الاجتهاد: قال المحقق الشيخ محمد مهدي شمس الدين: قد خشيت الادارة الأموية في الحجاز من عواقب النشاط التي كانت تبذله السيدة زينب سلام الله عليها في المدينة بعد عودتها من كربلاء، حيث إنها من خلال المأتم العائلية كانت تؤجج في الحجاز روح الثورة في المجتمع. ثم أشار إلى ما كتبه عمرو بن سعید حاکم المدينة إلى يزيد يخبره بذلك. إلى أن قال: ويبدو أن أمراً قد صدر بسفر السيدة زینب سلام الله عليها إلى خارج الحجاز.
كانت العقيلة زينب الكبرى “عليها السلام” بعد واقعة الطف ومأساة يوم عاشوراء الرهيبة تذري دماء القلب من جفونها القريحة، حزينة الفؤاد، کسيرة الخاطر، قد فارقت أعز الناس عليها، وأحبهم إليها، فتركت أرض الطفوف، تحف بها الأرامل والأيتام، وتحيط بها الأعداء اللئام ولكن العقيلة سلام الله عليها هي القدوة في الصبر والشجاعة، وأسوة في عمل الصالحات، تحملت كل ذلك في سبيل اكمال نهضة أخيها سيد الشهداء، ولأجل نشر رسالته، والدفاع عن حريم الدين.
رحلة العقيلة “عليها السلام” الى ربها:
المشهور ان العقيلة زينب سلام الله عليها انتقلت إلى جوار ربها عشية يوم الأحد لخمسة عشر يوماً مضت من رجب سنة 62 هـ).
وقد صعدت روحها الطاهرة إلى السماء كأسمى روح صعدت إلى الله تعالى تحفها ملائكة الرحمن، بعد جهاد طويل، وعناء مرير، لتبث شكواها إلى الباري تعالى فيما لاقته من المحن والخطوب. سلام الله عليها يوم ولدت ويوم لحقت بربها ويوم تبعث في ذلك اليوم الذي يأخذ بحقها العدل القهار .
مرقد زينب الكبرى”عليها السلام”:
هناك ثلاثة احتمالات لمكان المرقد الطاهر للعقيلة زينب سلام الله عليها، في الشام ومصر والمدينة. ولكل واحد من هذه الاحتمالات أدلة للقائلين به.
لقد ذكر بعض المؤرخين وأهل السير الذين كتبوا حول أهل البيت “عليهم السلام” ان مرقد زينب سلام الله عليها الطاهر في الشام، وذكروا الأدلة على ذلك.
وقد أفرد بعضهم كتب ورسائل لتحقيق هذا الموضوع، ومن أبرزهم الشيخ فرج العمران القطيفي (ت ۱۳۹۸ ه). الذي ألف رسالة تحت عنوان ( المرقد الزينبي) وانتهى به البحث إلى ترجيح القبر الشريف في الشام. والبحث الآخر الأعمق هو للشيخ محمد حسنين السابقي من علماء باكستان حيث ألف كتابا يقع في ۲4۰ صفحة وطبع في بيروت عام ۱۹۷۹ م، حيث رجّح أن القبر الطاهر في الشام أيضا وذكر أدلة مفصّلة على ذلك.
وهناك من ذهب إلى أن المرقد الشريف في مصر: لقد ذكر ذلك عدة من الأعلام أصحاب المؤلفات المعروفة كالعلامة الشعراني المصري في لواقح الأنوار (الطبقات الکبری) (ت ۹۷۳ هـ)، وكذلك المناوي (ت ۱۰۳۱ هـ) في الكواكب الدرية والشبراوي (ت ۱۱۷۱ هـ) في الإتحاف بحب الأشراف. وغيرهم. ولقد رجح العلامة الخبير السيد شهاب الدين المرعشي هذا القول بعد الظفر بكتاب ” أخبار الزينبيات” للعبيدلي (ت ۲۷۷ هـ)، حيث ذكر فيها سفر العقيلة زينب سلام الله عليها إلى مصر.
وهناك قول ثالث يرجح بأن قبر العقيلة في المدينة المنورة، وأبرز من دافع عن هذا الرأي هو السيد محسن الأمين العاملي، ولقد ذكر في «أعيان الشيعة» بعض الأدلة التي استبعد فيها كون قبر العقيلة سلام الله عليها في الشام، ونفى أيضا أن تكون قد دفنت في مصر، وأن القبر الموجود في الشام لزينب الصغري ابنة أمير المؤمنين الإمام علي في المكناة بأم كلثوم، وان القبر الموجود في مصر لزینب بنت يحيى المتوج بن الحسن الأنور بن زيد الأبلج بن الحسن بن علي بن أبي طالب “عليه السلام”(2)
وأشار إلى أن سبب التوهم – في كلا الموضعين – في نسبة القبر إلى العقيلة زینب سلام الله عليها هو كلّ من سمع باسم «زینب» ينسبق ذهنه إلى زینب الکبری سلام الله عليها لتبادر الذهن إلى الفرد الأكمل.
وقد تمسك السيد في مدعاه أيضاً بالاستصحاب؛ وذلك باعتبار ان المدينة موطنها وقد عادت إليه بعد واقعة الطف قطعاً، لذا استصحاباً قد حكم بانّ دفنها وقبرها في المدينة المنورة ما لم يثبت العكس في خروجها منها.
وناقش هذا القول الشيخ محمد حسنين السابقي، وأيضا الشيخ محمد جواد مغنية، قال الأخير في كتابه «مع بطلة كربلاء»: إن الأخذ بالاستصحاب هنا لا يعتمد على أساس، لأن موضوع الاستصحاب أن نعلم بوجود الشيء ثم نشك في ارتفاعه بحيث يكون المعلوم هو المشكوك بالذات كما فرض علمنا بدفن الجثمان الشريف في المدينة قطعاً ثم شككنا هل نقل إلى بلد آخر أو بقي حيث كان؟ فنستصحب ويبقى ما كان على ما كان الاتحاد الموضوع، وأما إذا علمنا بدخولها المدينة ثم شككنا في محل قبرها، فلا يمكن الاستصحاب بحال، لأن الدخول الى المدينة شيء ودفن الجسد الطاهر شیء آخر»(3).
وقال المحقق الشيخ محمد مهدي شمس الدين: قد خشيت الادارة الأموية في الحجاز من عواقب النشاط التي كانت تبذله السيدة زينب سلام الله عليها في المدينة بعد عودتها من كربلاء، حيث إنها من خلال المأتم العائلية كانت تؤجج في الحجاز روح الثورة في المجتمع. ثم أشار إلى ما كتبه عمرو بن سعید حاکم المدينة إلى يزيد يخبره بذلك. إلى أن قال: ويبدو أن أمراً قد صدر بسفر السيدة زینب سلام الله عليها إلى خارج الحجاز.
وهذه النقطة في تاريخ السيدة غامضة. فكيف صدر الأمر بالسفر؟ ولماذا اختارت مصر – كما هو الراجح – دون غيرها من البلاد؟ هذا ما لا تسعفنا المصادر ببيان حقيقة الحال فيه، الذي نعرفه من المصادر أن العقيلة سلام الله عليها قد وصلت إلى مصر في شعبان سنة 61 هـ أي بعد واقعة کربلاء بثمانية أشهر وان مسلمة بن مخلد الأنصاري عامل مصر استقبلها مع أعيان المسلمين بالبكاء والعزاء… إلى إن توفيت في اليوم الرابع عشر من شهر رجب سنة 62هـ(4)
على أي حال، ففي ضاحية دمشق بالشام يوجد مشهد مُشيّد، يقصده الناس من شتى أقطار العالم، ينسب إلى السيدة زينب سلام الله عليها.
وفي القاهرة – أيضا . هناك مشهد عظیم، يقصده أهل مصر وغيرهم، وهو ينسب إلى السيدة زينب سلام الله عليها ايضاً.
واننا نشير إلى هذه المعلومات ونضعها أمام القارئ وذلك اتماما للدراسة الموضوعية. وإن التحقيق في القضايا التاريخية يحتاج الى قرائن يطمئن الباحث لها، قد تكون في بعض الأحيان غير كافية.
فالتوسل إلى الله تعالى بالعقيلة زينب “عليها السلام” لقضاء الحوائج الدنيوية والأخروية، له دور كبير، سواء كان عند القبر المنسوب إليها في القاهرة أو في دمشق يكون مورد عناية الباري تعالى، وبالأخص اذا كنا نعتقد ان هذه البقاع المقدسة هي وسيلة لا غاية.
وعلى كل حال، تتنافس البقاع على ضم مرقد زينب الكبرى سلام الله عليها. فالمهم أن التوسل إلى الله تعالى بالسيدة زينب سلام الله عليها وطلب الشفاعة منها بقضاء الحوائج الدنيوية والأخروية بما لها من مكانة سامية عند الله تعالى له دوره الكبير وأثره المجدي، سواء كان عند القبر الموجود في سوريا أو مصر أو في مكان آخر، وبالأخص عندما نعتقد ان هذه مورد عناية الباري تعالی. وبالتالي يتشرف ويسمو كل مكان أقيم للعقيلة سلام الله عليها مرقد أو مقام.
الهوامش
(1) اخبار الزينبيات للعبدلي: ۱۲۲، وانظر زينب الكبرى “عليها السلام”للنقدي: 14۲.
(2)- أعيان الشيعة ۷: ۱4۰، ۱4۱، ۱4۲.
(3) انظر مع بطلة كربلاء»: ۹۰.
(4) واقعة كربلاء في الوجدان الشعبي: 264 – 265.
المصدر: كتاب: ” زينب الكبرى ودورها في النهضة الحسينية” لعبد السلام كاظم الجعفري / ص 204.