المقاومة / إيمان شمس الدين

المقاومة واستراتيجيات الفعل والمعرفة / الباحثة إيمان شمس الدين

الاجتهاد: المقاومة لغة هي الممانعة وعدم الرضوخ للتغييرات التي تفرضها قوى خارجية، أو قوى داخلية، وهي إرادة فعل واختيار تسبقها معرفة وفهم للواقع ومتغيراته، ولتداعياته على الراهن والمستقبل.

المقاومة فعل تغييري مستديم على عدة مستويات:

1. مستوى الذات: وهنا تكون المقاومة فعل ذاتي فردي تزداد شدته وضعفه وفق قوة وضعف إرادة الإنسان، وهذه القوة والضعف تعتمد على قوة وضعف معارفه ووعيه، وبالتالي مسارات اختياره.

2. مستوى الأسرة: وهنا تتعلق المقاومة أيضا بوعي ومعارف الأسرة، ويكون للوالدين القيادة الفاعلة في تفعيل مقاومة باقي أفراد الأسرة، وتفعيل مساحات اختياراهم وترشيد إرادتهم وتوجيهها باتجاهات الوعي السليم.

3. مستوى المجتمع وهنا تلعب النخب الدور الفاعل في ترشيد الوعي والمعرفة، وبالتالي ترشيد مسارات الاختيار، وتفعيل قوى الإرادة الاجتماعية باتجاه المقاومة الإيجابية، والتي تواجه الفساد وتعمل على مواجهة قوى الفساد والتغيير السلبي، وتفعيل مسارات التغيير الإيجابي.

4. مستوى الدولة وتكون هنا مسؤولية الدولة في التأسيس للمؤسسات المعنية بالتعليم والتربية، والاعلام، والاقتصاد، والاجتماع، والدفاع الداخلي والخارجي، للمؤسسات الأهلية.

5. المستوى الاقليمي

6. مستوى العالم

والمقاومة لها أشكال ومصاديق متعددة وأهمها:

1. المقاومة الثقافية والتي تعني ببنية الهوية وأبعادها على مستوى الفرد والمجتمع وما يواجه هذه الهوية من تحديات داخلية وخارجية؛

2. المقاومة الاقتصادية، والتي تعني بالبناء الاقتصادي الذي يعتمد على عناصر مهمة أهمها الاقتدار، والاكتفاء، والاستقلال، وهذه المقاومة تتعلق بالتأسيس لنظام اقتصادي مقاوم وفاعل في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.

3. المقاومة العسكرية، والتي تعني بالأمن الداخلي والخارجي المتعلق بالجغرافيا وما تحويه من ثروات، سواء ثروة بشرية تكمن في العقول، أو مادية تكمن فيما تحويه الجغرافيا من خيرات.

4. مقاومة إعلامية وتهتم في صناعة الصورة، والرسالة الإعلامية التي ترفد العقل الإنساني بالمعرفة والقيم والأسس التي من خلالها تحافظ على هويته ومنظومته المعيارية والقيمية.

5. مقاومة مدنية تتمثل في المظاهرات السلمية التي تعبر عن رغبة الجمهور في التغيير الداخلي، أو في رفض ممارسات من السلطات القائمة.

حدود التداخل والاشتراك والانفصال:

قد تتداخل وتشترك أشكال ومصاديق المقاومة في مناطق مشتركة عملانية، ولكن غالبا مسارات المقاومة وأشكالها المتعددة تتفق في هدف واحد، لكن تختلف في المنهجيات، فلا يمكن على سبيل المثال استخدام منهج المقاومة العسكرية وتطبيقه من حيث المنهج لها المصاديق والأدوات على المقاومة الثقافية أو الاعلامية،

فعسكرة الثقافة من أخطر الممارسات على الفكر البشري، وما أعنيه أن كل فعل مقاوم في مجال محدد يتبع منهج خاص به ليؤدي الهدف العام، قد تتداخل المناهج أحيانا في مناطق اشتراك، ولكنها تختلف حتما في الأدوات.

فمثلا المقاومة العسكرية تحتاج لإعلام ثوري، شعاراتي يثير حماسة الناس والمشاركين المقاومين، لكن في المقاومة الثقافية لا نستطيع استخدام الاعلام الثوري والشعارات في مواجهة التحديات الفكرية والثقافية والمعرفية، بل نحن هنا نحتاج لتأسيس فكري مكين تجذيري، الى جانب الشعارات الخاصة بالموضوع الثقافي والفكري والمعرفي. وهكذا..

وللمقاومة بعدين:

1. المقاومة الإيجابية:

وهي التي تهدف لتحقيق العدالة في كافة المجالات الاقتصادية والثقافية والعسكرية والإعلامية، وتكون بنية المقاومة هنا قائمة على الفهم المنهجي، الذي يعتمد على عنصري الأصالة والخلود، فهو لا يفرط بالثوابت، ولكنه يحاكي في أدواته الزمان والمكان ويسعى دوما للمواكبة في منهجه وآليات مقاومته لتحقيق الهدف العام.

– على المستوي الثقافي: مقاومته ليست قائمة على الرفض العسكري للآراء، ولا تعني المقاومة هنا الانغلاق على الذات، ولا الركون للمألوف والمشهور دون أدنى محاولة لمواكبة التطورات الثقافية والمعرفية، التي لا تتعارض مع الهوية والثوابت.

وتعمل المقاومة هنا عم الطبيب من حيث الرصد الدقيق والتشخيص السليم للمعارف والآراء الثقافية، وتناقش الآراء والمعارف الواردة والجديدة مناقشة علمية هادفة بمنطق الدليل والبرهان لا منطق العادة والتقليد السلبي.

حتى لو كانت الآراء جديدة، فجديتها لا تعني عدم صحتها، لأن معيار الصحة والخطأ قائم على مدى حقانية الفكرة، ومدى قوة دليلها وبرهانها، ومصدرية هذه المعارف ومواءمتها مع مصادر المعرفة، أي حجية هذه المعارف.

– على المستوى الاقتصادي: المقاومة هنا تقوم على التأسيس لنظام اقتصادي، يستفيد من كل المقومات الداخلية البشرية والمادية، ويقيم نظام خاص يتناسب وموقعه الجغرافي، ومقدراته وثرواته، وعلى أساس التعاون والتنافس الإيجابي، وتحت شعار المنفعة للجميع.

– المُقاومة المدنية التي قد تتمثل في المظاهرات السلمية، أو العصيان المدني، وهي مظهر من مظاهر المُقاومة والرفض الشعبي، الذي كان له أثر كبير في نجاح الثورة الإيرانية، وقيام الجمهورية الإيرانية، وكذلك تاريخيا في سقوط الملكية الفرنسية، وقيام الثورة الفرنسية التي غيرت وجه أوروبا.

فالثورة الإيرانية مصداق للمقاومة الإيجابية التي قامت ضد حكم الشاه الجائر المستبد، وضد سلب الناس حقوقهم المدنية والسياسية، والعمل على إفقار الشعب، وبيع خيراته للمستعمر.

2. مقاومة سلبية:

وهنا أعني بها المُقاومة التي تكون باتجاه معاكس للحق، فهي أيضا تعتبر مقاومة من قبل الفرد رافضة للمسار الصحيح، وغالبا هذه المُقاومة تنطلق من العصبيات، كالتعصب المذهبي والطائفي والتعصب المعرفي والثقافي والعرقي. هذه العصبيات تكون منطلقا لعمليات مقاومة سلبية، تخلق هذه المقاومات حالة النزاع والخلاف،

فعلى المستوي الثقافي، تكون كثير من النخب منغلقة في صندوقها المعرفي، الذي إما توارثته أو اعتادت عليه، بالتالي أي ثقافة ومعرفة جديدة خارج إطارها الخاص، يتم مقاومتها ورفضها حتى قبل الاطلاع على مدى حجيتها ومواءمتها مع ثوابتي وهويتي، أو ما يمكن أن تنفع به أو تضر.

فيكون الرفض هنا قائم على التعصب على منهج الدليل والحجية. وكذلك استغلال المظاهرات المدنية والعصيان المدني، في رفض محاولات الاستقلال، وفي تمكين المشاريع الاستعمارية سواء الثقافية منها أو الاقتصادية.

الدولة المُقاومة :

تتأسس الدولة المُقاومة على مفهوم العدل، والرفض للخضوع والاذلال، الاستقلال، والاقتدار والاكتفاء الذاتي، التعاون والتنافس الإيجابي، ومفهوم الأمن المشترك وعدم الاعتداء.

فاليوم كون المنطقة مستهدفة بشكل مكثف، ومحاولات السيطرة والهيمنة لا يكل أصحابها ولا يملون، فنحن بحاجة لمعادلة: الدولة العادلة، والمجتمع المدني المقاوم، والجيش القوي المستقل، والمقاومة الشعبية.

ففي البعد السياسي: النظام العادل والدولة القوية؛
والبعد الاجتماعي: المجتمع المدني المقاوم والمُقاومة الشعبية
والبعد العسكري: الجيش القوي المستقل والمقاومة الشعبية.

التأسيس للمقاومة كفعل استراتيجي:

1. التأسيس خاضع لاعتبارات الجغرافيا لكل دولة،

فإما يكون هرمي يبدأ من الدولة ومؤسساتها التي تتبنى ثقافة المُقاومة ورفض الخضوع لإرادة الفساد الداخلي والهيمنة الخارجية، بحيث تعمل على تنزيل وتبيئ مفهوم المُقاومة في مؤسساتها نزولا الى المجتمع ومرافقها العامة باستغلال كل الآليات المتاحة، أو يبدا من المجتمع من خلال المُقاومة السلمية المتمثلة بالمظاهرات السلمية والعصيان المدني كمرحلة متقدمة في مواجهة قوى الفساد الداخلي، ورفض قوى الهيمنة الخارجية، بكافة أشكالها السياسية والاقتصادية والثقافية، فيكون مدني بمعنى أنه يقوم من رحم المجتمع كثقافة ومن ثم الحراك الاجتماعي الشعبي يفرض رؤيته المُقاومة لتصبح واقع يدفع رأس الهرم للتسليم لإرادة الشعب.

2. التشبيك العمودي والرأسي:

⁃ عموديا من خلال التشبيك بين الارادات الفاعلة في الساحات الثقافية كالنخب، والعسكرية كالمقاومين والسياسية بين الفاعلين سياسيا في مراكز القرار والاقتصادية لتشكيل حلف اقتصادي يفرض رؤيته الاقتصادية للخروج من هيمنة الدولار وهيمنة الامريكي على النظام العالمي الذي يستغله لإرضاخ الارادات الحرة.

⁃ الرأسي من خلال تشبيك العمل والتعاون ضمن القطر الجغرافي الواحد لكل دولة، بين جميع النخب الفاعلة في كافة المجالات لتشكيل جبهة داخلية متوازنة ومواكبة، هذه الجبهة تشكل حائط صد تمنع الثغرات التي من خلالها يمكن أن تحدث الاختراقات في كافة المجالات. وهو ما يتطلب عملية متابعة وتقييم ونقد دقيق للفعاليات المُقاومة بكافة اشكالها، وفي ذات الوقت مرونة تستوعب متغيرات الزمان والمكان، وتشخص في كل مجال مقاوم خطابه الخاص وآلياته المحددة.

3. تسييل المصادر وتبادل الخبرات ونقلها مع تطويرها وتبيئها.

من خلال فتح قنوات مأمونة لتسييل مصادر التمويل المعرفي والمصرفي والسياسي، وتبادل الخبرات بين المشبكين سواء رأسيا أو عموديا، كون هذه الخبرات خاضعة في جغرافيا لظروفها السياسية والثقافية، بالتالي مع اختلاف هذه الظروف تكون طرق المُقاومة مختلفة وفق هذه الاعتبارات، هذا فضلا عن إيجاد ممرات آمنة عسكريا للمقاومين.

 

المصدر: كتاب عقلنة الثورة وتأصيل النهضة.. محاولة لقراءة الواقعة من زوايا مطلبية معاصرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky