الدكتور ماهر أحمد السوسي

د. ماهر السوسي لـ”الاجتهاد” : بالوحدة تقوم الأمة، والتكفير يجب أن يُحارب

ما هو الاجتهاد؟ وما دور المجتهدين في الاسلام؟ , وكيف ينظر المجتهد لقضايا الأمة ولآفة التكفير التي تفتك بالأمة الاسلامية؟

 

خاص الاجتهاد/ ما هو الاجتهاد؟ وما دور المجتهدين في الاسلام؟ وكيف ينظر المجتهد لقضايا الأمة ولآفة التكفير التي تفتك بالأمة الاسلامية؟ كل هذه الأمور ناقشها موقع “الاجتهاد” مع فضيلة الدكتور ماهر أحمد السوسي عميد كلية الشريعة والقانون في الجامعة الاسلامية بغزة وأعد التقرير التالي …

ما هو الاجتهاد في الاسلام وكيف تنظرون له في الوقت الحاضر؟

يعتبر الدكتور السوسي أن الاجتهاد هو نظر المجتهد في الأدلة الشرعية, من أجل فهمها, واستنباط الأحكام الشرعية منها, للحوادث المستجدة.

ويضيف: أن الأمور والحوادث, التي لم يرد حكم خاص بها في كتاب الله تعالى عز وجل, أو سنة نبيه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، أو في الأدلة العملية الشرعية الأخرى, في حين أن القاعدة الفقهية تقول إنه لا اجتهاد مع النص, بمعنى أن الأحكام التي ورد بها نص في القرآن الكريم أو السنة النبوية المشرفة لا يمكن الاجتهاد فيها بأي زمن أو ظرف.

دور المجتهد يكمن في توحيد الأمة على رأي واحد

يرى عميد كلية الشريعة بالجامعة الاسلامية بغزة أنه وفي ظل الصراعات والتجاذبات الكبيرة داخل الأمة يكمن دور المجتهدين في هذه المرحلة  الخطيرة الراهنة من تاريخ الأمة في عدة محاور مهمة, تتعلق بحياة الناس العامة, وتصحيح انحراف بعض المسلمين, بالإضافة إلى إعادة اللحمة والوحدة بين أقطاب الأمة.

ويقول الدكتور السوسي في حديثه لـ ” الاجتهاد” إن للمجتهد دوراً رئيسياً, يتمثل في :

أ – البحث عن المستجدات التي لها علاقة بحل أزمات الناس ومشاكلهم، وتكييفها من الناحية الشرعية, ومن ثم الحكم عليها من خلال أدلة الشرع, وتبيان هذا الحكم للناس.

ب – النظر في فكر الأمة، ووضع اليد على المنحرف منه, ومحاولة تصحيحه بما يتفق مع العقيدة الصحيحة التي ثبتت بالأدلة التي أجمعت عليها الأمة نفسها.

ج – محاولة رأب الصدع بين الفرق الإسلامية المختلفة, وتوحيد رأي وكلمة الأمة, وجمع شتاتها على موقف واحد, وكذلك يجب عليه الابتعاد كل البعد عن الفرقة والتشرذم, وعدم بث سموم الطائفية المقيتة, والابتعاد عن كل ما يشجع أو يؤدي إلى ذلك.

هل هناك تراجع في قضية الاجتهاد في الآونة الأخيرة؟

يؤكد الدكتور ماهر السوسي, أن هناك تراجعاً ملحوظاً في قضية الاجتهاد في الاسلام.

ويضيف أن هذا التراجع بدأ بعد انهيار الدولة العباسية، وكان سببه آنذاك التناحر الذي كان بين المسلمين, وقد أدى هذا التناحر إلى إضعاف الدولة العباسية, وبالتالي أدى إلى ضعف المسلمين عامة وانتشار الجهل بينهم, والتفرغ لأمور الحياة الآخذة بالصعوبة, وعدم الالتفات إلى قضية الاجتهاد أو أي من القضايا المهمة الأخرى.

ويتابع الدكتور ماهر السوسي: إن في الآونة الأخيرة بدأ الاجتهاد يتعافى رويداً رويداً، صحيح أنه اليوم ليس كما كان في زمن السلف الصالح المجتهدين، لكنه اليوم – بحسب ما يرى الدكتور السوسي- يلبي حاجات الأمة،

ويدعو السوسي في حديثه ل”الاجتهاد” لوجوب تطوير الفكر الاجتهادي في عصرنا الحاضر, حتى يلبي الاحتياجات المتزايدة للأمة ويواكب التطور التكنولوجي والعلمي الذي لا يمكن الاستغناء عنه, بل يجب أن يتماشى الاجتهاد معه في كل الأمور, حتى يتضح حكم الشرع في هذا التطور وما ينتج عنه من آليات وأدوات وسلوكيات وغيرها.

التكفير آفة العصر ويجب محاربتها

أما عن داء التكفير والجهل التي تعاني منه الأمة, فقد استنكر الدكتور السوسي هذه الأفعال رافضاً رفضاً مطلقاً أنتشارها, داعياً للحد من آفة التكفير ومحاربتها وعلاج هذه الظهارة الخطيرة.

وأوضح عميد كلية الشريعة والقانون في الجامعة الاسلامية بغزة أنه لا يجوز للمسلم أن يكفر أخاه المسلم، مستنداً بذلك على قول النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: في الحديث الصحيح “من قال لأخيه المسلم يا كافر فقد باء بها أحدهما”.

ويرى الدكتور السوسي, أن علاج هذه الظاهرة يكون بالقضاء على أسبابها, والتي تتمثل في الجهل بأحكام الشرع وبحقيقة العقيدة الصحيحة للمسلمين, فعلى المجتمع المسلم أن يكون عارفاً بأحكام الشرع, وأن يكون متماشياً مع العقيدة الصحية للمسلمين, ومسلّماً لها تسليماً كاملاً, ومعتقد أن في ذلك الصواب كل الصواب.

ويضيف الدكتور السوسي أنه من أجل القضاء على هذه الظاهرة الخطيرة والآفة السامة إلا وهي التكفير, فإنه يجب أيضاً القضاء على أسباب معاناة المجتمعات المسلمة, و التي تتمثل في الفقر والبطالة والجهل, وانعدام الحريات العامة, والضغوطات الكبيرة التي تعاني منها الأمة الاسلامية ومجتمعاتها.

ويتابع السوسي في حديثه لـ الاجتهاد” بقوله: تحسين الأحوال الاقتصادية للمجتمعات المسلمة, يساعد بشكل كبير في القضاء على ظاهرة التكفير, حيث أن ضيق الأحوال الاقتصادية والمادية تجعل من المنطقة مستنقعاً من الجهل, الذي ينطلق منه الفكر التكفيري, والجماعات التكفيرية.

كما أن تحكيم شرع الله تعالى في البلدان الاسلامية من قبل الأنظمة الحاكمة, يخفف من مدى الاضطهاد والظلم والفساد في هذه البلدان, وبالتالي تسود ثقافة التسامح و تقبل الآخر والحب والود بين جميع الأطراف والأحزاب والجماعات, وذلك يؤدي في النهاية إلى تلاشي الفكر التكفيري.

ويختم الدكتور السوسي حديثه هنا في دعوته مجدداً لتوفير الأمن والاستقرار للمجتمعات المسلمة, للحد من العمليات التفجيرية وأحداث القتل وغيرها, وبالتالي تذهب ثقافة الكره والحقد والثأر التي تعد أحدى روافد الفكر التكفيري.

التقارب بين المذاهب الاسلامية

يشدد الدكتور ماهر السوسي على أن الأصل أن يكون المسلمون أمة واحدة, وذلك مصداقاً لقول الله تعالى “ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير” وقوله أيضاً “كنتم خير أمة أخرجت للناس”.

ويضيف أنه يمكن لكل المذاهب الإسلامية أن تتوحد – كما يرى الدكتور السوسي – عن طريق العمل بما يقتضيه عوامل الاتفاق بينها, فالمسلمون يجمعهم قبلة واحدة, وفرائض واحدة, وعقيدة واحدة, ولغة واحدة، فإن اجتمع المسلمون على نقاط الاتفاق بينهم, وجنّبوا خلافاتهم جانباً, يمكن أن يكون لهم كيان موحد, كما فعلت أوروبا اليوم عند إنشاء الاتحاد الأوروبي.

أما مواطن الخلاف فيعتقد الدكتور ماهر السوسي أن بالإمكان مناقشتها عن طريق علماء الأمة مجتمعين، حيث إنه من المفروض أن يكون هناك جسم ما يجمع بين كل علماء الأمة على اختلاف مذاهبهم وألوانهم وأعراقهم، ويجب أن تكون هناك استراتيجية موحدة، تعمل على جمع نقاط الخلاف، وترتيبها حسب الأولوية، ومناقشتها كل على حدى، بحيث يتم التقارب في خطوات

ويتابع الدكتور السوسي في حديثه لـ “الاجتهاد” قائلاً :” ليس من الصحيح أن تطرح مسائل الخلاف بين المسلمين دفعة واحدة, أو أن تناقش جملةً واحدة, لأن الخلاف لو طُرح بهذه الصورة يصعب حله، وتكثر التعقيدات في المسائل”.

وشدد السوسي في الوقت ذاته على ضرورة العمل من أجل إيجاد دراسة حثيثة, ومتابعة جيدة لهذه الاستراتيجية السابق ذكرها، واستمرار تقييمها بالشكل الذي يضمن إزالة كل العقبات والموانع والحواجز، وتحفيز الإيجابيات والطاقات التي يمكن استثمارها في هذه القضية.

وفي ختام حديثه, يحذر عميد كلية الشريعة بالجامعة الاسلامية من عدم تنفيذ كل ما سبق, قائلاً : “إن هذا كله لن يكون, إلا إذا وُجدت الإرادة بالتوحد، والإخلاص في ذلك، والثقة المتبادلة”، مضيفاً أن الاخلاص والارادة الحقيقية بالوحدة – مع الأسف الشديد – ليست موجودة اليوم، بسبب اختلاف الأهداف لكل طائفة من طوائف المسلمين، والغفلة عن الهدف الحقيقي وهو حقن دماء المسلمين التي تزهق في كل يوم على أيدي المسلمين أنفسهم.

إعداد وتحرير: أ. بهمن دهستاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky