الاجتهاد: إن دراسة السيد الشهيد الصدر أصولياً تعني الدراسة لكل أفكار هذا المبدع العبقري؛ لأنه بدأ من علم الأصول ليكون متخصصاً في كل مجال بحثه ومبدعاً فيه، ولا نريد بذلك بيان احتواء علم الأصول على كل هذه العلوم والمجالات، وإنما نريد أن نقول: إن علم الأصول هو الذي فجّر طاقات هذا العالم ونمّاها لتنتج فكراً جديداً خلّاقاً في جوانب النظرية والعمل.
بسم الله الرحمن الرحيم
<يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ في الْحَياةِ الدُّنْيا وَفي الآخِرَةِ>[1]
الشخصيات التاريخية البارزة تصوغ التاريخ بإحدى طريقتين رئيستين: فمن ناحية هناك المبدعون الذين قدّموا إسهامات مختلفة للثقافة الإنسانية سواء كانوا علماء أو فلاسفة أو كتّاباً إلى آخره، فالمبدعون قد تركوا تأثيراً دائماً على أفكار عدة لا حصر لها من الرجال والنساء وأحاسيسهم، أما الناحية الأخرى فإن هناك القادة الذين يغيّرون العالم بأعمالهم الكبيرة وليس من خلال أفكارهم أو تعبيرهم عن عواطفهم، فالقادة قد تركوا علاقة دائمة على المسار الذي أخذه التاريخ وهؤلاء المبدعون والقادة هم مَن تصبح سيَرهم بمثابة كتب التاريخ.[2]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.
من الشاقّ عليّ أن أتحدث عن الجانب العلمي الأصولي في شخصية الإمام الشهيد الصدر رضوان الله عليه وذلك لأسباب أهمها:
أن عقلية الصدر الأصولية عقلية موسوعية دقيقة.
حتى لا أتطاول مدّعياً قدرتي على خوض مثل هذا البحث، ولكني لما لم أجد أن كبار طلابه قد كتبوا عن هذا المجال، لأنهم مشغولون بكتابة آرائه ولهذا بدأت أكتب في الموضوع.
وسيكون هدف بحثي بيان ما يلي:
تمكّن الشهيد من المنهج الأصولي الدقيق الذي يمتاز بالأصالة والاستقلال والقدرة الهائلة على الهدم والبناء وقدرته على الاستفادة منه وتطويره.
بيان الإبداعات المختلفة للشهيد الصدر في المجالات التالية:
أ۔ العرض والبيان.
ب ۔ استحداث واكتشاف مسائل جديدة.
ج ۔ تكميل وتعميق مسائل سابقة.
التأكيد على أن علم الأصول لدى السيد الصدر لم يقتصر أثره على بناء شخصيته العلمية الفقهية وإنما تعدّاها لاكتشافات أكبر في مناهج العلوم الأخرى.
التأكيد على أن السيد الشهيد الصدر لم ينشغل بعلم الأصول عن باقي الاهتمامات العلمية والعملية، وإن كان البعض يعتقد أن هذا ما حصل في أول الشوط الدراسي للسيد الشهيد.
بيان خصائص مدرسته الفكرية عامة ومنهجه الأصولي خاصة.
بيان تاريخ التطور العلمي الأصولي وإحاطة السيد بتاريخ علم الأصول.
دراسة لمنهجين كان السيد يسير في بحوثه وكتاباته عليهما.
دراسة النتاجات الأصولية للسيد الصدر دروساً وكتابات.
بيان الطريقة التي يستخدمها الشهيد في البحث أحياناً من خلال المشاركة وأحياناً من خلال مناقشة المفكرين من غير علماء الإسلام (راسل).
عطاء السيد الصدر الأصولي والإسلامي عامة ۔ أخلاقيات البحث ۔ أساتذته، زملائه، طلابه.
تطبيقات نظريته في المعرفة على مختلف المجالات خصوصاً الفقه والأصول.
المدرسة الفكرية للشهيد الصدر
مدخل
للشهيد الصدر مدرسة فكرية متميزة بخصائص واضحة عرضها جملة من طلابه بالشكل التالي:
الفقيه المحقق السيد كاظم الحائري:
العمق والدقة 2. التوسع والتطوير 3. التجديد والمنهجية 4. الدراسة المقارنة.[3]
الفقيه المحقق السيد محمود الهاشمي الشاهرودي:
الشمولية والموسوعية 2. الاستيعاب والإحاطة 3. الإبداع والتجديد 4. المنهجية والتنسيق 5. الجمع بين النزعتين المنطقية والوجدانية 6. الذوق الفني والإحساس العقلائي 7. المقارنة والتصدي لدفع الشبهات.[4]
أما الشيخ التسخيري فيضيف إلى ما تقدم:
روح التنظير في الفكر والعمل 2. العقائدية 3. الروح الاجتماعية في الفكر.[5]
ونحن ذكرنا:
مرونة التفكير
إعادة البناء السريع للمعلومات ولأنظمة المعارف وفقاً لمتطلبات الحالات المستجدة وتغيير شكل الصياغة عندما لا يبرهن الشكل السابق على فعاليته، وهي ترتبط بالمثابرة والبحث عن الحلول، وكل موضوع إبداعي يخلو من ذلك يكون سطحياً وضعيفاً.
بطاقة شخصية
درس الأصول (كتاب معالم الدين) على يد أخيه السيد إسماعيل الصدر، درس مدة 17 سنة كل يوم 16 ساعة.
درس الفلسفة على يد مدرس الفلسفة الأكثر شهرة في النجف الشيخ صدرا البادكوبي، ودرس شيئاً من اللمعة على يد الشيخ محمد تقي الجواهري، وعلى يد السيد الخوئي قدس سره من سنة 1365هـ إلى سنة 1378هـ.
درس شيئاً من الفقه الاستدلالي على يد خاله الشيخ محمد.
درس الكفاية والمكاسب وبحوث الفقه والأصول الاستدلالية على يد الأستاذ السيد محمد الحسيني وكان حضوره مع شخص آخر فقط.
وأستاذه الأكبر ۔ والذي يشير إليه بعنوان السيد الأستاذ ۔ هو السيد الخوئي، وكان يحترم آراءه ويجلّه، ويرى بعض الفقهاء أنه لم يستطع التخلص كلية من تأثيراته العلمية.
أهمية علم أصول الفقه
لعل من أول العلوم التي أثّرت على منهج الدراسات الإسلامية هو علم الأصول، ومراجعة سريعة لما كتبه الدكتور النشّار والدكتور محمد عابد الجابري والدكتور طه عبدالرحمن تكشف عن هذه الحقيقة؛ ذلك أن هدف علم الأصول هو استنباط الشريعة، والشريعة تعتمد على العقيدة، وكل بحث أو منهج يؤثّر على دراسة العقيدة يؤثّر أيضاً على طريقة اكتشاف الشريعة أو كيفية فهمها، أو يحدّدها ضمن أطر الاعتقاد ولهذا نجد اهتمام الدارسين المنهجيين بدراسة علم الأصول تاريخاً وتطوراً، ومعرفة الشريعة ليس بالأمر الميسور مع ملاحظة اختلاف العلماء في مصادر الشريعة وأسسه ومناهجه، وأي اختلاف في المناهج يؤثّر على النتائج، وكلما كبر الخلاف في المنهج كبر الخلاف في النتائج.
ومعنى أن يكون العالم أصولياً هو أن يحيط إحاطة كاملة بمناهج الأصوليين ويناقشها وينقدها ليختار المنهج الأفضل، ومع ملاحظة أن علم الأصول مرتبط عضوياً بعلوم أساسية هامة عديدة نعرف خطورة الاجتهاد، فمثلاً علوم العربية وعلوم القرآن وبعض المعلومات الحديثية والرجالية والتاريخية لها علاقة بالنتائج التي ارتبطت بعلم الأصول، وما لم ينته العالم من معرفة هذه العلوم والإحاطة بها لا يمكنه أن يكون عالماً بالأصول، مع تطوّر الدراسات في تلك الحقول والمجالات وتطور الدراسة الأصولية، كما أن الحاجة الفقهية إلى حلول وإجابات أثّرت على توسّع وتطور البحث الأصولي، وليس سهلاً في الأزمنة الغابرة أن يكون العالم أصولياً، وأصعب من ذلك أن يكون في الفترات اللاحقة كذلك.
ولقد كان علم الأصول مصدر إلهام لكثير من الطروحات والنظريات الإسلامية ولا يزال كذلك، ونحن هنا في دراستنا للسيد الشهيد الصدر ودراساته الأصولية لسنا أمام عالم من علماء الأصول المعروفين بمنهجهم المسلكي المعهود، ولو كان الأمر كذلك لما كان في هذه الدراسة أي جديد؛ لأن المنهج الواحد مهما كثر السائرون عليه لا يزيده هذا السير أي قيمة فوق قيمته الذاتية، إنما نحن هنا أمام عالم تقلّب في دراسة مختلف المناهج، والصعوبة في دراسة هذا العالم أنك لا تجد له مثالاً معروفاً قبله أو بعده أو معه، والدارسون لكتبه وكذلك الممارسون لتدريس كتبه وأفكاره يشعرون بالصعوبة في فهم أفكاره ورؤاه،
حيث إن المصادر القليلة تلك التي تعين على فهم هذه الأفكار، ولسنا هنا في مقام العتب على أبرز طلابه؛ لأنهم لم يفصّلوا ما هو مجمل من نظرياته أو يشرحوا ما هو غامض من أفكاره، ولكننا نقول: إن أي تأخير أو تقصير في هذا المجال سيبقي مظلومية هذا العالم الكبير على حالها والصعوبات التي تواجهنا في هذه الدراسة.
إن دراسة السيد الشهيد الصدر أصولياً تعني الدراسة لكل أفكار هذا المبدع العبقري؛ لأنه بدأ من علم الأصول ليكون متخصصاً في كل مجال بحثه ومبدعاً فيه، ولا نريد بذلك بيان احتواء علم الأصول على كل هذه العلوم والمجالات، وإنما نريد أن نقول: إن علم الأصول هو الذي فجّر طاقات هذا العالم ونمّاها لتنتج فكراً جديداً خلّاقاً في جوانب النظرية والعمل.
وهناك كلمات تثار حول مصادر علم الرجل في الأصول وغيره، منها أن الرجل اقتبس من هذا أو ذاك، ولكننا نقول:
إن نظريات السيد الصدر في الأصول والتفسير والمنطق والفلسفة وغيرها لا يمكن أن تصدر عن أرضية فكرية كالتي عليها أولئك العلماء الذي يُدّعى اقتباس السيد الصدر من فكرهم، فهل استطاعوا أن يعمّقوا البحث في نظرية المعرفة أو أسس الاستقراء المنطقية أو حتى يستدلوا على أفكارهم الأصولية كما فعل؟
إن إنتاجهم الذي صدر بعضه متوافقاً مع زمن صدور نتاجات السيد أو متأخراً عنه لا يدلّل على ما يقولون، وإنه لمن حسن الحظ أن تصدر نتاجاتهم وأبحاثهم لتدلّل على الحقيقة في مثل هذه الدعاوى.
قال عنه أحد العلماء ممن يدعي أن الصدر أخذ عنه: (لقد كان عالماً ذكياً تقياً قليل النظير). ومَن يكون كذلك ينسب الفكر إلى أهله والقول إلى قائله، وقد عهدنا في السيد هذه السمة كما فعل في الاقتصاد والفلسفة والمنطق والتاريخ والأصول والفقه.
وقال عنه عالم آخر يدّعي أيضاً أن الصدر اقتبس منه: (لقد مات وانتقل إلى ربه مَن كان يحرّكنا علمياً) من خلال المنافسة، ونفس هذا العالم استفاد من فكر السيد الصدر واصطلاحاته الأصولية مثل حساب الاحتمالات، فهذه الحسابات وإن كانت فطرية نظرية ومدركة للجميع، ولكن طرحها كنظرية في المعرفة أولاً وكتفسير لبعض المطالب الأصولية ثانياً لم يكن ليحصل لولا تنضيج وتطوير للبحث فيها من خلال البحث فيها في دروسه الأصولية ومن خلال كتاب الأسس المنطقية للاستقراء الذي انتجه الشهيد الصدر بعد تأمل طويل في مسألة من مسائل العلم الإجمالي الأصولية.
إن الذي كان يحضر لديه السيد الصدر بصفة تلميذ ودارس قد يكون له تأثير سلبي، حيث استطاع بإغراءاته الذكية أن يمنعه من الكتابة في غير مجالات الدراسة المسلكية، ولم يستطع السيد أن يخرج من هذا التأثير إلا بعد استقلاله الكامل علمياً، فعاد إلى الكتابة الإسلامية في مختلف المجالات.
الأسلوب والمنهج
عند دراسة أسلوب الشهيد الصدر في الكتابة الأصولية لابد من أن نعترف بأنه لم يكن على نسق واحد، فإنه عند دراسة الكتاب الأول له ۔ والذي يظهر أنه أعرض عن إتمامه أو نشره ۔ يتبين أن أسلوبه كان متأثراً باللغة الأصولية الكلاسيكية التي كان يستظهرها مع أنها لغة دقيقة وغير مألوفة خارج الدرس والكتاب الأصولي. وقد خصّصنا بعض الحديث لإيضاح ما نجده في ذلك الكتاب من خصائص.
وقد تغيّر هذا الأسلوب في ما كتبه في علم الأصول بعد ذلك حيث نجد في المعالم الجديدة للأصول تغيّراً واضحاً لا يستطيع الإنسان بسهولة أن يدرك أن صاحب هذا الكتاب هو نفسه الذي كتب (غاية الفكر في علم أصول الفقه).
فهنا العبارة المشرقة عوضاً عن إغلاق العبارة وعجمتها أحياناً، وهنا الأمثلة والإيضاح بينما هناك الاختصار والتعقيد. وليس عسيراً علينا أن ندرك بعد تحليل دقيق لمعنى الأسلوب وأسباب تغيّره أن نعرف أن الشهيد الصدر إنما غيّر أسلوبه تبعاً لتغيّر بعض المؤثرات.
الأسلوب هو الإنسان كما يقول بوفون[6] وهي أيضاً (طريقة الإنسان في التعبير عن نفسه كتابة)[7] ولهذا كان لكل كاتب ولكل عصر أسلوبه.
هل كان الشهيد الصدر في فترة من الفترات تحت تأثير العبارة الأصولية والبحث الأصولي ضمن مدرسة أصولية محددة متأثراً بعباراتها ومصطلحاتها؟
وقد نقل أنه كان يقرأ كثيراً أفكار الإصفهاني والعراقي والنائيني ولعلّه لفترة كان يعيش مع الإصفهاني قراءة ومباحثة أكثر من غيره في تلك الفترة التي ظهرت عباراته الأصولية مغلقة مختصرة، وفي الفترات التي لحقت الكتاب الأول ظهر جلياً تغيّر الهدف الذي يريد الشهيد الوصول إليه من الكتابة الأصولية، ففي الكتاب الأول ۔ الذي هو أشبه بالمذكرات وتسجيل الملاحظات لاختصاره ۔ نجد أن الأسلوب العلمي الذي انتهجه في كتابه الأول ظلّ هو الأسلوب في المعالم الجديدة للأصول مع تطور هام.
ذلك أن الأسلوب العلمي يتقوم:[8]
باللغة العلمية شكلاً والفكر المنطقي مضموناً.
الدقة في صياغة العبارة والابتعاد عن المجازات والمتشابهات اللفظية.
الاقتراب إلى ذهن المتلقي بالأسلوب.
الوضوح في الأداء وتجنّب الغموض.
التسلسل الطبيعي لفظاً ومعنى والترابط في خط السياق.
التطور الهام هو الخروج عن إسار العبارة الأصولية المعهودة والسعي إلى طرح مصطلحات علمية واضحة.[9]
بل إن اهتمامه بالأسلوب يظهر جلياً من خلال المقدمة التي كتبها لحلقات الأصول، الكتاب الذي أعدّه منهجاً دراسياً.
فهو يعترض على الأسلوب السائد في الكتب الدراسية في التدرج في عرض الأفكار من البسيط إلى المعقّد ومن الأسبق رتبة إلى المتأخر، بحيث تعرض المسألة المتفرعة ذاتاً في تطوراتها على حيثيات مسائل أخرى بعد أن تكون تلك الحيثيات قد طرحت.
ومن هنا لم يحرص أيضاً على وضع كثير من النكات والمباحث في موضعها الواقعي وبصيغة تتناسب مع كليتها وأهميتها، وإنما دُسّت دسّاً في مقام علاج مشكلة أو دفع توهم أو أثيرت من خلال تطبيق من تطبيقاتها.
ومن هنا لم يحرص أيضاً على اجتناب استعمال مصطلحات لم يأت بعد تفسيرها؛ لأن الحديث في تلك الكتب مع العالم لا مع الطالب.
من خلال مراجعة وافية لكتابات الشهيد الصدر الأصولية ننتهي في هذه النقطة ۔ الأسلوب ۔ إلى ما يلي:
أن الأسلوب الذي اتّبعه الشهيد الصدر في كتاباته هو الأسلوب العلمي بعبارة دقيقة ولغة علمية وإيضاح مقصود وتسلسل طبيعي في الأفكار والدوال، ولكن هذا الأسلوب استطاع أن يكون مرناً ومتطوراً في بعض الأحيان، حيث يختلف أسلوبه في الكتاب الذي يعبّر عن آرائه فقط، عن أسلوبه الذي يستهدف منه الوصول إلى هدف بيان المسائل الأصولية عامة؛ لهذا اختلف الأسلوب، بل ومنهج الكتب الدراسية التي أعدّها وألّفها عن أسلوب كتبه العلمية المعبّرة عن آرائه وإن كان يغيّر هو أيضاً في أسلوب التعبير بعد عرض آرائه وإلقاء محاضراته، كما صنع في مباحث التعادل والتراجيح ۔ كما يذكر ذلك مقرر البحث الفقيه المحقق السيد محمود الهاشمي ۔ ولعله كان يستهدف ذلك في كل ما كان يريد أن ينشره.
ونجد أيضاً:
العبارات والمصطلحات الجديدة تدخل إلى مجال علم الأصول، وكذلك التدرج في عرض المطالب والتوسع فيها لحساب الهدف المرحلي.
إذن هناك أهداف مختلفة للكتب العلمية التي ألّفها السيد الشهيد فما كان كتاباً تخصصياً لا يحتاج معه السيد إلى إيضاحات كثيرة، وإنما يكتفي بعرض المضامين باللغة المعهودة.[10]
والسبب الآخر هو أن اللغة العربية هي لغة الدراسة لطلاب العلم من العرب وغيرهم والكتب الأصولية مكتوبة بهذه اللغة وطلاب العلم هؤلاء تلقّوا ثقافتهم العربية من المصادر القديمة التي لا تهيّء لهم قدرة كافية لفهم اللغة العربية بأساليبها الحديثة.
وقد شذّ عن هذا الالتزام الذي التزمه كتاب المعالم الجديدة للأصول، والذي أتصوره أن السيد الشهيد؛ لأنه كتب هذا الكتاب للمثقفين غير المتخصصين فعلاً وبالقوة، لهذا لم يتقيد بقيود العبارات الأصولية المألوفة.
وقد صرّح الشهيد بأن أسلوب الكتب الأصولية يحتوي على عبارات طعمت بشيء من الألغاز؛ إما لإيجازها أو للالتواء في صياغتها أو لكلا الأمرين.. ولهذا تجاوز الشهيد هذه المشكلة من خلال مجيء عبارات كتاب الحلقات وافية من غير التواء أو تعقيد.
ونتحدّث باختصار عن صورة علم الأصول وهدفه ومنهجه ضمن نقطتين:
1.الهيكل العام
المنهج
وقد سلك منهجين بأسلوبين:
المنهج الأول: اتّبعه في بحوثه الاستدلالية التي ألقاها على طلابه سنين عديدة، إذ أكمل ما يسمّى بـ(الدورة الأصولية) أي أنه درّس كل مطالب علم الأصول استدلالياً، وشرع في الدورة الثانية التي كنّا من طلابها في مقطع حجية القطع وحتى استشهادهقدس سره وهذا المنهج الذي اختاره وسار عليه في دروسه ومحاضراته الأصولية يكون ضمن المخطط التالي:
تمهيد ومقدمة يبحث فيها أمران: حجية القطع
بيان حقيقته وأقسامه
المنهج الثاني:
التقسيم بلحاظ نوع الدليلية [لفظية، عقلية، تعبدية].
مباحث الألفاظ
مباحث الاستلزام العقلي: غير المستقلات العقلية
المستقلات العقلية
مباحث الدليل الاستقرائي: التواتر، الإجماع، السيرة.
الحجج الشرعية: الأمارات
الأصول العملية الشرعيه
الأصول العملية العقلية، ثم خاتمة في بحث التعارض وأقسامه وأحكامه.
التقسيم بلحاظ نوع الدليل في ذاته
الأدلة: تشخيص الوظيفة تجاه الحكم الشرعي بملاك الكشف عنه.
الأصول: تشخيص الوظيفة العملية تجاه الحكم الشرعي لا بملاك الكشف.
تحديد الدلالات
شرعية إثبات الصدور
الأدلة وتقسّم إلى: حجية هذه الدلالات
عقلية
تحديد دلالات الدليل الشرعي: اللفظي
وغير اللفظي: فعل المعصوم وتقريره.
إثبات الصدور: وسائل الإثبات الوجداني
وسائل الإثبات التعبدي
حجية الدلالة: يبحث فيها عن ظهور للكتاب والسنة وحجيته وتبعية الدلالة الالتزامية للمطابقية.
بحث صغروي عن صحة الإدراك العقلي ودرجة هذا الإدراك والتصديق
الدليل العقلي:
بحث كبروي عن حجية الإدراك العقلي
الدليل العقلي: المستقلات العقلية
غير المستقلات العقلية
الأصول العملية: بحوث عامة في الأصول العملية وألسنتها وفوارقها مع الأدلة وإثباتها بمواردها وعدم إثباتها لمدلولاتها الالتزامية.
ويقع البحث فيها بالشكل التالي:
الأصول التي تعالج الشبهات غير المقرونة بالعلم الإجمالي، البراءة والاستصحاب.
الأصول التي تعالج الشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي، الاشتغال والأقل والأكثر.
ثم خاتمة في بحث التعارض وأقسامه وأحكامه.
مقارنة بين التقسيمين
والملحوظ أن التقسيم الثاني أقرب إلى المنهج القديم في الدراسات الأصولية؛ حيث كان يدرج فيها البحث عن حجية الخبر في البحث عن السنّة؛ لكونه عن عوارض السنة، أي مثبتات الدليل الشرعي، في حين أن التقسيم الأول أوفق بالمنهج المتداول في الدراسات الأصولية الحديثة.
كما أنه يتميز التقسيم الثاني بأنه يلحظ فيه تقسيم البحوث إلى مجاميع بنحو متطابق مع أنحاء تجمعها في مجال الاستدلال الفقهي، فالقواعد الأصولية العامة في الدليل اللفظي، كأبحاث الأوامر والنواهي وغيرها لا تنفصل عادة في مجال التطبيق والاستدلال الفقهي عن القواعد الأصولية الدخيلة في إثبات السند، كحجية خبر الواحد والتواتر والسيرة والإجماع؛ لأن الفقيه حينما يستنبط الحكم من دليل لفظي يلتفت إلى دلالته وسنده معاً ويعمل القواعد الأصولية المناسبة في كل من الجهتين، فالتقسيم المذكور يراعي ذلك ويوحّد البحث عن مجموع تلك القواعد تحت عنوان الدليل الشرعي.
وهذا معنى أن التصنيف فيه بنحو يناظر وضع القواعد الأصولية في مجال التطبيق والاستدلال الفقهي، بينما ليس التقسيم الأول كذلك؛ لأن أبحاث الظواهر والألفاظ فصلت فيه عن بحث حجية الخبر، بل عن بحث حجية نفس الظهور أيضاً مع أن الظهور وحجيته عنصران متلازمان عند الاستناد إليهما في عملية الاستدلال الفقهي.
وفي مقابل ذلك يتميز التقسيم الأول بإجراء التصنيف على أساس نوع الدليلية للقاعدة الأصولية، وتجميع كل مجموعة تتّفق في سنخ الدليلية وفي كونها لفظية أو عقلية برهانية أو استقرائية أو تعبدية بجعل الشارع في نطاق مستقل.
وهذا يتيح الحديث في كل نطاق من نطاقات هذا التصنيف عن سنخ تلك الدليلية، التي هي السمة المشتركة للقواعد الأصولية الداخلة في ذلك النطاق ومنهجها وقواعدها العامة. فالأدلة الاستقرائية ۔ مثلاً ۔ بوصفها صنفاً خاصاً في التقسيم المذكور يمكن الحديث في نطاقها عن أصل المنهج الاستقرائي، والحجج الشرعية بوصفها تمثّل صنفاً آخر من الدليلية ۔ وهو الدليلية التعبدية بحكم الشارع ۔ يمكن الحديث في نطاقها عن أصل الحجية التعبدية وتحليلها.
وبهذا يستهلّ كل صنف بما يكون بمثابة المنطق أو المنهج بالنسبة إليه، بينما لا يتأتى ذلك بنفس الدرجة من السهولة والدقة في التقسيم الثاني؛ إذ قد تندمج بموجبه القاعدة ذات الدلالة اللفظية والأخرى الاستقرائية والثالثة التعبدية في صنف واحد لمساهمتها جميعاً في الاستنباط من دليل واحد.
وبهذا قد يصحّ أن يقال: بأن التقسيم الأول هو الأفضل إذا نظر إلى علم الأصول بنظرة تجريدية، أي بصورة منفصلة عن تطبيقه في علم الفقه. وأن التقسيم الثاني هو الأفضل حينما ينظر إليه موزّعاً من خلال التطبيق وعلم الفقه. ومسألة تعيين أحد التقسيمين مسألة اختيار وتفضيل حسب وجهة النظر.
وسنسير في بحوثنا هذه سيراً يقارب منهج التقسيم الأول؛ لأنه بذلك يكون أقرب إلى الانطباق على المنهج المألوف في الكتب الأصولية التي وضعتها مدرسة الشيخ الأنصاري في الأصول، غير أننا فضّلنا منهج التقسيم الثاني في الحلقات الدراسية الجديدة التي وضعناها كبديل للكتب الدراسية الأصولية القائمة فعلاً؛ لأنه في رأينا أكثر قدرة على إعطاء الطالب صورة أوضح عن دور القاعدة الأصولية في المجال الفقهي، ورؤية أجلى لكيفية الممارسة الفقهية لقواعد علم الأصول.
الآليات
لقد حدّد الشهيد الصدر مصادر فتاواه في مقدمة الفتاوى الواضحة بما يلي:
مصادر الفتوى
ونرى من الضروري أن نشير أخيراً بصورة موجزة إلى المصادر التي اعتمدناها بصورة رئيسية في استنباط هذه الفتاوى الواضحة، وهي ۔ كما ذكرنا في مستهلّ الحديث ۔ عبارة عن الكتاب الكريم والسنة الشريفة المنقولة عن طريق الثقات المتورعين في النقل مهما كان مذهبهم. أما القياس والاستحسان ونحوهما فلا نرى مسوّغاً شرعياً للاعتماد عليها.
وأما ما يسمّى بالدليل العقلي الذي اختلف المجتهدون والمحدثون في أنه هل يسوغ العمل به أو لا؟ فنحن وإن كنا نؤمن بأنه يسوغ العمل به، ولكنا لم نجد حكماً واحداً يتوقف إثباته على الدليل العقلي بهذا المعنى، بل كل ما يثبت بالدليل العقلي فهو ثابت في نفس الوقت بكتاب أو سنة.
وأما ما يسمّى بالإجماع فهو ليس مصدراً إلى جانب الكتاب والسنة، وإنما لا يعتمد عليه إلا من أجل كونه وسيلة إثبات في بعض الحالات.
وهكذا كان المصدران الوحيدان هما الكتاب والسنة، ونبتهل إلى الله تعالى أن يجعلنا من المتمسكين بهما ومن استمسك بهما <فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقىٰ لَا انْفِصٰامَ لَهٰا وَ اللّٰهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ>.[11]
ولكن كون مصادر الاستنباط حسب الرؤية الصدرية محصورة في مصدرين فقط لا يعني التخفف من بحث باقي مصادر الاستنباط، وليس مصادفة أن يكون للشهيد إبداع وأصالة وعمق في بحث الدليل العقلي والإجماع.
حيث لا نجد في كتب الأصوليين أروع من الطريقة التي بحث فيها الدليل العقلي الذي أسماه في المعالم الجديدة للأصول بالدليل البرهاني، أما في الحلقات فسمّاه بالدليل العقلي، وفي المعالم أشار إليه بعنوان الطريقة القياسية ومثّل له بما يلي: الصلاة في المكان المغصوب حرام، وكل حرام لا يمكن أن يكون واجباً؛ لعلاقة التضاد القائمة بين الوجوب والحرمة، فالصلاة في المكان المغصوب إذن لا يمكن أن تكون واجبة.
وسمّاه الشهيد في المعالم الجديدة بالدليل القياسي، لكنه عقّب على ذلك بقوله: استبدلنا كلمة القياس بالبرهان؛ لأن كلمة القياس قد يختلط معناها المنطقي الذي نريده هنا بمعان أخرى، فآثرنا أن نضع الدليل البرهاني عنواناً لدراسة تلك العلاقات العقلية.
وفي الحلقات أشار إلى أن الدليل العقلي هو كل قضية يدركها العقل ويمكن أن يستنبط منها حكم شرعي، وهي تنقسم إلى ما يكون دليلاً عقلياً مستقلاً وما لا يكون دليلاً مستقلاً.
حجية الدليل العقلي
وانتهى في مسألة الحجية إلى أن الدليل العقلي القطعي حجة، أما الظني فليس بحجة.
ولكن كيف نقطع بالدليل العقلي؟ وذلك يحتاج إلى:
١. القطع بالملاك.
٢. القطع بدرجة الملاك.
٣. عدم وجود أي معارض من الملاكات الشرعية الأخرى.
ولا سبيل لنا دائماً أو غالباً إلى معرفة هذه الأمور الثلاثة مجتمعة من غير بيان شرعي، ومع البيان الشرعي يدخل هذا في الدليل الشرعي ولا موجب لدخوله في الدليل العقلي.
ويوجد نزاع بين الإمامية أنفسهم في الأدلة العقلية، حيث ذهب الأخباريون إلى عدم صحة الاستنباط القائم على الدليل العقلي.
وهنا تبدأ دقة وشمولية البحث عن الشهيد الصدر، حيث أشار إلى أن المراد بالدليل العقلي هو الحكم الذي يصدره العقل على نحو الجزم واليقين غير مستند إلى كتاب أو سنة.
ولا يراد به حكم القوة العاقلة بمعناها الفلسفي.
والنزاع مخصوص بالأحكام العقلية التي يراد استنباط حكم شرعي منها في عرض الكتاب والسنة، لا الحكم العقلي الواقعي في مبادئ التصديق بالكتاب والسنة، إذ لا إشكال في حجيته عند الجميع.
ولا يراد أيضاً الحكم العقلي الواقع في طول الكتاب والسنة وفي مرحلة معلولات الأحكام الشرعية كوجوب الطاعة والامتثال؛ ولعدم وقوع خلاف شديد في الدليل الشرعي آثرنا عدم الإشارة إليه.
ثمّ يقسّم البحث في الدليل العقلي بالشكل التالي:
الدليل العقلي المقتنص من الأحكام العقلية النظرية.
الدليل العقلي المقتنص من الأحكام العقلية العملية.
والقسم الأول يرجع البحث فيه إلى أحد بيانين:
العلاقات والاستلزامات الواقعية الثابتة للأحكام.
أي باب الإمكان والوجوب والاستحالة، ولمّا كان هذا البحث متوقفاً على إثبات الأحكام فهو لا يستقل في إثباتها؛ لهذا دخل في غير المستقلات، وهذا ما بحثه في الحلقات، كما أشرنا إلى عناوينها وباب العلية والمعلولية حيث يدرك العقل الملاك التام وعلة الحكم.. وهذا هو بحث المستقلات العقلية.
ويدفع بعد ذلك السيد الشهيد الإشكاليات الثلاث الموجهة إلى حجية الدليل العقلي.
وبعد أن عرفنا حدود رؤية الشهيد الصدر إلى الدليل العقلي ندخل إلى رحاب بحثه في الدليل الشرعي، ولا يملك الأصوليون الشيعة أدلة أخرى على الحكم الشرعي خارج الدليل العقلي والدليل الشرعي.
والشهيد الصدر يشير إلى رأي مشهور الأصوليين في المذاهب الإسلامية الأخرى حيث يقول:
فقه العامة يتجه إلى إثبات الحكم الشرعي دائماً، فإن لم يكن إثباته بالأدلة القطعية أو المفروغ عن دليليتها شرعاً تحوّل إلى طرق أضعف في مقام الإثبات من الأمارات والظنون القائمة، على أساس اعتبارات ومناسبات واستحسانات، فهو يتوسل بكل وسيلة إلى إثبات الحكم الشرعي مهما أمكن.[12]
ولهذا فإن (فقه العامة لم يتعرض لبحث الأصول العملية وأقسامها وشرائط كل منها، بل على العكس من ذلك نجد أن للبحث عن الأمارات والظنون ومحاولات إثبات الحكم الشرعي على أساسها مجالاً واسعاً في أصول فقه العامة، في الوقت الذي يكون البحث عنها عندنا محصوراً في حدود ما هو معرض قيام دليل شرعي على حجيته).[13]
وبحث الشهيد الصدر في الدليل الشرعي من ناحية المنهج لا يختلف كثيراً في المضامين ولا يختلف من ناحية المنهج إلا في الحلقات.
وقد ظهرت في بحث الدليل الشرعي منهجية السيد الشهيد الواضحة المتميزة في الحلقات.[14]
وبذلك حقّق للطالب فائدة عظمى هي معرفة دور القاعدة الأصولية في المجال الفقهي، وأعطته رؤية أجلى لكيفية الممارسة الفقهية لقواعد علم الأصول.[15]
نظرة في كتاب غاية الفكر
وحين نطالع أول نتاج أصولي وفكري للسيد الشهيد نجد الخصائص التالية:
1. إحاطة كاملة بكلمات أعلام الأصوليين أمثال العراقي والإصفهاني والنائيني، ولعل أقرب هؤلاء إلى عقليتهقدس سره في تلك الفترة هو المحقق العراقي ثم أستاذه المحقق السيد الخوئي.. وإن كان الكتاب يتضمن ردوداً على هؤلاء جميعاً، وقد نجده يحاول البرهنة على بعض مقالات العراقي الأصولية.[16]
2. معرفة كاملة بالقواعد المنطقية والفلسفية التي تساهم في بناء النظرية الأصولية.[17] ويشير إلى رأي الدواني.[18]
3. اختيار بعض النظريات الأصولية التي سيخالفها في مستقبل بحوثه الأصولية، مثل نظريته في تفسير العلم الإجمالي.[19]
4. يلاحظ تواضعه العلمي في مقدمة الكتاب وفي ثنايا بحوثه.
5 . يلاحظ أيضاً مقدمات نضوج في الرؤية.
6 . مقدمات جرأة على اختيار الرأي المستقل فهو يردّ على والده،[20] ويختار رأياً يخالف فيه الأساطين.[21]
7. مراجعة أكثر من مصدر للإحاطة بآراء العلماء والمقارنة بين كلماتهم، لاحظ كيف يرجع إلى أجود التقريرات وفوائد الأصول.
8. التعبير والصياغة لم تخرج على المعهود في الصياغة الأصولية المتعارفة عند علماء الأصول.
9. يظهر اطّلاعه الشامل على مجريات مسائل علم الأصول، فهو يقول مثلاً على تفصيل محقق في مباحث العموم والخصوص. كذلك عندما يناقش العراقي يدخل في تفاصيل التصورات عن أقسام الحكومة وآثارها.[22]
١٠. وهل هو صدفة أن يكون بحثه الأول في العلم الإجمالي في الأصول الذي كتبه وهو لم يبلغ العشرين عاماً؛ ليكون منطلقاً في مستقبل دراساته للوصول إلى تفسير الاحتمال ونظرية الاحتمال التي تفرّد ببنائها والاستدلال عليها لتكون نظرية متكاملة في المعرفة.
معالم في البحث الأصولي عند الشهيد الصدر
١. من أجل تربية طلابه علمياً يعرض في درسه فرضيات وآراء غير مقبولة عنده؛ ليعلّمهم كيفية مناقشتها بعد تحليلها.
٢. من أجل تربيتهم أيضاً يدفعهم للتفكير والتأمل والبحث المتواصل، من خلال التحدي الهادف، وأذكر جيداً ما قاله لنا في درس الأصول: إنك تستطيع أحياناً أن تُسكت المقابل، ولكنك لا تستطيع أن تقنعه، وذلك يحصل عندما لا يستطيع أن يجد الجواب والرد المناسب على كلامك، ولكنه غير مقتنع بما تقول.
وذكر هنا مثالين:
الأول ما كان يقوله صاحب الكفاية لطلابه الذين سألوه عن رأيه في مسألة الترتب الأصولية، فقال لهم: إن قلتم بالإمكان فأنا أثبت لكم العكس وإن قلتم بالاستحالة فأنا أثبت لكم الإمكان، وهنا قال الشهيد: إن صاحب الكفاية لا يستطيع أن يقنع طلابه بالرأيين معاً في وقت واحد.
المثال الثاني ما كان يقوله لتلميذه السيد الحائري: إن مفهوم الشرط عليه دليل لفظي؛ حيث استدل الإمام الصادق؟ع؟ لإثبات حرمة الذبيحة التي تذبح ويسيل منها دم عبيط ۔ طازج أي ليس لها حياة وحركة ۔ بمفهوم قول الإمام علي؟ع؟: (إذا ركضت الرجل أو طرفت العين فَكُل) وكان السيد الحائري لا يملك وقتها جواباً على كلام أستاذه الذي كان لا يعتقد صحة الاستدلال بهذه الرواية وقال لأستاذه عند ذاك: لابد أن تكون هناك حجة أقوى من حجتك؛ لأنني لم أقتنع بما تقول. وكان الشهيد الصدر يقول: إن إجابتي كانت إجابة إسكاتية، وأنا غير مقتنع بما ذكرته من رد.
ومن الطرائف أنني حين درست عند السيد الحائري بحث المفاهيم ووصلنا إلى هذه النقطة ذكر أن أستاذه أورد عليه بإيراد لم يستطع وقتها أن يجيبه عليه، وهو الآن يملك الإجابة في الرد على الرواية سنداً ودلالةً، وهذا يعني أن الأستاذ وضع تلميذه موضع التحدي وجعله يفكّر حتى وجد الحل والرد الصحيح.
٣. تربية طلابه على الروح النقدية، من خلال الطريقة المقارنة في البحث.
تطعيم بحوثه بالرؤى والأفكار الفلسفية الحديثة والقديمة، حيث يتعرض لبعض ما يشبه الأحاجي والألغاز، ويتعرض لشبهات أثارها الفيلسوف البريطاني راسل. لاحظ شبهة الإغريقي والكلي الذي لا ينطبق على نفسه، وكذلك الاستدلال على وحدة الوجود ومناقشة الشهيد الصدر له. [23]
لاحظ شبهة الكلي الذي لا ينطبق على نفسه.[24]
وكذلك يناقش في الردود التي أوردها الأصوليون على الأخباريين، ويدافع عن الأخباريين.[25]
تربية طلابه على الاستنتاج وكيفية بناء المركّب العلمي، من خلال مراجعة مجموعة كلمات ومقولات صاحب الرأي الأصولي من غير أن يقتصر على كلمة هنا أو هناك، وقد تعوّدنا على عبارته (ويظهر من مجموع كلمات..).
إثارة احتمالات غريبة ومثيرة.[26]
هذه الإثارات قد تهدف إلى تربية الآفاق العلمية لطلابه وتربيتهم على أن يبحثوا عن كافة المحتملات.
٧. دراسة تاريخ المسائل العلمية الأصولية وغيرها.
ونحن لا نملك في تراثنا دراسة تأصيلية لتاريخ علم الأصول كالدراسة المختصرة في سطورها الموسّعة في آفاقها ومضامينها التي كتبها في المعالم الجديدة للأصول، ومن المؤكد أن دراسة تاريخ المسألة تعين الدراسات اللاحقة على أن تلاحق تطورات المسائل وأدلتها ومداركها.[27]
٨. تنوع الأساليب والصياغات وضرب الأمثلة يجعل الدراسة الأصولية المعقدة محبّبة إلى العقول وقابلة للفهم، وكان الشهيد الصدر يملك القدرة على تجسيد المعنويات وتجسيم المجردات.
٩. تطعيم الدروس والبحوث بالمفاهيم التربوية والأخلاقية والهموم الرسالية، ولا زلت أذكر ما طرحه في درس الفقه وأستغرب منه كثيراً، وبل ويستغرب منه كل مَن يسمعه يقول: (إن الشخص لو قام فصلّى من أجل أن يتعلم أولاده كيفية الصلاة فإن قصد القربة يتحقّق منه) كيف يستطيع الفقيه أن يفلسف هذه الفتوى الغريبة.
وكان يقول أيضاً: (إن المكروهات الواردة على الجنب تحثّ الجنب على أن يسرع في الغسل).
إن هذه وأمثالها من الاستنتاجات تربّي الطالب على أن يفهم أو يحاول أن يفهم الملاكات للأحكام الشرعية.
وعندما تعرض لمسألة إبطال الرياء للعبادات أشار إلى طلاب العلوم الدينية قائلاً: (إننا أذكياء ونستطيع أن نبرع في التجارة، ومن لا يخلص في طلب العلم والعمل به وهداية الناس فإنه خسر الدنيا والآخرة، أما الآخرة فإن الإخلاص هو شرط قبول الأعمال، والرياء مبطل للعمل العبادي، ونحن نستحي حين لا نعرف حكم مسألة من المسائل، لهذا نحن نجيب بآرائنا وأهوائنا وجهلنا. وأما الدنيا فأي دنيا هي دنيا الطلبة لا أمن فيها ولا مال..).
وكان يقول أيضاً حاثّاً المؤمنين على العمل من أجل الإسلام: (لماذا لا ينام بعض أتباع المذاهب الإلحادية حتى يخطّطوا لعملهم في غدٍ؟ ماذا يفعلون وكيف يعملون ونحن لا نفعل شيئاً؟)
وقال لطلابه المجتمعين لمدارسة المَلازِم الأولى من كتاب فلسفتنا التي كانت تصدر تباعاً من المطبعة: (والله لا أعلم مجلساً أقرب إلى الله من مجلسكم؛ لأنكم تريدون التسلّح بالفكر الإسلامي لمواجهة الضلالات).
١٠. دراسة تأثير علم الأصول على المجالات غير الفقهية، ودراسة من هذا القبيل تحتاج إلى تفصيل للنقاط التي أثارها الشهيد الصدر في المعالم الجديدة للأصول.[28]
١١. دراسة الشهيد الصدر للنصوص الأصولية دراسة علمية تحليلية، فتراه يشقّق ويحلّل الفكرة إلى أبعد حدّ وكأنه يريد أن يصل بالفكرة إلى أقصى مدى، وليس هذا مقصوراً على كلمات الأصوليين، بل لعله وليد منهجه في تحليل النصوص الشرعية، ومراجعة سريعة لبحثه الفقهي يظهر منها ما نقول، وكذلك دراسته للأفكار والآراء والمقولات.
ومن يلاحظ بحثه في القائلين بوحدة الوجود رغم اختصاره يلاحظ الوجوه المحتملة في مقولتهم.[29]
إن ملاحظة ذلك تكشف للإنسان عمق الذهنية التي يملكها الشهيد الصدر، والتي أراد لطلابه أن يتحلّوا بها. لاحظ ما طرحه من تفسير للإرادة في آية التطهير.[30]
ورأيه في الإرادة يحل الإشكاليات التي أوردها الكثيرون على الاستدلال بالآية على عصمة أهل الكساء؟عهم؟. وهو يرى أن المراد التكويني لا يستحيل انفكاكه عن الإرادة التكوينية.[31]
كذلك يلاحظ بحثه في الدليل العقلي الجزء الأول من مباحث الأصول للسيد الحائري[32] وكذا بحوث علم الأصول للسيد الهاشمي.[33]
١٢. الدفاع عن الحقيقة العلمية أياً كان قائلها، والرد على الأباطيل من أي مصدر صدرت، مثال ذلك دفاعه عن الأخباريين والأشاعرة من غير أن يكون أخبارياً أو أشعرياً في موضوع توقّف المعجزة على مقدمة عقلية هي قبح إجراء المعجزة على يد الكاذب.[34]
كذلك قال: إن ثلث علم الأصول قائم على قاعدة باطلة هي قبح العقاب بلا بيان، وهي لعب بالألفاظ.
وهو يرى أن الإجماع المنقول لا يوثق به؛ نتيجة التساهل في نقله.[35]
رغم أنه يأوّل تأويلاً متميزاً للإجماع المنقول عن السيد المرتضى في عدم صحة العمل بخبر الواحد.
وهذه الطريقة القاسية من الرد نفس طريقة المحقق ابن إدريس الذي كان يغلظ في الرد على الشيخ الطوسي ليربّي الآخرين على الجرأة في مواجهة الآراء غير المبرهنة.
وهذا لا ينافي ما كان يفعله من تقريب وجهات النظر ومحاولات الجمع بين المباني إذا أمكن ذلك.
١٣. كان ينسب الفضل إلى أهله، فهو إن عرف عنه اختياره لمسلك حق الطاعة وقد يفهم البعض أنه انفرد به، لكنه يقول: إن هذا هو مختار الشيخ الطوسي وغيره.
ويثني كثيراً على العلماء الذين فطنوا إلى مسائل هامة في علم الأصول كالشيخ النائيني في مسألة الترتب، وكذلك أشاد بالأنصاري وغيره وتقسيمه لعصور علم الأصول.
١4. إشاعة الروح الجماعية في البحث والحوار والتحقيق. لاحظ رسالته الموجهة إلى تلميذه السيد الحائري.
كما قال لتلميذه السيد علي أكبر الحائري: إنك أحييت كتاب الحلقات؛ لأنه صحّح الأخطاء المطبعية.
وهذه طريقة غريبة على منهج الدراسات الحوزوية.
١5. السعي إلى إيجاد منهجية وافية وصحيحة، لقد ذكرنا أنه استخدم منهجين في دراساته وبحوثه الأصولية.
١6. التأكيد على دور الإشراط والقرن بملابسات معينة في التأثير على المصطلحات، من ذلك ما ذكره في مناقشة الاستدلال الأخباري على عدم العمل بالظهور القرآني استدلالاً بالنص الوارد عن الأئمة؟عهم؟ الذي ينهي عن التفسير بالرأي.[36]
وهذا يدل على ذهنية دقيقة عميقة تلاحق المصطلح في ظروف نشأته وتطوره.
لاحظ أيضاً إطراءه على الشيخ الفقيه محمد جواد مغنيه.[37]
لاحظ سلسلة (اخترنا لك)[38] وتتضمن مجموعة بحوث مأخوذة من كتابات الشهيد الصدر.[39]
١٧. الذوق الإسلامي والتبصرة الدينية صفة بارزة في شخصية الشهيد الصدر، وظهرت آثارها في فهمه للنصوص الواردة في الأكراد وفي رفع التكليف في يوم محدد من السنة.[40]
لاحظ هجومه على المنهج الباطني في فهم الأحاديث والنصوص والشريعة. ولاحظ جعله القرآن مرجعاً أساسياً لكل المعارف الإسلامية طيلة تاريخ الإسلام.[41]
علم الكلام والفلسفة والأصول
الشهيد الصدر الفيلسوف والمنطقي الأرسطي أولاً ثم العلمي الاستقرائي، هل استطاع أن يوظّف نظريته في المعرفة التوالد الذاتي في دراساته الأصولية؟
نعم، حين ركّز على نوعين من وسائل الإثبات، إثبات الدليل الشرعي.
وهما وسائل إثبات تعبدية ووجدانية قائمتان على نظريته في حساب الاحتمال، التي نظّر لها واستدل لها بشكل مفصّل في الأسس المنطقية للاستقراء والإجماع والتواتر والسيرة، ترجع أسس دليليتها إلى حساب الاحتمال، بل سعى إلى إنزال النظرية من برجها العاجي ومن تعقيدها إلى مستوى المثقفين، حيث كتب (المرسل والرسول والرسالة) الذي يعتبر تطبيقاً للنظرية على أهم المسائل العقائدية. وسعى إلى تطبيقها على الإمامة والإعجاز.[42]
كما أن للشهيد الصدر صولات في مجالات الفلسفة وعلم الكلام ونظرية المعرفة المعهودة أرسطياً ونظرية المعرفة الحديثة في الغرب، كذلك له مناقشات مع أساطين الفلسفة في تفريعاتهم ومصطلحاتهم، راجع على سبيل المثال لا الحصر:
مناقشته لمسألة الجبر والاختيار.
مناقشته في تفسير المعقولات الثانية الفلسفية.
تفسير الخراساني للخير والشر.
المناقشات في الحسن والقبح العقلي على رأي الأشاعرة والإمامية.
مناقشته في تفسير المتأخرين للقضايا المشهورة.
مناقشته في كيفية دلالة المعجزة.
مناقشته في استحالة الدور.
إذ يرى أن نفس عملية الدوران مستحيلة لا أن ما يلزم منه الدور مستحيل، وكأن عملية الدوران ممكنة.
مناقشته في الاستدلال على بطلان التسلسل ببرهان التطبيق مستعيناً بالرياضيات الحديثة.
مناقشته لقاعدة اللطف في بعض المجالات.
أشار الشهيد الصدر إلى مصادر الإلهام للفكر الأصولي، مما يعين الطلاب على الدقة في التعامل مع الأفكار الأصولية وتلك المصادر.[43] عوّد طلابه على الدقة في البحث والتطبيق. لاحظ فصله بين الشروط الشرعية وبين الوضع اللغوي.[44]
وكذلك فصله بين العنوان والمعنون وبين بحث الآلية الذي يراد منه فناء مفهوم في مفهوم آخر، بينما الأول هو فناء العنوان في المصداق الخارجي.
ولاحظ ما قاله من عدم ضرورة التطابق بين عالمي الخارج والذهن دائماً، حيث يرى قيام البرهان على خلافه؛ فإن العرض لحاظه في الذهن يمكن أن يكون مستقلاً عن موضوعه بخلاف واقعه الخارجي حيث هو موجود في موضوعه.
وتظهر دقته أيضاً في تقسيمه للأعراض وفي اكتشاف ملاك جديد للاستحالة، ليس هو الدور بل هو ما يشبه الدور.[45]
وتظهر أيضاً فيما طرحه من بحث عن الحب والبغض.[46]
كذلك يلاحظ نظرية الحفظ الذاتي.[47] وبوضوح كامل نرى دقته عندما يتحدث عن تأثير البحث المنطقي أو الفلسفي على النتائج الأصولية، لاحظ ما ذكره من أثر ملاك حاجة المعلول إلى العلة على مسألة الضد.
كذلك دفعته دقته إلى اكتشاف لوح الواقع الذي ليس هو عالم الخارج ولا عالم الذهن، بل هو عالم الواقعيات غير الذهنية وغير الحسية وقضاياه متحققة بنفسها لا بوجودها الخارجي، كالإمكان والاستحالة والامتناع، ولا يلزم من تحققها منذ الأزل تعدّد واجب الوجود.
ودقته الكبيرة جعلته يناقش في ما طرحه الإصفهاني في أكثر من مورد ومسألة من مباني فلسفية لها تأثيرات على المسائل الأصولية، فهو يناقش في المبنى تارةً وفي البناء أخرى.[48]
حيث يرى الإصفهاني أن الحيثيات التعليلية في الأحكام العقلية تكون تقييدية.
ويناقش أيضاً في أن التسلسل ليس مستحيلاً دائماً، بل هو ممكن في عالم اللحاظ والاعتبار.[49]
ويرى الشهيد أن برهانهم على استحالة التسلسل المسمّى ببرهان التطبيق ليس تاماً، واستفاد من الرياضيات الحديثة في الرد عليه.[50]
كما يناقش في قولهم: إن الاختيار ضروري وليس اختيارياً، فهو يرى إمكان أن يكون اختيارياً، ولا يشترط في الإرادة أن يكون المراد واجباً بالغير، ويرى أن الإرادة بالأمر مراد تكويني للمولى.[51]
وقد ناقش أيضاً خلطهم بين مصطلح الحكمة والفلسفة وبين مصطلحات البحوث اللفظية في مقولتهم الشهيرة: الماهية بما هي هي ليست إلا هي.[52]
وهو غير راضٍ عن إدخال الدقة الفلسفية في الاستظهارات العرفية.[53]
ويرى أن الإلهامات الفطرية هي الأساس في تشخيص الأوضاع اللغوية.[54]
ويتحدث بدقة عن مناشئ خبرة اللغوي.[55]
ونراه يشكّل براهين لمباني معارضيه، كما يظهر ذلك في مباحث الدليل العقلي بشكل جلي.[56] على سبيل المثال لاحظ مباحث الأصول.
وقد جعلته دقته يشكك في كثير مما توارثه الأصوليون. لاحظ ما طرحه من تفسير للرأي في الروايات الناهية عن التفسير بالرأي.[57]
وكذلك فهمه للمتشابه القرآني يدل على دقته واكتشافه لوجود مسلكين: ظاهري وباطني في أصحاب الأئمة جعله ينتصر بالمسلك الظاهري المتوافق مع ظواهر الشريعة.
وتكلّفه دقته أن يبحث عن معاني ومرادات العلماء في مصطلحاتهم.
لاحظ ما بحثه في استناد حجية الإجماع إلى قاعدة اللطف في مباحث في علم الأصول.[58]
ودقته المنهجية ظاهرة للعيان فهو يتحدث مثلاً عن البحوث والأوضاع اللغوية وأنحائها وكيفية تشخيصها.[59]
وفي منهجيته في بحث الدليل العقلي يشير إلى النزاع الشيعي ۔ السني والشيعي ۔ الشيعي في هذا الموضوع، ويدقّق في مصطلحات العقل النظري والعملي، ومصطلحات الحسن والقبح، ومصطلحات عالم الواقع وعالم الخارج، وارتباط بحث الحسن والقبح بالشهرة أو بالواقع وارتباطهما بالمصلحة والمفسدة أو عدم ارتباطهما، وارتباطهما باستحقاق الثواب أو عدم ارتباطهما وعلاقتهما بالتزاحم.[60]
وتجعله دقته يطرح مصطلحات جديدة.
لاحظ ما طرحه من مصطلح أصالة الثبات اللغوية.[61]
وهو ينكر وجود المجعول بالنظرة التصديقية، ويرى أن هذا الإنكار يحلّ مشكلة الشرط المتأخر ويقبله بالنظرة التصورية؛ ليصحّح استصحاب المجعول في الشبهات الحكمية.
وقد دفعته دقته إلى أن يطرح مشكلة المقدمات المفوّتة في التكوينيات قبل التشريعيات، ليشير إلى وجود حل لهذه المشكلة في الوجدان. وهناك إجابات ستة على المشكلة لا تأتي خمس منها في التكوينيات.[62]
ويناقش الشهيد في الفاعلية والفعلية وسقوط التكليف بالطاعة.[63]
فدقته في انتقاء المصطلحات تجعل طلابه دقيقين في التفكير والتعامل مع النصوص.
لاحظ تفريقه بين الضلالة والخطأ في مناقشة رواية (لا تجتمع أمتي على ضلالة).
وحين يتعرض للتخصيص المنفصل يرى أن المخصصات المنفصلة قد لا تكون ظاهرة واضحة في كلمات الأئمة، ولعلها نشأت من عدم دقة النقل أو من اعتماد الرواة على النقل بالمعنى.[64]
مقارنة سريعة بين تقريرات طلاب الشهيد
صدر إلى المكتبات التقريرات التالية لبحوث الشهيد الصدر:
١. بحوث في علم الأصول: آية الله السيد محمود الهاشمي.
٢. مباحث الأصول: آية الله السيد كاظم الحائري.
٣. جواهر الأصول: العالم الجليل الشيخ إبراهيم الأنصاري.
4. تمهيد في مباحث الدليل اللفظي: العالم الجليل الشيخ حسن عبد الساتر.
وهي كتب مباركة نافعة أعانت طلاب العلم في المراحل المتقدمة على معرفة آراء السيد الشهيد في علم الأصول.
ويعتبر الأخير هو الأسهل عبارة؛ لأنه كما يقول مؤلفه: تعمّد التقيد بكل مثال أو تفريع أو عبارة معبّرة ذكرها الشهيد الصدر.
أما الكتاب الثالث فهو في مباحث القطع، وقد حافظ في كثير من الأحيان على مصطلحات وعبارات ومنهجية الشهيد، وهو خال من التعليقات من قبل المقرر.
أما الكتابان الأولان فهما فضلاً عن ضخامة حجمها وسعة مضامينهما يعبّران عن آراء الشهيد وتعليقات المقررين، والأول هو الأكثر تعبيراً عن آراء الشهيد الأخيرة في قسم كبير من الكتاب، بينما الثاني رغم دقته فهو يعبّر عن الآراء الأولى للشهيد، ورغم ذلك فقد سعى مؤلفه إلى جعله مقارناً بالدورة الأصولية التي لم يحضرها وبما كتبه الشهيد الصدر في الحلقات، وبما نقل إليه بعض طلاب الشهيد الصدر أمثال السيد علي أكبر الحائري، وهو من العلماء الفضلاء ممن استمر في حضور درس الشهيد حتى النهاية.
[1]. إبراهيم: 27. [2]. العبقرية والإبداع والقيادة، دين كيث سايمنتن. [3]. مباحث الأصول، ج 1. [4]. بحوث في علم الأصول، ج 1. [5]. مجلة التوحيد، العدد 33، ص 141. [6]. المعجم الفلسفي، صليبا، مادة (أسلوب). [7]. معجم مصطلحات الأدب، ص 542. [8]. أصول البحث، ص 211۔212، د. عبدالهادي الفضلي، بتصرف. [9]. راجع الملحق رقم1. [10]. راجع مقدمة الحلقة الأولى لإبراز التدرّج في العرض والبيان. [11]. البقرة: 256. [12]. بحوث في علم الأصول، ج 5، ص 9. [13]. م. ن، ج 1، ص 10. [14]. راجع بحوث في علم الأصول، الهاشمي، ج 1، ص 32. [15]. م. ن، ص 64. [16]. قارن غاية الفكر، ص 20. [17]. راجع: م. ن، ص 15. [18]. م. ن، ص 58. [19]. م. ن، ص 11. [20]. م. ن، ص 98. [21]. م. ن. [22]. م. ن، ص 120 – 123. [23]. بحوث في علم الأصول، ج 4، ص 331. [24]. م. ن، ص 278. ولاحظ أيضاً المعالم الجديدة، ص 102 والملحق2 من نفس الكتاب. [25]. لاحظ بحث الدليل العقلي. [26]. لاحظ الملحق 3. [27]. لاحظ الملحق الخاص بتاريخ وعصور علم الأصول. [28]. راجع الملحق رقم 5. [29]. راجع الملحق رقم 6. [30]. راجع الملحق رقم 7. [31]. بحوث في علم الأصول، ج 2، ص 199. [32]. مباحث الأصول، ج 4. [33]. بحوث في علم الأصول، ج 4، ص 477. [34]. راجع الملحق رقم 8. [35]. بحوث في علم الأصول، ج 4، ص 32. [36]. لاحظ الملحق رقم 9. [37]. لاحظ الملحق رقم 10. [38]. اخترنا لك، الرقم 1، ص 60. [39]. لاحظ الملحق رقم 10 وكذلك اقتصادنا، ص 390. [40]. لاحظ مباحث في علم الأصول، ج 1، ص 356. [41]. بحوث في علم الأصول، ج 4، ص 284 ۔ 285. [42]. راجع الملحق رقم 11. [43]. لاحظ الملحق رقم 12. [44]. بحوث في علم الأصول، ج 1، ص 235. [45]. م. ن، ج 2، ص 366. [46]. م. ن، ج 1، ص 117 ۔ 118. [47]. م. ن، ج 2، ص 354. [48]. مباحث في علم الأصول، ج 2، ص 242. [49]. بحوث في علم الأصول، ج 2، ص 245. [50]. م. ن، ج 4، ص 134. [51]. م. ن، ج 2، ص 353 ۔ 254. [52]. لاحظ بحوث في علم الأصول، ج 2، ص 326. [53]. م. ، ج 1، ص 364. [54]. م. ن، ج 4، ص 326. [55]. مباحث علم الأصول، ج 4، ص 266. [56]. م. ن، ج 1، ص 536. [57]. لاحظ م. ن، ج 4، ص 140. [58]. م. ن، ص306. [59]. م. ن، ص 299. [60]. راجع بحوث في علم الأصول، ج 4، ص 46 وكذا مباحث الأصول، ج 1. [61]. بحوث في علم الأصول، ج 4، ص 292. [62]. لاحظ م. ن، ج 2، ص 207 – 210. [63]. بحوث في علم الأصول، ج 4، ص 193. [64]. م. ن، ج 3، ص 363.
المصدر: مركز الأبحاث والدراسات التخصصية للشهيد الصدر