لم يعترف الإسلام بأيٍّ من تلك المفاهيم التي حصرت حقّ الطلب في الرجل، بل أعطى المرأة والرجل حقاً متساوياً في طلب الزواج من الجنس الآخر، ولم ير بأساً في أن تقوم المرأة بطلب الرجل انطلاقاً من حاجتها إلى الزواج، وهذا ما حصل فعلاً في عهد الرسول، إذ أنّ بعض النساء عرضن أن يهبن أنفسهن للنبيّ، ليس بالمعنى القانوني للهبة، ولكن بمعنى تقديم أنفسهنّ للزواج منه، كما أنّ النبي لم يعترض على تلك المرأة التي جاءت إليه وهو بين صحابته، وقالت: “زوجني يا رسول الله”.
موقع الاجتهاد: تعود مسألة طلب يد المرأة من قِبَل الرجل – حسب النظرة السائدة – إلى الجانب التكويني في شخصية كلّ منهما، باعتبار أنّ دافع الرجال والنساء للزواج هو الجنس بوصفه حاجة مشتركة تليه الحاجات الأخرى أو تسير معه. وبما أنّ الجنس هو الأساس في إقامة العلاقة الزوجية، وبما أنّ الرجل أسرع استثارة من المرأة في هذا المجال، وبما أنّه بحسب تكوينه الجسدي العنصر الفاعل مقابل المرأة العنصر المنفعل داخل العلاقة، فإنّ الرجل يتسلم زمام المبادرة إلى طلب المرأة للزواج، بحيث تصبح المرأة مطلوبة لتلبية حاجة الرجل إليها لا طالبة، وهذا ما أدخل المهر شرطاً في صحة الزواج، على أساس أنّ مكاسب الزواج تعود إلى الرجل فقط، باعتبار أنّه الوحيد الذي يحتاجه.
استناداً إلى هذه الخلفية، يرى المجتمع في طلب الرجل ليد المرأة أمراً طبيعياً، بينما يرى في حدوث العكس أمراً غير طبيعي، تماماً كما هو وضع أيّة حالة فاعلة مع حالة منفعلة. ثمّ كرَّس الزمن هذا المفهوم، وحوَّله إلى عرف اجتماعي يرى في تعبير المرأة عن حاجتها إلى الجنس أمراً مرفوضاً ينافي الحياء الذي يجب أن تعيشه كأنثى، وفرض عليها، بالتالي، انتظار تقدم الرجل لطلبها.
هذا العرف الاجتماعي الذي كرّسه تعاقب السنين، إضافة إلى الأوضاع الخاصة التي عاشتها المرأة، جعل المرأة تنظر إلى نفسها، كسلعة معروضة للبيع يدفع الرجل ثمن شرائها، وهو ما تُبيّنه بعض التعابير الشعبية التي ترددها النساء في المجتمعات المتخلفة، منها قول المرأة عن مهرها إنّه “حقَّي وعتيقة رقبتي”، باعتبار أنّ المهر، في ظل تلك المفاهيم، هو المقابل المادي لحرية المرأة وثمناً لرقبتها أي ذاتها.
لم يعترف الإسلام بأيٍّ من تلك المفاهيم التي حصرت حقّ الطلب في الرجل، بل أعطى المرأة والرجل حقاً متساوياً في طلب الزواج من الجنس الآخر، ولم ير بأساً في أن تقوم المرأة بطلب الرجل انطلاقاً من حاجتها إلى الزواج، وهذا ما حصل فعلاً في عهد الرسول، إذ إنّ بعض النساء عرضن أن يهبن أنفسهن للنبيّ، ليس بالمعنى القانوني للهبة، ولكن بمعنى تقديم أنفسهنّ للزواج منه، كما أنّ النبي لم يعترض على تلك المرأة التي جاءت إليه وهو بين صحابته، وقالت: “زوجني يا رسول الله”، بل طلب من أصحابه أن يتزوجها أحدهم، كما لم يرَ أصحابه في هذا الموقف ما يخالف الحياء، وما إلى ذلك.
الأساس في العلاقة الزوجية
الإسلام يرى في الجنس حاجة للمرأة كما هو حاجة للرجل، وبالتالي، فإنّ كون الرجل العنصر الفاعل والمرأة العنصر المنفعل جنسياً، لا يعني أن يتسلم الرجل زمام المبادرة، لأنّه كما أنّ المرأة لا تستطيع إشباع حاجتها الجنسية بشكل كامل إلّا مع الرجل، كذلك فإنّ الرجل لا يستطيع إشباع حاجته الجنسية بشكل كامل إلّا مع المرأة.
هذا مع ملاحظة حيوية، وهي أنّ الجنس قد لا يكون هو الأساس في العلاقة الزوجية كدافع إنساني نحوها، بل يمثل حاجة طبيعية بالإضافة إلى الحاجات الروحية والاجتماعية والنفسية الأخرى، مما يجعل منها مسألة تتصل بالواقع النفسي والروحي والاجتماعي مع الجانب الجسدي، بما يستوي به الرجل والمرأة معاً.
ترى التقاليد الاجتماعية في المرأة التي تطلب من الرجل الزواج منها، ابتذالاً للذات لا ترضاه، وهي انطلاقاً من ذلك، ترفض قيام المرأة بذلك وتمانعه، والرجال يأبون ذلك أيضاً، لأنّهم يحملون غالباً انطباعات سلبية عن المرأة في حالة كهذه، فيتصورون أنّ من تعرض نفسها عليهم للزواج، قد تعرض نفسها على رجال آخرين لإقامة علاقة غير مشروعة؛ الأمر الذي يجعلهم يشعرون بعدم الاطمئنان والثقة بامرأة كهذه. ولكن الزواج، كما قلنا، حقّ للمرأة كما هو حقّ للرجل، وهو حاجة لها كما هو حاجة له، إن في جانبه الغريزي أو في جوانبه الأخرى، لذلك لابدّ من توعية ثقافية إسلامية للمجتمع لتصويب النظرة إلى المرأة، وهو أمر كفيل بجعل تقدم المرأة لطلب الرجل للزواج أمراً طبيعياً أو على الأقل غير مستهجن.
المصدر: كتاب دنيا المرأة لسماحة آية الله السيد محمد حسين فضل الله