التخدير

حكم التخدير عند اجراء العقوبات الجسدية .. آيه الله السيد محمود الهاشمي الشاهرودي

الاجتهاد: هل يجوز تخدير العضو الذى يراد قطعه حدا او قصاصا او تخدير المحكوم عليه بالرجم او بالجلد ام لايجوز ذلك؟ سوال يطرح نفسه اليوم فى ضوء ما احرزته التقنية الحديثة فى مجال الطب الجراحى من امكان تخدير الانسان او عضو منه فلا يكاد يحس بالم الجرح او الضرب، ولاشك ان هذا لو كان جائزا ومن حق المحكوم عليه بحد او قصاص او تعزير فسوف يطلبه حتم؛ لان فيه التخفيف عليه كثيرا.

المسالة ليست مبحوثة فى كلمات الفقهاء سابقا لانها مستحدثة ولم تكن ممكنة فى تلك الازمنة ليبحثوا حكمها، فلابد من فتح باب البحث والاستنباط فيها كما فى سائر المسائل المستحدثة.

وحيث ان العقوبة فى باب الحدود والتعزيرات تختلف طبيعة وملاكا عنها فى باب القصاص، من هنا لابد وان نورد البحث فى مسالتين:

الاولى: حكم التخدير في الحد او التعزير.

الثانية: حكمة فى القصاص.

اما المسالة الاولى:

فلابد فيها من ملاحظة ادلة الحدود والتعزيرات ليرى هل يستفاد منها ان الايلام بالمقدار الذى يقتضية طبيعة ذلك الحد او التعزير شرط لازم وداخل فى العقوبة ام لا، فان لم نستفد منها الشرطية كان مقتضى الاصل جواز تخدير المحكوم عليه نفسه، بل قد يقال بحرمة اقامة الحد عليه من دون تخدير اذا طالب به مع امكانه لحرمة ايذاء المسلم زائدا عما يثبت من العقوبة، و المفروض ان الايلام ليس داخلا فيها.

والصحيح، ان المستفاد من ادلة الحدود والتعزيرات لزوم تلك المرتبة المتعارفة من الايلام وبالتالى عدم جواز تخدير المحكوم عليه عند اجراء العقوبة بحيث لايحس الم الجلد او القطع او التعزيز. وهذا مايمكن تقريبه ببيانات عديدة:

منها: استفادة ذلك من الآيات الشريفة المتعرضة للحدود حيث ورد فى اكثرها ما يدل على دخول الايلام والاذى فى العقوبة المقررة وشرطيته فيها.

ففى حد الزنا والفاحشة ورد التعبير بالعذاب والايذاء حيث قال تعالى:

الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تاخدكم بهما رافة ء فى دين الله ان كنتم تومنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المومنين .«1»

فلئن قيل: ان عنوان الجلد ومفهومه لايدل صريحا على شرطية الايلام والاذى قلنا: ان ذيل الآية صريح فى ارادة العذاب منه، بل وصدرها ايضا يدل على ذلك بقرينة قوله تعالى: ولا تاخذكم بهما رافة.«2»

وقال تعالى فى اللعان:

ويدروا عنها العذاب ان تشهد اربع شهادات بالله انه لمن الكاذبين .«3»

وفى حد الاماء:

فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب.«4»وفى اللواط او الزنا:

واللذان ياتيانها منكم فآذوهما فان تابا واصلحا فاعرضوا عنهما ان الله كان كوابا رحيما.«5» وفى حد القذف قال تعالى: ان الذين يرمون المحصنات الغافلات المومنات لعنوا فى الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم.«6»

بناء على ان المراد لهم العذاب فى الدنيا- وهو حد القذف- والآخرة. وفى حد السرقة قال تعالى: والسارق والسارقة فاقطعوا ايديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم.«7». والنكال: هو العذاب.

وفى حد المحاربة ايضا تدل الآية على التشديد فى القتل والصلب والقطع حيث جيئ بها بصيغة التفعيل الدال على التشديد، والمتفاهم منه التشديد فى العذاب والعقوبة.

فالمستظهر من آيات الحدود التى هى الاصل فى تشريعها: ان المنظور فيها تعذيب المرتكب والتنكيل به وايذاوه بها لكى يرتدع هو بل والآخرون ايضا عن ارتكاب الجريمة، ولهذا ايضا وجب فى بعضها ان يشهد التعذيب طائفة من المومنين.

ودعوى: ان مرتبة من الاذى او العذاب قد تحصل بها حتى مع التخدير ولو بلحاظ آثار اجراء الحد بعد ذلك خصوصا فى مثل القطع، فلا دلالة لهذه الآيات على شرطية الاذى اكثر من ذلك.

مدفوعة: بان هذا خلاف ظهورها فى ان نفس الحد من الجلد او القطع عذاب واذى اى التعذيب والنكال بها لاب آثارها فيما بعد وما قد يعير به، بل المتفاهم عرفا والمرتكز عقلائيا فى باب العقوبة بالضرب والقطع ونحوهما ان المنظور فيها حيثية الايذاء والايلام الجسدى لكى يرتدع المرتكب وغيره ويودكب نظير العذاب والعقوبة الاخروية او التعذيب الذى كان ولايزال يمارسة السلاطين والطغاة.

وهذا يعنى ان هناك قرينة لبية ارتكازية تصرف ادلة الجلد والقطع والرجم ونحوها الى ارادة الايلام والتعذيب بها لامجرد اشكالها وصورها، فحتى اذا كان التعبير بالجلد او القطع او الضرب لاالعذاب والايذاء مع ذلك كنا نستفيد منه شرطية العذاب والايلام فى مقام العقوبة بمقتضى هذه القرينة النوعية والفهم الارتكازى، فالمقدار المتعارف من الايلام والايذاء بحسب طبع هذه العقوبات ماخوذ فى مفهومها عرفا وارتكازا، وهذا مما لاينبغى التشكيك فيه.

ومنها: ماورد فى السنة العديد من الروايات المتعرضة لكيفية بعض الحدود او التعزيرات مما يدل على اشتراط الايلام والعذاب فى العقوبات الجسدية.

ففى الباب (15) من ابواب حد الزنا المحصن ورد التعبير بان «عذاب الدنيا اهون من عذاب الآخرة »«8» فى معتبرة ابى العباس، وفى مرسلة صفوان ورد: المرجوم يفر من الحفيرة فيطلب؟ قال:«لا، ولايعرض له ان كان اصابة حجر واحد لم يطلب، فان هرب قبل ان تصيبه الحجارة رد حتى يصيبه الم العذاب ».«9» وفى نقلة الآخر«… وان لم يكن اصابة الم الحجارة رد.»«10» وفى الباب (15) من ابواب حد القذف روايات عديدة تدل على ان الضرب فى الزنا اشد منه فى شرب الخمر، وفى الخمر اشد منه فى القذف، وهو اشد منه فى التعزير، والشدة فى الضرب لاتكون الا بلحاظ الايلام ومرتبة الاذى، كما هو واضح.

وفى معتبرة الحسين بن ابى العلاء فيمن احتلم بام الآخر فاخبره به، قال اميرالمومنين(ع): ان فى العدل ان شئت جلدت ظلة؛ فان الحلم انما هو مثل الظل، ولكنا سنوجعه ضربا وجيعا حتى لايوذى المسلمين. فضربه ضربا وجيعا.«11»

وفى صحيح محمد بن مسلم فى حد شرب الخمر قال: سالته عن الشارب فقال: اما رجل كانت منه زلة فانى معزره، واما آخر يدمن فانى كنت منهكه عقوبة لانه يستحل المحرمات كلها، ولو ترك الناس وذلك لفسدوا.«12»

وفى معتبر ة ابى بصير: قال: سالته عن السكران والزانى؟ قال: يجلدان بالسياط مجردين بين الكتفين، فاما الحدفى القذف فيجلد على مابه ضربا بين الضربين.«13» ومثلها روايات اخرى فى الباب (11) من ابواب حد الزنا.

وفى رواية على بن جعفر، عن ابيه، عن على(ع) انه سئل عن راكب البهيمة؟ فقال: لارجم عليه ولاحد ولكن يعاقب عقوبة موجعة.«14»

والاستدلال بهذه الالسنة من الروايات كالاستدلال المتقدم بالآيات المباركة فلانعيد.

ومنها: ما ذكره الاصحاب فى باب حد شارب الخمر من انه لايقام عليه الحد فى حال سكره، بل يمهل حتى يفيق ثم يقام عليه الحد.

قال فى النهاية: ولايقام الحد على السكران فى حال سكره، بل يمهل حتى يفيق ثم يقام عليه الحد.«15»

فى المراسم: ولا يجلد الشركاب على السكر، ويجلدون عراة على ظهورهم وكفوفهم.«16»

وفى المهذب: واذا كان شارب المسكر سكرانا لم يقم الحد عليه حتى يفيق ثم يقام عليه ذلك.«17»

وفى الشرائع: ويضرب الشارب عريانا على ظهره وكتفيه، ويتقى وجهه وفرجه، ولايقام عليه الحد حتى يفيق.«18»

ومثله عبارته فى المختصر النافع.«19» وفى القواعد:

ولايقام الحد عليه حال سكره، بل يوخر حتى يفيق.«20»

وقال فى الجواهر تعليقا على كلام الشرائع: وكذا لاخلاف فى انه لايقام عليه الحد حتى يفيق لتحصل فائدة الحد التى هى الانزجار عنه ثانيا.«21»

فاذا كان نظرهم بالنسبة لحالة السكر و عدم الافاقة منها ذلك، فكيف بحالة التخدير العام وعدم الوعى والاحساس بالضرب اصلا فانه لابد وان لايصح اقامة الحد عليه فى تلك الحال بطريق اولى.

وكلمات الفقهاء هذه وان لم تكن دليلا ومستندا شرعيا بنفسها فى المسالة كما ان التعليل الذى ذكره صاحب الجواهر قدس سره اشبه بالحكمة وعلل الاحكام لا العلة المصطلحة. الا انه يمكن ان يستفاد من مثل هذه الكلمات ما اشرنا اليه فى الوجهين السابقين من استظهار شرطية الايلام والعذاب بالمقدار المتعارف لذى تقتضيه طبيعة العقوبة الجسدية المقررة فى الحد او التعزير وان هذا هو المستفاد من ادلة الحدود والتعزيرات وانها تعذيبات جسدية لهدف الزجر وردع المرتكب او الآخرين عن ارتكاب تلك الجرائم، فيكون فهم الفقهاء شاهدا لنا على صحة الاستظهار المذكور.

قال فى المبسوط: فاذا تقرر ما يقام بالسوط فالكلام فى ثلاثة فصول: صفة السوط وصفة الضرب وصفة المضروب. اما صفة السوط فسوط بين السوطين لاجديد فيجرح، ولاخكلق فلايولم.

روى عن زيد بن اسلم ان رجلا اعترف عند النبى(ص) بالزنا، فدعا له رسول الله(ص) وسلم بسوط، فاتى بسوط مكسور، فقال:«غير هذا، فاتى بسوط جديد لم يقطع ثمرته، فقال: بين هذين، فاتى بسوط قد ركب به لان، قال: فامر به فجلد» هذا لفظ الحديث.

وعن على(ع) انه قال: ضرب بين ضربين، وسوط بين سوطين.

واما صفة الضرب فانه ضرب بين ضربين لاشديدا فيقتل ولا ضعيفا فلا يردع، ولايرفع له باعه فينزل من عل، ولايخفض له ذراعه حتى لايكون له الم لقول على(ع):«ضرب بين ضربين، وسوط بين سوطين ».وروى عن على(ع) وابن مسعود وغيرهما انهم قالوا: لايرفع يده فى الضرب حتى يرى بياض ابطه.

واما صفة المضروب فان كان رجلا ضرب قائما ويفرق الضرب على جميع بدنه، ولايجرد عن ثيابه؛ لانه(ص) امر بالضرب، ولم يامر بالتجريد. وروى اصحابنا ان فى الزنا يقام عليه الحد على الصفة التى وجد عليها ان كان عريانا فعريانا وان كان عليه ثيابه ضرب وعليه ثيابه، فان كان عليه مايمنع الم الضرب كالفروة والجبة المحشوة نزعها وترك بقميصين، ولايشد، ولايمد، ولايقيد، ويترك يداه يتقى بهما لان النبى( ص) لم يامر بذلك.

واما جلد المراة فانها تجلد جالسة لانها عورة، ويشد عليها ثيابها جيدا لئلا تنكشف، ويلى شد الثياب عليها امراة، وتضرب ضربا رفيقا لايجرح ولاينهر الدم، ويفرق الضرب على بدنها ويتقى الوجه والفرج؛ لقوله(ع): اذا جلد احدكم فليتق الوجه والفرج.

وعن على(ع) انه قال للجلاد: اضرب واوجع، واتق الراس والفرج.«22»

وقد يناقش فى البيانات المتقدمة كلها بان قصارى مفادها ان ما يكون من الحدود والتعزيرات جلدا او رجما يمكن ان يستند الى تلك البيانات لاثبات اشتراط الايلام والاذى بالمقدار المتعارف فيه، فلايجوز التخدير المانع عن الاحساس به.

واما مايكون من العقوبات قتلا وازهاقا للنفس او قطعا لليد كما فى حد السرقة فلايمكن تعميم ذلك اليه، لان الآيات والروايات المتقدمة مختصة بالجلد او الرجم، والتعدى منهما الى حد القتل او قطع العضو بلاموجب، خصوصا وان القتل او قطع اليد فى نفسهما ومع قطع النظر عن الالم عند اجرائهما حكمة الرادعية فيهما تامة، وليست موقوفة على الايلام حين اجرائهما.

فالحاصل لادليل على ان العقوبة اكثر من نفس ازهاق الروح فى حد القتل او اكثر من نفس قطع العضو وفقدان الجانى له فى حد القطع لكى يشترط عدم جواز التخدير حين الاجراء، والنتيجة انه لابد من التفصيل فى الحدود بين عقوبة الجلد والرجم وعقوبة القتل والقطع، فيحكم فى الاولين بعدم جواز التخدير، وفى الاخيرين بجوازه.

والجواب: اما فى القطع فى حد السرقة فالظاهر من الآية حمل النكال فيها- وهو العذاب لغة -على نفس قطع اليد، لامايحصل منه نتيجة من فقدان العضو فان هذا خلاف الظاهر، فالمستظهر من سياقها ان العذاب الحاصل بنفس قطع اليد ايضا داخل فى العقوبة.

واما حد القتل وازهاق الروح- كما فى المرتد مثلا -فنفس عنوان القتل وان لم يكن مستلزما ولامتضمنا لشرطية الايلام والاحساس باذاه من قبل الجانى الا انه مع ذلك بالامكان ان يقال: ان المقصود من شرطية حصول الايلام ان كان لزومه ووجوب ايقاعه عليه فى مقام العقوبة زائدا على حصول القتل وازهاق الروح فقد يقال بعدم الدليل عليه، وان كان المقصود انه يحرم ايقاعه وان للمحكوم عليه حق المطالبة بالتخدير ومعه لايجوز اجراء الحد عليه بدون تخدير، بل يجب التخدير مطلقا حتى من دون المطالبة من الجانى لانه اكثر من المقدار الثابت عليه بعنوان العقوبة فيكون حراما بمقتضى القاعدة، فممنوع لانه خلاف اطلاق ادلة الحدود، حيث ان مقتضاها جواز قتله او قطعه او جلده بلاتخدير او اعمال مايوجب تخفيف آلامه، خصوصا اذا لاحظنا ان فى تلك الازمنة ايضا كان يمكن تخفيف الآلام عن طريق بعض الاعشاب او الادوية الموجبة للاغماء او تقليل الحس او اجراء الحد فى حال النوم، مع انه لم يكن لازما جزما وكانت العقوبات الجسدية كلها تجرى بالنحو المتعارف.

فالحاصل: اطلاق ادلة الحدود والسيرة المتشرعية العملية واطلاق الفتاوى والمرتكزات الفقهية والمتشرعية كلها تشهد وتدل على عدم حرمة اجراء العقوبات الجسدية فى باب الحدود من دون تخدير حتى اذا طالب بها الجانى فضلا عما اذا لم يطالب من دون فرق بين حد وآخر.

نعم قد لايثبت حرمة التخدير او وجوب منع الجانى عنه اذا حاول ذلك بنفسه الا فى مثل الجلد والرجم او الاحراق والالقاء من شاهق ونحو ذلك مما قد يستفاد فى لسان ادلته ملاحظة الشارع لنوع الاذى والعذاب الحاصل بتلك العقوبة عادة ولزوم احساس الجانى به فى مقام اجراء الحد.

وقد يقال: بانه اذا ثبت جواز ايقاع الحد عليه مع الايلام ثبت لامحالة كونه جزء من العقوبة والا لم يكن جائزا، فجوازه فى المقام يساوق كونه من العقوبة المقررة؛ لما تقدم من ان اية عقوبة او كيفية زائدة على العقوبة المقررة من انواع الايلام ومراتبه حرام بمقتضى الادلة الاولية.

فالامر فى المقام دائر بين الحرمة والوجوب؛ لانه لو كان من لوازم العقوبة او داخلا فيها كان واجبا لان الحد بتمامه واجب والا كان حراما فاذا قام الدليل على الجواز بمعنى عدم الحرمة ثبت الوجوب لامحالة، فيمكن منعه عن تخدير نفسه ايضا، بل يجب اجراء للحد بكيفيته التامة.

وان شئت قلت: حيث انه يحرم ايلام الغير شرعا الا ما كان عقوبة مقررة، فكل ايلام للغير لايكون حراما يكون عقوبة لامحالة، فتتشكل دلالة التزامية للدليل النافى للحرمة على انه من العقوبة فتكون واجبة، فاطلاق ادلة الحدود او السيرة المتشرعية والفقهية كما يدلان على نفى الحرمة يدلان على وجوبة بالملازمة لكونه من العقوبة، فيجب منع الجانى عن تخدير نفسه.

وهذا البيان رغم صورته الفنية غير تام؛ لان حرمة الايلام كما ترتفع بكونه جزء واجبا من العقوبة المقررة كذلك ترتفع بكونه لازما لبعض مصاديق او مراتب العقوبة المقررة والتى يتخير الحاكم فيما بينها، فالاطلاق المذكور غاية ما يثبت ان الحاكم فى مقام اجراء حد القتل او القطع مخير بين اختيار القتل المولم بالمقدار المتعارف والقتل غير المولم وليس ملزما بالقتل غير المولم من ناحيته كما انه ليس واجبا ومتعينا عليه القتل المولم،

فالعقوبة بالدقة تخييرية من هذه الناحية ونتيجة ذلك انه لايحق للجانى المطالبة بالتخدير ولايتعين ذلك على الحاكم، ولكنه فى نفس الوقت لادليل على انه يجب منعه عن تخدير نفسه؛ لان الايلام لم يكن جزء تعيينا من العقوبة.نعم لازم التخيير المذكور جواز منعه بان لايسمح له الحاكم او لاينتظر به حتى يخدر نفسه فله ان يجرى عليه الحد فورا وقبل ان يتخدر بدنه، بل لو كان فى ذلك تعطيل لاجراء الحد مقدارا من الزمان فقد يقال بحرمته؛ لما دل على انه ليس فى الحدود نظر ساعة.

فالحاصل المحتملات ثلاثة:

1- وجوب التخدير والتخفيف من الم القطع لكونه زائدا على اصل الحد فيحرم.

2- حرمة التخدير لكون الالم جزء منه، فيجب.

3- جوازه التخدير؛ لكون المستفاد من الادلة والسيرة عدم تقييد الحد بعدم هذا المقدار من الالم وانه حرام على الحاكم والا لزم حرمة ما كان يفعل سابقا ولزم تقييد اطلاق الامر بالقطع ونحوه بذلك حيث ان المستفاد منه ولو بمعنى الاطلاق المقامى جواز ما كان يقع عادة فى الخارج فى تلك الازمنة، وهذا واضح.

والنتيجة المستخلصة من مجموع ما تقدم فى حكم التخدير فى الحد او التعزير انه لايجوز التخدير ولابد من منع الجانى عنه فى مثل الجلد والرجم وبعض انواع القتل الملحوظ فيه الشدة كالاحراق والالقاء من شاهق بل والقطع ايضا لو تم الاستظهار المتقدم فى الآية.

واما حد القتل وازهاق الروح وكذلك حد القطع اذا لم نقبل الاستظهار المتقدم فيجوز فيهما اجراء الحد من دون تخدير الا انه لايجب منع الجانى منه لو اراد ذلك بنفسه، والله العالم بحقائق الامور.

واما المسالة الثانية:

وهى حكم التخدير فى القصاص، فلاشك ان القصاص حق خاص جعل للمجنى عليه على الجانى، كما انه لا اشكال فى انه قد لوحظ فيه المماثلة والمساواة فى الكمية والكيفية بين القصاص وبين الجناية فان هذا مستفاد اجمالا من ادلة تشريع القصاص.

وعلى هذا الاساس قد يقال بانه من حق المجنى عليه او وليه فى القصاص ان يمنع الجانى من تخدير نفسه عند الاقتصاص؛ لان جنايته كانت كذلك. نعم لو كانت الجناية مع تخدير المجنى عليه جاز للمقتص منه ايضا المطالبة به عند الاقتصاص.

وقد يناقش فى هذا الاستدلال تارة بانه لادليل على اشتراط المثلية فى تمام الخصوصيات والاوصاف ومقدار الالم، وانما الذى قام عليه الدليل اشتراط المثلية فى العضو الذى يراد الاقتصاص منه و كذلك فى القيمة والدية، فلو جنى رجل على امراة فقطع يدها وارادت القصاص منه ردت فاضل الدية عليه ثم اقتصت.

واما المماثلة باكثر من ذلك كالمماثلة فى مقدار الاحساس بالالم او كون القصاص فى الشتاء البارد او الصيف الحار او فى المكان الفلانى فكل ذلك لادليل على شرطية المماثلة فيه. واما آية «فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم »«23» فهى ناظره الى احكام قتال الكفار، لاقصاص جنايات الافراد بعضهم لبعض.

واخرى: بقيام الدليل على عدم شرطية المماثلة فى مقدار الالم والاذى فى باب القصاص. وهو الروايات الدالة على ان الثابت فى القصاص هو القتل دون عذاب ولاتمثيل وان فعله القاتل. كصحيح الحلبى عن ابى عبدالله(ع) قال: سالناه عن رجل ضرب رجلا بعصا فلم يقلع عنه الضرب حتى مات، ايدفع الى ولى المقتول فيقتله؟ قال: نعم، ولكن لايترك يعبث به، ولكن يجيز عليه بالسيف.«24»

ومثلها رواية موسى بن بكر عن العبد الصالح(ع) فى رجل ضرب رجلا بعصا فلم يرفع العصا عنه حتى مات، قال: يدفع الى اولياءالمقتول، ولكن لايترك يتلذذ به، ولكن يجاز عليه بالسيف.«25»

وهى وان كانت تنهى فى صدرها عن المثله او التلذذ او العبث بالمقتص منه فى مقام الاقتصاص فيكون ظاهرا فى حرمة المثلة فى نفسها الثابتة بادلة اخرى ايضا. الا ان ذيلها ظاهر فى ان ولى القصاص ليس له الا ان يجيز عليه بالسيف، فلايجوز له ان يضربه بالعصا حتى يموت، كما فعل بالمجنى عليه، فالمماثلة فى نوع القتل ومقدار التعذيب الحاصل به لو كان من حق ولى القصاص جاز له ذلك فى مورد السوال مع ان ظاهر الجواب عدم جوازه وانه ليس له فى القصاص الا حق قتله بالسيف، والذى لعله كان هو الطريق المتعارف امر اسهل الطرق وايسرها للقتل وقتئذك، وهذا الدليل وان كان واردا فى قصاص النفس الا انه قد يتعدى منه الى قصاص الاطراف او الجروح ايضا بعدم احتمال الفرق بينهما من هذه الناحية عرفا او فقهيا.

وفى قبال ذلك يمكن ان يقال بامكان استفادة المثلية بهذا المقدار اى فى اصل الايلام وعدمه من ادلة القصاص فان هذه الخصوصية اعنى اصل التالم والاذى الحاصل بالجرح او القطع او القتل امر مهم جدا عند الناس ومن لوازم الجروح، وليس من قبيل الخصوصيات العرضية الطارئة او غير المهمة من قبيل كون الجناية فى الصيف او فى الشتاء او فى الليل او فى النهار، فكون القطع او الجرح او القتل مولما للجانى وعدمه مما يهتم به العرف والعقلاء فى باب القصاص جزما، فلايمكن اهماله واعتباره خارجا عن حق القصاص.

خصوصا اذا اخترنا فى المسالة المتقدمة جواز ايصال الجانى لما يقطع منه قصاصا فيقال مثلا فيمن قطع يد الغير عمدا انه يخدر و تقطع يده بعملية جراحية ثم توصل فورا ايضا ويكون هذا قصاصا ومماثلا لما فعله بالمجنى عليه الذى جعله اقطع، والذى تحمل مرارات الم القطع الشديدة، فهل يمكن قبول هذا عرفا فى القصاص؟

فالحاصل: المثلية فى القصاص فى اصل الايلام والاذى بالمقدار الذى تقتضيه طبيعة الجناية الواقعة عادة وعرفا يمكن استفادتها تارة: من نفس عنوان القصاص بعد تحكيم مناسبات الحكم والموضوع المركوزة عرفا وعقلائيا لمثل هذا الحكم عليه. واخرى من بعض الادلة المتعرضة لحكم القصاص.

منها: قوله تعالى: وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا واصلح فاجره على الله انه لايحب الظالمين.«26»

فان هذه الآية بقرينة ما فى ذيلها من ذكر العفو ناظرة الى قصاص الافراد بعضهم من بعض، والتعبير عنه بالسيئة- مع ان القصاص ليس سيئة بل حق -للازدواج او لانها تسوء من تنزل به، والمعنى انه يجب فيما اذا قوبلت الاساءه ان تقابل بمثلها من غير زيادة او تجاوز عما فعل به، فتدل الآية الشريفة على ان مقدار المماثلة من حق المجنى عليه، ولاشك ان اصل الايلام والاذى فى قبال ان لايتاذى اصلا بالتخدير داخل فى ذلك.

ومنها: قوله تعالى: وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خيرء للصابرين .«27» والاستدلال بها كالاستدلال بالآية السابقة.

ومنها: قوله تعالى: فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف فى القتل انه كان منصورا.

«28» والظاهر من الآية، ان حد السلطنة المجعولة للولى ومقدارها ان لايسرف فى القتل بان يقتل ازيد او غير قاتلة او يمثل بالقاتل حال قتله. هكذا فسرت الآية من قبل المفسرين وفى بعض الروايات- كما فى حديث اسحاق بن عمار عن ابى عبدالله(ع)- ما هذا الاسراف الذى نهى الله عنه؟ قال:«نهى ان يقتل غير قاتله، او يمثل بالقاتل.»«29»، وهو ظاهرها.

فتدل الآية على ان ما لايكون اسرافا لافى الكمية ولا فى الكيفية بل بمقدار الجناية التى اوقعها الجانى فهو من حق المجنى عليه فى مقام القصاص وتحت سلطانه، ولا اشكال ان اصل الالم والاذى الذى تقتضيه الجناية داخل فى هذا المقدار والحد.

ومنها: ان المستفاد من مجموع الآيات والروايات الواردة فى القصاص من قبيل قوله تعالى: يا ايها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص فى القتلى الحر بالحر بالحر وكالعبد بالعبد والانثى بالانثى «30» وقوله تعالى:

وكتبنا عليهم فيها ان النفس بالنفس والعين بالعين والانف بالانف والاذن بالاذن.«31» اعتبار المساواة والمماثلة فى القصاص وان من حق المجنى عليه او وليه مقابلة الجانى بالمثل وان هذا هو الاصل الاولى فى الجناية العمدية لايخرج منها الا لمانع عن المماثلة والمساواة فى المقدار بلازيادة ونقيصة، من قبيل خوف الهلاك والتغرير او الزيادة فى الجناية او عدم امكان تحديد المقدار المماثل فى موارد قصاص الاطراف او الجراحات فانها تمنع عن امكان اجراء القصاص واما مايمكن فيه المماثلة بلازيادة او تغرير فهو من حق المجنى عليه فى القصاص.

وهذا كله يوكد اعتبار المماثلة فى القصاص من الجهات المهم * عقلائيا كمقدار الجرح وموضعه ومنها اصل الالم والاحساس بالاذى بالجرح او القطع.

وقد ورد فى التفسير المنسوب الى الامام العسكرى(ع)، عن آبائه عن على بن الحسين( ع) قال: يا ايها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص فى القتلى-يعنى: المساواة وان يسلك بالقاتل فى طريق المقتول المسلك الذى سلكه به من قتله.«33»

وقد ورد فى خبر السكونى عن ابى عبدالله(ع) قال: رفع الى امير المومنين(ع) رجل داس بطن رجل حتى احدث فى ثيابه فقضى عليه ان يداس بطنه حتى يحدث فى ثيابه كما احدث، او يغرم ثلث الدية.«33»

والحاصل من مجموع ما تقدم يمكن ان نستكشف ان المماثلة فى اصل الايلام والاحساس بالاذى بالمقدار الذى تقتضيه الجناية عادة من حق المجنى عليه او وليه فى باب القصاص فيمكنه ان يطالب به ولايمكن للجانى ان يمتنع عنه.

واما ماتقدم فى صحيح الحلبى فلا يستفاد منه اكثر من النهى عن التمثيل او التلذذ بالقاتل فى مقام القصاص نتيجة الحمية والغضب وحب الانتقام- كما هو الغالب -وليس مفادها نفى اشتراط المماثلة او حق المقابلة بالمثل، فلم يجوز الامام(ع) فى مورد الرواية ان يقتله بالعصا كما فعل الجانى لانه فى معرض التلذذ والتمثيل به سيما وهو لايدرى كيف ضربه بالعصا وكم ضربه حتى مات.

على انه وارد فى خصوص القتل وازهاق الروح وانه يشترط فيه القتل بالسيف دون سائر الطرق غير المتعارفة للقتل كالضرب بالعصا وان كانت الجناية به، فلا تدل على سقوط المساواة والمماثلة فى سائر الجهات، والتى من اهمها الاحساس بالم الجناية، خصوصا فى باب الجروح و قصاص الاطراف. والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.

الهوامش

1. النور: 2. 21. النور:2. 31. النور: 8.

4. النساء: 25.

5. النساء: 16.

6. النور: 23.

7. المائدة: 38. 81. الوسائل، ج 28:102، باب 10، حدالزنا، ح 2.

9. المصدر السابق: ح 3.

10. المصدر السابق: 103، ح 5.

11. الوسائل 28: 210، ب 24، حد القذف، ح 1.

12. الوسائل 28:225، ب 4، حد المسكر، ح 6.

13. الوسائل 28:23، ب 8، حدالمسكر، ح 1.

14. الوسائل 28:36، ب، من نكاح البهائم، ح 11.

15. النهاية: 712.

16. المراسم ضمن الينابيع الفقهية 23:115.

17. المهذب 2:536.

18. الشرائع 4:170.

19. المختصر النافع:222.

20. القواعد 2: 263.

21. الجواهر 41:461.

22. المبسوط فى فقه الامامية 8:68 69.

23. البقرة: 194.

24. الوسائل 29: 36، ب 1، قصاص النفس، ح 2.

25. الوسائل 29:127، ب 62، قصاص النفس، ح 3.

26. الشورى: 40.

27. النحل: 126.

28.الاسراء: 33.

29. الوسائل 29: 127، 62، قصاص النفس، ح 2.

30. البقرة: 178.

31. المائدة: 45.

32. الوسائل 29: 54، ب 19، قصاص النفس، ح 8.

33. الوسائل 29: 182، ب 20، قصاص الطرف، ح 11.

المصدر: كتاب :قراءات فقهية معاصرة لآية الله الشاهرودي “ره” – ج1

 

 

almojam

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky