مفتي مصر

مفتى مصر: داعش تحقق فيهم الحرابة والبَغي / المقصود بالكفر فى الحديث ليس الكفر المخرج من الملة

فتح الدكتور شوقى علام مفتى الديار المصرية الملفات الشائكة فی حوار مع مجلة الأهرام العربي وتحدث عن المسائل المختلفة التي تجرى على واقع الأمة الإسلاميه منها: مفهوم الخلافة الإسلامية، وكشف حقيقة التنظيمات وموقف الإعلام الغربى من الإسلام، وأكد فى حواره أن المتشددين يسيطرون على المراكز الإسلامية والجاليات المسلمة فى الخارج. و بخصوص الشبهة حول المسجد الأقصى، أكد أن من يقولون إن المسجد الأقصى فى فلسطين ليس هو المذكور فى القرآن. أقول لهم: أسأتم فهم اللغة والقرآن.

الاجتهاد

الخلافة الإسلامية هل تصلح لنظام سياسى يجمع المسلمين فى كيان واحد؟
مفهوم الخلافة الإسلامية من أكثر المفاهيم الإسلامية التى تعرضت إلى التشويه والابتذال فى وقتنا الحاضر، حتى أضحى المفهوم سيئ السمعة لدى أوساط غير المسلمين، بل وبين المسلمين أنفسهم وفى الدول ذات الأغلبية المسلمة.

ما نشهده اليوم من قتل وسفك للدماء وترويع للآمنين تحت مسمى الخلافة الإسلامية، يعد إساءة عظيمة وتشويها كبيرا للإسلام والمسلمين، واستخداما للدين الإسلامى بغرض تحقيق مكاسب ضيقة وجذب البسطاء ممن ينطلى عليهم استخدام الشعارات الدينية، والذى يؤدى بدوره إلى أن انتشار العنف والصراعات الدينية فى مناطق العالم المختلفة تحت دعاوى الحروب الدينية. لذا يجب التصدى وبحزم إلى تلك الدعوات والجماعات المتطرفة.

هل هناك معايير للحكم أشار إليها الإسلام.. أم ترك نظامها لمقتضيات كل عصر؟

الدين الإسلامى لا يشترط ولا يحدد نظاماً واحداً للحكم، والعبرة فى اختيار نظام حكم دون غيره، هو تحقيق المصلحة العليا للبلاد والعباد. والخلافة الإسلامية هى نظام حكم ابتكره المسلمون، وذلك من أجل تحقيق غايات الاستخلاف فى الأرض وعمارتها وإقامة العدل بين الناس، وهو ما تحقق فى عصور الخلفاء الراشدين وتحقق بعد ذلك بنسب متفاوتة فى عصور التاريخ الإسلامى.
فالخلافة قضية شرعية لها شروطها وضوابطها التى استقرت عليها كتب الفقه منذ قديم الزمان، وليس الأمر مزحة يدعيها كل أحد. ونظام الحكم فى الإسلام متروك للعُرف دون إلزام دينى بنظام معين، ولكن للأسف أصحاب الفكر المتطرف يعتمدون على استخدام لغة مبهمة غير محددة بمعانٍ متقلبة ومختلفة، وأن المتطرفين يعالجون الأمور بنظرة غير متوازنة، فيتعاملون مع توافه الأمور بجدية وصرامة ويتعاملون مع الأحداث العظام بسطحية وتسفيه.

عند ظهور ما يسمى «الدولة الإسلامية..» داعش، دعوا إلى مبايعة المدعو «أبو بكر البغدادى خليفة للمسلمين ومن يتخلف فدمه حلال ومثله الأنظمة الحاكمة التى وصفوها بالجاهلية والكفر.. ما حكم الإسلام فى أمثال هؤلاء؟ برغم كثرة ضحاياهم؟

قلنا وأكدنا مرارًا وتكرارًا أن تنظيم داعش الإرهابى ليس دولة وليس إسلاميًا، بل هم مجموعة من البغاة الساديين لا يعرفون الإسلام، وهم مفسدون وبغاة، هم ليسوا دولة إنما هم تقويض للدول القائمة، وإطلاق مسمى الدولة الإسلامية عليهم هو من باب التلبيس على الناس، وما يقومون به اليوم من قتل وسفك للدماء وترويع للآمنين، يعد إساءة عظيمة وتشويهًا كبيرًا للإسلام والمسلمين، وأيضًا لتاريخ المسلمين وتراثهم القديم، وهو استخدام لتعاليم الدين الإسلامى بغرض تحقيق مكاسب ضيقة وجذب البسطاء ممن ينطلى عليهم استخدام الشعارات الدينية، الذى يؤدى بدوره إلى انتشار العنف والصراعات الدينية فى مناطق العالم المختلفة تحت دعاوى الحروب الدينية .

فـ”داعش” وغيرها من التنظيمات الإرهابية، ارتكبوا كل ألوان الفساد، هتكوا الأعراض، وقتلوا الأنفس، وانتهوا إلى تكفير الأمة، فهم بُغاةٌ بشأن ادعائهم الخلافة الإسلامية فتحقق فيهم الحرابة والبَغي، فأفعال هؤلاء ليست أفعال أهل الإسلام، ويجب أن نتوحد فى التصدى لهم فكريًّا وأمنيًّا.

وما حكم الشباب المغرر بهم من عديمى الثقافة الدينية واستخدامهم لتفجير أنفسهم وقتل غيرهم؟ طمعًا فى الجنة ورضا الله؟

ما نشهده اليوم من قتل وسفك للدماء وترويع للآمنين تحت مسمى الخلافة الإسلامية المزعومة أو الجهاد، يُعد إساءة عظيمة وتشويها كبيرا للإسلام والمسلمين، وأيضًا لتاريخ المسلمين وتراثهم القديم، وهو استخدام لتعاليم لدين الإسلامي، بغرض تحقيق مكاسب ضيقة وجذب البسطاء ممن ينطلى عليهم استخدام الشعارات الدينية خصوصا من الشباب، والذى يؤدى بدوره إلى انتشار العنف والصراعات الدينية فى مناطق العالم المختلفة، تحت دعاوى الحروب الدينية.

وعلى وسائل الإعلام المختلفة أن تتبنى المصطلحات الصحيحة فى توصيف تلك الجماعات والحركات، وعدم الانجراف فى تبنى المُسميّات التى تطلقها تلك الحركات على أنفسها كمصطلح “الدولة الإسلامية” أو “الخلافة الإسلامية”، فهى من جانب تحاول أن تحصل على توصيف الدولة، برغم أنها ليست كذلك، كما أنها تحاول أن تلصق صفة الإسلامية إليها على غير الواقع؛ فلا هى دولة ولا هى تمت للإسلام بصلة.

“ترويع المسلم حرام وقتاله كفر” حديث شريف ما المقصود بوصف «الكفر» فى الحديث.. وما أسس المعاملة التى يرسخها؟

تنظيم داعش الإرهابى بأفعاله الإجرامية يتعارض كليًّا مع الجوهر الحقيــقى للرسالة المحمدية، من خلال ذبحهم الأبرياء، وحرقهم المدارس، وسبيهم النساء واضطهادهم الأقليات الدينية، وترويعهم المجتمع بأكمله، وانتهاكهم حقوق الإنسان بصورة صارخة.

والإسلام تصدى للإرهاب ولكل أشكال العنف وإشاعة الفوضى، والانحراف الفكري، وكل عمل يقوِّض الأمن ويروع الآمنين، فجميعها وإن تعددت صورها تشيع فى المجتمع الرعب والخوف وترويع الآمنين فيه، وتحول بينهم وبين الحياة المطمئنة، التى يسودها الأمن والأمان والسلم الاجتماعي. فالإسلام لا يبحث أبدًا عن الصدام والتعارض، بل أخبرنا الله سبحانه وتعالى فى كتابه الكريم أن الاختلاف ليس مدعاة أبدًا للفرقة والاختلاف بل هو أدعى للتعارف والتقارب والتحاور، يقول تعالى: (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ).

والمقصود بالكفر فى الحديث هو الجحود وكفر الإحسان والنعمة، وليس الكفر المخرج من الملة، بل يكونون ارتكبوا ذنبًا كبيرًا وكبيرة من الكبائر يستحقون عليها العقاب فى الدنيا والآخرة، لأن أهل السنة لا يكفرون المسلم بارتكابه المعاصى أو الكبائر.

بمناسبة الخلافة، هل تجوز مبايعة الخليفة – إذا افترضنا جدلاً وجوده – بالإكراه.. ومن يرفض المبايعة فهل هو خارج عن الملة يستحق القتل؟

من الوهم الذى تعيشه تلك الجماعات المتطرفة الإرهابية مثل داعش أنها تعتبر نفسها أنظمة مستقلة، ولها إمام، وعقدت الولاء والمبايعة لقادتها، مثلما حدث فى «داعش»، وكان هذا هو أساس الانتماء والولاء، فالتنظيم خرج عن جماعة المسلمين، التى أمرنا الله بالتزامها، وعدم الخروج عليها، وهم جماعة السواد الأعظم من المسلمين، وبتلك الفعلة من جانب «داعش»، يكون قد خرج عن المرجعية.
وعبر التاريخ، كانت مثل هذه الجماعات، إما تفصل الناس عن مصادر الشرع من الكتاب والسنة النبوية، وإما تفصلهم عن علمائهم؛ حتى يتثنى لها فعل ما دبرت لنفسها وللأمة، ولا أرى إلا أن كل هذه الفرق، بكل ما اعتقدت، فى ضلال. لذا فهم خوارج لا يجوز مبايعتهم ولا الانتماء إليهم، بل يجب نبذهم ومواجهتهم بشتى الطرق.

فى كل يوم تباغتنا تفجيرات دماء وأشلاء ضحايا.. هل قاتل المسلم المسالم بلا ذنب خروج عن الملة برغم ادعائه الانضواء تحت راية الجهاد؟ وهل هذا جهاد؟

الجماعات المتطرفة صدَّرت قضية القتل بأنها من صميم الإسلام عن طريق فهمهم المنحرف والمغلوط لحديث النبى صلى الله عليه وآله وسلم “أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله”، حيث أخرجوا الحديث من سياقه، وهنا أنبه إلى أن الأحاديث النبوية يجب فهمها فى سياقها العام وليست بصورة فردية حتى لا تؤدى عكس مقصودها مثلما يفعل المتطرفون، وهو ما يؤدى إلى إذكاء الإسلاموفوبيا والخوف من الإسلام.

ومنهج النبى صلى الله عليه وآله وسلم البناء والعمران والرحمة وليس القتل والحرق والدمار، فألفت النظر إلى أن هذا الحديث اجتزئ من سياقه؛ فالأمر عائد على النبى بقوله “أُمرت” وهو ما يدل على أن قرار الجهاد إنما يعود إلى الحاكم وولى الأمر، وجميع الفقهاء على مر العصور أجمعوا على أن الجهاد والقتال لا يكون إلا تحت راية؛ أى تحت عين الدولة وبتقدير من ولى الأمر، وكلمة “أقاتل” جاءت بصيغة المفاعلة ومعناها أنها لصد العدوان أو دفاعًا عن النفس، وقد قال العلماء إن كلمة “أقاتل” تختلف فى المعنى عن كلمة “أقتل” كما قال الإمام الشافعى رحمه الله وغيره.

والنبى صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله لم يقاتل أحدًا منذ هجرته للمدينة المنورة إلا دفاعًا عن النفس عندما نقضوا العهد وسعَوا لمحاربته مثلما فعل يهود المدينة.
والجهاد الحقيقى فى ميدان البناء والتعمير وليس إباحة قتل النفس بلا مبررات شرعية ، مشددا على أن الدولة لا بد أن تكون هى المهيمنة على قضية الجهاد، فلا تسمح بذهاب مواطنيها تحت دعاوى الجهاد لمواجهة العدو الذى تحدده هى وتكون محاربته تحت مظلتها لا هوى فرد.

وهل قاتل المسلم وغير المسلم «الآمن» وفى غير جبهة القتال.. خارج عن الملة ويجب القصاص منه؟

مسألة التكفير مسألة خطيرة جدًا، ولا ينبغى الوقوع فيها إلا بشروطها وضوابطها المعروفة حتى لا نكون مثلهم، والمنظمات الإرهابية والإجرامية مثل داعش وغيرها هى جماعات فاجرة مفسدة فى الأرض، وما يفعلونه لا يمت للإسلام بصلة، وينبغى التعامل معهم بكل حزم وأن نقاتلهم ونجتث هذا الشر حتى تستقر المجتمعات، وأن نتعامل معهم بكل الوسائل المتاحة سواء الفكرية أم الأمنية والسياسية.

فهم إذا كانوا مسلمين بالفعل ودخلوا الدين بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، لا يجوز لنا إخراجهم من الدين الإسلامى إلا إذا جحدوا وحدانية الله، وأما ما ارتكبوه من أفعال، فنحن نحاسبهم على هذه الأفعال بشدة وبالقانون والإسلام والأعراف الدولية وكل الوسائل الممكنة.

التشكيك فى الثوابت التاريخية مثلما قال به د. يوسف زيدان عن أن المسجد الأقصى المذكور فى القرآن الكريم فى سورة الإسراء ليس المقصود به القدس الشريف.. وتلك أفكار يتخذها الأعداء لتحقيق أغراضهم .. ما حكم الإسلام على أمثال هؤلاء؟ وهل يجوز أن تطلق عليهم صفة «مفكر إسلامى» أم «مسلم عاص» تجب استتابته وعلى ولى الأمر تنفيذ ذلك؟

أولاً لا بد أن ألفت النظر إلى أن البعض يخلط بين الفكر الإسلامى الذى هو نتاج فكر علماء المسلمين، الغاية منه تصحيح الأفكار بما يخدم الدين، وبين الشبهات التى أطلقها المستشرقون فى السابق والتى كانت غايتها الطعن فى هذا الدين، وما يقدمه يوسف زيدان لا يخرج عن هذه الشبهات المردود عليها سلفًا والتى قتلت بحثًا والتى يروجها العلمانيون من وقت لآخر.

أما قضية وصف أحد بأنه مفكر إسلامى فهذا يستدعى الإلمام بمجموعة من العلوم الشرعية والأصول والفقه بجانب علوم أخرى أعتقد أن زيدان بعيد عنها، هو رجل باحث فى علم من العلوم وبضاعته فى الفكر الإسلامى لا تؤهله لأن يفهم الآيات فهمًا صحيحًا، فقط كما قلنا يردد شبهات أثارها المستشرقون فشبهة تشكيكه فى المسجد الأقصى تستند إلى أنه عندما نزلت الآية الكريمة عن المسجد الأقصى {سبحان الذى أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى} فى سنة 621 ميلاديًّا لم يكن هناك مسجد جامع فى القدس يسمى المسجد الأقصى..

وهذه الشبهة مردها عدم الفهم لكلمة “مسجد”، فالرسول أسرى به من المسجد الحرام ولم يكن نائمًا ولا مقيمًا فى المسجد الحرام، بل كان مقيمًا فى مكة أى أسرى به من الحرم المكى إلى الحرم القدسي؛ فالقرآن لا يتحدث عن بناء أو جدار وشبابيك اسمها “المسجد الأقصى” أو “المسجد الحرام” وإنما يتحدث عن الإسراء من الحرم المكى -لأن كل مكة حرم- إلى الحرم القدسي، وكونه يزعم أن المسجد الأقصى موجود بالسعودية هى زعم لرجل يهودى فى عام 2009 ذكر أن المسجد الأقصى مكانه مكة، وعلى المسلمين أن يحملوا أحجار قبة الصخرة إلى مكة فجاء يوسف زيدان ونقل مباشرة عنه مرددًا ما زعمه من أكاذيب وهذا يبين عدم تقصيه للحقائق.

مقتبس من حوار أجرته مجلة الأهرام العربي مع مفتي الديار المصرية الدكتور شوقى علام مفتى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky