زواج المعاقين ذهنيا

زواج وإنجاب وطلاق المعاقين ذهنيا ؛ دراسة جامعية وفتوى الأزهر

الاجتهاد: أصدرت لجنة الفتوى بالأزهر فتوى برقم 391543 تتعلق بمدى جواز زواج المعاقين ذهنيا وإنجابهم وطلاقهم، وهى الفتوى التى جاءت للرد على سؤال موجه من الدكتور وليد نادى الباحث بكلية الدراسات العليا للتربية بجامعة القاهرة، فى إطار دراسته التى حملت عنوان “زواج المعاقين ذهنيا بين القبول والرفض”.

وجاء نص الفتوى التى صدرت فى نوفمبر عام 2015 ليؤكد ما يلى: “الزواج حق من حقوق المعاق ذهنيا ثابت له بمقتضى الجبلة والبشرية والطبع؛ لأنه إنسان مركب فيه الشهوة والعاطفة، ويحتاج إلى سكن ونفقة ورعاية، شأنه شأن بقية بنى جنسه، مع زيادته عليهم باحتياجه لرعاية زائدة فيما يرجع إلى حالته الخاصة، وكما أن ذلك الحق ثابت له طبعا فهو ثابت له شرعا؛ فإذا كانت الشريعة قد أجازت للمجنون جنونا مطبقا أن يتزوج فإن من كان فى مرتبة دون هذه المرتبة – كالمعاق إعاقة ذهنية يسيرة – يكون زواجه جائزا من باب أولى ولا حرج فى ذلك، ما دام المعاق محوطا بالعناية والرعاية اللازمتين.. والزواج من العقود متى توفرت فيه أركانه وشرائطه صح وترتبت عليه آثاره.900x450_uploads,2016,02,29,8d4adcc83a
وأضاف نص الفتوى: “من شروط صحة العقود أهلية المتعاقدين، فإذا اختلت هذه الأهلية بعارض الجنون أو العته لم يصح للمجنون – ونحوه – أن يباشر الزواج بنفسه، ولو فعله لم ينعقد العقد؛ وذلك لأن النكاح تصرف متوقف على القصد الصحيح، وهو لا يوجد إلا مع العقل.. وبسبب هذا الاختلال فى الأهلية فإن الشرع قد أثبت سلطة أمر المجنون للغير لأجل تحقيق الحفظ والصيانة له، وبموجب هذه السلطة يقوم الولى برعاية شئون المولى عليه المتعلقة بشخصه، ومن التصرفات التى يجوز للولى إيقاعها: تزويج المجنون الذى تحت ولايته؛ لمصلحة إعفائه أو إيوائه وحفظه وصيانته”.

وحددت الفتوى شروط الولى ومسئولياته قائلة: “غنى عن البيان أن المقصود من هيمنة الأولياء والأوصياء والكفلاء هو محض المصلحة للمولى عليه والموصى عليه والمكفول، لا أن يتحول الأمر إلى تجارة للرقيق الأبيض فى صورة استخدام هؤلاء المعاقين استخداما غير آدمى وغير أخلاقى، والأصل أن القيم والوالدين أو أحدهما تكون تصرفاته تجاه المعاق مقيدة بالمصلحة، دائرة معها؛

فإن كان فى مصلحته من الناحية النفسية أو الصحية أو حتى المادية الزواج فلا يجوز له الحيلولة بينه وبين ذلك، بل قد يمكن التأليف بين الحالات المتشابهة أو القريبة التشابه لإحداث الزواج بينها من خلال الجمعيات الموثوقة والروابط التى تنظم أمثال هؤلاء المعاقين ذهنيا، ويكون تأخير القائمين على هؤلاء فى جلب مصلحة لهم – حيث توفرت مقدمتها – فيه تقصير وإثم بقدر تحقق تخلفهم عن توصيل هذا الخير”.

أما عن جواز إنجاب المعاقين فأضاف نص الفتوى: “مرجع ذلك إلى الخبراء وأهل الاختصاص، وهم من يعرف من خلالهم درجة المصلحة والمفسدة فيما يترتب على الإنجاب أو عدمه أو تأخيره أو تحديده بحسب المصلحة لكل حالة على حدتها، وهؤلاء هم الذين يستطيعون الحكم على قدرة المعاق ذهنيا على رعاية الأولاد فى المراحل العمرية المختلفة من عدمها، وهل حدوث فرص توريث للمرض الذهنى والعقلى قائمة؟

وما نسب ذلك؟ وهل هذا الإنجاب يؤثر سلبا على حالة الأب أو الأم؟ وغيرها من النظرات الاحتصاصية التى يترجح معها الإنجاب من عدمه، ويكون ذلك تحت رعاية وعناية ولى المعاق، وقد يحتاج الأمر للقاضى عند اللزوم أو التنازع”.
وفيما يتعلق بطلاق المعاق ذهنياً فقد قصرته الفتوى على القضاء، حيث أوضحت: “الأصل فى الطلاق أنه حق يملكه الزوج وحده.. لكن هذا الأصل فيمن تصح عبارته، وناقص الأهلية ليس كذلك؛ فلا يصح طلاقه.. فالقاضى وحده هو من يملك إيقاع الطلاق فى مثل هذه الحالة إذا تحقق عنده ما يوجب الطلاق شرعا”.

   زواج المعاقين ذهنيا

دراسة جامعية

52% من المصريين يرفضون زواج المعاقين ذهنيا
المعاقون ذهنياً من الفئات المظلومة والمهملة فى المجتمع المصرى، حيث لا نقدم لهم الرعاية والاهتمام النفسى والمادى الذى يستحقونه، على الرغم من أنهم فى أمس الحاجة لذلك، وتعد قضية زواج المعاقين ذهنياً من أهم القضايا الجدلية فى جميع المجتمعات وخاصة فى مجتمعنا العربى.

وكشفت دراسة حديثة أجراها الدكتور وليد نادى الباحث بكلية الدراسات العليا للتربية جامعة القاهرة عن رفض أغلبية المصريين المشاركين فى الاستبيان الزواج من الأشخاص المعاقين ذهنياً، بنسبة بلغت 52%، وذلك بدافع أن المعاقين ذهنياً يعتبرون فاقدى الأهلية ونظراً لعدم انطباق شرط العقل عليهم كأحد أهم شروط الزواج وعجزهم عن تحمل مسئوليات الزواج وأعباءه وحقوقه ومتطلباته.

وتم تطبيق الدراسة على عينة مكونة من 200 فرد من الأطباء واستشاريى التربية الخاصة والطب النفسى والصحة النفسية وعلماء الاجتماع والخدمة الاجتماعية والفقهاء والقانونيون وأولياء الأمور، وتم اختيار هؤلاء الأشخاص من 8 محافظات، وهى: القاهرة – الجيزة – المنيا – كفر الشيخ – الغربية – أسوان – بنى سويف – بورسعيد.

ويرى الفريق الرافض لهذه الفكرة أن المعاقين ذهنياً لا يستطيعون إعالة أنفسهم فكيف يعيلون غيرهم، وكما أن بعضهم قد يعانى من ضعف فى القدرة الجنسية، وكيف لنا أن نكلفه بما لا طاقة له به وقد سقطت عنه العبادات، كذلك عدم وجود دخل أو عمل مناسب له وعدم قدرته فى الاعتماد على نفس كلياً وعدم تمتعه بالاستقلالية.

وكما يرى البعض أنه فى حالة الإنجاب، فهناك تخوف من عدم تمكن المعاقين ذهنياً من تربية ومتابعة أبنائهم مستقبلاً إذا أنجبوا، كما أن بعض الأسر لا يمكنها تحمل الأعباء النفسية والمادية لهذا الزواج واحتمال توارث الإعاقة للأبناء، وبالتالى لا يوجد تكافؤ وتكامل فى هذا الزواج والضرر المتوقع أكبر من المنفعة المحصلة منه ولذا قد يترتب على زواجهم مشكلات نفسية وأسرية واجتماعية قد تضر بهم.

الفريق المؤيد للزواج من المعاقين ذهنياً وبلغت نسبة مؤيدى الزواج من المعاقين ذهنياً نسبة 48%، ولكنهم اشترطوا ألا يتزوج المعاق بمعاقة أو العكس وأن تكون الإعاقة من الدرجة البسيطة وألا يحدث إنجاب من جراء هذا الزواج مع ضرورة إجراء الفحص الطبى الشامل قبل الزواج وأن يكون أيضاً السن مناسبا، بالإضافة إلى أن يكون أهل الزوجة /الزوج على دراية تامة بحالة المعاق / المعاقة.المعاق ذهنياً
وفيما يتعلق بسبب موافقتهم على هذا النوع من الزواج، أكدوا أن الزواج حق أصيل للمعاقين ذهنياً ونظراً لقدرة بعضهم على الزواج، بالإضافة إلى أن بعض حالات الإعاقة الذهنية ليست ناتجة عن عوامل وراثية وأن الشريعة الإسلامية أباحت ذلك وكذلك بسبب عدم وجود فروق كبيره بينهم وبين الأشخاص العاديين، بالإضافة إلى الاحتياج النفسى والصحى والجنسى للمعاق ذهنياً مؤكدين أن هذه التجربة قد تنجح فى حالة مساندة المجتمع لها.

ومن الأسباب الأخرى لتأييد هذا النوع من الزواج: أنه قد يصاحب دخول المعاقين ذهنياً مرحلة المراهقة وما بعدها حدوث العديد من المشكلات والضغوط لهم ولذويهم والقائمين على رعايتهم، والبعض يرى أن الزواج ربما يكون عاملا مساعدا فى التخلص من هذه الضغوط والمشكلات ويجعهلم يتمعتون بالصحة النفسية ويقيهم من الانحرافات الجنسية.

ولكن فى الوقت نفسه قد يرى البعض أن هذا الزواج لا جدوى منه نظراً لأن المعاقين ذهنياً لا يدركون معنى الزواج وأنهم غير قادرين على تحمل مسئولياته وأعبائه، وبين هذا وذاك تحاول الدراسة الوقوف على وجهتى النظر وما هى النسبة الأعلى بالنسبة للقبول أو الرفض، وما هى الحجج والأسانيد على ذلك.

ومن جانبه أشار الدكتور وليد نادى، موجهاً نصيحته للآباء والأمهات فى هذا الشأن: “زواج المعاقين ذهنيا حق شرعى وإنسانى أصيل لهم ولكن الزواج مسئولية كبيرة وليس مجرد إشباع للرغبات، لأن من أهم شروطه أن يكون الفرد كامل الأهلية قادراً على الإنفاق ومقدرا للواجبات الزوجية وهذه الأمور يفتقدها ذوى الإعاقة الذهنية وأحيانا يقع المعاق فريسة لعمليات النصب تحت غطاء الزواج خاصة إذا كان ثريا”.

وتابع د. وليد:” الزواج رباط عاطفى ومودة وسكن وتعاون وانسجام وجهد وعمل وغيرها من الروابط ولا يقتصر فقط على الإشباع الجنسى، أيضا كيف يستطيع الزوج مراعاة أبنائه فى التعليم والصحة إذا كان هو ذاته يحتاج لمن يراعاه، فما بالنا لو تزوج وتحمل المسئولية وعاش فى بيت منفصل ومطلوب منه الرعاية والإنفاق على بيته الجديد خاصة ونحن نرى الآن كم المشكلات التى يعانى منها الأزواج الأسوياء وتزايد حالات الطلاق فى المجتمع المصرى، فما بالكم بالمخاطرة بهذا فى حالات الإعاقة الذهنية الذى إذا فشلت قد تؤدى إلى إيذائهم نفسياً، نحن نريد أن نرى الأمور من منظور العقل وليس من منظور العاطفة”.

وأضاف الباحث بكلية الدراسات العليا للتربية جامعة القاهرة:” ولذا أهمس فى أذن كل أب وكل أم أو أى شخص يرعى معاقاً، خاصة إذا كانت الإعاقة ذهنية أو مرتبطة بذلك، اعملوا على رعاية أبنائكم أفضل رعاية احتضنوهم، ابحثوا لهم عن متنفسات نفسية واجتماعية ورياضية لاستثمار طاقاتهم الكامنة علموهم بما يناسب قدراتهم، اعملوا على تربيتهم تربية جنسية سوية وتربية دينية معتدلة منذ نعومة أظفارهم، وبذلك سوف تحققون لهم ولكم إن شاء الله أفضل ما تتمنون بدلاً من المغامرة فى شيء قد لا ينجح أو يفيد”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky