الاجتهاد: المفهوم أنّ الحوزات العلمية لا نظام فيها، لكن الواقع أنّ فيها نظام، ودائماً تُردًّد الكلمة التي تُنسب إلى المرجع الدِّيني السّيد أبي الحسن الإصفهاني (قدّس سرّه) (ت ۱۳۶۵هـ): نظامنا لا نظام. ولكن الحوزة العلميّة، من خلال الدِّراسات التي كُتبت عنها بأقلام جامعيين يتّضح أنّ فيها نظام.
والفرق بين النّظام الجامعي والنّظام الحوزوي، أنّ النّظام الحوزوي (حُرّ)، والنّظام الجامعي (إلزامي).
سأوضّح الآن بعض الجوانب، فلا أستطيع أن آخذ كل الجوانب:
١- الطالب في الجامعة في مرحلة البكالوريوس مُلزَم بأن يَدرس كلّ هذه المواد المقّررة من خلال كتبها المقّررة، خلال أربع سنوات أو خمس سنوات، ولا تزيد.
في (الماجستير) خلال ثلاث سنوات أو أربع سنوات. في (الدكتوراه) من ثلاث سنوات إلى خمس سنوات، ولا توجد زيادة.
بينما في الحوزات العلمية لا توجد مدَّة محددة؛ فقد تجد طالباً يدرس كتاب (الألفية) في فترة طويلة تزيد عن الفترة المعتادة. وقد يدخل الطالب الحوزة، وهو ذو عشر سنوات ويبقى إلى عمر تسعين سنة وهو يدرس في الحوزة وينتهي إلى القبر! فالدِّراسة حرّة من هذه الناحية.
٢. من جانب آخر، يوجد نوعان من الأنظمة الجامعية:
الجامعات التي تعتمد على نظام السّنوات:
أنت ليس لك فيه حرّية اختيار المدرِّس، فتُعطى للمدرِّس المادّة من قِبل مجلس القسم، ويقوم بتدريس هذه المادّة، وكلّ طالب لا بدّ وأن يخضع لهذا، وليس له حرّية الرّفض أو حرّية اختيار مدرِّس آخر.
بينما في الحوزة لا يوجد إلزام، فالطالب يأتي بنفسه يختار المدرّس. فإن لم يعجبه، إما لأنَّ طريقة تدريسه لم تكن بالمستوى الذي يرغب فيه، أو لأيّ سبب آخر فيتركه ويذهب لمدرِّس آخر، وهكذا.
فقد يختار في المادّة الواحدة عشرات المدرِّسين، وهذا يدخل ضمن النظام؛ فهذه الحرّية في امتداد المدّة، وهذه الحرّية في اختيار المدرِّس تدخل من ضمن النظام.
عدم الحرّية في تمديد المدة في الجامعة، أو عدم الحرّية في اختيار المدرّس أيضاً يدخل من ضمن النظام. فالحوزة فيها نظام، لكن نظامها يختلف عن نظام الجامعة.
والآخر نظام السّاعات المعتمدة:
کما قلنا في الجامعات دائمًا توجد محاولات لتطوريها؛ كانت الدِّراسة المعروفة هي نظام السنوات في الجامعات، و توجد نظام السّاعات المعتمدة، وهو فيه شيء من الحرّية في اختيار المدرّس؛ فالمادّة فيها أربعة من المدرّسين، والطالب ممكن أن يختار واحدًا من هؤلاء الأربعة، فإذا اختار واحدًا وبعدها وجد أنّه لا يلائم ويحصل له تضارب في الجدول فسيختار آخر وهكذا، ففي الجامعة فيها شيء من حرّية الاختيار .
