خاص الاجتهاد: إن الفقهاء والأصوليين متفقون في الجملة على وجود الثابت والمتغير في الشريعة الإسلامية الا أن الاختلاف وقع بينهم في مساحة المتغير وتشخيص مصاديق ذلك المتغير. وهذا الاختلاف ناتج عن الاجتهاد والنظر في تلك المصاديق هل هي من الثابت أم من المتغير؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد خاتم الانبياء والمرسلين وعلى اله الطيبين الطاهرين الائمة المعصومين .
وبعد …
فهذه مجموعة اسئلة وجهت الينا من قبل بعض الاخوة الاعزاء فاقتضى التكليف الرد والاجابة عنها سائلا من المولى تبارك وتعالى العصمة والسداد .
س : ما هو معيار الثابت والمتغير في الشريعة الاسلامية، وهل هناك اتفاق بين الاصوليين حول معيار التمايز بينهما ام ان الموضوع راجع الى الاجتهاد الشخصي والذائقة الفقهية للفقيه نفسه ؟.
الجواب :
اولا : الضابطة في معرفة الثابت والمتغير
في البداية لابد لنا من معرفة الثابت والمتغير في الشريعة الاسلامية بعد ان نستبعد العقيدة لأنها غير قابلة للتغيير مطلقا وكذلك المنظومة القيمية فإنها ثابتة لا اختلاف فيها. فلم يبق لنا الا الاحكام الشرعية التي يمكن ثبوتا ان نفترض فيها امكانية التغير والتبدل من عدمه .
انواع تبدل الحكم الشرعي
وعلى هذا الاساس نقول: ان التبدل والتغير تارة يكون في موضوع الحكم الشرعي وأخرى في نفس الحكم الشرعي .
اما التغير في الموضوع فانه يترتب عليه تغير الحكم بشكل تلقائي لما ثبت بان الاحكام تدور مدار موضوعاتها فاذا اختلف الموضوع اختلف الحكم. فالصلاة الرباعية ثابتة للمكلف ولكن اذا سافر قاصدا قطع المسافة الشرعية تغير الموضوع من الحاضر الى المسافر فيتغير حكم الصلاة بالنسبة اليه من الصلاة الرباعية الى الصلاة الثنائية فيكون حكمه القصر في الصلاة .
ومن هذا القبيل ايضا ما يسمى تغير الحكم الشرعي بتغير عنوانه لان الاحكام تدور مدار العناوين فاذا تبدل الخمر خلا تغير حكمه من حرمة الشرب الى حليته على الرغم من كون المادة واحدة الا أن اختلاف الهيئة والصورة أدى الى اختلاف العنوان وبالتالي اختلاف الحكم .
اختلاف الاحكام الشرعية واثره في تبدل الحكم الشرعي
واما اختلاف نفس الاحكام الشرعية فإن الحكم الشرعي ينقسم إلى قسمين :
الاول: الحكم الشرعي الثابت وهو الذي يكون نصا في الحكم أو مجمع عليه سواء كان في العبادات أو المعاملات أو غيرهما . امثال وجوب الصلاة والصوم والحج. وامثال حلية البيع وحرمة الربا وعدم جواز الجمع بين الاختين أو نكاح المحارم وغير ذلك .
الثاني: الحكم الشرعي غير الثابت وهو الذي لا يكون نصاً في الحكم ولم يكن عليه الاجماع وانما يمكن فيه الاجتهاد ويختلف الفقهاء في فهمه او توجيهه. فهنا يمكن ان يتغير الحكم بتغير الاجتهاد بشرط ان يكون الاجتهاد وفق الضوابط العلمية. امثال بعض التحديدات الشرعية كتحديد المسافة الشرعية في وجوب القصر أو حد الترخص أو امكان اقامة الاحكام الشرعية في زمان الغيبة او امكان اقامة الحكومة الاسلامية في زمانها كذلك . وغير ذلك من المسائل الكثيرة التي يقع فيها الاجتهاد وفقا لاختلاف الفهم من قبل الفقهاء .
تقسيم آخر للأحكام الشرعية
ثم يمكن تقسيم الاحكام الشرعية مطلقا من زاوية اخرى الى قسمين ايضا :
الاول: الاحكام الشرعية الموجهة للمكلف في حال الاختيار, وتسمى ايضا بالأحكام الاولية : وهي الاحكام التي تصدر من الشارع ويجب العمل طبقها من قبل المكلف ولا يجوز له تركها اذا كانت امرا ولا يجوز فعلها اذا كانت نهياً. كل ذلك في الوضع الطبيعي للمكلف. كوجوب الوضوء للصلاة . وحرمة اكل الميتة .
الثاني: الاحكام الشرعية الموجهة للمكلف في حال الاضطرار, وتسمى ايضا بالأحكام الثانوية: وهي الاحكام التي تصدر من الشارع في حال اضطرار المكلف وخروجه عن الوضع الطبيعي. كالتيمم في حال عدم وجود الماء او لوجود المانع من استعماله لمرض او برد او عجلة او غير ذلك . وحلية او وجوب اكل الميتة لأجل البقاء على قيد الحياة فيما اذا انعدم الطعام ولم يكن بدا من اكل الميتة.
تحديد الثابت والمتغير على ضوء ما مضى
اذا عرفت هذا فان الاحكام الثابتة هي الاحكام القطعية الثابتة لموضوعاتها الاصلية الاولية التي لا يمكن ان يقع فيها اجتهاد او خاضعة لنظر احد من الفقهاء ولم يتبدل موضوعها او عنوانها او اضطر المكلف لها.
واما الاحكام المتغيرة فهي الاحكام غير الثابتة لموضوعاتها الاولية والتي يمكن ان يقع الاختلاف والاجتهاد فيها من قبل الفقهاء او التي تبدل موضوعها او عنوانها او اضطر المكلف لها .
وعلى هذا الاساس فان الفقهاء والاصوليين متفقون في الجملة على وجود الثابت والمتغير في الشريعة الاسلامية الا ان الاختلاف وقع بينهم في مساحة المتغير وتشخيص مصاديق ذلك المتغير . وهذا الاختلاف ناتج عن الاجتهاد والنظر في تلك المصاديق هل هي من الثابت ام من المتغير؟ .
ولكن تبقى مساحة محل الاختلاف قليلة جداً قياسا بمساحة محل الاتفاق .
السيد فاضل الموسوي الجابري
أستاذ البحث الخارج في حوزة النجف الأشرف وعميد معهد الإمام الحسين للدراسات القرآنية التخصصية في النجف الأشرف وأستاذ التفسير في حوزة النجف أيضاً و مسئول شئون القرآنية في العتبة الحسينية المقدّسة.