خاص الاجتهاد: ثمة جملة من الاشكاليات التي ترد على الإسلام في كونه دين العنف والارهاب وسفك الدماء فانه لم ينتشر ويتوسع وتدخل فيه الأمم المختلفة إلا من خلال السيف والقوة وذلك بواسطة الفتوحات الإسلامية التي خيرت الناس بين الدخول الى الاسلام أو القتل . فهل الامر هكذا بالفعل؟ وما هو موقف أهل البيت “عليهم السلام” من هذه الفتوحات وما ترتّبَ عليها من الجزية والخراج والعبيد والإماء وغير ذلك؟ وكيف نحل اشكالية الجهاد الابتدائي واحتلال البلدان؟ اسئلة واشكالات أخرى طرحت على سماحة آية الله السيد فاضل الموسوي الجابري استاذ البحث الخارج في الفقه والأصول والتفسير في حوزة النجف الاشرف فأجاب عليها بما يرفع هذا الغبش ويدفع هذا الاشكال ويرفع التهمة عن الإسلام.
سماحة آية الله السيد فاضل الجابري(دام عزه)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته…
نرجو التفضل بإبداء رأيكم المبارك في بيان الموقف الشرعي الواضح تجاه بعض المسائل التي وقعت مورداً للبحث في اطروحتي للدكتوراه – كلية الفقه – جامعة الكوفة – والتي تحت عنوان ” فتوحات المسلمين– دراسة فقهية تحليلية”، مع الاشارة إلى الأدلة التي يمكن أن يُستدل بها قدر الامكان.
شاكرا لكم جميل الاستجابة وراجيا من الله تعالى أن يوفقكم لما فيه رضاه ونصرة دينه القويم.
جاسم عبد الامير جاسم البوحمد الموسوي./ 9-1 – 2019 / الموافق 1- محرم – 1441 هـ / النجف الاشرف
بسمه تعالى
جناب الموفق السيد جاسم البوحمد الموسوي المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نبين لكم باختصار جواب ما تفضلتم به من اسئلة ان شاء الله تعالى :
1 : يظن البعض أن الدين الإسلامي يتبنّى فكرة أسلمة الناس –من الكفار والمشركن– بالقوة وذلك من خلال بعض احكامه التي يظهر منها ذلك كتخيير الكافر– غير الكتابي – بين أحد أمرين أما القتل أو الاسلام ، وكذا بالنسبة للكافر الكتابي اما الجزية او القتل او الاسلام ، وبالتالي من لا قدرة له عى دفع الجزية يكون مضطرا لاعتناق الاسلام ابقاءً على حياته، وهذا لا ينسجم مع المبدأ القرآني القائل : لا إكراه في الدين …). نرجو بيان ذلك بما يرفع الالتباس عن الاذهان ويوجب للقارئ مزيداً من الاطمئنان من خلال الحجة والبرهان .
الجواب:
لا شك بان الإسلام فكرا وعقيدة ومنهجاً وتشريعاً دين الله الذي لا يقبل غره ديناً لقوله تعالى : انَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلاَمُ(1).
وقوله: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيرَْ الِْإسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرين (2). فكل دين غير الاسلام مرفوض وغير محترم.
والمقصود من الاسلام هو التسليم لله تبارك وتعالى والايمان به وبالنبوة والمعاد , وهو بلا شك ينطبق على كل الاديان السماوية التي تشترك بهذه العناصر العقدية.
واما الاديان الاخرى – فضلا عن الالحاد – فليست محترمة في نظر الاسلام ,لأنها مخالفة للعقل والفطرة والوجدان ,وهي تؤدي بالإنسان الى السقوط والابتعاد عن غائية الخلقة وهدفية الوجود .
ومن هنا كان المشروع الالهي المتمثل بخط النبوة جاء لكي يرجع الناس الى دين الفطرة وهو التوحيد ويخلص الانسان من قيود عبودية غير الله تعالى من الاصنام الحجرية والبشرية وسوء الاخلاق والظلم والتعسف ويحقق العدالة والسعادة لكل البشرية .
” الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الُْأمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالِْإنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصَْرهُمْ وَالَْأغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ” (3).
وهذا الكلام ثابت لا ريب فيه, وانما الكلام في كيفية تحقيق هذا المشروع الالهي هل هو بالقوة والسيف ام بالدعوة والحكمة والموعظة الحسنة؟
وحينما نرجع الى القران الكريم الذي هو دستور الاسلام الاساسي فسوف نجده يتبنى منهج الدعوة الى الله والى الدين الحق بالحكمة والموعظة الحسنة أي بالطرق الفكرية والعقلية والروحية والنفسية. قال تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بَِمنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (4).
وقال ايضاً: ومَن أحَسَن قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ(5).
والاسلام لا يريد أن يكره الناس عى الايمان والاسلام وانما يريدهم أن يعتنقوا الاسلام عن قناعة كاملة بعد أن يشاهدوا بأم اعينهم عظمة تعاليمه وتشريعاته وروعة عقائده ومنظومته الاخلاقية المنسجمة مع العقل والفطرة وحاجات الانسان الاساسية . ومن هنا يقول تعالى: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لأمَّنَ مَنْ فِي الَْأرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِنَ(6).
فاكراه الناس على الدخول في الاسلام بالإجبار والقوة ليس من صميم منهج الاسلام وطريقته في التعامل مع الناس وانما وظيفة النبي هي التبليغ والتعليم والارشاد والنصيحة ليس الا.
قال تعالى: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً ۖ قُلِ اللَّهُ ۖ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ۚ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ ۚ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَىٰ ۚ قُل لَّا أَشْهَدُ ۚ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشِْركُونَ(7) .
“هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ(8).
ولقد قرر بالنسبة الى اولئك الذين يصرون على الكفر واتباع الضلال وسبيل الباطل بالبراءة منهم وعدم المجاملة على حساب الحق ولكن في نفس الوقت ترك لهم حرية اختيار ما يرونه من عقيدة ودين .
قال سبحانه : قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ . لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ. وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ. وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ. وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ. لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (9). وقال: لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(10) .
فهذا هو منهج الإسلام في التعامل مع الاديان الاخرى من حيث الاساس الا في الحالات الاستثنائية .
نعم في بعض الاحيان ولمصلحة سياسية او اجتماعية او انسانية يضطر الحاكم الاسلامي من باب الحكومة ان يقرر الحرب على بعض الكفار سواء من غير المسلمين او من المسلمين البغاة والمتمردين على الحكومة الاسامية وكانوا سببا في فقدان الامن الاجتماعي او ضعف الكيان الاسلامي وشوكة المسلمين .
فمثل هكذا حرب تكون اضطرارية ومن باب دفع الفساد الاكبر بالفساد الاصغر او لوجود مصلحة اكبر واعظم من مصلحة التسالم اذا كان الطرف الاخر لا يقبل بلغة الحوار والحلول السياسية .
ومن هنا فرق الإسلام بين الكفار فهناك الكافر المحارب المعاند الذي يريد ان يقي على الإسلام وكيانه وهم اهل الحرب . وهناك لكافر المسالم الذي لا ينطبق عليه عنوان المحارب .
والمسالم تارة يكون ذميا دخالا في الدولة الإسلامية وخاضعا لمقرراتها وفق اتفاقية معينة , واخر معاهدا خارج الدولة الاسلامية لكن بينه وبين المسلمين معاهدة عدم اعتداء.
وثالث مستأمنا دخل في ذمة المسلمين وهذا الاستئمان يقتضي الحفاظ عليه ما دام موجودا في حدود الدولة الاسامية . وكل اولئك الاصناف عدا المحارب لا يجوز قتله او اجباره عى دين الاسام الا بالتي هي احسن. قال عزوجل: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ(11).
وقال تبارك اسمه:
إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ ۚ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَماَ جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا(12).
ومن خلال ما مضى نصل الى أن نظرية محاربة غير المسلمين لا تنطبق الا على خصوص فئة خاصة وهي الكافر المحارب الذي يريد القضاء عى الاسلام وكيانه أو يتآمر عليه ولا يريد أن يسالم أو يهادن المسلمين – ولا شك بان هؤلاء فئة محدودة جداً قياساً للفئات الاخرى من الكفار – فهؤلاء اذا خسروا المعركة مع المسلمين فان للحاكم الاسلامي أن يخيرهم بين الاسلام أو القتل أو اذا وجد المصلحة في شيء ثالث اختاره كما فعل النبي ص في اسرى مشركي قريش حيث قال لهم من علم عشرة من المسلمين القراءة والكتابة فسوف يطلق سراحه ويعود الى اهله .
ومن ذلك يتبن انه ليس هناك طريقة خاصة في التعامل مع المحاربين وانما ذلك متروك الى امام المسلمين بما يراه من مصلحة للإسلام. فالقضية ترتبط بالأحكام السياسية وهي من صلاحيات الحاكم الاسلامي . وليس هناك حكما خاصا ملزما في هذه القضية.
اذن الإسلام يريد اسلمة الناس بالفعل لأنه هو المشروع الالهي الذي جاء به كل الانبياء والمرسلين على طول تاريخ البشرية لإخراج الناس من الظلمات الى النور ومن الضلالة الى الهدى وايصالهم الى غائية الخلقة وهدفية الوجود .
لكنه يريد اسلامهم الطوعي لا اسلامهم الاكراهي بان يكون دخولهم الى الاسلام بالقوة والخوف فان ذلك بعيد كل البعد عن منهج الرسالات الالهية كا اتضح من طيات ما قدمنا . والله العالم .
2: ما رأيكم الشريف بالنسبة لما يسمّى بالجهاد الابتدائي في الاسلام، من حيث التشريع والتطبيق العملي ؟
الجواب :
قسَّم الفقهاء الجهاد إلىٰ قسمين: الجهاد الابتدائي، والجهاد الدفاعي.
وأرادوا من الأوّل قتال المشركن والكفّار لدعوتهم إلى الإسلام والتوحيد والعدالة. ومن الثاني قتال من دهم المسلمين منهم للدفاع عن حوزة الإسلام، وأراضي المسلمين، و نفوسهم، وأعراضهم، وأموالهم ، وثقافتهم.
اختلف في بيان ماهية الجهاد الابتدائي وذلك بحسب تحديد الغاية منه، التى قد تُعزىٰ إلىٰ واحد من الغايات الثلاثة:
الأولىٰ : إنّه لأجل الدعوة إلى دين الإسلام و إلزام الكفار باعتناقه ديناً.
الثانية : إنّه لأجل إقامة النظام السياسي الإسلامي علىٰ بقية ربوع وأرجاء الأرض لبسط العدالة الإسلامية وبالتالي نشر معالم الدين عن طريق نافذة القدرة السياسية من دون الإلجاء و الجبر وقد عبّر البعض عن هذه الغاية بأنّه لأجل حماية المستضعفين في كافّة أرجاء الأرض كا يشير إليه قوله تعالى :
وَما لَکُمْ لا تُقاتِلُونَ في سَبيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْکَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْکَ نصَِيرا(13). سواء الاستضعاف من ناحية العقائدية أم السياسية.
الثالثة: إنّه لأجل الحرب الوِقائية عن العدوان المترقَّب، فيكون غايته الدّفع إلّا أنّه يختلف عن الجهاد الدفاعي في كونه مبادرة بالحرب والقتال في المورد الذى يكون هناك تهديد في البين أو خطر يهدّد أمن الدولة الإسلامية.
ومما بيّنا في جواب السؤال الاول يظهر ان كل هذه الاغراض صحيحة بل وواقعة, ولكن الذي نريد التأكيد عليه هنا ان الجهاد الابتدائي ليس سياسة استراتيجية في الرؤية والتشريع الاسلامي وانما هو من صلاحيات الحاكم الاسلامي أي امام المسلمين فاذا رأى أن المصلحة تقتضي الحرب- دفعاً او رفعاً – وهي اعظم من مصلحة السلم أو كان هناك اضطرار اليها لأجل دفع هيمنة الكفار على المسلمين وسيطرتهم على مقدراتهم وكيانهم, كان له اعلان الحرب على اولئك الذين يريد الكيد والاضرار بالمسلمين ولا يريدون ان تكون بينهم وبين المسلمين سلام وهدنة ومعايشة .
ولا شك بانه ليس كل الكفار يتبعون هذه السياسة العدوانية وانما هم فئة خاصة وقليلة وهم اهل الحرابة خاصة. فالحرب الابتدائية مختصة بهؤلاء دون غيرهم من الكفار امثال المهادنين والمعاهدين واهل الذمة واهل الجزية .
ولكن هناك جملة من الشروط التي ينبغي توفرها قبل ذلك وبين يدي ذلك والا فلايجوز الابتداء بالقتال قبل تحقق هذه الشروط , وقد فصلت الشريعة الاسلامية هذه الشروط وهي مذكورة في الكتب الفقهية .
وأهم هذه الشروط ما هو وجود الامام المعصوم الذي لا ينطلق من شهواته واطماعه في شن الحرب واراقة دماء الناس فان الانسانية محترمة بذاتها وللدم عموماً حرمة عظيمة في الرؤية الاسلامية.
ومن هنا فقد دلّت الأخبار وفتاوى الفقهاء على اشتراط الجهاد الابتدائي بوجود الإمام العادل أو من نصبه لذلك:
فعن الرضا عليه السلام في كتابه إلى المأمون: و الجهاد واجب مع الإمام العادل(14) .
وفي خبر بشير عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: قلت له: إنّي رأيت في المنام أني قلت لك: إنّ القتال مع غير الإمام المفترض طاعته حرام، مثل الميتة والدم ولحم الخنزير، فقلت لي: نعم هو كذلك؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : هو كذلك، هو كذلك(15).
نعم هناك نظرية اخرى تقول بان المقصود من الامام هو قائد المسلمين والشرط فيه هو وجود العدالة , وليس المقصود هو خصوص الامام المعصوم .
من هنا صححوا الجهاد الابتدائي للفقيه العادل في زمان الغيبة. الا ان هذه النظرية فيها العديد من الاشكالات والمناقشات ليس هنا محل البحث فيها .
أمّا الجهاد الدفاعي بأنواعه فلايشترط وجوبه بوجود الإمام قطعاً، فالدفاع واجب بضرورة العقل والشرع. و قد قال اللّٰه تعالى- في قصّة طالوت وقتل داود لجالوت: وَ لَوْ لٰا دَفْعُ اللّٰهِ النّٰاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأرْضُ. ودفعه الفساد عنهم ليس إلّا بقيام أهل الحق و دفاعهم.
و في سورة الحج: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ () الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ () الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلّٰهِ عٰاقِبَةُ الُْامُور(16).
و عن الصادق عليه السلام بعد ذكر قوله- تعالى-: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقٰاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا{. قال عليه السلام) و بحجّة هذه الآية يقاتل مؤمنو كل زمان(17) .
فالجهاد الدفاعي في قبال هجوم الأجانب والكفّار، و التسلّط على بلاد المسلمين وشئونهم وثقافتهم واقتصادهم من أوجب الواجبات، و التشكيك في ذلك تشكيك فيما يحكم به الكتاب و السنّة بل العقل والفطرة. بل الدفاع عن بيضة الإسلام و حوزة المسلمين واجب و لو في ظل راية الباطل أيضاً بشرط عدم تأييده.
ومن خلال ما تقدم يتبين الامور التالية :
اولا: ان مصطلح الجهاد الابتدائي مصطلح فقهي ذكره الفقهاء في قبال الجهاد الدفاعي الذي هو كذلك من المصطلحات الفقهية ولم تنص عليه اية او رواية بخصوصه .
ثانيا: ان الغرض من الجهاد الابتدائي مختلف ومتنوع وليس له غرض واحد ولكن الجامع لكل تلك الاغراض هو اما لوجود المصلحة الملزمة او لدفع المفسدة المؤكدة .
ثالثا: ان المقصود به هو فئة خاصة من الكفار سواء من المشركين عموما او من اهل الكتاب – اصحاب الديانات السماوية – او بغاة المسلمين وعصاتهم ايضا .
رابعا: ان الجهاد الابتدائي منوط بوجود الامام المعصوم او من نصبه بالخصوص في زمانه او يشمل النائب العام وهو الفقيه الجامع لشرائط القيادة وادارة شؤون المسلمين في زمان الغيبة على بعض النظريات .
خامسا: لابد ان يستفرغ الوسع من الحلول السياسية الموجبة لعدم وقوع الحرب وحصول التعايش السلمي بين الناس . وكذا استفراغ الوسع في الدعوة الى الله تعالى ودينه قبل الدخول في الحرب .
سادسا: ان الجهاد الابتدائي ليس استراتيجية في التشريع الاسلامي وانما هو وسيلة او امر اضطراري يلجأ اليه الحاكم الاسلامي في ظروف خاصة ليس الا . وبالتالي فهو يرتبط برؤية الحاكم الاسلامي وتشخيص المصلحة او المفسدة حيث يمكن ان يأمر به ويمكن ان ينهى عنه، فهو من الاحكام المولوية – السياسية – التي تكون على نحو القضية الخارجية وليس على نحو القضية الحقيقية .
سابعا: ليس الغرض من الحرب الابتدائية في الرؤية الاسلامية هو احتلال البلدان واستعباد الشعوب ونهب خيراتها وثرواتها , وانما هو اما الردع او الدعوة الى الله بالحسنى او الحفاظ على الكيان الاسلامي, فلمسلمون ليسوا مستعمرين ولا نؤمن بشيء اسمه الاستعمار الاسلامي وانما هو فتح للقلوب والعقول وفك للقيود وتحرر من الاستعباد. والله العالم.
3 : ما الموقف الشرعي بحسب رأيكم المبارك بالفتوحات الاسلامية التي وقعت في تاريخنا الاسلامي لا سيما في عهد عمر بن الخطاب ؟ وكيف نقيّمها، وما هي الاقوال المتصورة في ذلك ؟
الجواب: ان الحروب التي وقعت بعد وفاة النبي ص والتي يصطلح عليها بالفتوحات الاسلامية – سواء ما كان منها في زمان الخلفاء او الدولة الاموية او العباسية او غيرها – كلها حروب غير شرعية على مباني الشيعة الامامية, وسبب ذلك واضح وهو ما لما ذكرناه في الجواب السابق بان الجهاد الابتدائي مشترط بأمر الامام المعصوم او نائبة الخاص في زمان الحضور, واما في زمان الغيبة فهناك قولان:
الاول سقوط هذا النوع من الجهاد لعدم وجود الامام المعصوم او نائبة الخاص,
والقول الثاني عدم سقوطه وانما يكفي وجود النائب العام وهو الفقيه العادل الذي يتولى أمور المسلمين .
وبغض النظر عن المناقشة الفقهية في الصحيح من هذين القولين فان زمان وجود الائمة الاحد عشر لم تكن هذه الفتوحات بأمر منهم عليهم السلام ولم يكلفوا نائبا خاصا لأجل ذلك وعليه فلا تكون هذه الفتوحات مشروعة من الناحية الفقهية على مباني الشيعة الامامية .
واما على مباني الفقه السني فلا يشترط العصمة في الحاكم الإسلام ولا يشترط ان يكون منصبا من قبل الله وانما يكفي وجود قيادة وحكم اسلامي كيفما اتفق وبالتالي فانه على مبناهم تكون هذه الفتوحات شرعية وصحيحة.
نعم حتى على مباني الشيعة الامامية فان الغرض من الجهاد اذا كان للدفاع عن حريم الإسلام في بدايته ولكن استمرار الحرب والكر والفر اقتضى فتح البلدان وسيطرة المسلمين على اراضي الكفار الحربيين فان ذلك جائز لا اشكال فيه ضرورة لان اشتراط الامام المعصوم انما هو بلحاظ الابتداء بالحرب وليس الدفاع أي الحرب الابتدائية لا الدفاعية.
واما الدفاعية فلا يشترط ذلك كما عرفت واما استمرارية الحرب واتساع رقعتها فليست مرهونة بهذا الشرط وانما هي بحسب مقتضيات الواقع وطبيعة المعارك، أي ترتبط بالجانب العسكري لا الجانب الشرعي او السياسي .
ومن الجدير بنا ذكره ان ثمة فرق بين مشروعية اصل الجهاد وبين مشروعية ما يترتب عليه كالغنائم والاسارى وغير ذلك فان من الواضح تصحيح تصرف سلوك وعمل المسلم وملكية او حلية ما في يده على مبناه الفقهي حتى وان كان مخالفا لمبانينا الفقهية . ومن هنا صححت بيوع اموال الغنائم والعبيد والجواري المأخوذة في تلك الحروب . والله العالم .
4: كيف نفسر موقف المعصومين من أهل البيت (عليهم السلام) كالإمام أمير المؤمنن وكذا بقية الائمة( عليهم السلام) في ظل الفتوحات الاسلامية التي وقعت في عهدهم؟
الجواب :
الناظر الى تاريخ وحياة امير المؤمنين عليه السلام وبقية الائمة الطاهرين عليهم السلام يجده مشتملا عى بعض الاشارات على عدم القبول لهذه الفتوحات في الجملة حيث لم تكن بإمرهم عليهم السلام(18) , ولكن وفي نفس الوقت لم يعلنوا رفضهم لها ولم يبخلوا بالمشورة على اولئك الخلفاء فيما يخص بعض القضايا الاساسية المرتبطة بمصير الإسلام
لان منهج اهل البيت عليهم السلام كان دائما هو الحفاظ على الكيان الاسلامي, ولذا نجدهم يهتمون بالقضايا الكلية والاساسية حتى وان كانت جزئياتها لا تنسجم مع التشريع الالهي لان مصلحة الإسلام العليا اهم , باعتبار ان بها حفظ الإسلام واستمرارية وجوده المقدس
ومن هنا نجدهم يدعون للمجاهدين المرابطين في ثغور الدولة الاسلامية ولا ينهون اتباعهم عن المشاركة في الجهاد مع جيوش المسلمين , وهذا بالضبط ما يفسر لنا سلوك بعض كبار الصحابة والتابعين وتابعي التابعين من شيعة اهل البيت الذين كانوا يقاتلون في تلك الفتوحات الاسلامية(19) .
نعم هناك اتجاه عند بعض الفقهاء يرى بان تلك الفتوحات وان لم تكن بإمر من امير المؤمنين(عليه السلام ) الا انه كان قد اذن بها , وقد استندوا في ذلك الى جملة من المرويات التي تفيد بان الامام (عليه السلام) كان يخطط ويشير في القضايا العسكرية لتلك الفتوحات فلو لم يكن قد اذن في ذلك لما كان منه هذا السلوك(20).
الا اننا لا نرى تمامية وصحة هذه النظرية من الناحية الفقهية وان كانت ممكنة ومحتملة في نفسها , وان الصحيح هو ما بيناه . وليس هنا تفصيل ذلك(21).
بل وهناك بعض الفقهاء لا يرى تمامية ادلة اشتراط اذن الامام لصحة الجهاد الابتدائي والذي يلزم منه شرعية هذه الفتوحات الاسلامية , وهي في زمن الغيبة ثابتة كذلك ولا يحتاج الى اذن الفقيه الجامع للشرائط كذلك(22). غير ان للمناقشة في هذا الرأي مجال واسع فهو مخالف لما عليه المشهور وادعي الاجماع عليه كا عرفت .
ومن خلال كل ذلك نصل الى انه وفق المباني الشيعية الفقهية فان هذه الفتوحات ليست شرعية لأنها ليست بأمر الامام المعصوم واما وفق المباني السنية فهي مشروعة وصحيحة. طبعا هذه النتيجة وفق المباني الفقهية .
واما على وفق المباني السياسية فنقول: على الرغم من موقف اهل البيت من هذه الفتوحات الا انهم تعاملوا معها كواقع اسلامي فرضته الظروف السياسية ولذا نجدهم قد تعاملوا معها بإيجابية كاملة ولم يعترضوا عليها او يقفوا ضدها .
فتكون هذه الفتوحات مشروعة وصحيحة وفق المباني السياسية , والا لو كانت غير ذلك لكان لاهل البيت موقفا مغايرا تماما.
نعم مسالة التفريق بين المباني الفقهية والمباني السياسية والموقف الفقهي والموقف السياسي فهي خارجة عن هذه الاطلالة ولا شك بكونها من الامور التي تحتاج الى تأسيس وتأصيل وليست واضحة في كلمات الاعلام . والله العالم .
5 : الخراج في الإسلام وهو (الضريبة المالية المفروضة على الكافر بالنسبة لأرض المفتوحة) هل هو مبدأ اسلامي وحكم ثابت أو هو حكم سياسي يعود أمره للحاكم الاسلامي بحسب ما تفرضه المرحلة وملابساتها ؟
الجواب :
يطلق الخراج في الفقه على غلة كل أرض محياة أخذها المسلمون من الكفار عنوة فصارت لجميع المسلمين إلى آخر الدنيا، و على غلة كل أرض انجى عنها أهلها وتركوها رغبة عنها أو خوفاً من المسلمين، فما أخذه الوالي من غلة هذه الأراضي فهو خرج و خراج، و قد يطلق على الجزية و هي ما يضربه السلطان على رؤوس أهل الذمة أو على أراضيهم.
والمراد بالأراضي التي يتناولها الخراج كضريبة: هي الأراضي الزراعية وما بحكمها من الأراضي القابلة للزراعة. أما الدور و سائر المساكن والعقارات ونحوها فقد أجمع فقهاء المذاهب الأربعة على عدم شمولها بضريبة الخراج. ولكن الإمامية فيما يظهر لم يفرقوا بين الدور والأراضي الزراعية و نحوها في إمكان شمولها بضريبة الخراج .
ثم انهم ذكروا ان الخراج أمره بيد الامام يصرفه حيث يراه صلاحا لحال الإسلام و المسلمين، و قد ورد في تقبيل الأراضي المفتوحة عنوة للعاملين، انه ليعطي الإمام حصتهم من غلاتها، و يأخذ الباقي فيكون أرزاق أعوانه على دين اللّه و في مصلحة ما ينوبه من تقوية الإسلام و تقوية الدين في وجوه الجهاد و غير ذلك مما فيه مصلحة العامة، ليس لنفسه من ذلك قليل و لا كثير. انتهى(23).
أي لا حصة له منها بعنوان شخصه و ان استحق بعنوان إمامته و ادارة شؤون ولايته و نفقة أعوانه.
وعليه فقضية ضريبة الخراج ترتبط بالأحكام المولوية السياسية وامرها بيد امام المسلمين وحاكمهم حيث يمكن له اسقاطها عنهم ويمكن ان يبقيها. علما بان الخراج يبقى موجودا في الارض الخراجية حتى وان اسلم اهلها لان الخراج يرتبط بالأرض , بخلاف الجزية حيث انها ايضا ضريبة مالية ولكنها على الرؤوس وليس على ارض فتسقط بدخول الشخص الى الإسلام. والله العالم.
6 : يرى البعض ان هناك احكاما أقرّها الإسلام – حيث كانت سائدة في العصور السابقة على الاسلام – كالسبي والرق والخراج – من باب كونها قواعد اشتباك أي أحكاما تسالموا عليها في ظرف الحروب، ما هو تعليقكم على هذا الكلام ؟
الجواب :
لا شك بان الإسلام لا يتبنى كتشريع وموقف للكثير من الامور التي سادت في اوقات الحرب مع المشركين او البغاة او غيرهم وانما كانت هذه الامور نتائج للظروف القاسية التي مرت بها الانسانية فقام الاسلام بالتعامل معها بموضوعية من خلال تجفيف منابعها والسيطرة عليها تدريجيا من خلال سياسة حكيمة ادت الى انحسارها شيئا فشيئا من دون ان تحدث خللاً اجتماعيا او اقتصاديا في المجتمع وقتذاك .
فمثلا مسالة العبيد والاماء لم تكن من متبنيات الاسلام وليست خاصة به بل هي قضية عامة لها وجود في كل الامم والحضارات وهي بلا شك من نتائج الحروب والغزوات التي كانت بين ابناء البشر . وكان للعبيد والاماء وظائف كثيرة في البيوت والمزارع والمصانع فهم يشكلون القوة العاملة في المجتمعات البشرية وكانت اعدادهم كبيرة جدا وهم في ازدياد بشكل دائم بسبب هذه الحروب والغزوات.
وحينما جاء الاسلام وجد هذا الامر ماثلا في الواقع الاجتماعي والاقتصادي فمن غير الحكمة – بل من غير الممكن – ان يلغي هذا الواقع بشكل مباشر وسريع لأنه سوف يحدث خللا كبيرا جدا – بل سوف لن يستطيع ذلك – ومن هنا عمد الى اتخاذ اسلوب اخر من خلال العديد من التشريعات والوصايا التي من شانها تجفيف منابع الاستعباد على المدى البعيد بشكل تدريجي , وكانت بالفعل هذه السياسة ناجحة جدا وتخلص المجتمع الاسلامي بفترة زمنية من هذه القضية .
ان الاسلام يرى كرامة الانسان وكونه خليفة لله في ارضه وان الله قد سخر له ما في السماوات والارض. قال تعالى: وَ لَقَدْ كَرَّمْنا بَني آدَمَ وَ حَمَلْناهُمْ فِي الْبرَِّ وَ الْبَحْرِ وَ رَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَ فَضَّلْناهُمْ عَلى كَثيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضيلا (24) .
وقال: أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الأرْضِ وَ الْفُلْكَ تَجْري فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِه وَ يُْمسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلىَ الأرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحيم(25).
فالعبودية انما تكون لله تعالى فقط واما البشر فهم متساوون في الانسانية واما التمايز والاختلاف فهو بالتقوى والعلم والعمل الصالح فقط. يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَ أُنْثى وَ جَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَ قَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَليمٌ خَبير (26).
ومن هنا حاول بكل وسيلة ممكنة تحرير الانسان من رق العبودية سواء على المستوى المادي الجسدي او على المستوى المعنوي والفكري والروحي فالاتباع الاعمى للغير والتأثر بالأفكار الفاسدة والمنحرفة والخضوع لرغبات ونزوات النفس التي لا تنسجم مع العقل والمنطق من اكبر مظاهر العبودية والرق ولذا كان المشروع الالهي هو تحرير الانسان من كل هذه الامور.
ومن هذا البيان اتضح ان الاسلام تبنى في استراتيجيته نحوين من التغييرات الاجتماعية والاقتصادية او التشريعات المنظمة لإدارة شؤون المجتمع الاسلامي: الاول التغيير السريع او المباشر والثاني التغيير البطيء او الغير المباشر.
ومن هذا المنطلق ايضا فيما يتعلق بمسائل الخراج والجزية وغيرها فهي ليست غرضا بذاته وانما لأسباب سياسية او اقتصادية اقتضت ذلك وجعل امرها راجعا الى امام المسلمين في تشخيص المصلحة والمفسدة والحاجة والضرورة ويمكن ان يرفعها متى ما انتفت الحاجة اليها او كانت المصلحة العليا تقتضي ذلك . والله العالم.
7 : على فرض كون الفتوحات غير شرعية كيف نفسر تصرفات أئمة أهل البيت(عليهم السلام) وممارساتهم، او ممارسات أتباعهم التي طالت بعض آثار تلك الفتوحات من قبيل ملكهم للجواري المسبية او زواجهم منهن، وكذا التصرفات في الاراضي الخراجية وغير ذلك، وما هو الدليل الشرعي على ذلك؟
الجواب :
اتضح جواب هذا السؤال مما مضى في جواب السؤال الرابع . فان الاشكال بانه اذا كانت هذه الفتوحات غير شرعية وفق المباني الفقهية الامامية فكيف تصححون تعامل ائمة اهل البيت وشيعتهم في الغنائم الناتجة عن تلك الحروب الا يدل ذلك على امضاء هذه الفتوحات ؟
الجواب: لا يدل ذلك على الامضاء من الناحية الفقهية , لان مثل ذلك مثل ما لو وقعت الحرب بين فئتين من الكفار وترتب على ذلك غنائم وعبيد وجواري لاحد الطرفن وقد باعهم للمسلمين فانه يمكن بلا شك شراء وتملك تلك الغنائم من دون ان يدل ذلك على امضاء حربهم على الطرف الثاني . فتأمل .
مضافا الى ان ذلك التعامل انما كان على اساس الواقع السياسي والاجتماعي فهو شبيه بالتعامل مع عطايا السلطان فانه على الرغم من كون سلطنته غير شرعية الا ان اخذ عطاياه في حال سلطنته يكون جائزا ومحكوم عليها بالصحة ويترتب عليها اثر الملكية . والله العالم .
8 : ما الموقف الشرعي من الكافر الملحد غير المحارب اذا لم يرتض الاسلام دينا؟
الجواب :
لا يفرق بين الكافر المشرك او الملحد من في التعامل من جهة الحرب و المهادنة او الاستئمان او غير ذلك وانما الفرق فقط بين الكافر الكتابي والكافر غير الكتابي من جهة الاقرار على دين الكتابي اذا رضي بدفع الجزية والتزم بشروط مفصلة في الفقه الاسلامي لأنه سوف يعيش في ظل الدولة الاسلامية وبالتالي يجب عليه ان يلتزم ببعض الامور .
واما الكافر غير الكتابي فسواء كان مشركا في الألوهية او الربوبية او ملحدا لا دين له فحكمهم واحد بلافرق. فاذا كان محاربا حاربناه ومع سيطرتنا عليه نخيره بين الاسلام او القتل .
واما اذا كان مسالما لا يريد حرب المسلمين او التآمر عليهم او يمنع دعاة المسلمين من تبليغ الرسالة الالهية ودخل مع المسلمين بمعاهدة استئمان او صلح او ما شابه ذلك فانه يترك على ما هو عليه من عقيدة او دين الى ان ينصاع الى الحق بمحض ارادته . ولا يجوز قتله ولا الغارة عليه ولا نهب ماله او انتهاك حرمته او عرضه كما هو مفصل في كتب الفقه الاسلامي . والله العالم .
السيد فاضل الموسوي الجابري
النجف الاشرف 25 صفر 1441 هـ
الهوامش
1- آل عمران : 19
2- آل عمران : 85
3 – الاعراف : 157
4- النحل : 125
5- فصلت : 33
6- يونس :99
7- الانعام : 19
8- الجمعة : 2
9- الكافرون : 1- 6
10- البقرة : 256
11- التوبة : 6
12- النساء :9
13- النساء :7
14- وسائل الشيعة : 15 / 18
15- الكافي : 5/ 23
16- الحج : 39 – 41
17- الكافي : 5/ 17
18- راجع المصادر التالية : المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 2: 243 . مصباح الفقاهة 1: 547 . و قد ادّعى المحقّق النجفي في كتاب الخمس من الجواهر ( 16 : 126) أنّه المشهور بين الأصحاب نقلاً و تحصيلاً، ثمّ نقل عن بعض المصادر نسبته إلى الأصحاب، و عن اخرى: نفي الخلاف عنه، وعن ثالثة: دعوى الإجماع عليه. وانظر: مصباح الفقيه 14 : 251 . البيع(الخميني) 3: 83 . مجمع الفائدة 7: 473 . حاشية المكاسب (الاصفهاني) 3: 41 .
19- راجع ايضا : الحدائق 18 : 308 . المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 2: 246 – 247 .مصباح الفقاهة – السيد الخوئي – 1: 547 .
20- المكاسب – الشيخ الانصاري -: 6/ 246 , مهذب الاحكام – السيد السبزواري -: 17 / 65 , صراط
النجاة – الميرزا جواد التبريزي -: 10 / 385
21- راجع : مستند الشيعة 14 – الشيخ النراقي – 14 : 220 .
22- منهاج الصالحين – السيد الخوئي – : 1/ 366
23- الكافي : 1/ 541
24- الإسراء : 70
25 – الحج : 65
26- الحجرات : 13
آية الله السيد فاضل الموسوي الجابري أستاذ البحث الخارج في حوزة النجف الأشرف وعميد معهد الإمام الحسين للدراسات القرآنية التخصصية في النجف الأشرف وأستاذ التفسير في حوزة النجف أيضاً ومسئول شئون القرآنية في العتبة الحسينية المقدّسة.
تحميل بصيغة بي دي اف