عصمة الأئمة

(عليٌّ وليُّكم بعدي) .. مناقشةٌ في السند والدلالة

الاجتهاد: روى الترمذي في سننه حديثاً عن النبي (ص) جاء فيه: “ما تُريدون من عليٍّ، إنَّ عليَّاً مني وأنا منه، وهو وليُّ كلِّ مؤمنٍ بعدي”.

وقد أورد المباركفوري في شرحه على سنن الترمذي على استدلال الشيعة بهذا الحديث بما حاصله: إنَّ استدلال الشيعة على انَّ علياً خليفة رسول الله (ص) بلا فصل بهذه الرواية باطل فإن مداره لفظ (بعدي) وكونُها صحيحة ومحفوظة، والأمر ليس كذلك لأن هذه الزيادة تفرَّد بها جعفر بن سليمان الضبعي وهو شيعي بل هو غال في التشيع.

فإنْ قيل: لم يتفرَّد بها بل وردت في حديثٍ آخر أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده جاء فيه: “لا تقع في عليٍّ، فإنَّ عليَّاً مني وأنا منه، وهو وليكم بعدي”.

قلت: هذا الحديث مشتمل سنده على أجلح الكندي وهو شيعيٌّ أيضاً، وعليه فالزيادة المذكورة ليست بمحفوظة بل هي مردودة، ويؤيده انَّ الإمام أحمد بن حنبل روى في مسنده هذا الحديث من عدَّة طرق ليست في واحدة منها هذه الزيادة.

فما هو جوابكم على ذلك؟

الجواب:

إنَّ أدلة الشيعة الإمامية على أنَّ عليَّ بن أبي طالب (ع) خليفة رسول الله (ص) بلا فصل لا يتلخَّص في الحديث الأول أو الثاني حتى يكون إسقاطهما سنداً موجباً لسقوط مذهب الإماميَّة، فهما ليسا سوى حديثين واقعين ضمن عشرات الأحاديث الواردة من طرق العامَّة وفيها الصحاح والحسان والمتواتر والمستفيض. هذا أولاً.

وثانياً: إنَّ كلا الحديثين المذكورين معتبران سنداً عند أكثر علماء السنة فليس في طريقيهما إشكالٌ إلا من جهة جعفر بن سلمان الضبعي في الحديث الأول والأجلح الكندي في الحديث الثاني، وهما موثَّقان كما صرّح بذلك أكثر علمائهم، غايته انَّهما متَّهمان بالتشيُّع إلا انَّ ذلك لم يمنع من تصحيح أو تحسين الحديثين بنظر الكثير من علماء السنَّة، وكلُّ من توقَّف أو منع من إعتبارهما كان منشأه تشيُّع الرجلين رغم الإقرار بوثاقتهما وصدقهما.

ولكي نوثّق ما ادّعيناه من انَّ أكثر علماء السنة المعتمدين قالوا باعتبار الحديثين ننقل لكم بعض كلماتهم،

ونبدأ بالحديث المشتمل على جعفر بن سليمان الضبعي:

1- الترمذي في كتابه سنن الترمذي قال: .. فأقبل رسول الله (ص) والغضب يُعرفُ في وجهه فقال: “ما تريدون من عليٍّ، ما تريدون من علي، ما تريدون من علي، إنَّ علياً مني وأنا منه وهو وليُّ كلِّ مؤمن بعدي”. قال أبو عيسى: “هذا حديثٌ حسن غريب ..”(1).

2- الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين قال: .. فأقبل رسول الله (ص) والغضب يُعرف في وجهه فقال: “ما تريدون من علي، إنَّ علياً مني وأنا منه وهو وليُّ كلِّ مؤمن بعدي”. هذا حديث صحيح على شرط مسلم(2).

3- ابن حبان في كتابه صحيح ابن حبان روى الحديث بسنده المشتمل على جعفر بن سليمان وجاء فيه: “.. ما تريدون من علي -ثلاثاً- إنَّ علياً مني وأنا منه وهو وليُّ كل مؤمن من بعدي”. فالحديث بنظر ابن حبان صحيح لأنه أورده في صحيحه(3).

4- المتقي الهندي في كنز العمال أورد الحديث إلى أن قال: فأقبل إلى رسول الله والغضب يُعرف في وجهه فقال: “ما تريدون من علي؟ عليٌّ مني وأنا من علي وعليٌّ وليُّ كلِّ مؤمنٍ بعدي” ابن جرير وصححه(4).

5- محمد ناصر الدين الألباني في كتابه السلسلة الصحيحة قال: أخرجه الترمذي والنسائي في الخصائص وابن حبان والحاكم والطيالسي في مسنده وأحمد وابن عدي في الكامل من طريق جعفر بن اليمان الضبعي إلى أنْ قال: قال الترمذي: حديث حسن غريب لا نعرفُه إلا من جهة جعفر بن سليمان، قلت: وهو ثقة من رجال مسلم وكذلك سائر رجاله، ولذلك قال الحاكم: حديث صحيح على شرط مسلم وأقرَّه الذهبي(5).

وقد صحّحه الألباني في كتابه صحيح وضعيف الجامع الصغير(6)، وصحّحه أيضاً في كتابه صحيح وضعيف سنن الترمذي(7).

6- الإصابة في معرفة الصحابة لابن حجر العسقلاني قال: وأخرج الترمذي بإسنادٍ قويٍّ عن عمران بن حصين في قصة قال فيها: قال رسول الله (ص): ما تريدون من علي، إن علياً مني وأنا من علي وهو وليُّ كلِّ مؤمٍن بعدي)(8).

7- المحب الطبري في الرياض النضرة قال: “ومنها وهو أقواها سنداً ومتناً حديث عمران بن حصين أن عليَّاً مني وأنا منه وهو وليُّ كل مؤمنٍ بعدي، خرَّجه أحمد والترمذي وقال: حسن غريب وأبو حاتم وحديث بريدة لا يقع في عليٍّ فإنه مني وأنا منه وهو وليُّكم بعدي خرجه أحمد”(9).

8- جمع الجوامع: قال (ص): “علي مني وأنا منه، وعليٌّ ولي كل مؤمنٍ بعدي” ذكره ابن أبي شيبة عن عمران بن حصين وقال: صحيح(10).

فقد صحَّح الحديث كما لاحظتم الحاكم النيسابوري في المستدرك وأفاد أنَّه صحيح على شرط مسلم، وذلك لأنَّ جعفر بن سليمان ممَّن أعتمدهم مسلم ووقع كثيراً في أسانيد صحيحه.

وقد صحَّح الحديث الذهبي كما أفاد ذلك الألباني وصحَّحه ابن جرير كما أفاد ذلك المتقي الهندي، ووصفه ابن حجر العسقلاني بالقوي وأورده ابن حبَّان في صحيحه وهو تعبير عن تصحيحه له كما هو واضح وأفاد الألباني في السلسة الصحيحة أنه صحيح وان ابن حبَّان صحَّحه وأما الترمذي فقد وصفه بالحسن ثم وصفه بالغريب، ومعنى الغرابة هنا كما هو المصطلح عليه بينهم هو انفراد أحد الرواة برواية الحديث عن صحابي(11).

ومن الواضح ان ذلك لا يضر بصحَّة السند إذا كان مَن انفرد بالرواية عن الصحابي موثقاً صدوقاً، ولا يخفى على العارف بالفقه والحديث انَّ علماء السنة اعتمدوا كثيراً على الحديث الذي ينفرد بروايته عن صحابي راوٍ واحد.

خصوصاً إذا كان معتضداً بغيره مما يشترك معه في المضمون. وسيتضح أن لفظ “وليكم بعدي” ورد قريب منه عن النبيِّ (ص) من غير طريق جعفر بن سليمان الضبعي.

هذا ما يتَّصل بكلمات علماء السنة في سند الحديث.

وأما كلماتهم في جعفر بن سليمان الضبعي الوارد في سند الحديث فنذكر منها شطراً لتوثيق ما ادعيناه:

1- السيوطي في طبقات الحفاظ: جعفر بن سليمان الضبعي أبو سليمان البصري .. وكان ثقةً حسنَ الحديث يتشيَّع مات سنة ثمان وسبعين ومائه(12).

2- ابن حبان في كتابه ثقات ابن حبان: جعفر بن سليمان الضبعي بضم المعجمة وفتح الموحدة أبو سليمان البصري صدوقٌ زاهدٌ لكنه كان يتشيع(13).

3- شرح النووي على صحيح مسلم: قلت: وثَّق أكثر الأئمة المتقدمين جعفر بن سليمان، ويكفي في توثيقه احتجاج مسلم به، وقد تابعه غيرُه(14).

4- ميزان الاعتدال: جعفر بن سليمان الضبعي نزل في ضبيعه وكان من العلماء الزهَّاد على تشيعه(15).

5- ثقات ابن حبّان: قال أبو حاتم: جعفر بن سليمان من الثقات المتَّقين في الروايات غير انَّه ينتحل الميل إلى أهل البيت ولم يكن بداعيةٍ إلى مذهبه، وليس بين أهل الحديث خلافٌ انَّ الصدوق المُتقِن إذا كان فيه بدعة ولم يكن يدعو إليها انَّ الاحتجاج بأخباره جائزة(16).

6- إرواء الغليل للألباني: قال الذهبي والعسقلاني فيه صدوق(17)

فالرجل كما لاحظتم ثقةٌ صدوق وثّقه أكثرُ الأئمة المتقدمين كما أفاد ذلك النووي، وهو من رجال مسلم في الصحيح ويكفي احتجاجه به في توثيقه كما أفاد ذلك النووي، وقد وصفه أبو حاتم بأنَّه من الثقات المتَّقين، وفي ميزان الاعتدال بأنَّه من العلماء الزهّاد ووصفه السيوطي بانَّه حسنُ الحديث، وأفاد أبو حاتم بأنَّه صدوق مُتقِن.

فليس في الرجل من مغمزٍ سوى أنَّه يتشيَّع، وذلك لا يضرُّ بصحة الإعتماد على مرويَّاته، فقد أفاد أبو حاتم انَّه لا خلاف بين أهل الحديث في جواز الاحتجاج بأخبار مَن كان فيه بدعة إذا لم يكن بداعيةٍ إلى مذهبه، ولم يثبت انَّ الرجل كان يدعو لمذهبه بل كانت له روايات في فضائل عمر.

وأما إتِّهامه بالغلو في التشيُّع فمنشأُه ما رُوي عنه أنَّه كان يبغض الشيخين، وقد أفاد الألباني انَّه في شكٍ من هذه النسبة وقال: إنَّه لا يلزم من التشيع بغضُ الشيخين وإنَّما هو مجرَّد التفضيل، وأما ما رواه ابن حبّان من تصريحه ببغضهما فإن في سند ما رواه جرير بن يزيد بن هارون وهو كما أفاد الألباني في السلسلة الصحيحة أنه لم يجد له ترجمة ولا وقف على إسناد آخر لهذا الذي نقله ابن حبّان، وقال الألباني: ومع ان ابن حبّان نقل خبر بغضه للشيخين قال عقب ذلك انَّ جعفر بن سليمان من الثقات المتقين في الروايات.

فبغضه للشيخين لم يثبت ودعوته لمذهبه أيضاً لم تثبت، ومقدار ما هو ثابت في حقِّه انَّه كان يتشيع، وذلك وحده لا يُوجب عدم الإحتجاج بروايته كما أفاد ابن حبّان عن أبي حاتم انَّه لا خلاف بين أهل الحديث في جواز الاحتجاج بصاحب البدعة إذا كان صدوقاً متقناً ولهذا صحَّح ابنُ حبّان رواية جعفر بن سليمان وصحَّحها غيره ممن ذكرنا أسماءهم وغيرهم ممَّن لم نذكرهم واعتمده مسلمٌ في صحيحه وروى عنه ما يزيد على عشرِ روايات بحسب ما وقفنا عليه.

وقد أجاد الألباني حين تعجَّب من تكذيب ابن تيمية للحديث وقال: فمن العجيب حقاً أنْ يتجرأ شيخ الإسلام على إنكار هذا الحديث وتكذيبه في منهاج السنة كما فعل بالحديث المتقدم .. فلا أدري وجه تكذيبه للحديث إلا التسرُّع والمبالغة في الرد على الشيعة(18).

هذا ما يتَّصل بالحديث الأول المشتمل سنده على جعفر بن سليمان الضبعي، وأما ما يتصل بالحديث الثاني المشتمل سنده على الأجلح الكندي والذي ورد فيه انَّ النبي (ص) قال: “لا تقع في عليٍّ فإنَّه مني وأنا منه وهو وليُّكم بعدي” فهو حديث معتبر سنداً أيضاً وليس فيه إشكال إلا من جهة الأجلح الكندي وهو موثَّق عند الأكثر إلا أنَّه متَّهم بالتشيع ورغم ذلك صحَّحه الكثير من علماء السنة ممَّن يُعتمد على تصحيحهم.

وهذه هي بعض أقوال علماء السنة في سند الحديث:

1- المناوي في كتابه فيض القدير: أخرج أحمد من طريق الأجلح الكندي عن ابن بريدة عن أبيه .. فقال (ص): “لا تقع في عليٍّ فإنه مني وأنا منه وهو وليكم بعدي”.

قال جدُّنا للام الزين العراقي: الأجلح الكندي وثَّقه الجمهور وباقيهم رجالُه رجال الصحيح، وروى الترمذي والنسائي من حديث عمران بن الحصين في قصة طويلة مرفوعاً: ما تريدون من علي، إنَّ علياً مني وأنا من علي وهو وليُّ كل مؤمن بعدي(19).

2- الهيثمي في مجمع الزوائد قال: .. فقال رسول الله (ص): “لا تقع في عليٍّ فإنَّه مني وأنا منه وهو وليكم بعدي” قلت رواه الترمذي باختصار رواه أحمد والبزار، وفيه الأجلح الكندي وثَّقه ابنُ معين وغيره وضعَّفه جماعة وبقية رجاله رجال الصحيح(20).

وقد أفاد الهيثمي في موضع آخر من كتابه انه: أختُلِفَ في الأجلح الكندي والأكثر على توثيقه(21).

3- محمد ناصر الدين الألباني في كتابة السلسلة الصحيحة: “لا تقع في عليٍّ فإنَّه مني وأنا منه وهو وليُّكم بعدي”، أخرجه أحمد، قلتُ واسناده حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين غير الاجلح وهو ابن عبد الله الكندي مختلف فيه، وفي التقريب صدوق شيعي، فإنْ قال قائل راوي هذا الشاهد شيعي وكذلك في سند المشهود له شيعي آخر وهو جعفر بن سليمان أفلا يُعتبر ذلك طعناً في الحديث وعلَّة فيه؟

فأقول: كلا لأنَّ العبرة في رواية الحديث إنَّما هو الصدق والحفظ وأما المذهب فهو بينه وبين ربه، فقد صحَّح الحديث ابن حبَّان كما رأيت مع انه قال في رواية جعفر في كتابه مشاهير علماء الأمصار كان يتشيَّع ويغلو فيه بل أنه قال في ثقاته: كان يبغض الشيخين، وهذا وان كنتُ في شكٍ من ثبوته عنه فإنَّه مما لا ريب فيه انَّه شيعي لإجماعهم على ذلك، ولا يلزم من التشيع بغض الشيخين وإنما هو مجرَّد التفضيل، والإسناد الذي ذكره ابن حبان برواية تصريحه ببغضهما فيه جرير بن يزيد بن هارون ولم أجد له ترجمة ولا وقفت على إسناد آخر بذلك إليه ومع ذلك فقد قال ابن حبان عقب ذلك التصريح وكان جعفر بن سليمان من الثقات المتقين في الروايات غير انَّه كان ينتحل الميل إلى أهل البيت ولم يكن بداعية إلى مذهبه وليس بين الحديث من أئمتنا خلاف إنَّ الصدوق المتقن إذا كان فيه بدعة ولم يكن يدعو إليها أنَّ الاحتجاج بأخباره جائز، على أنَّ الحديث جاء مفرقاً من طرق أخرى ليس فيها شيعي ..

وأما قوله: هو ولي كل مؤمن بعدي، فقد جاء من حديث ابن عباس فقال الطيالسي: حدثنا أبو عوانه عن أبي بلج عن عمرو بن ميمون عنه أنَّ رسول الله (ص) قال لعليٍّ: “أنت وليُّ كلِّ مؤمنٍ بعدي” وأخرجه أحمد ومن طريقه الحاكم وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي وهو كما قالا ..

فمن العجيب حقاً أن يتجرأ شيخ الإسلام ابن تيميه على إنكار هذا الحديث وتكذيبه في منهاج السنة كما فعل بالحديث المتقدم.. فلا أدري وجه تكذيبه للحديث إلا التسرع والمبالغة في الرد على الشيعة(22).

5- المحب الطبري في الرياض النضرة قال: ومنها وهو أقواها سنداً ومتناً حديث عمران بن حصين .. وحديث بريدة لا يقع في علي فإنه مني وأنا منه وهو وليكم بعدي خرجه أحمد والحديث الآخر من كنت وليُّه فعلي وليُّه خرجه أبو حاتم(23).

6- عمرو بن أبي عاصم قال: أخرجه أحمد من طريق أجلح الكندي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه بريدة، وإسناده جيد رجاله ثقات رجال الشيخين غير أجلح وهو ابن عبد الله بن جحيفة الكندي وهو شيعي صدوق(24).

فليس في سند الحديث من إشكال إلا من جهة الأجلح الكندي، والظاهر انَّ منشأ تضعيفه يتمحَّض في تشيُّعه ورغم ذلك وثّقه الأكثر كما أفاد ذلك الهيثمي في مجمع الزوائد ووصفه الذهبي وكذلك ابن حجر العسقلاني بالصدوق، ووثّقه ابن معين والعجلي ويعقوب بن سفيان كما أفاد ذلك الألباني(25)، وتضعيف البعض له لما كان ناشئاً عن تشيُّعه كما هو الظاهر لا يبرِّر إسقاط الرواية عن الحجيَّة كما اتضح مما تقدم، هذا كله ثانياً.

ثالثاً: إنَّ الإدعاء بأنَّ لفظ “بعدي” ليست بمحفوظة لأنَّها لم ترد إلا في روايتين إشتملت إحداهما على جعفر بن سليمان وهو شيعي وإشتملت الثانية على الأجلح الكندي وهو شيعي أيضاً فهذا ليس تاماً، فثمة رواية غير الروايتين اشتملت على لفظ “بعدي” وهي صحيحة الإسناد وليس في طريقها رجل شيعي.

هذه الرواية مذكورة في كتاب فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل، وهذا هو نصُّ سندها: حدثنا عبد الله قال: حدثني أبي، حدثنا يحيى بن حماد، حدثنا أبو عوانة، حدثنا أبو بلج، حدثنا عمرو بن ميمون قال: إنِّي لجالس إلى ابن عباس إذ أتاه تسعة رهط إلى أن قال: قال ابن عباس: وخرج رسول الله (ص) بالناس في غزوة تبوك قال: فقال علي: أخرج معك؟ فقال نبيُّ الله (ص): لا، فبكى عليٌّ، فقال له: أما ترضى ان تكون منِّي بمنزلة هارون من موسى إلا أنَّك لست بنبيٍّ، إنه لا ينبغي أنْ أذهب إلا وأنت خليفتي، قال: وقال رسول الله (ص): أنت وليُّ كلِّ مؤمن بعدي ومؤمنة(26).

فهذا الحديث إشتمل على لفظ “بعدي” وليس في طريقه رجلٌ شيعي وهو طريق صحيح كما أفاد ذلك الحاكم النيسابوري قال في ذيل الحديث: هذا حديث صحيح الإسناد(27).

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: ورواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط باختصار، ورجال أحمد رجال الصحيح غير أبي بلج الفزاري وهو ثقة وفيه لين.

وقال الألباني في كتابه السلسلة الصحيحة فقد جاء من حديث ابن عباس فقال الطيالسي حدثنا أبو عوانة عن أبي بلج عن عمرو بن ميمون عنه أن رسول الله (ص) قال لعليٍّ: أنت وليُّ كل مؤمن بعدي. وأخرجه أحمد ومن طريقه الحاكم وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي وهو كما قالا(28).

وقال ابن كثير في تاريخه: أخرج أبو داود الطيالسي عن شعبة عن أبي بلج عن عمرو بن ميمون عن ابن عباس ان رسول الله (ص) قال لعلي (ع): “أنت ولي كل مؤمن بعدي” والإسناد كما مر غير مرة صحيح رجاله كلُّهم ثقات(29).

رابعاً: وردت مجموعة من الروايات بطرق مختلفة اشتملت صريحاً على انَّ علياً (ع) وليُّ المؤمنين بعد رسول الله (ص)، فلتكن هذه الروايات مؤيِّدة للروايات الثلاث التي ذكرناها:

الرواية الأولى: ما رواه الطبراني في المعجم الكبير بسنده عن وهب بن حمزة قال: صحبت علياً من المدينة إلى مكة فرأيتُ منه بعض ما أكره، فقلت: لئن رجعت إلى رسول الله لأشكونك إليه، فلما قدمت لقيت رسول الله (ص) فقلت: رأيتُ في عليٍّ كذا وكذا، فقال (ص): “لا تقل هذا فهو أولى الناس بكم بعدي”(30).

رواها أيضاً أبو نعيم الأصبهاني في معرفة الصحابة(31).

وعلّق الهيثمي على سندها وقال: رواه الطبراني وفيه دُكين ذكره ابن أبي حاتم، ولم يُضعِّفه أحد، وبقية رجاله وثّقوا(32).

ورواها ابن حجر العسقلاني في الإصابة إلا أنه ذكر انَّ وهب بن حمزة قال: فذكرتُ عليَّاً لرسول الله (ص) فنلتُ منه، فقال (ص): “لا تقولن هذا لعليٍّ فإنه وليُّكم بعدي”(33).

وكذلك رواها ابن كثير في البداية والنهاية(34).

الرواية الثانية: ما رواه المتقي الهندي في كنز العمال عن عليٍّ (ع) نزلت هذه الآية ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ إلى أن قال: ثم قال لهم -رسول الله (ص)- مَن يُبايعني على أن يكون أخي وصاحبي ووليكم من بعدي، فمددتُ يدي وقلتُ: أنا أُبايعك، وأنا يومئذٍ أصغر القوم عظيم البطن، فبايعني على ذلك. قال أخرجه ابن مردويه(35).

الرواية الثالثة: في كتاب سبل الهدى والرشاد قال: روى الخطيب والرافعي عن علي انَّ رسول الله (ص) قال: “سألت فيك خمساً فأعطاني أربعاً ومنعني واحدة فأعطاني فيك أنَّك أول مَن تنشقُّ الأرض عنه يوم القيامة، وأنت معي معك لواءُ الحمد وأنت تحمله، وأعطاني إنك وليُّ المؤمنين من بعدي”(36).

الرواية الرابعة: ما رواه أبو نعيم الأصبهاني في حلية الأولياء بسنده عن حذيفة قال: قال رسول الله (ص): “من سرَّه أنْ يحيا حياتي ويموت ميتتي ويتمسَّك بالقصبة الياقوتة التي خلقها الله بيده ثم قال لها: كوني فكانت، فليتولَّ عليَّ بن ابي طالب من بعدي”.

قال رواه شريك أيضاً عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم ورواه السدي عن زيد بن ارقم(37).

وفي كتاب المستدرك للحاكم النيسابوري روى بسنده عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله (ص): “من يريد أنْ يحيى حياتي ويموت موتي ويسكن جنَّة الخلد الذي وعدني ربي فليتولّ عليَّ بن أبي طالب، فإنَّه لنْ يُخرجكم من هدى ولن يدخلكم في ضلالة”.

قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد(38).

فهذه الرواية التي رواها الحاكم وإنْ لم تكن مشتملة على لفظ (بعدي) ولكن مقتضاها هو البعدية، إذ لا معنى لثبوت ذلك لعلي (ع) مع وجود رسول الله (ص) وليس المراد من التولَّي هنا هو المحبة، إذ لا يتناسب ذلك مع التعليل الوارد في ذيلها وهو انَّه لن يُخرجكم من هدى ولن يُدخلكم في ضلالة.

الرواية الخامسة: ما رواه في المنتخب من ذيل المذيل بسنده عن زياد بن مطرف قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: “من أحبَّ أن يحيا بحياتي ويموت بموتي ويدخل الجنة التي وعدني ربي قضباناً من قضبانها غرسُها في جنة الخلد فلتولَّ عليَّ بن أبي طالب وذريته من بعده فإنَّهم لن يخرجوهم من باب هدى ولن يدخلوهم في باب ضلالة”(39).

الرواية السادسة: ما رواه الشجري في الأمالي الشجرية بسند عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال: قال رسول الله (ص): “من سرَّه أنْ يحيا حياتي ويموت ميتتي ويدخل جنة عدنٍ التي غرسها ربي بيده فليتولَّ عليَّ بن أبي طالب وأوصياءه، فهم الأولياء والأئمة من بعدي أعطاهم الله علمي وفهمي وهم عترتي من لحمي ودمي ..”(40).

هذا ما يرتبط بالبحث حول أسانيد الأحاديث الثلاثة أعني قوله (ص): “إنَّ علياً مني وأنا منه وهو وليُّ كل مؤمن بعدي” وقوله (ص): “فإنَّ علياً مني وأنا منه وهو وليكم بعدي” وقوله (ص) لعلي: “أنت وليُّ كلِّ مؤمن بعدي ومؤمنه”.

وأما البحث حول دلالة هذه الأحاديث الشريفة فهو بلا مبرِّر بعد أن كان ظهورها من الوضوح بحيث لا يكاد يخفى على مَن كان له أدنى فهمٍ بسياقات ومداليل الكلام العربي.

فلفظُ الوليِّ وإن كان قد تعددت موارد إستعمالِه إلا انَّ ذلك لم يقتضِ خفاء المراد من هذا اللفظ بعد انْ كان إستعماله في كلِّ مورد مكتنفاً بقرينة أو قرائن تكشف عمَّا يريده المتكلم من هذا اللفظ، ولو اتَّفق إجمال المراد في بعض الاستعمالات نتيجة خلوِّ الكلام عن أيِّ قرينةٍ كاشفة عما يُريده المتكلِّم من إستعماله لهذا اللفظ فإنَّ المقام لم يكن كذلك فهو كما سيتَّضح مشتمل على عدةٍ من القرائن الموجبة للقطع بمراد النبيِّ الكريم (ص) من لفظ الوليِّ الوارد في الأحاديث المذكورة.

فلفظُ الولي وإنْ كان قد استُعمل بمعنى النصير والمُحب والصديق والحليف وابن العم ومطلق القريب إلا انَّه استُعمل أيضاً في القيّم الذي له التدبير، فيُقال لمَن له القيام بتدبير شئون المولَّى عليه وحفظه ورعاية مصالحه يُقال له وليٌّ بل إنَّ إستعمال هذا اللفظ في هذا المعنى هو الأكثر شيوعاً في الاستعمال، فوليُّ اليتيم هو مَن له الحقُّ في انْ يُدبّر شئونه ويحفظ أمواله ويرعى مصالحه، ووليُّ المجنون والصغير هو مَن كان كذلك أيضاً، والوليُّ على البكر هو القيّم عليها ومَن له الحقُّ في أنْ يأذن في نكاحها أو أنْ لا يأذن تبعاً لما يراه من المصلحة.

ووليُّ الوقف هو مَن له الولاية والحقُّ في تدبير شأن الوقف والقيام على رعايته وحمايته وصرف أمواله في المصارف المقرَّرة.

والولي على الرعية هو القيِّمُ والمدبِّر والسائسُ لشئونها والحافظُ لمقدَّراتها.

وهذا المقدار وهو إستعمال الولي فيما ذكرناه ليس مورداً للنزاع، وإذا كان ثمة من نزاعٍ فهو فيما أراده النبيُّ (ص) من قوله: “عليٌّ وليكم بعدي”، فهل أراد من قوله: “وليكم” هو ناصرُكم أو حليفُكم أو محبُّكم أو صديقكم أو قريبكم.

إنَّ تمام هذه المعاني لا تستقيم مع قوله “بعدي” فالقرابة النسبية لو كانت ثابتة لأحدٍ فهي لا تنتظر موت آخر، وكذلك المحبة والصداقة، فما معنى ان يكون عليَّاً محبَّاً أو صديقاً لهم بعد وفاة رسول الله (ص)، وهل كان عليٌّ عدواً لهم قبل وفاتٍه أو مبغضاً لهم حتى يكون حاله بعد الوفاة مغايراً لما هو عليه قبل الوفاة، وكذلك لا معنى لإرادة الناصر من قوله: “وليكم بعدي” لأنَّ عليَّاً كان نصيراً للمؤمنين كما كان غيره كذلك،

فهذه المعاني لا يصحُّ إستظهارها حتى لو لم يكن الحديث مشتملاً على كلمة بعدي، إذ لا خصوصية لعليٍّ مقتضية لوصفه بهذه المعاني، فالإخبار بها أشبه شيءٍ بالإخبار عن زيد بأنَّه يأكل ويشرب، فالإخبار عن ذلك لا يصدر إلا لغرض السخرية بالمُخبَر عنه أو السخرية بالمتلقِّي للخبر بأنْ كان محتاجاً لتذكيره بأمرٍ لم يكن ينبغي أنْ يخفى عليه، وسياق الأحاديث لم يكن كذلك كما هو واضح.

فهذه المعاني لا يصحُّ إستظهار إرادتها من الأحاديث المذكورة لو لم تكن مشتملة على لفظ “بعدي” فكيف وهي مشتملة على هذه الكلمة المقتضية للإستبعاد التامِّ لإحتمال إرادة أحد هذه المعاني.

وأما إحتمال إرادة الحليف من قوله: “وليُّكم بعدي” فهو أبعد الاحتمالات، لأنَّ الحليف إمَّا أن يُطلق على الرجل الذي ليس له أصل في قبيلة من القبائل فيتحالف مع قبيلة على أنْ ينصروه وينصرهم ويساهموا في أداء ما قد يلزمه من دِّيات ويُساهم هو في ما قد يلزمهم من ديّات فحينئذٍ يكون حليفاً لهذه القبيلة.

وقد يُطلق الحليف على كل فردٍ من أفراد قبيلةٍ بالإضافة إلى قبيلةٍ أخرى إذا وقع بين القبيلتين تعاهد وتحالف على النصرة والمؤازرة، فيُقال لكلِّ فردٍ من أفراد القبيلة الأولى انَّه حليف القبيلة الثانية وكذلك العكس.

فقد يُطلق على الحليف لفظ الولي والمولى إلا أن إرادة معنى الحليف من قوله: “عليٌّ وليُّ كل مؤمن بعدي ومؤمنه” وقوله: “عليٌّ وليُّكم بعدي” في غاية البعد، إذ انَّ المعنى الأول لم يكن ثابتاً لرسول الله (ص) حتى يثبت لعليٍّ بعد وفاته، والثاني لو كان ثابتاً لرسول الله (ص) باعتباره من هاشم أومن قريش فهو ثابت لعليٍّ في حياة رسول الله (ص) فهو من بني هاشم ومن قبيلة قريش كما هو رسول الله (ص) فلا معنى لأنْ يُعلِّق إتصاف عليٍّ بهذا العنوان على وفاته، على أنَّ رسول الله (ص) لم يكن حليفاً بالمعنى المذكور لعموم المؤمنين حتى يثبت ذلك لعليٍّ بعد وفاة الرسول (ص).

وبذلك يتعيَّن المراد من قوله: “عليٌّ ولي كل مؤمن بعدي ومؤمنة” فالسمة الأبرز التي تُميِّز طبيعة العلاقة بين الرسول (ص) وعموم المؤمنين هي أنَّه قائدهم والقيِّم عليهم والمدبِّر لشئونهم وصاحبُ الأمر والنهي بينهم، وهذا هو معنى الولي إذا أُضيف إليه بلحاظهم وإلا فالمعاني الأخرى يتساوى فيها معهم، فالمناسب حين يريد إعطاء الولاية لأحدٍ بعد موته أنْ يُعطي ما يختصُّ به من المعاني المذكورة دون غيره على أنَّ أكثر المعاني المتقدمة غير قابلة للإعطاء فالقرابة والمحبَّةُ والمصاهرة وحتى النصرة غير قابلة للإعطاء.

ولو أراد الرسول (ص) الإخبار عن طبيعة العلاقة بين عليِّ وبين عموم المؤمنين بعد وفاته فإنَّه لا يصحُّ أن يُخبر عن أمرٍ هو متحقِّق قبل الوفاة فيعلِّقه على الوفاة.

على أنَّ سياق الأحاديث الثلاثة يأبى الحمل على غير الولاية بمعنى القيمومة والقيادة، فسياقُ الحديث الأول وكذلك الثاني هو أنَّ جماعةً من المؤمنين جاؤوا يشكون عليَّاً لرسول الله (ص) وانتقصوا من شأنه عنده فبانَ الغضبُ على وجه رسول الله (ص) فقال: “إنَّ عليَّاً مني وأنا منه” فلو كان يريد أنَّه صهره وابن عمه لكان في هذه الفقرة كفاية لإفادة هذا المعنى، فلو أراد إردافها بفقرةٍ أخرى للتأكيد لكان عليه أن يجعل الضمير للمتكلم فيقول “علي وليي” لا أن يجعل الضمير للمخاطب في الحديث الأول ويجعل متعلَّق الولاية عموم المؤمنين في الحديث الثاني، ولو قيل أنَّه أراد تذكيرهم بأنَّ عليَّاً محبٌ لهم أو ابن عمهم أو صهرهم أو نصيرهم أو حليفهم لو أراد التذكير بذلك لما كان لكلمة “بعدي” محلٌ في كلامه، على أنَّه لم يكن صهراً أو قريباً أو حليفاً لعموم المؤمنين.

فليس ثمة من معنىً مناسبٌ لهذا السياق إلا إرادة الإخبار بأنَّ عليَّاً (ع) هو الأحقُّ بأنْ يكون في موقعي بعد وفاتي، فإذا كان هذا هو مقامه فلا ينبغي أن تقعوا فيه وتنتقصوا من شأنه.

وبتعبير آخر: إنَّ النبي (ص) كان في مقام ردعهم عن الإنتقاص من عليٍّ (ع) ولا يصلح شيءٌ من المعاني المذكورة للردع عن ذلك، فهم قد توهَّموا أن إصطفاء عليٍّ لجاريةٍ من السبي خارج عن صلاحياته وهو من الغلول والتعدِّي على الغنيمة بغير وجه حقٍّ، فهل يدفع هذه الشبهة أنَّه صهر لهم أو قريبهم أو نصيرهم أو حليفهم،

إنَّ الذي يدفع هذه الشبهة عن علي (ع) هو أنَّه في مقام الولاية وأنه الأجدر بها بعد النبيِّ (ص) فإذا كان كذلك فلن يفعل إلا ما هو جائز شرعاً لأنَّه لم يستحق هذا الموقع إلا لأنَّه عارفٌ بما هو مشروع وما هو غير مشروع، فكأن النبيُّ (ص) أراد أن يقول للمتوهِّمين بأن عليَّاً قد تجاوز شرع الله أراد أن يقول لهؤلاء الذين جاءوا لانتقاصه إنَّ عليَّاً إذا كان هو وليكم بعدي فهذا يقتضي أن يكون عارفاً بما يفعل، فمثل هذا المعنى يكون وحده المناسب لدفع شبهتِهم وردعِهم عما إرتكبوه في حقِّ عليٍّ (ع) من إنتقاص.

فإذا كان الغرض من قوله: “هو وليُّكم بعدي” هو التذكير، فهو التذكير بموقعه بينهم بعده المقتضي لتميُّزه عليهم بالمعرفة والإحاطة بما هو مشروعٌ له وما هو غير مشروعٍ له، فهو قد أراد تذكيرهم بأمرٍ طالما بيَّنه لهم في مناسباتٍ عديدة وبخطاباتٍ مختلفة، فعبَّر عنه بالوصي والخليفة والوارث لعلمِه ونزَّله منزلة هارون من موسى، وأفاد أنَّه مع القرآن ومع الحقِّ يدوران معه حيثما دار، وخلَّفه مع الثقل الأول في أمته وأفاد أنَّهما لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض وأنَّ التمسُّك بهما أمانٌ من الضلال.

وأما سياق الحديث الثالث الوارد عن ابن عباس فكان هو بيان ما إمتاز به عليٌّ على سائر الأمة.

لذلك أفاد في صدر كلامه: “.. وقعوا في رجلٍ له بضعٌ وعشرة فضائل ليست لأحدٍ غيره” ثم أخذ يستعرضها واحدة تلوَ الأخرى، فكان منها قوله (ص): “أنت وليُّ كل مؤمنٍ بعدي ومؤمنة”، فلو كان مراد النبيِّ (ص) من الوليِّ هو أحد المعاني المذكورة غير القيمومة وولاية الأمر لما كانت تلك من الفضائل التي لم تكن لأحدٍ غيره بل لما كانت من الفضائل التي تستحقُّ التنويه عليها بعد أن كان أصاغر الصحابة واجداً لها بل انَّ بعض المعاني لو كانت هي المراد من الولي لما كانت من الفضائل أصلاً، فأيُّ فضيلةٍ أن يكون الرجل صهراً للمؤمنين أو مِن قرابتهم أو أن يكون حليفاً لهم، فمثل ذلك يتَّفق اتصاف غير المؤمنين من الصحابة بها.

وبما ذكرناه يتعيَّن المراد من قوله (ص): “وليُّكم بعدي ووليُّ كل مؤمن بعدي” في الولاية بمعنى القيمومة والإمامة ويتأيَّد ذلك بما ورد عن النبيِّ (ص) انه قال في علي (ع): “هو أولى الناس بكم بعدي”.

وقد روى هذا الحديث الطبراني في المعجم الكبير وعلّق عليه الهيثمي بأنَّ رجال سنده وُثِّقوا إلا دُكين ذكره ابن أبي حاتم ولم يُضعِّفه أحد.

والحمد لله رب العالمين.

الهوامش

1- سنن الترمذي: ج2/174.

2- المستدرك على الصحيحين: ج10/382.

3- صحيح ابن حبان: ج28/400.

4- كنز العمال: ج13/142.

5- السلسلة الصحيحة: ج5/222.

6- صحيح وضعيف الجامع الصغير: ج22/35.

7- صحيح وضعيف سنن الترمذي: ج8/212.

8- الإصابة في معرفة الصحابة: ج2/271.

9- الرياض النضرة: ج1/104.

10- جمع الجوامع: ج7 / ص251.

11- التقريب والتيسير في معرفة أصول الحديث لابن شرف النووي.

12- طبقات الحفاظ: ج1/19.

13- ثقات ابن حبان: ج6/140.

14- شرح مسلم: ج1/415.

15- ميزان الاعتدال: ج1/415.

16- ثقات ابن حبّان: ج6 / ص140.

17- إرواء الغليل: ج4 / ص46.

18- السلسلة الصحيحة: ج5 / ص122.

19- فيض القدير: ج4/471.

20- مجمع الزوائد: ج4/137.

21- مجمع الزوائد: ج1/189.

22- السلسلة الصحيحة: ج5/222.

23- الرياض النضرة: ج1/104.

24- كتاب السنة: 551.

25- السلسلة الصحيحة: ج3 / ص167.

26- فضائل الصحابة: ج3 / ص146.

27- المستدرك على الصحيحين: ج5 / ص359.

28- السلسلة الصحيحة: ج5 / ص222.

29- البداية والنهاية: ص7 / ص345.

30- المعجم الكبير: ج16 / ص9.

31- معرفة الصحابة: ج19 / ص55.

32- مجمع الزوائد: ج9 / ص109.

33- الإصابة في معرفة الصحابة: ج3 / ص249.

34- البداية والنهاية: ج7 / ص281.

35- كنز العمال: ج13 / ص141.

36- سبل الهدى والرشاد: ج11 / 296، تاريخ بغداد: ج2 / ص229.

37- حلية الأولياء: ج1/45.

38- المستدرك على الصحيحين: ج10 / ص447.

39- المنتخب من ذيل المذيل: ج1 / ص83.

40- الأمالي الشجرية: ج1 / ص111.

Slider by webdesign

Clicky