نظام السّاعات المعتمدة فيه إلزام ولكنّه ليس إلزامًا ضابطًا بالنسبة إلى المدّة، تُحدّد أقل المدَّة و تُحدًّد أكثر المدَّة، للبكالوريوس ثلاث سنوات أقل المدّة وثمان سنوات أكثر المدّة؛ الطالب هنا باستطاعته أن يُنهي البكالوريوس بأربع سنوات، بخمس سنوات، بست سنوات إلى ثمان سنوات. فهناك حرّية تحرّك بالنسبة للمدّة الدرّاسية لكن ليست الحرّية المفتوحة الموجودة في الحوزة العلمية.
أحد الدكاترة دائمًا كان يقول أن نظام السّاعات المعتمدة هو (النظام الإسلامي)، وهو في الواقع ليس كذلك، إنما كان موجودًا في الدّراسات القديمة في التأريخ ما يشبه نظام الساعات، ولعلّه مأخوذ من نفس الدّراسات الدّينية التي فيها شيء من الانفتاح في التحرك بالنسبة إلى المدّة.
الآن في بريطانيا بالذّات، الدّراسة عندهم محدّدة بالمدّة، ولكن لو وُجد طالب نابه ذكي يستطيع أن يقطع المدّة بسرعة، یُفسح المجال إليه؛ في السنة الماضية نشر في الصحف عن طالب عمره ۱۶ سنة تخرج من الجامعة.
هم يأخذون بنظام المجموعات فكل مدرِّس يُشرف على مجموعة من الطلاب، في بعض المدارس لا يزيدون عن اثني عشر طالبًا وفي بعضها إلى خمس وعشرين، فإذا رآی طالبًا ذكيًا يعطيه فترة شهر أو شهرين لمراجعة المقرّرات الدّراسية ثم يجري له امتحان، ثم ينقله إلى الصف الذي بعده وهكذا، فقد ينهي الابتدائية في سنتين، وينهي المتوسطة والثانوية في سنتين، ويلتحق بالجامعة وفيها هكذا.
هذا الشيء يلتقي إلى حدّ ما، وربما استفادوه من الدِّراسات الدِّينية القديمة كما يُذكر في التاريخ.
هذا شيء يلتقي مع الدِّراسة الحوزوية؛ فالطالب يدخل الحوزة إذا كان طالبًا عنده شيء من النبوغ يستطيع أن يُنهي المقدّمات بسنتين، ويُنهي السُّطوح في ثلاث سنوات أو أربع سنوات، ويحضر البحث الخارج، وفيه يكفيه في مثل هذا أن يحضر سنتين ويصبح مجتهدًا، ففي ظرفية عشر سنوات أو أقل من عشر سنوات ربما ثمان سنوات ويكون مجتهدًا.
فهناك طالب يبقي يحضر البحث الخارج خمسين سنة، ويطوي على يديه مجموعة من المجتهدين، يدخلهم القبور ويبقى ذلك الإنسان المتأخر الذي لا يستطيع أن يعرب حتى الجملة البسيطة.
فالاعتماد في طيّ المدة أو امتداد المدة على مدى استعداد الطالب في الحوزة واهتمام الطالب بذلك.
۳- شيء آخر، الحوزات ليست فيها إدارة، أما الجامعات فيها إدارة، ففيها مدير إدارة وموظفين، وربما في بعض الجامعات بالآلاف، خاصة إذا كانت الجامعة فيها نصف مليون طالب أو أكثر أو أقل بقليل.
الحوزات ليس فيها إدارة، فإذا ذهبت إلى الحوزة – الآن – في النجف أو في قم لا تجد مكتبا يستقبلك كإدارة للحوزة، فيها طالب وفيها أستاذ وفيها كتاب؛ فنظامها يقوم على هذه الفكريات الثلاثة. أما الجامعة فيها طالب وأستاذ وكتاب وفيها إدارة. هذا جانب أيضا يدخل في المقارنة.
المصدر: الصفحة 71 من كتاب ” الحوزة العلمية تاريخها، نظامها ودورها في تغيير واقع الأمة ” للعلامة الشيخ عبدالهادي الفضلي + تحميل pdf