يتكون كتاب “الشهيد الأول محمد بن مكي الجِزّيني .. عصره، سيرته، أعماله وما مكث منها” من سبعة فصول . كل فصل يعالج إشكالية من الإشكاليات التي يطرحها موضوعه . وقد قدم المؤلف لكل فصل بتمهيد. كما أتى بعده بملخص لمادته .
خاص الاجتهاد:<فقد خصص الفصل الأول لـ ( أرضية تاريخية ) عامة . وقد رسم في هذا الفصل خريطةً بشرية للتحولات السكانية للشيعة النازلين غرب البحر المتوسط، أي ما يعرف اليوم بـ”لبنان” السياسي. بادئين بانتشارهم في المنطقة، وصولا إلى البلاء الصليبي. الذي كان بمثابة البادئ لسلسلة من الحركات السكانية القسريّة، الآخذ البعض منها برقاب بعض.
أهمها على الإطلاق إخراج الشيعة من مواطنهم التاريخية في”جبل لبنان”. فإسكان جماعات من التركمان فيها. فهبوط هؤلاء إلى السواحل واجتياحها سكانية، اجتياحة مدعومة من قبل السلطة . الأمر الذي انتهى إلى خريطة بشرية جديدة للمنطقة، مع ما ترتب على ذلك من آثار سياسية. كان الشيعة ضحيتها الوحيدة. وهذه هي القاعدة التي تستقر عليها سيرة الشهيد وأعماله.
وفي الفصل الثاني،(“جِزّيْنْ”ماضي الأيام الأتية)، يقترب المؤلف خطوة كبيرة من غايته. وذلك بالتعرف على البيئة الثقافية التي نبت فيها بطل هذه السيرة ومكوناتها . من ناحية تاريخها العام، ومن ناحية تاريخها الثقافي الخاص. والعلاقة بين الشخص ومنبته ليس في حاجة إلى تذكير بأكثر من هذه الإشارة.
اما في الفصل الثالث،(في السيرة)، يدخل الشيخ المهاجر مباشرة في سيرة الشهيد. حيث يستعرض استعراضا نقدياً ما في مختلف المصادر مراحل حياته الست التي عنونه بها أقسامه الستة. بدءا من المولد حتى الشهادة .
في الفصل الرابع، (في خضم المعترك)، يقوم المؤلف بما أستحسنه أن تسميه تجوُّزاً : توأمة، يضرب فيها النتائج التي وصل إليها في الفصول الثلاثة السابقة بعضها ببعض، خصوصا بين الفصلين الأول والثالث. ليقف على الجانب العملاني من سيرة الشهيد.
حيث يتحدث في بواعثه وحوافزه على العمل والنهج أو الخطة التي عمل عليها، وصولا إلى الثمار التي أتت من أعماله، مع إشارة ضرورية إلى أن الحديث في البواعث والحوافز سيستوجب العودة إلى الظرف التاريخي الذي عمل فيه. هذا أشبه بضبط العدسة قبل أخذ الصورة .
اما في الفصل الخامس،(عالم الشهيد) ، يبقى في نطاق السيرة. لكنه هذه المرة يُرجع البصر فيها من خلال شبكة العلاقات الواسعة التي بناها في سياق عمله، إعداداً أو تنفيذاً. وهو بحث غير مسبوق. أملاه عليه ضرورة أن جزءاً كبيراً وأساسياً من سيرته، لا سبيل للإحاطة به إلا من هذا المنظور.
وفي الفصل السادس يطرح السؤال الكبير: ( لماذا قتل الشهيد؟ ) . إن حجم السؤال يتأتى من حجم الجريمة وغرابتها أولا، ثم من حجم حضورها في المصادر الكثيرة. وكلا الأمرين له معناه ومغزاه، الذي من وظيفة الباحث أن يكتشفه.
وأخيراً وفي الفصل السابع يصل المؤلف إلى ذروة البحث، فيطرح سؤالا ثانية هو: ( ماذا مكث من أعمال الشهيد ؟ ) . ويختم الباحث الكتاب بالخاتمة التقليدية التي تقضي بها الكتابة الفنية. فيُلخّص أهم النتائج التي وصل إليها البحث في فصوله السبعة.
واما خلاصة فصول الكتاب
الفصل الأول / أرضيّة تاريخيّة
نخلصُ من هذا السرد التاريخي المتصل الحلقات، الذي وضعناه تحت عنوان ( أرضية تاريخية) ، إلى أن الشيعة كانوا الغالبيّة في هذه البقعة من شرق المتوسط، التي غدت من بعدُ ما يعرف اليوم ب”لبنان” السياسي. وأنهم عاشوا فيها زهاء الأربعة قرون. حيث قاموا بإنجازات باهرة على الصعيدين السياسي والتنموي .
مثالها الأبرز مدينة “طرابلس”. إلى أن نزل بهم البلاء الصليبي، الذي كان من آثاره المباشرة البعثرة السكانية الهائلة التي أصابتهم في الصميم، باحتلال مدينتي “طرابلس” و “صور”، فضلا عن”طبريّة “. التي، وإن تكن جغرافياً خارج محطّ اهتمامنا، لكنها تدخل فيه باعتبار أن سكانها وسكان القرى والمزارع المُطيفة بها قد لجأوا إلى “جبل عامل”. ومذ ذاك بدأ هذا الجبل المبارك يصبح شيئاً مذكورا .
هكذا نشأت صورة سُكّانية جديدة. بمقتضاها غدا الشيعة أكثرية في ثلاث مناطق، هي : “جبل لبنان” و”جبل عامل” و”البقاع البعلبكي”. استمرت زهاء قرنين آخرين من الزمان .
التطور السلبي التالي حصل في بداية القرن الثامن للهجرة / الرابع عشر للميلاد، حيث ما إن أتمّت السلطة المملوكية القضاء على أخر الجيوب الصليبية، حتى انقلبت على الشيعة في جبل لبنان”، فنظمت حملة انتهت بإجلائهم منه . وأحلت محلهم أقواما من التركمان .
هؤلاء التركمان أصبحوا مذ ذاك عاملاً سكانياً وسياسياً وثقافيًا جديداً، سيكون له تأثيره الكبير بالتأكيد. ومن آثاره ما له علاقة صميمة بموضوع بحثنا. مما يقتضي أن نتابع الكلام عليه تحت عنوان القسم الأخير من هذا الفصل (تداعيات النكبة ).
لكننا آثرنا التوقف عند هذا الحد من ( أرضية تاريخية )، لأن تأثير العامل التركماني يتصل اتصالاً مباشراً بالظرف السياسي – الاجتماعي الذي عمل فيه الشهيد، ولم يكُن صرف “أرضية” . من مصلحة البحث وقارئه معاً أن يكون الكلامُ عليه متصلاً مباشراً بقلب الدراسة، أي ليس في التهيؤات والتمهيدات البعيدة .
الفصل الثاني / “جزين” ماضي الأيام الآتية
“جزين” بلدة شمال “جبل عامل”، في منطقة وعرة، يبدو أنها حديثة التمصير نسبياً . بشهادة اسمها العربي، وأن لاذكر لها في المصادر البلدانية القديمة. مصّرها قوم نزحوا إليها من “سهل المأذنة” بجوار مدينة “النبطية”. حيث عاشوا فيها حياة فقيرة اعتماداً على رعي المواشي .
لكنهم، في المقابل، كانوا يتمتعون بالحرية التامة ، التي كان يفتقر إليها عامة إخوانهم في “جبل عامل” ، الذي كان آنذاك يرزح تحت الاحتلال الصليبي .
إن مفتاح تاريخ”جزين”، الذي جعل منها في المستقبل غير البعيد، على يد ابنها محمد بن مكي، رائدة النهضة، هو في هذا القسط من الحرية الذي تمتع به أهلها. ولولاه لما كان لها أن تأخذ المبادرات المتوالية في الطريق الطويل نحوها .
أولى تلك المبادرات، وربما أكثرها أهمية ، رحلة ابنها إسماعيل العَوْدي، التي وصلت بلده بالينبوع الوحيد أنذاك لاستيراد العنصر المعرفي الضروري لإعادة البناء، بعد أن انقطع بسبب الاحتلال . وذلك حين شدّ الرحال إلى ” الحلة ” وحضر على علمائها . وبذلك كان أول عالم أنجبه بلده .
ثانيها هجرة أكبر عالم شيعي في “الشام” في زمانه إليها، هو أبو القاسم بن العَوْد . بعد أن نُكّل به في وطنه “حلب”. كان من بركتها وحميد أثرها أن أسس فيها أول حركة تدريس عرفها “جبل عامل”. نعرف من ثمارها أحد كبار روّاد النهضة إبراهيم بن أبي الغيث البخاري . ولكنّنا نظن أن بركتها أكبر بكثير مما نعرف .
وأثناء مدّة قرن تقريباُ من الريادة ، سار على الدرب روّاد آخرون : يوسف بن حاتم المشغري ، وطومان بن أحمد المناري ، وصالح بن مُشرف الطلّوسي ، ومكي بن محمد الجزيني والد الشهيد ، وأسد الدين الصائغ الجزيني . ولكلٍ من هؤلاء دوره المُميّز في هذا التأسيس . الأمر الذي جعل المسرح مهيّئاً لمن يُحوّل هذه الحركة البطيئة إلى نهضة حقيقية فاعلة ، وما كان ذلك المؤمل المُرتَجى غير الشهيد الأول محمد بن مكي الجزيني .
الفصل الثالث / في السيرة
وُلد الشهيد في “جزين” . ومن المُحتَمل أن ولادته في “حانين”. وهي قرية في أقصى جنوب جبل عامل”. وكانت ، أعني الولادة ، سنة 724 هـ/ 1324 م على الأرجح. وما من شك في أنه تلقّى تعليماً جيداً قبل رحلته خارج وطنه.
قُبيل السنة 750 هـ/ 1349م خرج من ” جزين ” قاصداً ” الحجاز “. فحجّ وأقام مدة في المدينة “. اتجه بعدها إلى ” الحلّة ” . ليُقيم بها سبع أو ثماني سنوات. وفيها قرأ على أبرز علمائها أنذاك. وبدأت صلته بعلي بن المؤيد الخراساني .
من “الحلة” انطلق في رحلة واسعة ، زار أثناءها “بغداد ” و “دمشق” و “مقام الخليل إبراهيم” و “مصر” و مكة” و “المدينة”. قرأ فيها واستجاز عدداً كبيراً من علماء السنة. عاد بعدها إلى وطنه ، واستقر في “جزين” . وذلك عام 760هـ / 1358م تخميناً .
في “جزين ” انصرف إلى العمل . فجعل من قريته خليّة تعجّ بالطلاب القادمين من مختلف الأنحاء . ونعرف أسماء زهاء الثلاثين منهم . ولا شك في أن هذا العدد أقل من الحقيقي بكثير . وبنى مدرسة وُصفت بأنها “عظيمة”، هي أم المدارس في “جبل عامل” بل في كل العالم الشيعي. وفي السياق نفسه وضع كتابيه (الدروس الشرعية في فقه الإمامية) و ( ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة ) . وخلال خمس وعشرين سنة من العمل الدائب وضع الأساس لنهضة “جبل عامل ” الوشيكة .
سنة 785 هـ/ 1383 م قُبض عليه ، في ” دمشق ” على الأرجح . وحبس في قلعتها سنة كاملة . ثم عُقد له مجلس ترأسه قضاةُ المذاهب . حيث جرت له محاكمة مُدبّرة . انتهت بالحكم بقتله .
الفصل الرابع / في خضم المُعترَك
إن بواعث الشهيد إلى العمل ، أتتْ على قاعدة التحولات السكانية الأساسية لدخول العناصر التركمانية في الصورة السكانية لمناطق الشيعة في “لبنان”. وما ترتّب عليها من آثار سياسية واجتماعية بالغة . حملت إلى الشيعة ما رأوا فيه ، بحق ، تهدیداً بالغاً لوجودهم . نقرأها اليوم ، بوصفنا مؤرخین ، بشكلين :
– الأول: تحول بعض الشيعة إلى مذهب الحاكمين التركمان .
– الثاني: حركة إحتجاجيّة مُوجّهة ضد السُلطتين المملوكية والتركمانية .
ذلك هو الظّهير الذي تعامل معه الشهيد بعد أن استقر به المقام في “جزّين ” . مُستفيداً من المكانة العلمية التي اكتسبها من رحلاته . والظاهر ، بل الثابت ، أنه كان يُعِدّ لأعماله منذ أن كان في ” الحلة ” . بدليل أنه استحضر منها عدداً من تلاميذه فيها ، لكي يُعاضدوه فيما كان يُخطّط له .
بدأ عمله بأن بني مدرسة في ” جزّين “. هي الوحيدة في تاريخ ” جبل عامل ” . سرعان ما شرعت بتخريج الفقهاء . الذين انتشروا في مختلف أنحاء وطنهم . حاملين أفكار شيخهم . وعلى رأسها مفهوم ( النائب العام ) للإمام . أي الفقيه الجامع الشرائط . وما له من صلاحيات في الفتوى وفض الخصومات والحدود والتعزيرات، فضلا عن التصرف في الأموال العامة . هذه الأفكار بمجموعها تُشكّل سابقة منذ انتهاء الحضور العلني للأئمة . وأسّست لسُلطة موازية للسلطة الفعليّة. ردت عليه بإصدار توقيع حافل بالتهويل والتهديد . خلافاً لما هو معروف عنها ، من ميل إلى حَسم الأمور بالعُنف. وتلك إمارة على عجزها عن التصدي المباشر. بسبب اتساع رقعة انتشار الحركة الاحتجاجية.
الفصل الخامس / عالَم الشهيد
بالنظر لمقتضيات مشروعه وعمله، فقد وجد الشهيد نفسه داخل شبكة مُعَقّدة من العلاقات . بعضها ممّا عمل عليه . والآخر ممّا فرض نفسه عليه فرضاً. قسمناها تسهيلاً لدراستها إلى قسمين :
– القسم الأول: شبكة علاقات داخلية. أي بالشيعة فيما يُعرَف اليوم بـ “لبنان ” . وهم كانوا من أطياف ثلاثة :
أ- الأكثرية التي وجه جهوده إليها . ونشر الفقهاء من تلاميذه في أوساطها . وعمل على تنظيمها وتوجيه نشاطها . فكان منها أن استجابت له .
ب- المُتسنّنّون. وهم فريق من الشيعة تأثروا بالضغط السكاني والهيمنة السياسية للتركمان ، فتحوّلوا إلى مذهب الغالب . وهم من أهل السواحل . ولقد كان هؤلاء المشكلة الأكبر التي عانى منها دائماً في مشروعه النهضوي .
ج – المرتدّون . وقد ارتضينا لهم هذا الاسم انسياقاً مع مفردات لغة العصر . وهو لا يعني الكفر بعد الإسلام . وإنما ” المُرتَدّون ” إلى ما تجاوزه الشهيد بالشيعة بأعماله . أي ما يشبه ما تعنيه اليوم كلمة ( الرجعيّون ). وقد كان لهؤلاء قيادات . عملت كل ما في وسعها لمُضادّة الشهيد . وقد وصفنا أعمالهم .
– القسم الثاني : شبكة علاقات خارجية . أي بمَن هم خارج وطنه . وهي أيضا من ثلاثة جهات :
أ- السُلطة في “دمشق”. التي يبدو أنه بنى معها علاقة طيبة استمرّت زمناً .
ب. الفقهاء في ” دمشق ” . الذين كان معهم في أطيب حال . عدا فقهاء السلطة .
ج- السلطان علي بن المُؤيّد الخراساني. الذي أرسل رسولاً يستدعيه إلى “خراسان” وقد درسنا رسالته إليه دراسة دقيقة. نرجو أن تكون قد نجحت في بيان حوافز الإثنين .
الفصل السادس / لماذا قُتل الشهيد
لا مِراء في أن واقعة قتل الشهيد ، في رحبة أو تحت القلعة ب “دمشق” ، بوصفها حَدَثاً حصل في زمان ومكان معلومين، هي أشبه بجبل ثلج غارق في الماء، لايظهر منه للناظر إلا جزء ضئيل . في حين يحجب الماء القسم الأكبر منه عن الأنظار . ما رآه الراؤن منها هو الإجراءات العلنية للمحاكمة ، كما جرت في مقرّ نائب السلطان ، ثم واقعة القتل والتمثيل بالجثمان الطاهر.
ما من ريب في أن هذا الجزء المرئي هو نتيجة لما جرى تحضيره سِبقاً وسلفاً على يد تفاهم السلطة وفقهائها. وتولى إدارته القاضي الشافعي “برهان الدين إبراهيم بن جماعة الكناني “. الذي جرى نقله من “مصر” إلى ” دمشق ” لهذا الغرض ، حينما كان الشهيد قِيدَ الحبس . بينما شُكّلت هيئة المحاكمة من قاضيينَ آخريَن، هما الحنفي والمالكي. اللذان عُرفا بضعفهما. بالإضافة إلى جَمْع غير معروف العدد والأسماء من فقهاء المدينة .
واستُبعد عنها القاضي الحنفي ، خلافاً للأصول المَرعيّة ، لأسبابٍ غير معروفة . وإن كنّا لا نشكّ في أنها لمصلحة استصدار الحكم المُهيّأ سلفاً على الشهيد . والذي لم يكن بحاجة إلى أكثر من تظهير . ومن هنا نُسجّل للمصادر الشيعية مراقبتها الدقيقة لما يجري، رغم بُعدها عن مُضطرَب الأحداث . وذلك إذ أجمعت على وضع القسط الأساسي من مسؤولية الجريمة على عاتق ابن جماعة دون سواه . مع أن مَن سجّلوا لنا ذلك لم يكونوا يعرفون اسمه . ونحن نرى في هذا، خلافاً لما قد يبدو للوهلة الأولى ، نقطةً إيجابية . لأنها تدل على أنهم كانوا أكثر اهتماماً بما يفعل . وليس بمَن هو .
يبدو أن تفاهم/تحالف السُّلطة وفقهائها، بعد أن تم له ما أراد، قد انهمك في الإعفاء على آثار ما ارتكبه. وهذا أمر طبيعي ومتوقع .
فمن ارتكب ما ارتكبوه سيكون أكبر همته أن ينجو من مغبة ما فعل . قرأنا ذلك في أمرين :
– الأول : فيما سجله محمد مكّی ، ببراءة تامة ودون أن يقصد طبعاً ، من وقائع خياليّة من سيرة الشهيد وكيفية قتله . حيث يؤكد على أن السلطة كانت دائما في جانبه ، تُناصرہ وتعاضده وتحميه . وأن المسؤول عن قتله هي جماعة مُضلّلة هائجة مجهولة. وأن رأس السُلطة غضب أشدّ الغضب لما جرى ، وأوقع العقاب بالفاعلين .
وهذا يعني ضمناً أنه لم يكُن هناك محاكمة ولا من يُحاكِمون . وما من ريب في أن هذا المشهد (السيناريو) العجيب لم يكُن من بُنات أفكار محمد مكّي الذي اختصر (نسيم السّحَر ) أو البتديني مُصنّفه . وإنما التقطه هذا من الأفواه وسجّله ، بعد أن نشرته أجهزة السُلطة ، دون أن يلتفت إلى مغزاه الحقيقي .
– الثاني : أن السلطة حرصت على أن تقتل علناً في “طرابلس ” في الوقت نفسه رجلاً اسمه (عرفه) ، كلّ شئ يدلّ على أنه من الشيعة العلويين . وذلك بذريعة أنه من أعوان الشهيد . فإذا نحن جمعنا بين هذا ، وبين ما هو ثابت من أن محاكمته قد جرت على قاعدة اتهامه بالارتداد. أي عمليّاً، بحسب قولها” اعتقاد مذهب النصيريّة واستحلال الخمر الصّرف ” .- نكتشف أن الإعداد لما بعد الجريمة كان يجري أثناء المحاكمة وبعد ارتكابها فوراً .
الفصل السابع / ماذا مكث من أعمال الشهيد ؟
رمينا في هذا الفصل إلى بيان ما مكث من أعمال الشهيد . الأمر الذي اقتضی بیان ما كان عليه ” جبل عامل ” من قبل . وهو الذي رزح تحت احتلال أجنبي طويل .
بعد أن نزح سُكّانه من مواطنهم الأصليّة في وادي ” الأُردن” و ” فلسطين”. ممّا شكّل قطعاً مزدوجاً . أدّى إلى انحلالٍ ثقافي عميق ، رصدناه في شيوع أنماط من التديّن البدائي . أي أن ” جبل عامل ” كان يسير في الاتجاه نفسه الذي سار عليه من قبل أكثر التشيع في المنطقة الشامية وما والاها .
اعتمد الشهيد خطة محكمة أحسن الإعداد لها . رمت إلى تصحيح المسار الذي كان ينحدر إليه بلده. وبالنتيجة نجح نجاحاً نادر المثال في التأسيس لثورة حقيقية على الصعيد الثقافي . وجعل من بلده اسماً بارزاً في الفكر والمكتبة والأعلام الشيعية .
وفي سياق عمله هذا أنجز أول اختراق عملي للمُعضلة التاريخية للتشيع ، المُتمثلة بغياب أي فكر سياسي. منذ انتهاء فترة الحضور العلني للأئمة عليهم السلام . وبذلك بدأ مساراً جديداً تماماً ما زال يتطور حتى اليوم .
لقراءة أكثر حول الشهيد الأول يمكنكم تحميل الكتاب