الاجتهاد: ان فقهاء الإمامية وبإتباع أهل البيت عليهم السلام وكذلك فقهاء الظاهرية وعدد من الصحابة يذهبون إلى وجوب الإفطار في السفر وحرمة الصيام. بينما يرى فقهاء المذاهب الأربعة بان الإفطار في السفر أمر اختياري لكن بعضهم يفضلون الإفطار على الصيام، وآخرون يخالفونهم الرأي، كما يقول الشافعي ليس “من البر الصوم في السفر”، بينما يقول مالك “الصوم في السفر أفضل من الإفطار”.
رد المرجع الديني سماحة آية الله مكارم الشيرازي على سؤال حول حكم صيام المسافر.
السؤال: لماذا يحرم الشيعة الصيام في السفر؟
إجابة مختصرة
ان جواز الإفطار في السفر متفق عليه، والاختلاف إنما يدور حول ضرورته من عدمه، فالفقهاء الإمامية والظاهرية وعدد من الصحابة يحرمون الصيام في السفر ويرون ان الإفطار أمر واجب؛ لكن فقهاء المذاهب الأربعة يرون ان الأمر اختيارياً لكن الآية الشريفة 184 من سورة البقرة حددت للصيام فترتين: فترة لعامة الناس، والأخرى للمريض أو المسافر وان الروايات النبوية تفيد بان الصوم في السفر ذنب يرتكبه الصائم، ومنها رواية وردت في السنن لابن ماجة إذ عدت الصوم في السفر كالمفطر في الحضر. وهذا يدل على حرمة الأمر.
إجابة مفصلة
يتفق كل فقهاء الإسلام بأن المسافر يمكنه الإفطار في السفر والاختلاف هنا يدور حول وجوب الإفطار أو جوازه.
ان فقهاء الإمامية وبإتباع أهل البيت عليهم السلام وكذلك فقهاء الظاهرية وعدد من الصحابة يذهبون إلى وجوب الإفطار في السفر وحرمة الصيام.
بينما يرى فقهاء المذاهب الأربعة بان الإفطار في السفر أمر اختياري لكن بعضهم يفضلون الإفطار على الصيام، وآخرون يخالفونهم الرأي، كما يقول الشافعي ليس “من البر الصوم في السفر”، بينما يقول مالك “الصوم في السفر أفضل من الإفطار”.
لكن المهم هنا هو دراسة أدلة القضية من منظار الكتاب والسنة.
قال الله تعالى في الذكر الحكيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ.
ان الآية الأولى تعدّ الصيام فريضة وأمرا واجباً وتعبر عنه بعبارة كتب عليكم، وهذا يعني إلزام الجميع بالقيام به لكن الآية الثالثة استثنت فئتين:
المريض: ومن كان منكم مريضاً.
المسافر: أو على السفر.
في الآية الثانية جرى الحديث عن فترة الصيام للحاضر والسليم وهي شهر رمضان، وعبّرت عن الأمر بعبارة أياماً معدودات، لكن عدت الأيام فترة صيام الفئتين المذكورتين أي المريض والمسافر الأيام الأخرى: فعدة من أيام أخر.
بعبارة أخرى ان عامة الناس، عليهم الصيام بشهر رمضان، لكن صيام المريض والمسافر يختلف عن العامة. بهذه العبارتين الواضحتين كيف يمكن القول بان الصوم للمسافر أمر اختياري ويمكنه الصيام كباقي الناس، بينما الآية تقدم للصيام فترتين: فترة لعامة الناس وأخرى للمريض والمسافر.
الكثير من مفسري أهل السنة وتقليداً من أئمتهم وعند النظر إلى الآية التي تتحدث عن لزوم الإفطار وعند الشعور بان القرآن جعل شهر رمضان فترة الصوم لعامة الناس وغير رمضان أي أيام أخر للفئتين، يضطرون إلى القول بان هناك عبارة مقدرة، كي يبرروا فتوى أئمتهم، إذ يرون بان عبارة إن افطر هي العبارة المقدرة قبل عبارة فعدة من أيام أخر، كأن الآية كانت على النحو التالي: فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فافطر فعدة من أيام أخر. وفي غير هذا فان صوم الفئتين لا يختلف عن صوم عامة الناس.
غني عن القول بان هذا الأسلوب من التفسير ليس إلّا تفسير بالرأي للحفاظ على مكانة فقه الأئمة الأربعة.
قد يريد البعض تبرير جواز الصيام في السفر بالنظر إلى آية “وان تصوموا خير لكم”.
نقول رداً عليهم بان العبارة أعلاه لا تختص بالمسافر بل تنطوي على الفئات الأربعة كلها، فالعامة لا عذر لهم.
2و3 المريض والمسافر. الفئة التي تجد صعوبة في الصوم.
الآية تخاطب الجميع، وتقول من الأفضل للجميع ان يصوموا، وكما بينا، في الآية عامة الناس في شهر رمضان، والمريض والمسافر، وعندما تزول الصعوبة عنهم في الأيام الأخرى، وكبار السن في شهر رمضان وان كان الصوم للفئة الرابعة بسبب وجود البديل أي الكفارة ليس إلزاميا.
على هذا، العبارة لا تخاطب المسافر، بل تختص ببداية الآية الأولى حتى نهاية الثانية، وغني عن القول بان الصيام حصن من العذاب والنار، وبالصوم تطفئ نيران جهنم وعلى كل شخص الصوم في الفترة المحددة له.
بهذا عرفنا دلالة الآية على ضرورة الإفطار، أما الآن ننتقل إلى الروايات التي نقلت عن النبي الأكرم حول الصوم في السفر.
تدل الروايات النبوية على ان النبي كان يعد الصوم في السفر ذنباً ويعد الصائمين مذنبين كما جاء:
روى الإمام مسلم في صحيحه: (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ – رضي الله عنهما – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-خَرَجَ عَامَ الْفَتْحِ إِلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ فَصَامَ النَّاسُ ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَرَفَعَهُ حَتَّى نَظَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ ثُمَّ شَرِبَ فَقِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ فَقَالَ «أُولَئِكَ الْعُصَاةُ أُولَئِكَ الْعُصَاةُ».
وروى ابن ماجة، عن عبد الرحمن بن عوف بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الصائم في رمضان في السفر، كالمفطر في الحضر.
وقال البخاري في الصحيح حدثنا محمد بن عبد الرحمن الأنصاري قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فرأى زحاما ورجلا قد ظلل عليه فقال ما هذا فقالوا صائم فقال ليس من البر الصوم في السفر.
وردت البر في القرآن في المقابل من الإثم: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ.
على هذا ونظراً إلى تعارض البر والإثم يتضح بانه لو كان الصوم في السفر من الحسنات فبالتأكيد لا يكون إثماً وذنباً.
هناك الكثير من روايات أهل البيت عليهم السلام حول وجوب إفطار المسافر ويمكن للراغبين بمعرفة المزيد قراءة كتاب وسائل الشيعة ج 7.
المصدر: شفقنا