أصول-الفقه

ما هو اقتراح آية الله السيد السيستاني لهيكلة علم الأصول؟

خاص الاجتهاد: من بين المعاصرين يبدو أن الهيكلة التي اقترحها آية الله السيد علي السيستاني هيكلة بديعة، ففي تقريراته الأصولية المعروفة باسم (الرافد في علم الأصول) وبعد بیان ونقد الهيكلة الأصولية للقدماء أشار إلى هيكلتين.

وقبل الإشارة إلى الهيكلتين المقترحتين من قِبَله قال سماحته: “بما أن علم الأصول وضع كمقدمة لعلم الفقه فلابد أن يكون تصنيفه ومنهجه منسجمة مع مقدميته، وحيث إن علم الفقه هو العلم الباحث عن تحديد الحكم الشرعي فالمناسب لتصنيف علم الأصول أن يدور مدار الحجة المثبتة للحكم الشرعي؛ فإن ذلك هو النافع في مقدّمیته العلم الفقه، ولذلك اخترنا أنّ موضوع علم الأصول – كما سيأتي بيانه – هو الحجة في الفقه، فأبحاثه تدور حول محور الحجية وعدمها”(1).

ثمّ تصدّى لتوضيح اُولى الطريقتين المقترحتين لهيكلة علم الاُصول ضمن ثلاثة أقسام ( الاحتمال والكشف والميثاق العقلائي).

أما القسم الأول – وهو الاحتمال – فقد قسّمه إلى خمسة أصناف رئيسة:

١– الاحتمال الواصل لدرجة القطع، والبحث في حجيته بحث في حجية القطع.

2– الاحتمال الواصل لدرجة الاطمئنان، والبحث عنه هو المتعلّق بحجية الاطمئنان.

٣– الاحتمال المعتمد على قوة المحتمل وإن كانت درجة الاحتمال ضعيفة، وهو المتحقق في موارد الأعراض والأموال والدماء، والبحث عن حجيته هو البحث المتعلق بأصالة الاشتغال.

4– الاحتمال المعتمد على العلم الإجمالي، وهو يكتسب قوة من خلال استمداده من العلم الاجمالي، إلّا إذا بلغت الأطراف كثرة تؤدي إلى موهومية الاحتمال في أطراف العلم الاجمالي، وهذا البحث هو المعبّر عنه بمباحث العلم الاجمالي والشبهتين المحصورة وغير المحصورة.

5– الاحتمال الذي لا يستند لقوة في درجته ولا أهمية في المحتمل، وهو على نوعين:

أ– الاحتمال المصطدم باحتمال معاكس له لوجود علم اجمالي بالجامع، وهذا مورد أصالة التخيير.

ب – الاحتمال غير المصطدم باحتمال معاكس، وهو مورد أصالة البراءة، وهو على قسمين ؛ لأنه إذا ورد من الشارع بيان لعدم أهميته فهذا هو البراءة الشرعية، وإن لم يرد بیان فهذا هو البراءة العقلية.

وأما القسم الثاني – وهو حجية الكشف ۔ فقد قسّمه إلى نوعين:

ا- الكشف الإدراكي، وهو المتوفّر في الأمارات العقلائية والشرعية التي قام الشرع أو المجتمع العقلائي بتتميم الكشف فيها، وهذا هو بحث حجية الأمارات والطرق.

2- الكشف الإحساسي، وهو المتوفر في بحث الاستصحاب؛ فإن الإنسان إذا أحسّ بشيء ما ثمّ غاب الشيء عن وعيه فإنه قد يبقى ذلك الكشف الإحساسي عنده، وهو شعوره بأن الشيء ما زال موجوداً كما كان، فهل هذا الكشف الإحساسي حجة أم لا، وهذا بحث الاستصحاب.

وأما القسم الثالث – وهو حجية الميثاق العقلائي – فالمقصود به كلّ طريق تباني عليه المجتمع العقلائي کميثاق يؤخذ بلوازمه وآثاره، سواء كان ذلك التباني بسبب الكشفية النوعية لهذا الطريق عن الواقع كما يدّعي ذلك في خبر الثقة أو للمصلحة الاجتماعية العامّة، ولعل الظواهر من هذا الباب، فيبحث عنها من حيث الكبرى وهو حجية الظهوره ومن حيث الصغری کالبحث في صيغة الأمر والنهي والعام والخاصّ والمطلق والمقيّد ونحوها من مباحث الألفاظ.

كما أن بحث تعارض الأدلّة داخل في صورة الترجيح لأحد الخبرين في قسم حجية الكشف أو قسم حجية الميثاق العقلائي، وكذلك في صورة التكافؤ مع القول بالتخيير، وأما على القول بالتساقط والرجوع للأصل العملي فيدخل البحث فيه في قسم حجية الاحتمال.

فهذه هي الطريقة الأولى من المنهج المقترح لتصنيف علم الأصول المبنية على محور الحجية للدليل المستخدم عند الفقيه للوصول إلى الحكم الشرعي.

ثمّ أضاف بأنه نظراً لكون هذا التقسيم غير مألوف في التصنيف الحوزوي لعلم الأصول، لذلك اقترح طريقة ثانية واعتبرها أقرب للتصنيف المألوف. وشرع في توضيح الطريقة الثانية:

وفي البدء ذكّر بأن المبادئ التصديقية لكل علم إما أن تكون بديهية فلا تحتاج للبحث، وإما أن تكون نظرية فتبحث في علم آخر يكون مقدمة لهذا العلم، وعلم الفقه لمّا كان محور بحثه هو الحكم الشرعي والحكم نوع من الأعتبار، أحتجنا لعلم آخر يبحث عن المبادئ التصديقية للحكم الشرعي، وذلك بالحديث عن الاعتبار بصفة عامة والاعتبار الشرعي بصفة خاصة وعوارض هذا الاعتبار وأقسامة ولواحقه، وذلك العلم هو علم الأصول.

هذا، وقد جعل التصنيف المقترح يدور حول الاعتبار وشؤونه، وتفصيلاته في خمسة عشر بحثاً وهي:

1- تعريف الاعتبار
2- تقسيمة للاعتبار الأدبي والقانوني
3- العلاقة بين الاعتبارين.
4- أسلوب الجعل للأعتبار القانوني
5- مراحل الاعتبار القانوني
6- أقسام الاعتبار القانوني
7- العلاقة بين هذه الأقسام
8- أقسام القانون التكليفي والقانون الوضعي
9- عوارض الأحكام القانونية
10- وسائل إبراز الحكم القانوني
11- وسائل استكشافه
12- وثاقة هذه الوسائل
۱۳- التعارض الإثباتي والثبوتي بين وسائل الاستكشاف
14- التنافي بين الاعتبارات القانونية حين التطبيق
15- تعيين القانون عند فقد الوسيلة الإعلامية(2)

ومن الجدير بالذكر أننا قد أفدنا من مقال (الرافد وفلسفة علم الأصول) بقلم الشيخ سعيد ضيائي فر مع تصرّف(3).

وفيما يعود إلى البيان والهيكلة المطروحة يمكن القول: إن جعل (الحجة على الحکم الشرعي أو الحجة في الفقه) محوراً كان مطروحاً قبله من قِبَل المحقق البروجردي، وقد نسبه إلى محمد بن إدريس الشافعي الذي تعرّض له في رسالته الأصولية المعروفة بـ (الرسالة الشافعية)(4).

وعلى الرغم من جميع الجهود المبذولة في البيان الأخير فإن هذا البيان والهيكلية لا تخلو من الملاحظات اللاحقة فيما يأتي:

وينبغي القول:

1– إنّ ثمّة اقتراحات اُخرى – سوي ما تقدّم بيانه – تتعلّق بهيكلة أصول الفقه ومسائله تستحق المراجعة والتأمل:

منها: المحاولة التي قدّمها الشهيد محمد باقر الصدر (ره) في ضمن إنجازاته الأصولية، ويمكن الإشارة بهذا الصدد إلى مقال (أطروحة جديدة في تدوين وتبویب مباحث علم الأصول) لآية الله الشيخ محمد صادق اللاريجاني(5).

2– يجب أن لا ننسى أنه ما لم يقع تغيير أساسي بالمستوى المترقّب لا ينبغي تقديم هيكلة جديدة؛ وذلك لأن الرؤية المبتنية على الرأي الخاصّ لأحد الأصوليين ليس أنه لا يكون مسوّغاً لتقديم هيكلة جديدة فحسب، بل سيُؤدّي إلى تعدّد هيكلة وترتيب مسائل علم الأصول بعدد المتخصصين به، وهي ظاهرة ستسلب من هذا العلم الثّبات والتعيّن وتشتّت مساله و تخلط الأصول بغير الأصول و.. !

كل ما تقدم بيانه عن تعيين الهيكلية وتحديد مسائل أصول الفقه إنما كان بناءً على رؤية الإمامية.

إنّ مراجعة المتون الأولية لأهل السنة من القدماء وحتّي اليوم – من قبيل:

(الفصول في الأصول) تأليف أحمد بن علي الجصّاص (ت- ۳۷۰هـ)،

(النبذة الكافية في أصول الفقه) تأليف علي بن أحمد بن حزم(ت456 هـ]،

(العدّة في أصول الفقه) للقاضي أبي يُعلى محمد بن الفرّاء (ت458)،

(البرهان في أصول الفقه) لأبي المعالي الجويني (ت- 4۷۸)،

(المستصفى) لمحمد بن محمد الغزالي (ت – 505هـ)،

(علم أصول الفقه) لعبد الوهاب خلاف (ت-1375 هـ)،

(معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة) لمحمد حسين الجيزاني(معاصر)

لتكشف عن أنَّ نسبة المسائل الأصولية المطروحة في متون أصول الإمامية الى مسائل أصول أهل السنّة نسبةُ العام والخاص من وجه، لذا فإن مسائل الحقيقة والمجاز والأمر والنهي والخبر والإجماع والعام والخاص والمطلق والمقيّد والنسخ والمجمل والمبين والتقليد والمشتق والتعادل والترجيح هي مسائل أصولية مشتركة بين كلا المذهبين.

والمباحث الواسعة للأصول العملية والتي تكون ركنية ومبسوطة هي من مختصات المتون الأصولية للإمامية، كما أنَّ البحث عن مصدرية الاستصلاح (المصالح المرسلة) وسد الذرائع والأشباه والنظائر والبحث الوسيع عن علل الأحكام هي من مختصات البحوث الأصولية لأهل السنة.

وهذا ما يتّضح بمراجعة تلك المصادر وفهارسها.

 

الهوامش

1- الرافد في علم الأصول ( منير القطيفي) 1 : 43 – 44.
2- المصدر السابق 1 : 44 – 47.
3- مجلة ” پژوهش وحوزة”( التحقيق والحوزة) العددان 27 و 28، خريف 1385 هـ ش.
4- الحجة في الفقه ( مهدي الحائري) 1: 19.
5- مجلة ” پژوهش وحوزة”( التحقيق والحوزة) العدد 5 فصل الربيع / 1380هـ ش: 16 – 26.

 

المصدر: مستل من مقالة بعنوان: أصول الفقه تجديد الهيكلية وتوسعة النطاق؛ لآية الله الشيخ أبوالقاسم عليدوست

تحميل المقالة

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky