الاجتهاد: الانتظار يشتمل على عمل للصالحين وتحذير للظالمين وبثّ روح التضحية والفداء للمخلصين والدعوة إلى الحقّ للضالّين والهداية للمنحرفين وإلزام المخلصين بالاعداد والاستعداد لذلك اليوم العظيم، اليوم الذي يُظهر الله فيه الحقّ ويُزهق الباطل على يد الإمام المنتظر (عجل الله تعالى فرجه).
لماذا الانتظار؟ سؤال تقدّمت به أسرة تحرير مجلة الانتظار إلى سماحة آية الله العظمى الشيخ بشير النجفي دامت بركاته، فأجاب مشكوراً:
بسم الله الرحمن الرحيم
الانتظار من التنظّر، وهو توقّع الشيء. والانتظار المأمور به في المقام هو توقّع دولة الحقّ على يَدي الموعود والمؤمّل من لدن آدم وإلى زماننا هذا.
والمستفاد من الروايات أنّ دولة الحقّ موعودة وعد بها الله سبحانه عبادَه الصالحين، وأنّه يأتي يوم يحكم فيه الحقّ تحت راية السلطان العادل البسيطة كلّها؛ قال الله سبحانه (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَْرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ).
والذي ينبغي أن يُلتفت إليه في هذا الشأن ـ ضمن العجالة ـ أمور، منها:
الأمر الأوّل:
أنّ الانتظار واجب بحكم العقل والشرع؛ أمّا العقل فلما نعلم من طبيعة البشر أنّه لا يندفع إلى البغية يدفعه إلى العمل، فالتوقّع والانتظار لدولة الحقّ علـى يد الإمام المنتظر مقدّمة أساسيّة ومنطلق فكري وعملي نحو بذل الطاقة والجهد في سبيل الوصول إلى تلك البغية.
وأمّا الشرع فقد ورد الأمر بالانتظار في كثير من الروايات فبلغ حدّ التواتر، بل في بعضها أنّ الانتظار مـن أفضل الأعمال في عصر غاب عنه الحق عن البسيطة وأصبحت الأرض بيد الطغاة يلعبون بالصالحيــن وبمقدّراتهم، بل بمقدّرات الشعوب كلّها حسب ما تشتهي نفوسهم وتدفع إليه أهواؤهم؛ فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضمن حديث: (انتظار الفرج عبادة).
وعن أمير المؤمنين سلام الله عليه ـ وقد سأله رجل عن أحبّ الأعمال إلى الله سبحانه ـ: قال: (انتظار الفرج)؛ وعن علي بن الحسين عليهما السلام: إنّ أهل زمان غيبته (الإمام المنتظر) القائلون بإمامته المنتظرون لظهوره أفضل أهل كلّ زمان، لأنّ الله تعالى ذِكره أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يَدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالسيف، أولئك المخلصون حقّاً، وشيعتنا صدقاً، والدعاة إلى دين الله سرّاً وجهراً.
وقال عليه السلام: انتظار الفرج من أعظم الفرج؛ وفي رواية عن الإمام سلام الله عليه: وانتظروا أمــرنا؛ وعنه عليه الســلام عن جدّه رسول الله أنّه قــال: (اللهم لقِّني إخواني) مرّتين، فقال من حوله من أصحابه: أما نحن إخوانك يا رسول الله؟ فقال: لا، إنّكم أصحابي، وإخواني قوم في آخر الزمان آمنوا بي ولم يروني، لقد عرّفنيهم الله بأسمائهم وأسماء آبائهم.
وعنه عليه السلام عن جدّه رسول الله: أفضل العبادة انتظار الفرج»، وعن الإمام الصادق سلام الله عليه أنّه قال (من مات على هذا الأمر منتظراً له هو بمنزلة من كان مع الإمام القائم في فسطاطه، ثمّ سكت هنيئة، ثم قال: هو كمن كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)
وعن الإمام موسى الكاظم سلام الله عليه عن آبائه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج من الله عزّوجل)؛ وعن الإمام الرضا سلام الله عليه وقد سُئل عن شيء من الفرج فقال: (أليس انتظار الفرج من الفرج)، فقد روي في أكثر من سبعين رواية تدلّ على وجوب الانتظار.
الأمر الثاني:
أنّ الانتظار لشيء مهمّ كما يدفع الإنسان للتهيّؤ والإعداد والاستعداد لما يتوقّعه وينتظره، كذلك يقضّ مضجع العدوّ المعادي للحقّ، وقد سطر في التاريخ كيف كان الطغاة يخافون وجود الإمام المنتظر وولادته على غرار خوف فرعون من ولادة موسى، حتّى ذبح ما لا يُعلم عدده من الاطفال ليحول دون ولادة موسى، ولكنّ الله بالغ أمره.
وقد سعى بنو العبّاس، ومن قبلهم بنو أميّة لقطع نسل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وذرّيّة علي طمعاً في الدنيا وحذراً من مجيء دولة الحقّ، وكانت أيّام الغيبة الصغرى وما تلتها من الأيام موحشةً ومربكة لبني العبّاس، فكانوا يبحثون عن الإمام المنتظر وعن وكلائه وعمّن يدلّ عليه بحث الخِرْزة، فكانوا يقتلون كلّ من يسمعون منه كلمة تدلّ على إيمانه بالغائب، فبقاء العدو في قلق واضطراب وفقد الطمأنينة وتخبّطه عشواءً من الفوائد المهمّة المترتّبة على الانتظار.
الأمر الثالث:
لا شكّ في أنّ إقامة دولة الحقّ على أنقاض نظم الفساد والجور وإقامة صرح العدل على أنقاض قصور الجور والطغيان يتوقّف على الإعداد النفسي، فلو حصلت تلك الدولة بدون الاعداد النفسيّ الكامل وإصلاح العقول التي شُوّشت وانحرفت عن نهج التفكير السليم وأصبحت ترى في كثير من الاحيان الباطل حقّاً، والحقّ باطلاً، وكذلك الاجسام التي تعوّدت على حبّ الدنيا، والعيون التي تأثّرت وتغوّشت بمباهج الحياة الدنية الخلاّبة، يكون مصير تلك الدولة مصير سلطة عليّ بن أبي طالب والإمام الحسن عليهما السلام،
فإنّ الأسباب الطبيعية لم تكم مؤاتبة، والنــــفوس لم تكن مستعدّة لدولة الحقّ، والظُّلمة التي سيطرت عليهم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وانمحت جلّ القلوب الطيبة في تلك المدّة التي جاوزت ثلاثة وعشرين سنة، والظروف التي نعيشها تشبه تلك، فلا بدّ من إصلاح الأنفس بزرع حبّ الدين وحبّ العدل والانصاف وكره الظلم والفساد إعداداً للنفوس لتقبّل الحقّ.
الأمر الرابع:
يجب اعداد الظروف الخارجيّة بنشر الحقّ وإعداد الأنصار للدين، ونشر الوعي بين المسلمين أوّلاً، وبين غيرهم جلباً للنفوس الصالحة للهداية ثانياً، فإنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهمّ الواجبات الشرعية والعقلية والاجتماعية، فما لم يكن هناك انصار بعدد واف لنصرة الحقّ، وما لم يكن هناك وعي كافٍ لاحتواء الحقّ، وما لم يكن هناك ما ينبغي تهيئتُه لاستقبال دولة الحقّ، لم يكن وجه لبدء إقامة تلك الدولة، والاستعجال في مثل هذا الأمر بالتأكيد يأتي بنتائج وخيمة ويفوت من ذلك أعظم المقاصد.
الأمر الخامس:
يجب إتمام الحجّة على كلّ مُناوئ للحقّ ومعاند له، لأنّ دولة الحقّ سوف تحاسبهم، فلا ينفع الانصياع للحقّ حين إقامة العدل ووقت المحاسبة وإنزال العقوبة على كلّ ظالم غاشم وغاصب ومفسد، وإلى هذا المعنى أُشير في عدّة آيات قرآنية؛ ففي سورة الأنعام: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ … آية ١٨٥)
وفي سورة الأعراف اشارة إلى ذلك وإلى الحُجج الواهية لدى أهل الباطل يستندون اليها في مناوأة الحقّ؛ قال تعالى (قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَ غَضَبٌ أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَ آباؤُكُمْ ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ… آية ٧١)
وفي سورة يونس إشارة إلى استعجال أهل الباطل ما لا يؤمنون به سخرية واستهزاءً أو تمرّداً واستخفافاً (وَيَقُولُونَ لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) وإلى هذا المعنى يُشير قوله تعالى في سورة يونس (فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ… آية ١٠٢)
وفي سورة هود (اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنَّا عامِلُونَ وَ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ .. ١٢١)
وفيها تحذير واضح للمعاندين لا تهدأ نفوسهم ولا تهنأ معيشتهم بما نالوا بالظلم من حقوق المظلومين، وبَعْثُ أمل في نفوس المحرومين بالبشارة لهم بالانتقام من الظالمين.
إذن ف الانتظار يشتمل على عمل للصالحين وتحذير للظالمين وبثّ روح التضحية والفداء للمخلصين والدعوة إلى الحقّ للضالّين والهداية للمنحرفين وإلزام المخلصين بالاعداد والاستعداد لذلك اليوم العظيم، اليوم الذي يُظهر الله فيه الحقّ ويُزهق الباطل على يد الإمام المنتظر (عجل الله تعالى فرجه).
أجرى الحوار: الشيخ حيدر الأسدي
المصدر: مجلة الانتظار العدد الأول