حرية-التعبير

تأملات حول مفهوم حرية التعبير في المنظور الاسلامي / محمد المحفوظ

الاجتهاد: لعلنا لا نعدو الصواب، حين القول أن مجالنا العربي والإسلامي في العقود الخمسة الماضية قد قلب المعادلة، إذ سعت نخبته السياسية الحاكمة، إلى تكميم الأفواه والاستبداد بالرأي، وإقصاء كل القوى والمكونات السياسية والثقافية تحت دعوى ومسوغ أن متطلبات المعركة مع العدو الصهيوني، تتطلب ذلك. وأصبح شعار «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» هو السائد. ولكن النتيجة النهائية التي وصلنا إليها جميعا حاكما ومحكوما، أن هذا الخيار السياسي لم يوصلنا إلا إلى المزيد من التدهور والإنحطاط.

مفتتح: ثمة علاقة دقيقة تربط بين قدرة الإنسان على التفكير واستقلاله فيه، وبين قيمة الحرية وممارسة مقتضياتها. فالإنسان الذي يمتلك إمكانية التفكير المستقل، هو ذلك الإنسان الذي يستطيع استعادة حريته وإنسانيته، ويستثمر طاقاته وإمكاناته في سبيل تكريس نهج الحرية في الواقع الإنساني.

فاستعادة الحرية بكل متطلباتها وآفاقها، تبدأ من الإنسان نفسه، فهو الذي يقرر قدرته على التحرر والانعتاق أو خضوعه وأستقلاله واستعباده لمراكز القوى والسلطات، وذلك لأن ”التفكير السليم، هو الشرط الأول للقوة في الحياة.

من هنا ركز القرآن الحكيم على أن الإيمان بالله يعطي صاحبه التحرر، والتحرر يعطيه القوة «التمسك بالعروة الوثقى» والعلم «يخرجه من الظلمات إلى النور». ولكن أي إيمان هذا الذي يعطينا القوة والعلم.

إنه الإيمان الواعي، لا الإيمان المكره عليه فهو الآخر نوع من الاستعباد والخضوع للطاغوت. أرأيت لو آمن شعب بالله لأن السلطة السياسية فيه أجبرته عليه، هل هذه حرية أم استعباد؟ بالطبع استعباد، لأن هذا الشعب سوف يكفر بالله لو أن السلطة السياسية أمرته بالكفر. من هنا تحدث القرآن في بداية الحديث عن الحرية الدينية وقال ﴿لا إكراه في الدين﴾“ [1] .

جذر الحرية:

فجذر الحرية، هو أن يتحرر الإنسان من كل الضغوطات والأهواء والشهوات، التي تدفعه إلى الخضوع والانسياق ورائها.. فحينما يغمر الإيمان بالله عز وجل قلب الإنسان، ويتواصل بحب واختيار مع القدرة المطلقة، تنمو لديه القدرة على الإنعتاق من كل الأشياء التي تناقض حرية الإنسان.

فطريق الحرية الإنسانية، يبدأ بالإيمان والعبودية المطلقة للباري عز وجل.. وذلك لأن ”كل الأشياء حاضرة عنده، لا يغيب شيء منها عن علمه لأن الأشياء مكشوفة لديه، فلا مجال لإختباء الإنسان عن الله في أي عمل يخفيه، أو سر يكتمه أو خطأ يستره، لأن الإخفاء والكتمان والستر معان تلتقي بالحواجز المادية التي تحول بين الشيء وبين ظهوره مما لا مجال لتصوره في ذات الله الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.

ولعل هذا الإحساس هو الذي يتعمق في وعي الإنسان من حركة إيمانه فيمنعه عن الجريمة الخفية، والمعصية المستورة، والنيات الشريرة التي تتحفز للإندفاع والظهور“ [2] .

من هنا وقفت النصوص القرآنية ضد الإكراه والسيطرة، ودعت النبي الأكرم ﷺ إلى التحرك في اجواء الإبلاغ والإقناع وحركة حرية الفكر والتعبير.. إذ قال تعالى ﴿وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر﴾.. [3] .

وقال عز من قائل ﴿فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر﴾.. [4] .

وقال تبارك وتعالى ﴿أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين﴾.. [5] .

ولقد حدد «جودت سعيد» [6] . مجموعة من الفوائد من آية ﴿لا إكراه في الدين﴾ منها:

1. إنها في ظاهرها حماية للإنسان الآخر من أن يقع عليه الإكراه من قبلك، ولكنها في باطنها حماية لك أيضا من أن يقع عليك الإكراه، فهي حماية للآخر وحماية للذات من أن يقع على كل منهما الإكراه.

2. يمكن فهم هذه الآية على أنها إخبار وليس إنشاءً أي يمكن أن تفهم على أنها نفي وليست نهيا، ويكون بذلك معناها إخبارا بأن الدين الذي يفرض بالإكراه لا يصير دينا للمكره فهو لم يقبله من قلبه، والدين في القلب وليس في اللسان فهي بهذا الشكل إخبار بأن الدين لا يتحقق بالإكراه ومن يكره إنما يقوم بعمل عابث لا أصل له.

هذا معنى الآية حين نفهمها على أنها إخبار وليس إنشاءا أو أمرا، كما يمكن أن نفهم الآية على أساس الإنشاء أي أن تُفهم على أنها نهي عن الإكراه، لأنه لا يليق بالعاقل أن يقوم بعمل عابث، ولأن فرض الإيمان والدين بالإكراه عبث فجدير أن ينهانا الله عنه، فيكون المعنى نهيا عن ممارسة الإكراه للآخر، ونهيا أيضا لنا عن أن نقبل الإكراه والخضوع له..

فرشد الإنسان فردا ومجتمعا، هو من جراء إلتزامه بحريته واحترامه التام لحريات الآخرين. فحينما تنتفي كل الضغوطات والإكراهات، يتحقق مفهوم الرشد في الواقع الخاص والعام. فالحرية بكل ما تحمل من معاني إنسانية نبيلة وقيم تعلي من شأن الإنسان وكرامته، وتحميه من كل نزعات الإستفراد والإقصاء والنبذ والإكراه، هي بوابة الرشد ووسيلته في آن.. وهي التي تخرج الإنسان من الغي، وتخلق حقائق الإستمساك بالعروة الوثقى.

فالمجتمع الذي يمارس حياته السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، بعيدا عن كل أشكال الإكراه والعنف، هو المجتمع الرشيد الذي يدافع عن حقوقه ومكاسبه بالحرية.. وبها «الحرية» أيضا يصون حرمات الآخرين ومكاسبهم.

والتاريخ يحدثنا أن كل من يمارس الإكراه والعنف للدفاع عن ذاته، لا ينجز مراده ولا يحقق هدفه، بل ترتد عليه هذه الممارسات أكثر سوءا ويدخل في أتون النزاعات والحروب والعنف والعنف المضاد.

فالاتحاد السوفيتي لم يستطع أن يحمي ذاته من التشرذم والإنقسام والتلاشي، مع العلم أنه يمتلك أعتى الأسلحة وأطورها. فهذه الأسلحة الفتاكة لم تمنع الشعوب المنضوية تحت لواء الإتحاد السوفيتي من النهوض ورفض كل أشكال القهر والإكراه..فالحضارات لا تبنى بالإكراه، كما أن الأفكار لا تنتقل بالقسر والقهر.. فما أكثر الامبراطوريات التي انهارت وتلاشت وأصبحت في ذمة التاريخ، بفعل اعتمادها واستنادها على القهر والإكراه..

وفي المقابل نجد أن هناك أمما ودولا صمدت في وجه كل عمليات القمع والقسر والإكراه، لأنها تدير شؤونها وتسير أمورها بحرية وديمقراطية، وبعيدا عن كل أشكال القهر والإكراه..

فالحياة دائما لكل أمة ومجتمع يدار بالحرية، وينبذ الإكراه بكل صنوفه وأشكاله ومستوياته. ويرتكب حماقة تاريخية كبرى كل من يسعى إلى إدخال غيره في دينه أو مذهبه أو حزبه بالإرغام والقهر والإكراه..

والحرية في المنظور الإسلامي، من القيم المتجذرة في جبلة الإنسان، إذ أنه «فطريا» يرفض التسلط والإستفراد بالرأي والإستبداد، ويحب الشورى والمشاركة، ويثنى على المبادرة والقدرة على الفعل والعمل ونبذ العجز بكل صنوفه وأشكاله..

لذلك فإن الحرية من القيم الأساسية في حركة الإنسان الفرد والجماعة، وبها يقاس تقدم الأمم وتطورها.. إذ لا يمكن أن يتحقق التقدم إلا بالتحرر من كل معوقاته وكوابحه، والحرية هي العنوان العريض للقدرة الإنسانية على إزالة المعوقات وإنجاز أسباب وعوامل النهوض والإنعتاق.

لذلك فإن المفردات الأساسية التي تنبع من قيمة الحرية، لا نتعامل معها وفق عقلية ظرفية، آنية، وإنما نتعامل معها باعتبارها جزءا من منظومتنا العقدية والفكرية، ولازمة من لوازم إيماننا العميق بأن مشروع الإسلام في الحياة شامل ومتكامل، ويوفر كل متطلبات النهوض والتقدم ومستلزماتهما.

في معنى حرية التعبير:

تنتمي مقولة حرية التعبير إلى الحريات المدنية، التي هي من الحقوق الأصيلة لدى الإنسان الفرد والجماعة.

ومجالات هذه الحرية عديدة، منها حرية المعتقد والبوح والتعبير عن الرأي والفكر وممارسة النقد وحرية الإعلام بكل أشكاله. لهذا نجد أن هناك العديد من الآيات القرآنية، التي توضح بشكل لا لبس فيه حرمة إكراه أي شخص على تبني دين من الأديان.

فالإسلام دين الحق وهذا لا ريب فيه، ولكن لا يجوز لأي أحد مهما علا شأنه، أن يكره أحدا على إعتناقه. يقول تبارك وتعالى ﴿ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين﴾ [7] . وقال تعالى ﴿قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون﴾ [8] .

وغيرها من الآيات القرآنية التي توضح أن مهمة الأنبياء والرسل هي الدعوة والتبليغ، وأن إكراه الناس والأقوام على الإيمان برسالات السماء، ليس من مهمات الأنبياء والرسل. وحينما تكون اختيارات الناس العقدية سيئة أو لا تنسجم ومقتضيات الدعوة الربانية كما تقررها الآيات القرآنية، فإن الجزاء موكول إلى الآخرة.

أي أن العقاب المترتب على بطلان اختيار الإنسان لدينه وعقيدته، هو من اختصاص الباري عز وجل في الآخرة. إذ يقول تبارك وتعالى ﴿وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا﴾ [9] .

وحرية التعبير مفردة من المفردات، التي تؤكدها قيمة الحرية في المنظور الإسلامي. لذلك فنحن ينبغي أن لا نتعامل مع هذه المفردة بطريقة إنشائية أو دعائية، وإنما نتعامل معها باعتبارنا مأمورون بتحقيقها وصيانتها وتجذيرها في واقعنا الخاص والعام. والحريات وفق هذا التصور، لا يمكن أن نجسدها ونتمثلها إلا وفق سياق حضاري وثقافي قوامه الإسلام وخصوصياته الثقافية والمعرفية والاجتماعية..

والباري عز وجل لا يعبد حق العبادة في بيئة استبدادية، إذ أن توفر الحريات، يساهم بشكل أساسي في إنجاز مفهوم العبادة للخالق على أكمل وجه.

إذ أن الكثير من المفردات التي يقوم بها الإنسان متقربا بها إلى الله عز وجل، تتطلب مساحة من حرية الاختيار والتفكير، حتى يتسنى للإنسان ممارسة وظيفته العبادية بصورة مخلصة وبعيدا عن الإكراهات بمختلف أنواعها وأشكالها.

لذلك نجد أن الأنبياء جميعا حاربوا الاستبداد، ووقفوا في وجه كل الديكتاتوريات، وعملوا من مواقع مختلفة لإرساء دعائم الحرية للإنسان.. و”لقد فك الأنبياء جميعا العلاقة بين الفكر والعنف، فحرروا معركة الأفكار من معركة الأجساد، والله تعالى حمى الأجساد من أن يعتدى عليها من أجل الأفكار، فلم يعط لأحد الحق على جسد الآخر مهما كانت فكرته“ [10] ..

وفي سبيل نيل الحقوق والحريات، لم يشرع الله سبحانه وتعالى للأنبياء ممارسة الإجبار والإكراه، وإنما حدد مهمتهم ووظيفتهم في الدعوة بالموعظة الحسنة والتبشير والنذير.

فالوظيفة الكبرى هي هداية البشر، بوسائل عقلية سلمية، بعيدة كل البعد عن كل أشكال الضغط والاستبداد والقوة..

فالحرية هي الهدف والغاية والوسيلة في آن. فعبر حرية الاختيار نعمق ونجذر تحرر الإنسان من كل السلط والديكتاتوريات..

ووفق هذا المنظور، يكون الجهاد بمعنى الدفاع عن كل الحقوق والحريات، وتوفير البيئة المناسبة لهداية الإنسان وسعيه الحثيث للقضاء على جذور الاستبداد والديكتاتورية. وعلاقة الباري عز وجل بالإنسان، هي علاقة الحرية والمحبة وليس الإكراه والعنف.

وعلى هدى هذا نقول: أنه لا يجوز التضحية بحريات الأفراد تحت مبرر معارك الخارج وتحدياته الحاسمة. إذ أنه لا يمكن أن نواجه تحديات الخارج بشكل فعال، إلا إذا وفرنا الحريات والحقوق لجميع المواطنين.

ولعلنا لا نعدو الصواب، حين القول أن مجالنا العربي والإسلامي في العقود الخمسة الماضية قد قلب المعادلة، إذ سعت نخبته السياسية الحاكمة، إلى تكميم الأفواه والاستبداد بالرأي، وإقصاء كل القوى والمكونات السياسية والثقافية تحت دعوى ومسوغ أن متطلبات المعركة مع العدو الصهيوني، تتطلب ذلك.

وأصبح شعار «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» هو السائد. ولكن النتيجة النهائية التي وصلنا إليها جميعا حاكما ومحكوما، أن هذا الخيار السياسي لم يوصلنا إلا إلى المزيد من التدهور والإنحطاط، وبفعل هذه العقلية أصبح العدو الصهيوني أكثر قوة ومنعة، ودخلنا جميعا في الزمن الإسرائيلي بكل تداعياته الدبلوماسية والسياسية والأمنية والثقافية والاقتصادية.

فتصحير الحياة السياسية والمدنية العربية والإسلامية، لم يزدنا إلا ضياعا وتشتتا وضعفا. ولقد دفع الجميع ثمن هذه الخطيئة التاريخية..

لذلك آن الأوان بالنسبة لنا جميعا أن نعيد صياغة المعادلة. فلا انتصار تاريخي على العدو الصهيوني، إلا بإرتقاء حقيقي ونوعي لحياتنا السياسية والمدنية. فإرساء دعائم الديمقراطية وصيانة حقوق الإنسان، وفسح المجال القانوني للتشكيلات السياسية والثقافية والنقابية والمهنية، وتنظيم علاقة الحاكم والمحكومين وفق أسس دستورية وقانونية جديدة، تلحظ متطلبات الطرفين.

كل هذه الممارسات والمتطلبات من صميم معركتنا التاريخية والحضارية، وانتصارنا على العدو الخارجي، مرهون إلى قدرتنا على إنجاز هذه المتطلبات في الداخل العربي والإسلامي.. فالديكتاتوريات لا تصنع منجزات تاريخية، وإن صنعت سرعان ما يتلاشى تأثيرها من جراء الظلم والاستبداد وتكميم الأفواه وإمتهان كرامة الإنسان. ان الحرية بكل مدلولاتها السياسية والثقافية والمجتمعية، هي الشرط التاريخي الذي ينبغي أن نوفره في مجالنا الاجتماعي، حتى تتهيأ كل الظروف المفضية إلى تحقيق الإنجاز التاريخي والحضاري، وهذا لا يعني أن الديمقراطية حلا سحريا وفوريا، وإنما يعني إننا خطونا الخطوة الصحيحة الأولى في مشوار البناء والتقدم.

والسؤال هو: ما هي معايير وضوابط حرية التعبير في الفكر الإسلامي المعاصر؟

1» حقوق الإنسان المادية والمعنوية، حيث أن للإنسان الحق في التعبير عن آراءه وأفكاره وقناعاته في الفضاء والمجال الذي لا يؤدي إلى إنتهاك حقوق الإنسان المادية والمعنوية. فحرية التعبير، لا تعني السماح بالتعدي على حقوق الآخرين وممتلكاتهم المادية والرمزية. فالمعيار الأساسي والناظم لعملية حرية التعبير، إنها منضبطة بضوابط حقوق الإنسان.

ومن المطلوب دائما أن لا ننظر إلى قيمة حرية التعبير السياسية والإعلامية، بعيدا عن الضوابط الأخلاقية التي من الضروري أن تراعى من جميع الأطراف والقوى.

فحرية التعبير لا تتماهى مع حالات التطاول على المقدسات وتجاوز البديهيات والضرورات الأخلاقية. لذلك فإن حرية التعبير تمارس وفق منظور متكامل يجمع هذه الضرورة وضرورات أخرى لا بد أن تراعى وتحترم. لذلك من الأهمية أن لا نأخذ هذه القيمة بشكل مجرد، وإنما نعتبرها جزء من منظومة مفاهيمية متكاملة. فحرية التعبير جزء من نسق عام، تتكامل فيه المفردات والعناصر، بحيث يتشكل نسقا ديمقراطيا متكاملا.

ف ”نحن نعلم أنه بغير حرية الفكر والرأي وسيادة النظام الديمقراطي، تعجز الثقافة أية ثقافة عن تحقيق تراكمها الطبيعي وإرتياد آفاق الإبداع. الديمقراطية صنو الثقافة وبيئتها الطبيعية. وليس معنى ذلك أن الثقافة تملك الحق في أن تقول ما تشاء ولو على حساب مقدسات المجتمع والدولة، بل هي تملك الحق في أن لا تكون هذه المقدسات سببا وظيفيا لدى البعض في وضع الكوابح أمام حرية الانتاج الثقافي“.. [11] .

فالحرية تتحرك وتعمل وتمارس في فضاء ونطاق الحق ولا تتعداه. وهذا هو الذي يفسر لنا قيام أحدى عشر ولاية أمريكية بتشريع قانون «أكسون» القاضي بتقييد استعمال الإنترنت وحصره لتأمين الحشمة. كما قامت جامعتا «كارنيغي ميلون» و«إكسفرود» بوضع ضوابط لإستخدام الإنترنت، كما قامت شركة الهاتف الألمانية بقطع الخطوط الهاتفية الخاصة بمقدم خدمة أمريكي لحملة مواد دعائية للنازية. ودعا البرلمان الأوروبي إلى تحرك عالمي لضبط تبادل المواد الإباحية والعنصرية على الإنترنت.

فالحريات مصانة، وحقوق الإنسان مصانة، وحين التزاحم والتعارض والتناقض، تقيد الحريات بحيث تمارس دون الإضرار بحقوق الآخرين المادية والمعنوية والرمزية. فالنص القرآني أمرنا جميعا، بإحترام الآخرين والمغايرين، بل أمرنا البر والقسط بهم. إذ قال تعالى ﴿لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين﴾ [12] .

”وقد عنى البر والقسط الضمانات القانونية لحرياتهم الدينية والاجتماعية، وحقهم في التقاضي إلى أبناء ملتهم. فبقية الأديان القديمة كلها في الأقاليم التي أفتتحها المسلمون. وهكذا ظهرت منظومة المصالح الضرورية الخمس لدى الفقهاء المسلمين منذ القرن الثاني عشر الميلادي وربما قبل ذلك، وهي حق النفس، وحق الدين، وحق العقل، وحق النسل، وحق الملك.

وقد قال الشاطبي «وهو فقيه مالكي من القرن الخامس عشر الميلادي» إن هذه المبادئ أو الحقوق أو الإلتزامات ربما لم تكن خاصة بالشريعة الإسلامية، فقد قيل أن مراعاة في كل ملة..“ [13] .

