السيد-محسن-الحكيم

المرجع السيد الحكيم”ره” وموقفه من توثيق وتضعیف متأخري الرجال/ الشيخ علي الغزي

الاجتهاد: يُقسم أرباب الجرح والتعديل الى طبقتين أساسيتين في مناشئ معرفة أحوال الراوة. وهما: طبقة المتقدمين، وطبقة المتأخرين.

والأولى: كأبي غالب الزراري، والكشي، والبرقي، والصدوق، وابن الغضائري، والمفيد، والنجاشي، والشيخ – رحمهم الله – ولا شك في قبول قول هذه الطبقة في الجرح والتعديل. على اختلاف في كيفية تخريج حجية قولهم وقد تقدمت الإشارة إليه.

والثانية – طبقة المتأخرين – الذين اعتمدوا على كتب الطبقة السابقة في الجرح والتعديل، وربما اعتمد بعضهم على أمور أخرى حدسية، وهم:

١- الشيخ محمد بن علي بن شهر آشوب المتوفی ۵۵۸ هـ. وله (معالم العلماء) وهو فهرست کتب جعله تتمةً لفهرست الشيخ. مضافاً لما سُجل عنه من مواقف رجالية في كتابه (مناقب آل أبي طالب).

٢- الشيخ علي بن عبيد الله بن بابويه الرازي المعروف بـ( منتجب الدين) المتوفي بعد سنة 600 هـ. وله كتاب (الفهرست) وهو أيضاً جعله تتمة لفهرست الشيخ.

٣- السيد علي بن موسی بن جعفر المعروف بـ (ابن طاووس) المتوفی 664 هـ. وهو لم يؤلف كتاباً في الرجال، إلا أن له مواقف رجالية في ثنايا كتبه المتعددة كفلاح السائل.

4- الشيخ حسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي. المعروف ب(العلامة) المتوفی ۷۲6هـ وله كتاب (خلاصة الأقوال). مضافاً الى ما حفظ عنه من مواقف رجالية في مطاوي كتبه الفقهية.

5- الشيخ تقي الدين الحسن بن علي بن داود الحلي المعروف بـ(ابن داود) قيل توفي 740هـ وله كتاب الرجال المعروف ب(رجال ابن داود).

وقد اختلف علماء الرجال في حجية قول المتأخرين، وهل أنه على حد قول المتقدمين أم لا؟ فذهب جماعة الى حجيته بالنظر الى اشتراك مناط الحجية بين قول المتقدمين والمتأخرين. وهو أصالة الحس في الأخبار. بينما لم ير حجيته بعض آخر.

ومحط النظر في هذا الاختلاف في حجية قول المتأخرين، فيما يشهدون به حول قدماء الأصحاب والرواة دون معاصريهم، ومن قرب من عهدهم، إذ لا شك في حجية قولهم في مثله.

وقد ذهب السيد الخوئي “قدس سره” الى عدم حجية قول المتأخرين قائلاً: (ومما تثبت به الوثاقة أو الحسن: أن ينص على ذلك أحد الأعلام المتأخرين بشرط أن يكون من أخبر عن وثاقته معاصراً للمُخبر، أو قريب العصر منه.

كما يتفق ذلك في توثيقات الشيخ منتجب الدين، وابن شهرآشوب، وأما في غير ذلك، كما في توثيقات ابن طاووس، والعلامة، وابن داود، ومن تأخر عنهم کالمجلسي لمن كان بعيداً عن عصرهم، فلا عبرة بها.

فإنها مبنية على الحدس والاجتهاد جزماً. فإن السلسلة قد انقطعت بعد الشيخ. فأصبح عامة الناس إلا قليلاً منهم مقلدين يعملون بفتوى الشيخ، ويستدلون بها، كما يُستدل بالرواية على ما صرح به الحلي في السرائر وغيره في غيره)(1).

وقد يلاحظ من طريقة السيد الحكيم “قدس سره” أنه لم يستند في مورد الى قول المتأخرين في الجرح والتعديل، أو تمييز الاشتراك إلا منضماً إلى قول متقدمي الرجال، أو قرائن أخرى في التوصل الى معرفة حال الراوي.

ومن ذلك: ما تقدم من السيد الحكيم “قدس سره” في محمد بن علي بن قتيبة، ومحمد بن أحمد العلوي(2). وكذا ما قاله في عبد السلام بن صالح الهروي: (والثالث – الهروي- في الخلاصة أنه ثقة صحيح الحديث و نحوه عن النجاشي والحسن بن داود وغيرهم ممن تأخر)(۳).

ولكن الظاهر أنه لا يمكن تفسير ذلك منه “قدس سره” على أساس التفصيل بين قول متقدمي الرجال ومتأخريهم في الحجية.

فإن التفصيل المذكور إنما حدث بعده “قدس سره” حيث نشهده في كلمات السيد الخوئي “قدس سره” ولم يُعرف فيما قبله – حسبما أطلعنا عليه – ويؤيد ذلك أنه قد يضم قول المتأخرين إلى قول القدماء كالنجاشي، كقوله “قدس سره” في الحسين بن أبي العلاء: (وليس في الأول من يتوقف في روايته إلا الحسين لعدم توثيق الشيخ والنجاشي صريحاً إياه، ولكن حكى ابن داود عن شيخه بن طاووس في البشرى تزكيته. وهو ظاهر عبارة النجاشي حيث قال في ترجمته. (وأخواه علي وعبد الحمید روی الجميع عن أبي عبد الله وكان الحسين أوجههم…)

وقد نصوا على توثيق عبد الحميد أخيه، فدل الكلام المذكور على أنه أوثق منه. وحمل الأوجه على غير هذا المعنى خلاف الظاهر(4) فنراه جعل ما حكاه ابن داود عن ابن طاووس في عرض ظاهر عبارة النجاشي.

وكذا ما ذكره في كون سعيد بن عبد الله الأعرج هو سعيد بن عبد الرحمن الأعرج قائلاً: (كما ذكره النجاشي والعلامة وابن داود وغيره)(5).

نعم، في خصوص العلامة “قدس سره” قد عُرف في فترة متقدمة التوقف في أقواله نظراً لوقوع الخطأ والاشتباه في كلماته. قال صاحب استقصاء الاعتبار: (تصحيح العلامة محل نظر وتأمل في إفادته التوثيق المعتبر، لكثرة ما وقع له من الأوهام في توثيق الرجال، لا لأن تصحيح الأخبار اجتهادي لا يفيد غير المقلد له…)(6)

وقال الشهيد الثاني “قدس سره”: (وكثيراً ما يتفق لهم التعديل بما لا يصلح تعديلاً. كما يعرفه من يطالع كتبهم. سیما (خلاصة الأقوال) التي هي الخلاصة في علم الرجال)(7) وقال الوحيد “قدس سره” : (إن كثيراً ممن صحح العلامة حديثه لا يعد حديثه صحيحاً، وإن أكثر تصحيحه، بل ربما يصحح بوجه تصحيح على وجه يحصل القطع بأنه ليس مراده ماهو المصطلح عليه عندهم، ولذا ربما يصرح بفساد مذهبه مع حكمه بتصحيح حدیثه)(8).

هذا بل قد يؤشر من استخدامه “قدس سره” مفردة (المتأخرين) في حق من تأخر عن الطبقة الثانية من أعلام الجرح والتعديل. کالوحيد والمامقاني – رحمهما الله – مع ملاحظة ما مرّ من عرضه لكلمات أعلام الطبقة الثانية الى جنب أقوال أعلام الطبقة الأولى.

قد يؤشر ذلك إلى أن السيد الحكيم “قدس سره” لم يكن يقسم أصحاب الأصول الرجالية الى طبقتين. الأولى: كتب الشيخ والنجاشي وأضرابهما، والثانية: ككتب العلامة وأضرابه، بل يراهم في طبقة واحدة، وأن من جاء بعدهم هم (طبقة المتأخرين)(9).

 

الهوامش

(1) معجم رجال الحدیث: ۱/ المقدمة / نص أحد الأعلام المتأخرين / 42.

(۲) تقدم في ص 164.(يقصد كتاب رجال المستمسك)

(3) المستمسك: 345/۸

(4) المستمسك: ۱۳/۲

(5) المستمسك: ۳61/۱ .

(6) استقصاء الاعتبار: ۳۹/۳

(7) الرعاية: ۱۸۰/الباب الثاني / القسم الأول المسألة السادسة.

8- الرسائل الفقهية: 189 تحقيق مؤسسة العلامة المجدد الوحيد البهبهاني

9- لاحظ: المستمسك: 5 / 245، 9 / 95 ، 11  304.

 

المصدر : مجلة درسات علمية العدد الرابع – مقالة بعنوان رجال المستمسك للمحقق الشيخ علي الغزي.

 

تحميل العدد

 

 

الإمام السيد محسن الحكيم

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky