حكم الحاكم

هل يجوز نقض حكم الحاكم الجامع للشرائط ؟ / بقلم: مؤيد عطوان

الاجتهاد: (مسألة (29): حكم الحاكم الجامع للشرائط لا يجوز نقضه حتى لمجتهدٍ آخر حتى مع العلم بمخالفته للواقع، إذا كان بنحو الولاية أو الحكم القضائي. أما الفتوى فمنوطة بعدم العلم بمخالفة الواقع.) الحكم الذي يصدر من الولي الجامع للشرائط يكون نافذاً بحق جميع المكلفين مسلمين وغير مسلمين عوام ومجتهدين، وهذا حكم غير قابل للنقض حتى من مجتهد وكذلك الحكم القضائي فإنه نافذ على المكلف حتى من غير مقلدي المجتهد القاضي وهو لا يجوز نقضه من مجتهد آخر حتى في حال العلم بمخالفته للواقع.

إن المجتهدين من علمائنا لهم ثلاث مناصب شرعية:
1ـ الفتوى.
2ـ القضاء
3ـ الولاية.
ولكل منصب شرعي له شرائطه واختصاصاته، فالمجتهد يُسمى حاكماً بلحاظ منصب الولاية. وكذلك منصب القاضي. ويُسمى مفتياً ومقلَّداً بلحاظ منصب الفتوى والتقليد.

وهذه المسألة تتناول الحكم الذي يصدر من المجتهد من حيث كونه ولياً أو قاضياً وفي الحقيقة أن الحكم على ثلاثة أنحاء:
النحو الأول: الحكم الفتوائي (الفتوى).
النحو الثاني: الحكم المولوي.
النحو الثالث: الحكم القضائي.

أما الفتوى فهي تخص مقلدي المجتهد ولا تشمل غيرهم. أما الحكم بالولاية أو بالقضاء فإنه يشمل مقلدي المجتهد وغيرهم يعني يُعم المكلفين ويكون نافذاً عليهم سواء كانوا مقلدين له أم غير مقلدين.

إن الحكم على نحو الولاية والحكم القضائي الصادر من المجتهد الجامع للشرائط لا يجوز نقضه حتى لمجتهدٍ آخر حتى مع العلم بمخالفته للواقع.

أما الفتوى فإنها لا يمكن أن يحكم بها المجتهد وهو يعلم بمخالفتها للواقع، بل أي فتوى تتخذ من الواقع هدفاً للوصول بأعلى درجة ممكنة ومن هنا قال السيد الصدر في المسألة: (أما الفتوى فمنوطة بعدم العلم بمخالفة الواقع.)، لو يعلم المجتهد أن فتواه مخالفة للواقع فإنه لا يُفتي بها إطلاقاً وسيأتي في نهاية شرح هذه المسألة بين بعض المصطلحات الفقهية التي ترتبط بالفتوى وعلاقتها بالواقع.

ما هي الولاية؟

الولاية: هي حق التصرف في المجتمع من قبل المجتهد كتصرف الحاكم في محكوميه وتسمى ولاية الفقيه وقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة، فالمشهور يذهب إلى عدم ثبوتها للفقيه على الأحوط وجوباً.
يعني: عدم ثبوتها مستند إلى أصل عملي وليس دليل محرز.

وبعض كبار المحققين يذهب إلى ثبوتها للفقيه كالسيد الشهيد محمد باقر الصدر والشيخ محمد رضا المظفر والسيد روح الله الخميني والسيد الشهيد محمد الصدر والسيد الحائري والسيد الهاشمي وغيرهم من فقهاء المذهب.

والمسألة خلافية فقد بحثها الشيخ الأنصاري في مكاسبه ومن المعلوم أن الشيخ الأنصاري مضى أكثر من قرن على وفاته وهذا يدل على أن المسألة ليست كما يُريد أن يصوّر الإعلام المعادي أنها وليدة الثورة الإسلامية في إيران، بل هي أقدم من ذلك بمئات السنين وإلا كيف يحتاط مشهور الفقهاء في عدم ثبوتها لو لم تكن المسألة موضوعة البحث بالرغم من كون بحثها فيه تحدي للسلطان الجائر وقد يكون موضوعاً لوجوب للتقية.

إن الفقهاء ممن يذهب إلى عدم ثبوت الولاية العامة من باب الاحتياط الوجوبي فهم يذهبون على الأغلب إلى ما يُسمى بالولاية الخاصة في موارد محددة لا تتجاوز أصابع اليد.

ومنهم لا يذهب إليها بعنوان كونها ثابتة للفقيه، بل يذهب إلى ولاية عدول المؤمنين فيكون الفقيه هو من ضمن عدول المؤمنين وإن كان هو يمثل الفرد الأكمل من حيث العلم بطبيعة الحال.

إن السيد محمد الصدر (قدس) يُفتي بثبوت الولاية العامة للفقيه. ويحسن الحديث عن الولاية العامة من خلال ما يتبناه السيد محمد الصدر(قدس).
السيد محمد الصدر يقول: أن شرائط مرجع التقليد (منصب الفتوى) هي أيضاً شرائط الولي العام (منصب الولاية) بما فيها الأعلمية بمعنى أن شرائط الولي العام هي نفس شرائط مرجع التقليد.

أما منصب القضاء فهي أيضاً نفس الشرائط ما عدا الأعلمية، لأن قضاء غير الأعلم نافذ ما دام جامع للشرائط الأخرى.
إن مرجع التقليد تصدر منه الفتوى التي تعتمد على الأدلة التفصيلية كما مرَّ علينا فيما سبق. أما الولي العام فإنه يصدر الأوامر والنواهي والإجازات وقبض الخمس ومجهول المالك وغيرها.

إن الولاية العامة عند السيد محمد الصدر ولاية عامة مقيدة في حدود المصلحة وعند عدم وجود ولي (أنا ولي من لا ولي له)..
فالحكم الذي يصدر من الولي الجامع للشرائط يكون نافذاً بحق جميع المكلفين مسلمين وغير مسلمين عوام ومجتهدين، وهذا حكم غير قابل للنقض حتى من مجتهد وكذلك الحكم القضائي فإنه نافذ على المكلف حتى من غير مقلدي المجتهد القاضي وهو لا يجوز نقضه من مجتهد آخر حتى في حال العلم بمخالفته للواقع.

إن الرسالة العملية تحتوي على فتاوى وأحكام بالولاية وفي حال الشك بين في الحكم أهو على نحو الولاية أم الفتوى فإن الأصل هو الفتوى.
والملاحظ في كتاب الخمس أنه كثيراً ما يتدخل المجتهد بإعفاء المقلِدين عن بعض الأشياء التي تتعلق بها الخمس يعني لو اقتصر المكلف على الفتوى لوجب عليه دفع الخمس ولكن المرجع يتدخل بحكم منصبه منصب الولاية لإسقاطه أو إبراء ذمة المكلف.

فعلى سبيل المثال إن بيوت السكن التي يسكنها الفرد فإن مقتضى الفتوى تخميسها أولاً. ومن ثم تخميس الزيادة الحاصلة في ثمنها كل سنة حتى لو كانت مسكونة بالفعل هذا على نحو الفتوى، ولكن المجتهد بمنصب الولاية يعفي المكلف عن تخميس الزيادة التي تحصل كل سنة وهذا الإعفاء يكون بالولاية وليس بالفتوى.

مثال آخر أموال مجهول المالك وأهمها الأموال التي يستلمها المواطن من الدولة والأشياء الأخرى كلها من مجهول المالك. والفتوى لا تجوّز حيازتها والتصرف بها. وهنا يتدخل المجتهد بالولاية عن طريق الأذن العام أو الخاص.
وهكذا الحال بالنسبة للكثير من الأمور التي يشخص المجتهد المصلحة فيها ويمارس الولاية فيها.. وهناك دور للولاية العامة في ترتيب المجتمع وتنظيمه وترتيبه .

إن الشارع المقدس لم يجعل الولاية للفقيه جزافاً بل إرفاقاً للناس ورحمة بهم. والولاية ليست مقتصرة على الفقيه، بل هناك ولاية الحسبة أو عدول المؤمنين.
فالولاية قد تكون فعلية بالعنوان الأولي وقد تكون فعلية بالعنوان الثانوي.والمهم فيها أنها مقيّدة بوجود المصلحة لأن ولاية الفقيه تختلف عن ولاية الإمام المعصوم فإن ولاية الإمام المعصوم هي ولاية مطلقة.

إن المجتهد بمقدار ما يحصل له كشف عن الواقع يُفتي ولذلك قد تكون فتواه مطابقة للواقع وقد تكون مخالفة للواقع وبالتالي هو لا يعلم أن فتواه مخالفة للواقع بل هو خارج اختياره. نعم هو بمقدار ما يتوفر إليه من أدلة وحجج يبني فتواه وهو يقطع بفراغ الذمة بهذه الفتوى.

ومن خلال مطابقة الفتوى للواقع وعدمه كانت هناك اصطلاحات عند الفقهاء وددتُ عرضها توخياً لفائدة طلاب العلم.
إن فتوى المجتهد إما أن تكون فتوى بالحكم الإلزامي الحرمة (الحرمة ، الوجوب) وإما تكون نافية للحكم الإلزامي (كالاستحباب والإباحة والكراهة والبراءة واستصحاب عدم الوجوب وعدم الحرمة) فتكون النتيجة أربعة صور:

1ـ فتوى بالحكم الإلزامي وتكون مطابقة للواقع.
2ـ فتوى بالحكم الإلزامي مخالفة للواقع.
3ـ فتوى بنفي الحكم الإلزامي مطابقة للواقع.
4ـ فتوى بنفي الحكم الإلزامي مخالفة للواقع.

وأوكدُ هذه الصور هي احتمالات، لأن الفتوى أما تطابق الواقع أو تخالفه والفتوى أما إلزامية أو ترخيصية فتكون النتيجة أربعة صور كما سبق.

والمكلف في حال الامتثال وعدم الامتثال على ضوء الاحتمالات الأربعة يكون:
1ـ على ضوء الاحتمال الأول يكون المكلف عاصياً في حال عدم الامتثال ويكون مطيعاً في حال الامتثال.
2ـ على ضوء الاحتمال الثاني يكون المكلف متجريّاً في حال عدم الامتثال ويكون منقاداً في حال الامتثال.
3ـ لا شيءَ عليه في حال الترك وقد يثاب وكذلك في حال الفعل وقد يثاب طبعاً إذا ترك المكروه أو فعل المستحب.
4ـ على ضوء الاحتمال الرابع في حال الامتثال يكون معذوراً بمعنى أنه تصرف على حريته وكان في الواقع أنه واجب أو حرام فإنه معذور.

إن المكلف إذا أطاع الحكم الإلزامي يعني: لو أطاع فتوى الوجوب بالاتيان بمتعلقه أو أطاع فتوى الحرمة بترك متعلقها وكانت الفتوى مخالفة للواقع فإن المكلف يُثاب على الانقياد.
أما لو عصى فتوى الحرمة أو فتوى الوجوب وكانت الفتوى مخالفة للواقع فإنه يعاقب على تجريه. وعلى ضوء ما تقدم، أن المكلف لا يخلو من أربعة:
1ـ طاعة ما طابق الواقع من فتوى.(الطاعة الحقيقية)
2ـ عصيان ما طابق الواقع من فتوى.(المعصية الحقيقة)
3ـ طاعة ما خالف الواقع من فتوى (انقياد)
4ـ عصيان ما خالف الواقع من فتوى (تجري)
والمكلف في الانقياد يُـثاب وفي التجري يستحق العقاب.

 

المصدر: موقع كتابات ، تحت عنوان: أضواء على كتاب الاجتهاد والتقليد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky