمان توجيهها وهداية تحولاتها وتقدمها في أكمل صورة وأصحها ؟
المصدر: كتاب: الاجتهاد في الإسلام للشيخ مرتضى المطهري