ما قيل في حق الإمام الخوئي / سماحة الشيخ مسلم الداروي

الاجتهاد: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد كلّه لله ربّ العالمين الذي جعل الإنسان خليفته في أرضه، وأودعه علمه وحكمته، وفضّله على خلقه، ثمّ الصلاة والسلام على سيّد رسله وأفضل بريته نبينا محمد وآله الطاهرين ولا سيما أخيه ووصيّه وباب علمه عليٍّ أمير المؤمنين.

وبعد: السلام عليك أيها العلم الشهيد. السلام عليك يازعيم الشهداء. السلام عليك يا أبا الشهداء. السلام عليك يا أول مرجع حبس في بغداد ودفن جثمانه الطاهر ليلاً كجدته الزهراء عليها السلام. السلام عليك يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حيّاً.

السلام عليكم أيها الأخوة الأعزاء جميعاً ورحمة الله وبركاته.

إني أعتذر – في موقفي هذا – عن أن أُوفي البيان حقه في إبراز لمحة من الحياة العلمية أو الشخصيّة الشامخة لسيدنا الأستاذ الإمام الراحل الخوئي (قدّس الله سرّه )، فإنّ البيان ليكلّ والعقل يتحيّر في شخصية ذات أبعاد شاسعة وأفكار بديعة رصينة كشفت عمّا وهبه الله تعالى له من عمق التفكير ودقة النظر وحسن الابتكار، قد جُمعت فيها عناصر النبوغ في العلوم العقليّة والنقليّة كما حوت المكارم الخلقية والفضائل الإنسانية، ولا غرو في ذلك فهو سليل المجد والمتربي في أحضان والده المقدس العالم الفاضل صاحب الكرامات الباهرة، ونحن ننقل واحدة منها، أداء لحقه، وحرصاً منّا على ادخال المسرة على روحه المقدسة فقد كان السيد الأستاذ شديد الاهتمام به وبتقديره واحترامه، وهي:

أنّه كان من المجتهدين المسلّم اجتهادهم وكان إمام الجماعة الوحيد في مسجد كوهرشاد في المشهد المقدس للإمام الرضا عليه السلام يقتدي به الكل، ومفتاح الضريح المطهّر بيده، وكان المتصدي لسدانة الضريح الرضوي المقدس، إلى أن ابتلي بوجع الصدر فنصحه الأطباء بالسكن في نواحي خراسان لبرودة الهواء في مشهد،

فسافر إلى فردوس سنة 1326هـجري قمري، وسكن هناك مدة سنتين، وكانت مركزاً من مراكز البهائية، وفيها أحد أركانهم، واتفق أن أصاب الناس قحط وقلة مطر، فطلب المؤمنون من السيد المعظم أن يصلي صلاة الاستسقاء، فأجابهم إلى ذلك وطلب من الناس الصيام ثلاثة أيام ثم ذهب بهم إلى الصحراء وكانوا محط سخرية شديدة من البهائية عند ذهابهم،

ولما صلى بهم السيد ورجعوا إلى منازلهم وإذا بالمطر ينهمر بغزارة واستمر ثلاثة أيام بلياليها، وأثّرت هذه الحادثة على جماعة كبيرة من البهائية فرجعوا إلى الحق وتابوا مما كانوا عليه من الضلال، ثم إنه قدس سره عزم على الهجرة إلى النجف الأشرف سنة 1328هجري قمري، وقال والد السيد الخوئی (قدس سره) لناقل هذه القضية لنا – وهو من الوعاظ الأجلاء في مدينة مشهد المقدسة -: إني لا أرجع من هذا السفر، فكان كما قال رحمه الله تعالى.

ثم إني أقول: إن سيدنا الاستاذ الخوئي (قدس سره) ما سمح الزمان بمثله ولا جاد بقرينٍ له في مكانته العلميّة وما جمعت فيه من المواهب والمميزات، بعد شيخنا الأنصاري ( قدّس الله روحه ) ،

ويكفي شاهداً على ذلك إذعان المراجع والشخصيات العلمية الموجودين بتفوقه على سواه حتى أفتى بعضهم بجواز تقليده ابتداءً، وهذا مما لم يعهد صدوره في الأونة الأخيرة، بالاضافة إلى أنّ آراءه (قدس سره) هي مدار البحوث في الحوزات العلمية كلها.

وبالاجمال نقول: إنه (قدس الله روحه) استاذ الفقهاء في الفقه، وأكبر المحققين والمبدعين في الأصول، وأدق المفسرين في التفسير، وإمام المحدّثين في الحديث، وأعلم الحكماء في الحكمة والكلام، وأعرف الرجاليين في علم الرجال.

ونحن إذا أردنا التعرض لما في فقهه فقط من مبانيه ونظرياته القيّمة المكتوبة في المستند أو التنقيح أو المصباح أو التي استفدناها منه في مدة طويلة، لاحتاجت إلى وقت طويل لا يسعه هذا المقام، فكيف ببقيّة مبتكراته الأصولية وتحقيقاته الكلامية والحديثية والتفسيرية وأفكاره الرجالية، ولكنّا نلقي الضوء بمختصر من الكلام على مزايا كتابه الكبير (معجم رجال الحديث) – والذي كنت مسؤولاً في لجنة جمعه وتحقيقه – فنقول:

إنّ كتاب المعجم فهو كتاب لم يؤلف مثله قبله ولا بعده، ولا يستغني عنه أي فقيه، وهو مغنٍ عن سائر الكتب الرجالية الأخرى، وكان تصنيف هذا الكتاب في ذلك الوقت من عجائب ابتكارات سيدنا الأستاذ (قدس سره) وقد نقل عنه (قدس سره) أنه لما أَخبَر السيد الحكيم (قدس سره) بأنه ألّف هذا الكتاب تعجّب السيد وقال له: هل يمكن تأليف مثله ؟، وكيف يمكن أن يُحاط بأسانيد الكتب الأربعة والرواة الموجودين فيها مع ترتيب طبقاتهم ؟. فقال له السيد الأستاذ: نعم قد كان ذلك منّا.

ومن ذلك يظهر حجم العمل وشدة الجهد المبذول فيه ومقدار الطاقة المصروفة عليه.

فمن مزايا هذا الكتاب:

أولاً: احتواؤه على أسماء الرواة المذكورين في الكتب الأربعة، وقد أفرد لكل شخص عنواناً خاصاً إذا لم يرد في أسانيد الكتب الأربعة إلا بذاك العنوان، وأما إذا ورد فيها بأكثر من عنوان كأن يرد مطلقاً تارة، وأخرى مقيداً، وثالثة بالكنية، ورابعة باللقب، فإنه يجعل له عناوين بعدد انحاء وروده ويترجم له في أنسبها ويحيل في باقي العناوين على ذلك العنوان.

ثانياً: ذكره للراوي عن العنوان والذي روى عنه العنوان – أي المروي عنه -، وإذا كانت الروايات في كل عنوان أقل من عشر روايات ذكرت مع اسم الراوي عنه ومن روى العنوان عنه مع ذكر المصدر، وأما إذا كانت الروايات أكثر من ذلك فإنه لا يذكر المصدر، بل يؤخر إلى آخر كل جزء تحت عنوان تفصيل طبقات الرواة.

ثالثاً: التلفيق بين أسماء الرجال المذكورين في الكتب الرجالية المعتبرة وبين أسناد الأحاديث في الكتب الأربعة، مما يدل على الاتحاد جزماً، وأما إذا كان الاتحاد محتملاً أشار إلى ذلك في ذيل الترجمة أو الحديث.

رابعاً: تعرضه للاختلاف بين الأحاديث في كتابين أو أكثر من الكتب الأربعة تحت عنوان (اختلاف الكتب) مع ذكر المصادر وبيان ما هو الصحيح مع الدليل على ذلك، وكذا إذا كان الاختلاف واقعاً بين نسخِ كتابٍ واحد فإنه يذكر النسخة الراجحة مع الدليل على الترجيح تحت عنوان (اختلاف النسخ).

خامساً: نقله لنصوص الكتب الرجالية المعتبرة، ثم التعرّض لبيان الصحيح منها إذا وجد الاختلاف.

سادساً: تحقيقه فيما ورد في الكتب الرجالية بما لا مزيد عليه وتبيين ما هو الحق الذي يستفاد منها.

سابعاً: تبيينه لعلاج الاشكالات في التوثيقات والتضعيفات – إذا كان فيها خلاف بين أرباب الكتب الرجالية – بمتانة وإحكام.

هذا مختصر الكلام عن هذا السفر الکبير ، وإلا فإن لسيدنا الأستاذ (قدس سره) کثيراً من المميزات ، من اتساع العلوم والمعارف والملکات ما هو ظاهر للعيان ومنتشر بين الخاص والعام ، وتفصيل ذلک يطول به المقام ، والکلمة مبنية علی الاختصار.

و بذلک نختم حديثنا عنه رضوان الله تعالی عليه ، داعين المولی العلي القدير أن يرفع درجاته إنه قريب مجيب.

والحمد لله رب العالمين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

المصدر: معهد الخوئي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky