الاجتهاد: يستعرض الكاتب آراء الفقهاء في مسألة قتل الجماعة بالواحد إستعراضاً مقارناً عند المذاهب الإسلامية جميعها. وانتظم البحث في مقدمة وثلاثة مباحث تضمن المبحث الأول بیان شرعية القصاص في القرآن والسنة والمبحث الثاني بيان حكم قتل الجماعة بالواحد عند الامامية والمبحث الثالث بيان حكم قتل الجماعة بالواحد عند مذاهب السنة ومن ثم الخاتمة ومسرد لأهم المصادر والمراجع.
المبحث الثالث: مسألة قتل الجماعة بالواحد عند المذاهب الإسلامية الأخرى
اتفقت المذاهب الاسلامية الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية على أن الجماعة تُقتل بالواحد اذا قتلوه عمدا وعدوانا، يستوي في ذلك أن يقتلوه بمُحَدد(106) أم بغيره ، مع اعتبار مخالفة الحنفية في القتل بغير المحدد ويستوي فيه كذلك أن يقتلوه إلقاء من شاهق أو في بئر أو في بحر أو بحجر ثقيل أو يخنقوه خنقا أو غير ذلك من صور القتل ولا يؤثر في وجوب القَوَد عليهم ما لو تفاضلت جراحاتهم في العدد والفحش والأرش، ويستوي فيه أيضا أن يكون عدد القتلة الجناة قليلا أو كثيرأ كأن يكونوا ثلاثة أو عشرة (۱۰۷)
إتفق العلماء في وجوب القصاص في هذه المسألة إلا أنهم يتفاوتون في اشتراط انزال القصاص بالجماعة التي تشترك على قتل الواحد.
فالأحناف يوجبون انزال القصاص بهم بإطلاق، وكيفما كان حجم الجراحات أو تأثيرها، إلا أن تكون خفيفة هينة وغير مؤثرة فلا تعتبر.
والشافعية والحنبلية يشترطون لانزال القصاص بهم: أن يجني كل منهم جناية لو انفرد بما وجب عليه عليه القصاص.. وذلك كما لو كان الجرح بليغا ومن شأنه أن يؤدي إلى الهلاك، ودليلهم في ذلك (الاجماع والقياس والمصلحة).
أما الإجماع، فقد جاء في المغني لابن قدامة: (ولنا اجماع الصحابة رضي الله عنهم روی سعید بن المسيب(108) أن عمر بن الخطاب قتل سبعة من أهل صنعاء قتلوا رجلا وقال لو تمالا عليه أهل صنعاء لقتلهم جميعا، وعن علي -عليه السلام- أنه قتل ثلاثة قتلوا رجلا وعن ابن عباس أنه قتل جماعة بواحد ولم يعرف لهم في عصرهم مخالف فكان إجماعا…)(109)..
وأما القياس: فهو أن عقوبة القصاص تحب للواحد على الواحد فهي اذن تجب للواحد على الجماعة كحد القذف، فلو قذف كثيرون واحدا وجب له الحمد على الكثيرين (110).
وأما المصلحة: فهي أن القتل يقع غالبا على سبيل التعاون والاجتماع من القتلة ومن خلال تَمَالُؤ بين فريق من الناس فلو لم يشرع فيه القصاص وهو على هذه الصورة من الاجتماع على القتل لاند باب القصاص، ولتمكن الجناة والقتلة من حشد أنفسهم والاتفاق فيما بينهم لإزهاق نفس بريئة من غير أن ينالهم بسبب ذلك عقابه وفي ذلك تفويت لما شرع القصاص من أجله وهو حفظ الأرواح وصون الحياة من العابثين والسفاحين (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون (۱۱۱).
يتبين أن هذا النوع من القصاص قد شرع حقنا للدماء البريئة أن تسفك بغير حق فلو لم يجب القصاص عند الاشتراك والاجتماع على جريمة القتل لتهيئت فرصة قتل الأبرياء بغير حق بالاستعانة بذوي النفوس الضعيفة لقتلهم واتخذها ذريعة في سفك الدماء وهو في مأمن من القصاص(۱۱۲).
هذا مذهب جمهور أهل العلم وهو مروي عن الامام علي – عليه السلام- وعمر والمغيرة ابن شعبة(۱۱۳) وابن عباس (114) وبه قال سعيد بن المسيب والحسن البصري (115) وعطاء(116) وقتادة (۱۱۷) والثوري ۱۱۸) والأوزاعي(119) واسحق (120) وأبو ثور (121).
بينما ذهب آخرون إلى عدم قتل الجماعة بالواحد وهو قول ابن الزبير(122) والزهراني(123) وابن سیرین(124) وداود بن علي الظاهري(125) وابن المنذر (126)وهو رواية عن احمد بن حنبل وقد نفى هؤلاء جواز قتل الجماعة بالواحد وقالوا:
بل يُقتل منهم واحد، ويؤخذ من الباقين حصصهم من الدية لأن كل واحد منهم مُكافيء للقتيل فلايجوز استيفاء أبدال كثيرة بمُبدل واحد، مثلما لاتجب ډيات كثيرة لقتيل واحد فضلا عن أن ذلك يخالف ظاهر النص من الكتاب الحكيم وهو قوله تعالى: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ۚ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ ۚ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) (۱2۷) ، وظاهره يشير أن كل نفس تقابلها نفس واحدة لا أنفس كثيرة (۱۲۸).
والقول الأول هو الراجح، لما اتضح من الادلة المستفيضة والتي تُزجي بسلامة الحكم بهذا النوع من القتل الذي تصان معه الأرواح وتنزجر به النفوس الفاسدة كيلا تعبث في الارض شرا وقتلا ما لم يؤخذ علی ایدیها بالقمع والشدة والاستئصال، حتى ولو اتحدت أو اجتمعت على الشر والقتل.
وبناء على ذلك كله فإن الجراحات لو كانت مجتمعة (حدثت في آن واحد) فإنه لا يعتبر فيها العدد ولامدى التأثير الا أن تكون خفيفة كخدش فلا تعتبر كما هو واضح وبذلك فإن اجتماع الجراحات يوجب القصاص على المشتركين ولا يشترط في ذلك أن تتساوى هذه الجراحات لافي العدد ولا في مدى التأثير لأن ذلك غير مستطاع علمه فلو جرحه أحدهم جرحا وجرحه الأخر مائة، أو جرحه أحدهم جرحا بليغا والأخر جرحا دون الأول، ثم مات المجروح كان كلاهما في القصاص سواء بمعنى أنهما يستويان في استحقاق القصاص على الرغم من التفاوت في الجراحات عددا ونوعا وذلك لأن الجرح له سراية في البدن وقد يموت المجروح من جرح واحد ولايموت من جراحات وبذلك لايمكن أن يضاف القتل الى واحد بعينه ولايمكن اسقاط القصاص ايضا فوجب (القصاص) على الجميع.
لكن لو كانت الجراحات على التعاقب فإن القصاص يكون على صاحب الجرح المؤقف (129)، الذي تزهق به النفس وعلی صاحب الجرح الأخف مايستوجبه من عقوبة كما لو كانت قصاصا في الطرف أو أرشا أو نصف دية وهذا القول من تصنيف الحنفية.
ومن تطبيقاته: ما لو شق رجل بطن انسان، ثم حزَّ آخر عنقه فمات وجب القصاص على ذلك الذي حر العنق لأنه هو القاتل لا الشاق فإن المجني عليه قد يعيش بعد شق بطنه ولو مدة وجيزة يتكلم فيها ويوصي أو يتوب أو نحو ذلك من التصرف، لكنه لو شقه شقا بليغا لايتصور معه العيش، بل بقي بعده في غمرة الموت والاضطراب فإن القصاص بذلك على الذي شقه لاالذي حزّ عنقه، وان كان عليه التعزير الارتكابه جناية لأحد لها مقدور .
والشاق عبر هنا قاتلا، وكذلك لو جرحه جراحة مُثخنة لايعيش معها عادة ثم جرحه أخر جراحة اخرى كان القصاص على المثخن لأنه القاتل حقيقة فقد أتی بفعل مؤثر تفوت معه حياة المجني عليه عادة(130)
أما الشافعية والحنبلية فإنهم لا يفرقون مثل هذه التفرقة ولكنهم يتفقون مع الحنفية في المضمون والتفصيل فالخلاف بذلك شكلي والحصيلة واحدة.
وذلك كما لو قطع يده من الكوع وقطعه أخر من المرفق فمات المجني عليه كان القاطعان في وجوب القصاص سواء لأن الجرحين كليهما حصل الزهوق عقيبهما وفي هذه الحالة فإن ولي القتيل بالخيار بين أن يقتل الاثنين أو يعفو عنهما مطلقا أو يعفو على الدية: أما عن أحدهما أو كليهما معا فإن كان القتل جراحات متعددة بتعددهم وزعت الدية عليهم باعتبار عدد رؤوسهم لا باعتبار عدد الجراحات من كل واحد ولا باعتبار التفاوت بين الجرح والجرح من حيث الفداحة والتأثير لأن ذلك لا ينضبط وقد تزيد نكاية الجرح الواحد على جراحات كثيرة.
أما إن كان القتل بالضرب وزعت الدية على عدد الضربات لأنها يمكن أن تنضبط وهي لايعظم فيها التفاوت بخلافي الجراحات.
أما لو قطع أحدهما يد المجني عليه ثم ذبحه أخر فمات، أو شق صدره وأخرج منه قلبه، أو شق بطنه وأبان أحشاءه كان على قاطع اليد ماعليه من الضمان كما لو كان نصف دية أو أرشا وكان الثاني هو القاتل لأن فعلته كبيرة قطعت سراية الفعلة الاولى وهي قطع اليد فصار كما لو أندمل القطع ثم قتله.
وان قطع أحدهما حلقومه مريئه أو شق بطنه وأخرج حشوته ثم حز الاخر رقبته فالقاتل هو الأول لأنه لا تبقى بعد جنایته حياة مستقرة وإنما يتحرك حركة مذبوح ولهذا يسقط كلامه في الاقرار والوصية والاسلام والتوبة، وان أجافه (131) جائفة يتحقق الموت منها الا أن الحياة فيه مستقرة ثم قتله الاخر كان القاتل هو الثاني، لان حكم الحياة باق. (۱۳۲).
أما المالكية، فهم متفقون مع جماهير العلماء في مبدأ القصاص من الجماعة للواحد لكنهم مع ذلك يوجبون القصاص ضمن التفصيل الأتي:
أولا: اذا لم تتميز الضربات من الضاربين من حيث شدتھا أو عددها وجب القصاص على الضاربين جميعا.
والشاق عبر هنا قاتلا، وكذلك لو جرحه جراحة ممثخنة لايعيش معها عادة ثم جرحه أخر جراحة اخرى كان القصاص على المثخن لأنه القاتل حقيقة فقد أتی بفعل مؤثر تفوت معه حياة المجني عليه عادة
أما الشافعية والحنبلية فإنهم لا يفرقون مثل هذه التفرقة ولكنهم يتفقون مع الحنفية في المضمون والتفصيل فالخلاف بذلك شكلي والحصيلة واحدة.
وذلك كما لو قطع يده من الكوع وقطعه أخر من المرفق فمات المجني عليه كان القاطعان في وجوب القصاص سواء لأن الجرحين كليهما حصل الزهوق عقيبهما وفي هذه الحالة فإن ولي القتيل بالخيار بين أن يقتل الاثنين أو يعفو عنهما مطلقا أو يعفو على الدية: أما عن أحدهما أو كليهما معا فإن كان القتل جراحات متعددة بتعددهم وزعت الدية عليهم باعتبار عدد رؤوسهم لا باعتبار عدد الجراحات من كل واحد ولا باعتبار التفاوت بين الجرح والجرح من حيث الفداحة والتأثير لأن ذلك لا ينضبط وقد تزيد نكاية الجرح الواحد على جراحات كثيرة.
أما إن كان القتل بالضرب وزعت الدية على عدد الضربات لأنها يمكن أن تنضبط وهي لايعظم فيها التفاوت بخلافي الجراحات.
أما لو قطع أحدهما يد المجني عليه ثم ذبحه أخر فمات، أو شق صدره وأخرج منه قلبه، أو شق بطنه وأبان أحشاءه كان على قاطع اليد ماعليه من الضمان كما لو كان نصف دية أو أرشا وكان الثاني هو القاتل لأن فعلته كبيرة قطعت سراية الفعلة الاولى وهي قطع اليد فصار كما لو أندمل القطع ثم قتله.
وان قطع أحدهما حلقومه مريئه أو شق بطنه وأخرج حشوته ثم حز الاخر رقبته فالقاتل هو الأول لأنه لا تبقى بعد جنایته حياة مستقرة وإنما يتحرك حركة مذبوح ولهذا يسقط كلامه في الاقرار والوصية والاسلام والتوبة، وان أجافه (۱۳) جائفة يتحقق الموت منها الا أن الحياة فيه مستقرة ثم قتله الاخر كان القاتل هو الثاني، لان حكم الحياة باق. (۱۳۲).
أما المالكية، فهم متفقون مع جماهير العلماء في مبدأ القصاص من الجماعة للواحد لكنهم مع ذلك يوجبون القصاص ضمن التفصيل الأتي:
أولا: اذا لم تتميز الضربات من الضاربين من حيث شد تھا أو عددها وجب القصاص على الضاربين جميعا.
ثانيا: اذا تميزت الضربات لكنها تساوت فانه يجب القصاص كذلك على الجميع لأن الضاربين متساوون في الضربات من حيث الكم والنوع ولا معنى لنزال القصاص دون الآخرين.
ثالثا: اذا تميزت الضربات من حيث الشدة أو العدد ولم يعلم الأقوى ضربا أو الأشد تأثيرا في الإزهاق قبل الجميع، أما إذا علم الأقوى ضربا قدم للقصاص دون غيره وذلك كله في التمالؤ(133)، المسبق من الجماعة على القتل.
رابعا: مجرد التمالؤ موجب لقتل الجميع والمقصود بالتمالؤ هنا: الاجتماع والتعاون على القتل مع سبق القصد من الجميع.
وعلى هذا اذا وقع الضرب من بعض المتمالئين أو من واحد دون الآخرين على أنه اذا لم يباشره هولم يتركه الأخرون وجب القصاص عليهم جميعا لمجرد التمالؤ (134).
يتبين أن موقف المذاهب الاسلامية غير الأمامية من قتل الجماعة بالواحد انقسم على رأيين:
الأول: يرى فريق من الفقهاء عدم قتل الجماعة بالواحد، إلا أن فريقا منهم يرى إيجاب الدية فقط، وقد حكي هذا عن الإمام أحمد في رواية، وهو قول ابن الزبير والزهري وابن سيرين وحبيب بن أبي ثابت وعبد الملك وربيعة وداود بن المنذر، وحكاه ابن أبي موسى عن ابن عباس . ويروى عن معاذ بن جبل وابن الزبير وابن سیرین والزهري أنه يقتل واحد منهم ويؤخذ من الباقين حصصهم من الديات.
الثاني : تقتل الجماعة بالواحد يرى جمهور الفقهاء “الحنفية، والمالكية، والشافعية والحنابلة، والزيدية والإمامية والإباضية(135) ، وهو المروي عن عمر وعلي والمغيرة بن شعبة وابن عباس، وبه قال سعيد بن المسيب والحسن وأبو سلمة وعطاء وقتادة والثوري والأوزاعي وإسحاق وأبو ثور”: أن الجماعة إذا قتلت واحدا قتلت به قصاصا، وقد استدلوا على ذلك بالكتاب والسنة والإجماع والقياس.
الخاتمة
1. القصاص منهج متبع في الأديان والشرائع السماوية بل وحتى الوضعية.
۲. وردت مفردة القصاص في سورتين هي: البقرة آية 149، وأية ۱۷۸، ۱۷۹، وسورة المائدة أية 45.
٣. كذلك جاءت السنة المعصومية لتطبق هذا المفهوم في كثير من القضايا التي وجب فيها القصاص.
4. مفهوم القصاص: فهو حكاية أمر واقع وجريان وجناية كما وقع، فيكثر على الجاني، ليعتبر المعتبر .
5. أجمع الفقهاء على قتل الجماعة اذا اشتركوا في قتل واحد بعد رد فاضل الدية.
6. ولي الدم مخير بين القصاص والدية وله أن يعفو.
۷. كما له عفوهما أو أخذ الدية منهما بالتنصيف أو يعفو عن أحدهما ويقتص من الأخر مع رد فاضل دیته، أو أخذ فاضل الدية من الجاني الأخر.
۸. للمذاهب الاسلامية الأخرى في المسألة أربعة أقوال هي:
الأول: وهو قول أكثر الحنفية أن يقتل واحد منهما بدون الآخر لظاهر قوله تعالى: (النفس بالفس)، وجوابه أن النفس – كما عند المحققين – اسم جنس، وضع للماهيات، خلافا لمن قال بوضعه الفرد واحد لا على التعيين، فمدخول الألف واللام ماهية النفس، والماهية كلية تقابل ماهية أخرى، كما تضم المصادیق وتتحقق بفرد وافراد، فلم يكن المقصود مقابلة فرد بآخر، كما أن الأحاديث الشريفة تفسر وتبين لنا مراد النفس في الآية الشريفة فليس المقصود نفس واحدة بنفس واحدة.
الثاني: الشافعي فصل في قوله، فإنه لو أورد القتل في زمن واحد فإنه يقتص منهما، وإذا كان في زمانين فيقتص من واحد ويأخذ من الأخر الدية، وجوابه بعد فرض اما جزءا علة، والمعلول لا يستند إلى الجزء الأخير بل يستند إليهما معا، فيقتص منهما مطلقا مع رد فاضل الدية.
الثالث: العفو عنهما مجانا، وجوابه بمثل هذا ينفتح باب الفساد وهو خلاف تشريع القصاص.
الرابع: في خصوص عشرة أنفار لو اشتركوا في قتل فيقتص من أحدهم وجوابه لا فرق في ذلك بين القلة والكثرة. فإن الملاك واحد، فيحق للولي أن يقتص منهم مع رد فاضل ديتهم.
۹. ظاهر الروايات انه يأخذ نصف الدية من الجاني الثاني لو أراد قتل أحدهما، ولو أراد قتلهما فعلی الولي أن يرد فاضل دية كل واحد منهما إلى ورثتهما، فقيل في الصورة الأولى كيف يؤخذ من الجاني الدية والحال الولي هو القاتل وهو السبب، وجوابه انما يرد هذا لو كان المباشر أقوى من السبب، ولكن هنا سبب القتل هو الجاني وهو أقوى من المباشر، وانما يقتص من المباشر للإذن الشرعي.
۱۰. عند مطالبة القصاص منهما هل يلاحظ تقدم الدية عليه أو بالعکس؟ ظاهر النصوص تقديم رد فاضل الدية على قصاصهما كرواية أبي مريم في القطع، ومنها يستفاد الملاك وفيها كلمة (ثم) الدالة على التراخي ويعني ذلك أن يعطي فاضل الدية أولا، ثم يقتص منهما، وأنت خبير أن الباب باب التعبديات والرواية إنما وردت في القطع فيشكل تعدي الحكم إلى القود، كما أنه ليس كل (ثم) تدل على التراخي، وفي أخر الرواية ما يدل على عدم التراخي وعدم لزوم تقديم الدية على القصاص بل تدل على التخيير كما هو المختار.
۱۱. الواجبات الشرعية المخيرة بين خصال ككفارة من أفطر شهر رمضان متعمدا، انما يكون ترجیح أحدها بإرادة الفاعل فالمرجح هو الإرادة كما عليه التحقيق، فلو كان التخيير بين قتل أحدهما فإن انتخاب أحدهما بإرادة ولي المقتول. نعم لو كان أحدهما من أهل الخير والصلاح وقد ارتكب هذا الخطأ فالأولى إبقاءه وقتل الأخر.
۱۲. لو اشترك اثنان أو أكثر في قتل واحد بالألات غير القتالة كالعصا، فلولي الدم حق الرجوع إليهم، فإنهم بمنزلة أجزاء العلة فيقتص منهم مع رد فاضل دينهم، اللهم إلا أن يكون ضرب أحدهم أشد من الأخر، فينسب القتل إليه عرفا فيقتص منه، أو تحصل الشبهة الدارئة للحدود فتأخذ الدية حينئذ. وعند بعض العامة: لو كانوا متواطئين على قتله فيقتص منهم، ولا قصاص لو اتفق ذلك ولم يقصدوا القتل، وقال بعضهم يعفى عنهم ولا قصاص، وهما معا كما ترى.
۱۳. هل يشترط التساوي في الضربات كما وكيفا؟ ظاهر إطلاق الأدلة عدم اشتراط التساوي، بل العمدة أن تكون الضربات أجزاء علة القتل، ولا فرق بين القليلة والكثيرة وبين الضعيفة والشديدة
14. قد أشار المحقق الحلي وصاحب الجواهر إلى أنه يعتبر في تحقق عنوان الشركة في القتل أن يكون فعل كل واحد منهما مؤثرا في القتل حالة الانفراد، كما لو اشترك اثنان في دفع المجني عليه من جبل شاهق أو القائه في بئر أو إطعامه مسموما، فلو فعل كل واحد منهما ذلك منفردا فإنه يؤثر في موته، وحينئذ يتحقق معنى الشركة، ولكن هذا يتنافى مع التنبيه الرابع فان الضربات الضعيفة لو انفردت لما أثرت في الموت، اللهم إلا أن يقال أن الضربات كلها بمنزلة علة واحدة مركبة من اجزاء، والمعلول ينسب إلى اجزاء علته على حد سواء.
15. لو اشترك شخص مع حيوان في قتل، والحيوان تارة يكون مغري عليه من قبل صاحبه، وأخرى غير مغر، أما المغري عليه فقد مر الكلام فيه، فإنه كالسيف في يد الجاني فيتوجه القصاص عليه فان السبب أقوى من المباشر، واما إذا كان الحيوان عابرا فهمش على المجني عليه وأعانه أخر على قتله، فإن ولي الدم يستحق نصف الدية من الشخص، أو يقتص منه مع رد فاضل دیته إلى ورثته، وإذا كان الشخص مع حيوان مغري من قبل صاحبه فالولي يأخذ نصف الدية منه والنصف الآخر من صاحب الحيوان.
16. من القواعد الفقهية في هذا الباب قاعدة (لا يقاد المسلم بالكافر) لاشتراط التساوي، ولا الأب بالابن دون العكس، ولا الرجل بالمرأة وهو محل خلافي، ولا المولى بالعيد، وغير ذلك. وحينئذ لو اشترك مسلم مع كافر ذمي في قتل المجني عليه وكان كافرا فإنه لا يقتص من المسلم، إنما يؤخذ نصف دية الكافر منه ويقتص من الكافر مع رد فاضل ديته الخاصة إلى ورثته.
وكذا لو اشترك الوالد مع أخر في قتل ولده، فإنه لا يقتص من الوالد انما يقتص من الأخر، إذا أراد الولي ذلك مع رد فاضل الدية، وكذا الكلام في الرجل والمرأة والعبد والمولی.
المصدر: مجلة أهل البيت عليهم السلام العدد22 وهي مجلة فصلية محكمة تصدر عن جامعة أهل البيت عليهم السلام – كربلاء، شارع الحر ، شارع الحر الصغير، جامعة أهل البيت
د. حميد جاسم الغرابي جامعة كربلاء / كلية العلوم الإسلامية .
الهوامش