الاجتهاد: استفادَ السّيد الصّدر (قدّس سرّه) (ت 1400 هـ) في (الحلقات) غير قليل من الآراء الموجودة في مباحث الألفاظ، من علم النّفس، وبخاصّة علم النّفس السّلوكي، تجد مفاهیم علم النفس وعلم النفس السلوكي بالذات قد تبنّاها السّيد، واستطاع أن یبلورها بشكل علمي، يلتقي ولغة علم أصول الفقه ومفاهیم علم أصول الفقه.
المفروض في طالب العلم أن يُماشي التّطور فيطّلع على ما يَستجد من نظريّات ترتبط بموضوع دَرسه، ففي العلوم العربية – أُعطي مثالاً – یُدرَس النحو، وما يُعرف في الدِّراسات النحوية بـ( النحو الخاص)، ولا يُدرَس ( النحو العام).
مع أنه من خلال تجربتي وتجارب الآخرين الذين اطّلعوا على (النحو العام)، فهو أكثر فائدة للطالب الحوزوي؛ لأنّه يساعد في فهم (الظّواهر اللغوية) فيما يُعرف بـ(مباحث الألفاظ) في أصول الفقه، وقد يساعد إلى حدّ ما في فهم (الظواهر الإجتماعية) فيما يعرف بـ( الأصول العملية) في علم أصول الفقه.
طبعًا، في علوم اللغة هناك (علم اللغة العام)، وهو يلتقي مع مباحث الألفاظ في أصول الفقه ربما إلى حد ثمانين بالمئة؛ يعني عامّة النظريات الموجودة في مباحث الألفاظ تبحث في علم اللغة، وعلم اللغة علم حدیث استفاد من الفلسفات القديمة كالفلسفة الإغريقيّة اليونانيّة والفلسفة الهنديّة، وكذلك الفلسفات الغربية الأخرى التي استفادت من الفلسفة اليونانية والفلسفة الهنديّة، واستفاد أيضًا من الفلسفات الحديثة، وكذلك استفاد من الدّراسات الحديثة في علم الإجتماع، وفي علم النّفس، وفي علوم أخرى كثيرة.
فعلم اللغة مجموعة علوم تساعد على فهم (الظواهر اللغويّة) التي يُدرَس أكثرها في مباحث الألفاظ في أصول الفقه.
وأنا أتذكّر أنّي كتبت موضوعًا في تأبين السّيد الخوئي (قدّس سرّه)(۱)، وقارنت بين رأي السّيد الخوئي (ت 1413هـ) والعالم اللغوي (أوتو جسبرسن) (ت 1943م)، وذكرت آراء الأصوليّين من الإماميّين، وآراء علماء اللغة، وكان هناك تلاقح قوي، وتفاعل قوي بين المجالين، وممكن للطالب أن يستفيد منها.
مثال آخر أعطيه: في (حلقات) السّيد الصّدر (۲) غير قليل من الآراء الموجودة في مباحث الألفاظ استفادَها السّيد الصّدر (ت 1400 هـ) (قدّس سرّه) من علم النّفس، وبخاصّة علم النّفس السّلوكي، تجد مفاهیم علم النفس وعلم النفس السلوكي بالذات قد تبنّاها السّيد، واستطاع أن یبلورها بشكل علمي، يلتقي ولغة علم أصول الفقه ومفاهیم علم أصول الفقه.
علم الاجتماع، مساهمة في فهم جذور المسائل الأصولية
في أصول الفقه أيضًا، لعلّه اتّضح أنّه لا بدّ أن يكون هناك شيء من التلاقح بينه وبين علم اللغة، وبينه وبين علم النحو العام.
وأيضًا بينه وبين علم الاجتماع؛ لأنّه يَدرس (ظاهرة اجتماعية): الإستصحاب ظاهرة اجتماعية، البراءة ظاهرة اجتماعية، الاحتياط ظاهرة اجتماعية، التخيير كلّها ظواهر اجتماعية، و عندما يقال دليلها العقل بالإضافة إلى الدّليل النقلي، والمقصود من العقل هو (سيرة العقلاء).
سيرة العقلاء يعني الواقع الاجتماعي للناس المرتبط بالمجتمع؛ فنحن بحاجة إلى أن ندرس علم الاجتماع حتى نفهم كيف تنشأ الظاهرة، وكيف تؤثّر الظاهرة الاجتماعية بالظواهر الأخرى الموجودة في الحياة سواء كانت تلك الظواهر فكرية أو غير فكرية.
ما مدى استفادتنا من هذه الظواهر الإجتماعية؟ كل هذا یتناوله علم الاجتماع ويمكن أن نستفيد من هذا الجانب.
فمن الملاحظات التي تلاحظ أنّ هناك شي غير قليل من الجمود على المواد الموروثة، والمفروض أن يكون هناك انفتاح، وأن نستفيد من العلوم الحديثة في هذا المجال.
بعد أن لاحظنا على الموادّ، تأتي الملاحظات على نفس الكتب المقرَّرة. حصل تطوير إلى حدّ ما في الكتب المقرّرة في أصول الفقه، وإن كان يحتاج إلى أكثر من هذا.
العلوم العقلية.. الموازاة بين القديم والحديث
في المنطق استجدّت أنواع جديدة من المنطق، ولها علاقة كبيرة في مجال الاستدلال، وفي مجال التعريف، وفي مجال مناهج البحث في الموضوعات التي يدرسها عادة علم المنطق، المفروض هذه يطّلع عليها من قبل الطالب الحوزوي.
في الفلسفة،
الفلسفة الحديثة تحمل من النظريات أكثر بكثير مما تحمل الفلسفة القديمة، فالفلسفة الحديثة أكثر تفاعلا مع الحياة، وأكثر قرباً إلى واقع الحياة من الفلسفة القديمة.
والفلسفة الإسلامية التي تُدرَس عادة في الحوزات خاصة (الحكمة الإلهية) متأثرة إلى حد كبير بالفلسفة اليونانية، هناك تطوير لها وتغيير وإضافات كثيرة لكنها متأثرة؛ فإذن لها علاقة بالفلسفات الأخرى، وكما استفادت من القديم، فالمفروض أن تَستفيد من الحديث أيضاً.
الهوامش
(۱) لاحظ: الفقيه السّید أبو القاسم الخوئي: رأيه في نشأة اللغة بين الأصوليين واللغويين، هكذا قرأتهم: شخصيات علميّة وأدبية راحلة من القرن الخامس إلى القرن الخامس عشر الهجري، ج ۲: ۲۲۷.
(۲) کما یسمّیها الطّلاب، وهو (دروس في علم الأصول)، ولكن ولأنّه مکتوب الحلقة الأولى، الحلقة الثانية، الحلقة الثالثة یسمّونها هكذا. (المحاضِر)
المصدر: كتاب: الحوزة العلمية تاريخها، نظامها ودورها في تغيير واقع الأمة للعلامة الشيخ عبد الهادي الفضلي “ره”. الصفحة 112