2» إحترام قيم الأمة العليا: فالحرية لا تعني التفلت من الضوابط والأخلاق، وإنما تمارس الحرية بكل مستوياتها في نطاق هذه الضوابط والأخلاق والقيم. ولعل من أهم الضوابط التي تمارسها جميع الأمم والشعوب، هو أحترام مقدساتها الكبرى وصون قيم الأمة العليا. وذلك لأن هذه القيم، هي التي تثري مضمون حريتنا وتنظم العلاقة بين مجموع القيم والمبادئ بما يصطلح عليه «التفاضل بين القيم».

فآراء الإنسان مصونة، بمعنى أن الإنسان لا يقتل بسبب آراءه ومعتقداته.. والآراء والأفكار والقناعات، لا تواجه بالقوة المادية أو إستعداء السلطات، وإنما بالرد الفكري والحوار المتواصل وبيان أوجه الخطل والضعف في الآراء المتداولة. ”ولا تتقدم المعرفة الإنسانية إلا بالتناضل بين أصحاب الآراء المتخالفة. أما إذا كان الناس جميعا على رأي واحد فإن أحدا لن يعرف الحق من الباطل، والهدى من الضلال، والاستقامة من الإنحراف الفكري“ [14] .

فالحرية حق طبيعي من حقوق الإنسان، ولا يمكن لأي جهة في المنظور الإسلامي أن تحجر على حرية الإنسان أو تحول دون ممارسة الإنسان لحرياته. فهي من الحقوق الأصيلة المرتبطة بإنسانية الإنسان. بمعنى أن قوام إنسانية الإنسان هي الحرية، وإي إنتهاك لهذه الحرية، بقدر هذا الإنتهاك، تنتهك إنسانية الإنسان. لذلك فالسبيل الذي أرساه الدين الإسلامي، لصيانة إنسانية الإنسان، هو الحرية وعدم منعه من ممارسة حقوقه في التفكير والتعبير والبحوح بآراءه والدفاع عن قناعاته وأفكاره.

ولا بد أن ندرك أن إنكار هذه الحقوق ومنع الإنسان عن ممارستها، ليس صيانة للعقيدة والإسلام، بل هو تشويه للدين وإظهاره مظهر المنكر لحقوق الإنسان.

فصيانة العقيدة والدفاع عن قيم الدين، سبيلهما هو إرساء دعائم الحرية، وفسح المجال للناس لكي يمارسوا حريتهم ويصونوا كرامتهم.. ويقول المرحوم الشيخ «مرتضى مطهري» أن ”كل مدرسة تؤمن وتعتقد بأيدلوجيتها لابد لها من حماية حرية الفكر والعقيدة، وكل مدرسة لا تؤمن بهذا تمنع حرية الرأي. وأن مثل هذه المدارس تريد أن تحصر الناس في إطار خاص وتمنعهم من بلوغ رشدهم الفكري“. [15] .

وعلى المستوى الفقهي يكفل الإسلام حق التعبير المؤسسي والتنظيمي، وذلك لأن الفقه الإسلامي يشتمل على إجتهادات وتعبيرات فقهية متعددة ومتنوعة، كما ”أن الدولة في الإسلام، وحسب رأيي وعلى خلاف كل ما مورس تاريخيا، بدءا من العصر الأموي، ليس دولة شمولية. الإسلام يعطي للدولة أصغر مساحة من السلطة على المواطن وعلى الإنسان وعلى الجماعة.

الأمر الذي جعل من الإنجاز الحضاري في التاريخ الإسلامي وكما سبقت الإشارة إنجازا مرتبطا بالأمة وبالمجتمع وبمبادرات الناس. إن المساحة الضئيلة التي تغطيها الدولة هي مساحة النظام العام للمجتمع والتي يلخصها تعبير: حراسة العقيدة والشريعة. والحراسة لا تحمل معنى التدخل في حياة الناس وعقائدهم.

إننا لا نتصور دولة إسلامية تنقب عن عقائد الناس أو تتحول إلى محاكم تفتيش كالذي حدث مثلا في محنة خلق القرآن، حيث تشكل في مجلس الحاكم ما يشبه المحكمة التي تستدعي أهل الرأي والفكر فيسئلوا عن أفكارهم، أو كالذي حدث لبعض حالات الصوفية. هذا أمر غير مشروع. تعامل الناس على ظاهر الإسلام مالم يظهر منها ما يناقض هذا الظاهر“.. [16] .

فالإنسان لا يقتل من أجل أفكاره، إذ أن له الحق التام في الاقتناع بأي فكرة أو مبدأ. ولكن الذي يعارضه الإسلام، هو تجاوز النظام العام ومحاربة النظام الشرعي. والذين قتلوا في الكثير من حقب التاريخ، لم يكن بسبب آرائهم وأفكارهم، وإنما بسبب عوامل سياسية أخرى، مرتبطة بالنظام العام، وطبيعة السلطة وبنيتها.

لذلك نجد أن الإمام علي بن أبي طالب لم يحارب ويرفع السلاح في وجه الخوارج ويقتلهم ويقاتلهم إلا حينما تجاوزوا حرية الكلمة والتعبير، وسعوا إلى فرض كلماتهم وقناعاتهم وتصوراتهم بالقوة والقهر والعنف. فلقد كفر الخوارج الإمام علي ولكنه لم يحاربهم لذلك. ولكن حينما استباحوا دم المسلمين، وتعرض النظام العام للخطر وقف في وجههم.

وقد وضح الإمام موقفه من الخوارج في هذه الرواية.. ”فقد روي أن أصحابه سئلوه عن الخوارج: أمشركون هم يا أمير المؤمنين.. قال من الشرك فروا.. قالوا أمنافقون؟ قال إن المنافقي لا يذكرون الله إلا قليلا! قالوا فمن هم يا أمير المؤمنين؟ قال أخواننا بغوا علينا فقاتلناهم على بغيهم. فأذكروا عني إذا لقيتموهم من بعدي أنهم طلبوا الحق فأخطأوه، أما القاسطون فقدطلبوا الباطل فأصابوه“.. [17] .

ومع كل ما بدر من الخوارج من تصرفات وخروج عن الإجماع الوطني والديني وإعلانهم الحرب الضروس ضد الشرعية السياسية والدينية، إلا أن الإمام علي لم يكفرهم ويخرجهم من ملة الإسلام. فحينما سأله السائل قال: من الكفر فروا. ولم يعتبرهم منافقين ويشن عليهم حرب الشائعات والأوراق الصفراء، وذلك لأن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا وأولئك يذكرون الله كثيرا.

أقصى ما قاله الإمام علي بحقهم أنه «ليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فأصابه».. فالإكراه مهما كان شكله ومسوغاته، ليس طريق الإيمان. لذلك قرر الفقهاء أن ”الكافر إذا أكره على الإسلام فالظاهر أنه لم يحكم بإسلامه سواء كان من أهل الكتاب أو لا؟ إذ لا دليل على قبول مثل هذا الإسلام. فكما لا أثر لكفر المكره عليه كذلك لا أثر للإسلام المكره عليه“ [18] .

أما بالنسبة إلى مسألة الردة وحرية المعتقد، فأرى أنه من أفضل الآراء المعاصرة وأصوبها، التي ناقشت هذه المسألة من منظور فقهي هو رأي المرحوم الشيخ محمد مهدي شمس الدين [19] . الذي بلوره على الشكل التالي: ” يجب التمييز بين مستويين من تغيير الرأي والمعتقد: مستوى تبديل الرأي والرجوع عن الإسلام كرأي شخصي للإنسان، بينه وبين نفسه، هذا الموقف لا يؤاخذ عليه طالما أن الأمر لا يصل إلى موقف الدعوة والتحريض على الإسلام..

مستوى الردة حينما يتحول المرتد من مجرد صاحب رأي إلى داع ومحرض. وفي هذه الحالة يكون هذا الإنسان قد خرج من دائرة حرية الرأي وحرية المعتقد إلى مساحة أخرى وهي دعوة الآخرين إلى الإرتداد، وهذا يدخل في التقييم الفقهي في باب الحرابة الفكرية، إذا صح التعبير أو في باب التخريب الفكري والعدوان الفكري.

هناك آراء تحكم على المرتد بالموت أو بالحبس أو بالعزل بمجرد أن يعرف عنه ذلك. ولكنه رأي لا نوافق عليه. نرى الرأي الآخر وهو أن الردة إنما تكون موضوعا للمؤاخذة حينما يعبر عنها المرتد بنحو دعائي وتحريضي للآخرين أن يرتدوا مثله.

بهذا يكون المرتد هنا محارب لعقيدة المجتمع قبل أن يكون محاربا لعقيدة الدولة. هذا الموقف موضوع للمؤاخذه ولا يسمح بالتنوع أن يصل إلى هذه الدرجة. لا يمكن أن يسمح بموقف يدعوا إلى تفكيك أو إلغاء الأساس الوجودي للمجتمع وللأمة بحيث لا يعود المسلم مسلما ولا المجتمع الإسلامي مجتمعا إسلاميا.

لا يمكن لعقيدة أن تشرع إلغاء نفسها. يمكن أن تشرع قبول غيرها والتعايش مع غيرها. يمكن أن تشرع حرية الإعتقاد بها، ويمكن أن تحتمل في مجتمعها الخاص الأغيار الذين لا يعتقدون بها، ويمكن أن تؤمن لهم الوضع الحقوقي المناسب لحقوقهم الإنسانية وكرامتهم الإنسانية والتعبير عن ذاتيتهم الخاصة في العبادة والثقافة والتشكيل الاجتماعي. أما أن يصل الأمر إلى تشريع إلغاء الذات، فهذا أمر لا يمكن للإسلام أن يقدم عليه.

وهذا يصح على أية فلسفة أخرى في أي مجتمع آخر. لا يعقل أن تشرع إلغاء نفسها لأنها بمجرد أن تفعل ذلك تكون قد عبّرت عن عدم صدقيتها وعدم حقانيتها. حتى لو أخذنا مثلا المجتمعات الديمقراطية الغربية، هل تسمح فلسفتها التي تصدر عن اللبرالية والمذهب الرأسمالي في الاقتصاد لقوى وإتجاهات من شأنها أن تغير جوهر هذه الفلسفة؟

أن السماح بوجود أحزاب شيوعية مثلا في بلدان رأسمالية لا يعدو شكلا من أشكال ألوان الديمقراطية. وهو وجود شكلي يمارس حرية مضبوطة النتائج ولا تهدد أسس النظام وفلسفته.

3» الإلتزام بالإطار القانوني الذي يؤطر حركة المجتمع بكل شرائحه ومستوياته ومجالاته. فحق التعبير لا يتجاوز الإطار القانوني الذي رسمه المجتمع لنفسه، وهو الذي ينظم حركة المجتمع في الاتجاهات كافة.

ف ”الحرية في التصور الإسلامي أمانة، أي مسؤولية ووعي بالحق، والالتزام به، وفنائه فيه. نعم إن الحرية بالمعنى التكويني هي إباحة وإختيار أو هي فطرة، فقد أختصنا الله بخلقه تحمل القدرة على فعل الخير والشر. وكانت تلك مسؤولية، أما بالمعنى الأخلاقي أو التشريعي فهي تكيف حسب عبارة الأصوليين. الحرية: أن نمارس مسئوليتنا ممارسة إيجابية، أن نفعل الواجب طوعا. بإتيان الأمر واجتناب النهي، فنستحق درجة الخلفاء وأولياء الله الصالحين“ [20] .

فمن خلال هذا المنظور للحرية بكونها مسئولية وأمانة، نحن نتعامل مع حق التعبير، فهو كذلك مسئولية وأمانة، ينبغي لنا أن نستخدمها أفضل إستخدام.

فحق التعبير ليس غاية نهائية، وإنما هو وسيلة لإنجاز شهود الإنسان في هذه الأرض وخلافته وتحمله للأمانة والمسئولية التي حملها الله سبحانه وتعالى للإنسان. إذ قال تعالى ﴿إنا عرضا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا﴾ [21] .

لهذا من الضروري أن يتم التعامل مع هذا الحق العظيم بدافع من الحب والإخلاص، حتى يتسنى لنا جميعا تحقيق المراد الأسمى لهذا الحق وللمنظومة المفاهيمية الإسلامية.

فالحرية هي بوابة أن يكون الإنسان الفرد والجماعة، سيد نفسه ومصيره، وهي التي تدفعه إلى إجتراح وسائل التطور وأساليب التقدم، وهي معيار التقدم للأفراد والجماعات. والحضارات لا تبنى بدونها، والعمران لا يشيد إذا غابت، فهي بوابة الحياة الكريمة والسعيدة والمتطورة.

ولا يمكن أن تتوطد أركان الديمقراطية على الصعيد المجتمعي، إذا لم يتم التشريع والحماية لحرية التعبير وحق المواطن «بصرف النظر عن منبته وموقعه الاجتماعي والسياسي والفكري» في التعبير عن آراءه ومواقفه وتصوراته للراهن والغد.

نتائج أخيرة:
1 – الحرية في الرؤية الإسلامية، ليست بعيدة عن مرجعية التوحيد، وإنما هي منبثقة من هذه المرجعية، وهي التي تعطي للحرية معنى وهدفا وتشريعا. والشرك العقدي يعيق من انطلاقة فكرة الحرية ويضيف لها أبعادا ومضامين مناقضة للمفهوم الجوهري للحرية. فالحرية ليست تفلتا من القيم، وإنما هي انسجام تام مع النواميس والقوانين الاجتماعية والكونية.

2 – الحرية في بعدها النظري وبعدها التطبيقي، ليست مشروعا ناجزا، وإنما هي من المشروعات المفتوحة على كل المبادرات والابداعات الإنسانية.

من هنا فإنه لا حرية بدون أحرار، ولا ديمقراطية بدون ديموقراطيين. وإن كل حرية بلا أحرار، هي حرية شكلية، وأن كل ديمقراطية بدون ديمقراطيين، هي شكلية أيضا. وإن حجر الزاوية في مشروع الحرية، هو وجود الإنسان الحر الذي يترجم قيم الحرية، ويدافع عن مقتضياتها ومتطلباتها.

3 – إن الحرية كممارسة مجتمعية تتسع وتضيق من خلال علاقتها بقيمة العدالة. فلا عدالة حقيقية بدون حرية إنسانية، كما أنه لا حرية بدون عدالة في كل المستويات. فالحرية هي عامل محرك باتجاه إنجاز مفهوم العدالة في الواقع الخارجي. كما أن العدالة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، هي التي تكرس مفهوم الحرية في الواقع الاجتماعي.

فالإنسان الذي لا يتمتع بالحرية، لا يستطيع إنجاز عدالته. كما أن الإنسان الذي يعيش واقعا اجتماعيا بعيدا عن العدالة وتسوده حالة الظلم، فإنه لن يستطيع أن يدافع عن حريته ويجذرها في واقعه العام.

فالحرية التي تؤدي إلى الظلم أو تفضي إليه ليست مطلوبة. فالمطلوب دائما هو خلق منظومة متكاملة من القيم كالحرية والمساواة والعدالة. والتضحية بإحداهما من أجل الأخرى، يؤدي إلى بروز مشاكل اجتماعية أو سياسية أو هما معا. فكيف نؤسس لحرية لا تتعدى على حقوق وحريات الآخرين المادية والمعنوية. وكيف تقبض على العدالة بدون التضحية بقيمة الحرية. فالحرية هي جزى من أجزاء العدالة، ومن يطلبها يطلب جزءا من العدالة.

هذه الأسئلة وغيرها لا يمكن الإجابة عليها الا بتطوير «مجال التفاضل بين القيم». وهو من المجالات التي تحتاج الى الكثير من اعمال العقل والاجتهاد لبناء منظومة قيمية متكاملة. بحيث لايحدث تعارض بين هذه القيم على المستوى الخارجي.

كما أنه لا حرية في أي فضاء اجتماعي، بدون احترام وصيانة حقوق الإنسان، فهي بوابة القبض على الحرية وممارستها. فالحرية في جوهرها، ليست مقولة جاهزة، وإنما هي إجراءات وحقائق وممارسات تتمسك بحقوق الإنسان وتدافع عنها.

4 – إن الحرية كممارسة، ليست خطابا يلقى، أو ادعاءا يدعى، وإنما هي إرادة إنسانية صلبة تتجه نحو التمسك بالحرية ومقتضياتها. وحيث تتوفر الإرادة الإنسانية المتجهة صوب الحرية، تتحقق بذات القدر حقائق الحرية. فحجر الزاوية في مشروع ممارسة الحرية، هو الإرادة الإنسانية. من هنا ينبغي الاهتمام بمفهوم «التربية على الحرية»، إذ أن المهمة العامة الملقاة على كاهل جميع النخب هي تربية شرائح المجتمع المختلفة على الحرية.

والتربية على الحرية تحتاج إلى:

أ‌ – استعداد نفسي تام للقبول بكل مقتضيات الحرية.

ب‌ – الاطلاع والتواصل الثقافي مع المنجز الثقافي الإنساني الذي يؤسس لخيار الحرية ويبلور مضامينها.

ت‌ – الموازنة الواعية بين ثقافة الطاعة وثقافة المسؤولية.

وخلاصة القول: أن الحرية كقيمة فردية ومجتمعية، بحاجة إلى من يدافع عنها، ويبشر ببركاتها.

 

الهوامش

[1] من هدى القرآن، السيد محمد تقي المدرسي، المجلد الأول، ص 446 447، دار البيان العربي، بيروت، 1406 هـ.
[2] من وحي القرآن، السيد محمد حسين فضل الله، المجلد الثاني، الحلقة الخامسة، ص 21 22، دار الزهراء، الطبعة الثالثة، بيروت 1983م.
[3] القرآن الكريم، سورة الكهف، آية «29».
[4] القرآن الكريم، سورة الغاشية، آية «22».
[5] القرآن الكريم، سورة يونس، آية «99».
[6] لا إكراه في الدين دراسات وأبحاث في الفكر الإسلامي، جودت سعيد، ص 26، العلم والسلام للدراسات والنشر، الطبعة الأولى، دمشق 1997م.
[7] القرآن الكريم، سورة يونص، الآية 99,8. القرآن الكريم، سورة هود، الآية 28,9. القرآن الكريم، سورة الكهف، الآية 29,10. لا إكراه في الدين – دراسات وأبحاث في الفكر الإسلامي، مصدر سابق، ص 13,11. في البدء كانت الثقافة نحو وعي عربي متجدد بالمسألة الثقافية، عبدالإله بلقزيز، ص 55 الطبعة الأولى، أفريقيا الشرق، بيروت 1998م.
[12] القرآن الكريم، سورة الممتحنة، آية «8».
[13] جريدة الحياة اللندنية «11 /إبريل 2001م» دراسة رضوان السيد بعنوان «الثقافة الإسلامية وثقافة السلام».
[14] الحق في التعبير، محمد سليم العوا، ص 11، الطبعة الأولى، دار الشروق، القاهرة 1998م.
[15] الفكر الإسلامي المعاصر في إيران جدليات التقليد والتجديد، محمد رضا وصفي، ص 194، دار الجديد، الطبعة الثانية بيروت «2001م».
[16] مجلة منبر الحوار، العدد «34»، ص 23 السنة التاسعة، خريف 1994م.
[17] علي إمام المتقين، ج2، ص 202، نقلا عن كتاب أخلاقيات امير المؤمنين السيد هادي المدرسي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، الطبعة الأولى، بيروت 1411 هـ.
[18] الفقه الحدود والتعزيرات، موسوعة إستدلالية في الفقه الإسلامي، الجزء «88» السيد محمد الشيرازي، ص 314، دار العلوم، الطبعة الثانية، بيروت 1988م.
[19] مجلة منبر الحوار، مصدر سابق، ص 25,20. الحريات العامة في الدولة الإسلامية، راشد الغنوشي، ص 38، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الأولى، بيروت 1993م.
[21] القرآن الكريم، سورة الأحزاب، آية «72».

 

المصدر: جهينة الإخبارية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky