الايازي

في حوار مع الاجتهاد: الأستاذ أيازي: لو لم يشهر أحد سيفه لا يجوز الحرب

لايوجد جهادا إبتدائياً في السيرة النبوية من الغزوات والسرايا وهي27غزوة. في كل هذه الغزوات والسرايا، إبتدأ الكفار إما بالإغارة على المدينة، أو قاموا بتوتير أمن الطرق أوتحضيرهم للحرب أو بدأو الحركة للقتال والنبي صلى الله عليه وآله يجهضهم ضربة ويمنعهم الهجوم والمحاصرة. فلم يبدأ النبي صلى الله عليه وآله في كل من هذه الغزوات بالهجوم لتغيير العقيدة. بل كان للدفاع عن المسلمين.

خاص بالاجتهاد: أصالة السلام هى إحدى مبادئ التعايش بين الأديان والمذاهب المختلفة. هذا الأصل هو إجابة لهذا السؤال وهو: هل الأصل في المواجهة مع الآخرين هو السلام والإجتناب عن التوتر ؟ ماهي حدود هذا السلام؟

أجرينا حول هذه المسألة وما فيها من المعايير، حواراً موجزاً مع سماحة حجة الإسلام السيد محمد علي أيازي، الذي له دراسات عديدة في مجال التفسير والبحوث القرآنية. كما له عشرات الكتب والمقالات في مجال التفسير والعلوم القرآنية التي أختيرت أكثرها كأفضل كتب العام.

وحالياً سماحته يشغل عضو الهيئة العلمية في جامعة آزاد الإسلامية ومدير لجنة الدراسات العليا لقسم القرآن والحديث.

ومن مؤلفاته : «فقه‌پژوهی قرآنی» ( الدراسات القرآنية الفقهية) ، «قلمرو اجراى شريعت در حكومت دينى»، (نطاق تطبيق الشريعة في الدولة الإسلامية) «ملاكات احكام و روش استكشاف آن».( ملاکات الأحکام وأسلوب استکشافها).

یعتقد السيد الأيازي في مقالة له بعنوان «نقد و بررسی ادله‌ی فقهی الزام حکومتی حجاب» ( دراسة الأدلة الفقهیة ونقدها حول الإلزام الحكومي بالحجاب ) أنه ليس لنا دليل على الإلزام الحكومي بالحجاب علی رغم أن الحجاب یعتبر من الواجبات الشرعیة.

وإليكم نص الحوار

السؤال الأول: هل القتال المشروع يوجد في الحكومة الإسلامية بكل المقاييس التي تكون لها؟

من الممكن أن يطرح السؤال بصورة عامة و هو أنه، هل يوجد الجهاد في العقيدة الإسلامية أو الفقه الإسلامي أم لا ؟

الجهاد الدفاعي هو أصل عقلي مسلم ومقبول بين فقهائنا. اما الجهاد الإبتدائي ( وإن كان مشروعا عند مشهور فقهاء القدامى)، لكن اليوم وفق الأدلة الكثيرة دار النقاش حوله. يقال أنه ليس لنا في الأساس جهاد إبتدائي بمعنى المبادرة في الحرب لأغراض مختلفة. وإني تعرضت وأثبت قبل هذا، في الفصل السادس من كتاب” آزادي در قران” ( الحرية في القرآن)  وبأدلة قرآنية وروائية تفصيلية أنه ليس لنا جهاد إبتدائي بهذا المعنى.

السؤال الثاني: فعلى هذا الأصل، الحرب التي بادرالمسلمون بها، ليست مشروعاً ؟

نعم صحيح. مبادرة المسلمين بالقتال لتحكيم العقيدة ليست مشروعاً ، كما قام القرآن بصراحة بذكر الدليل على إذن القتال الذي أعطاه للمسلمين، ويقول” أُذِنَ لِلَّذینَ یُقاتَلونَ بِأنَّهُم ظُلِموا».  حج /39 .

يرى المفسرون والباحثون في علوم القرآن أن هذه الآية هي الأولى التي أذنت للمسلمين بالجهاد. لأن المسلمين قد وقفوا في موقف يمكنهم الدفاع عن أنفسهم وكذلك وقعوا في موقع الظلم،  لذلك أذن الله لهم بالجهاد. فتعليل “بأنهم ظلموا ” يحكي عن الجهاد الدفاعي الذي أذن له.

السؤال الثالث: فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ»  وکذلک الآیة «قاتِلوا الذینَ یَلُونَکُم من الکُفّارِ» و آية الجزية التي تأمر بالقتال حتى يُعطوا أهل الكتاب الجزية. وكذلك النماذج التاريخية مثل حرب التبوك ودومة الجندل والأدلة التي تخالف رأيكم؟

يمكننا دراسة هذه الآيات بأسلوبين. نفترض حالياً إطلاق هذه الآيات وتقييد بعضها. تعرف أن لتقييد المطلق يجب أن يكون إحداهما ايجابياً والآخر سلبياً، وإذا كان كلاهما إيجابياً، لاينافي بعضهما البعض. توجد في الآيات المقيدة آيات سلبية، التي تحد القتال في صورة واحدة. (و يتطلب البحث حول هذه الآيات مجال آخر. )

أما ما أشرتم إلى السيرة النبوية، فلايوجد جهادا إبتدائياً في السيرة النبوية من الغزوات والسرايا وهي27غزوة. في كل هذه الغزوات والسرايا، إبتدأ الكفار إما بالإغارة على المدينة، أو قاموا بتوتير أمن الطرق أوتحضيرهم للحرب أو بدأو الحركة للقتال والنبي صلى الله عليه وآله يجهضهم ضربة ويمنعهم الهجوم والمحاصرة. فلم يبدأ النبي صلى الله عليه وآله في كل من هذه الغزوات بالهجوم لتغيير العقيدة. بل كان للدفاع عن المسلمين .

عند دراسة الآيات المطلقة مثل آيات سورة التوبة، وكذلك دراسة الآيات المقيدة، نرى أن العلاقة بينهما ليست علاقة العام والخاص المطلقتين، بل تكون العام و الخاص من وجه. الآيات المقيدة ك: وَ قَاتِلُواْ فىِ سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُم” تشمل الكفار، المشركين منهم وكذلك أهل الكتاب.

أما الآيات البرائة في سورة التوبة، تشمل المشكرين فقط. لذلك، الآيات المقيدة يكون موضوعها أعم من الآيات المطلق. وهو العام والخاص من وجه.

ويكون “أل” في آيات سورة التوبة للعهد لا الجنس،  فموضوع حكم القتال يكون المشركين الذين نقضوا العهد. “الذین عاهدتم من المشرکین”. حتى تصل إلى : ” ألا تُقاتِلونَ قَوماً نَکَثُوا أَیمانَهم وَ هَمُّوا بِإِخراجِ الرَّسُولِ وَ هُم بَدَؤوکُم أوَّلَ مرَّةٍ. ” فلا يكون موضوع هذه الفئة من الآيات، مطلق المشركين أوالكفار.

ويعتقد المفسرون كلها أن الألف واللام في “المشركين” يكون للعهد دون الجنس. أي أنه يشير الى المشركين الذين كانوا في ذلك الزمن.

بصرف النظر عن كل ذلك، هناك آيات تدل على المعنى العام ولاتختص الكفار أو أهل الكتاب. هذه الآيات التي أنزلت على النبي صلى الله عليه وآله في سورة ممتحنة « لا يَنْهَاكمُ‏ُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فىِ الدِّينِ وَلَمْ يخُرجُوكمُ مِن دِيَارِكُمْ أَن تَبرَّوهُمْ وَ تُقْسِطُواْ إِلَيهمْ  إِنَّ اللَّهَ يحُبُّ الْمُقْسِطِينَ» تقول الآیة بصورة عامة أن الكافرين لايحاربكم ولايخرجونكم من دياركم، فلاينبغي قتالهم بل عاملوهم حسنى. « أن تبرّوهم و تقسطوا إلیهم» وبعدها تفسر آيات الجهاد کلها مباشرة هکذا: :« إِنَّمَا يَنهْاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فىِ الدِّينِ وَ أَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَ ظَاهَرُواْ عَلى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَ مَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئكَ هُمُ الظَّالِمُونَ»

فهنا، المکان الذي يجب أن تقاتل الكفار.

السؤال الرابع: توجد في التاريخ مواقف عديدة التي أنشد فیها الشعراء المعاندین للإسلام أشعاراً ضد رسول الله ومن ثم تم اغتیالهم بتأیید من رسول الله. کیف یبرر اغتیال هؤلاء الافراد؟ حیث أنّ هؤلاء الشعراء، ما اَشهروا السیوف وما أعلنوا الحرب واکتفوا بأشعار یذم فیها رسول الله .

 یجب هنا فصل قضیتین. احدهما قضیة الجهاد والقتال والسلام. والثانی، حق الحیاة والأمن للمعارضة.

 ذکرتُ مسئلة الجهاد فی الفصل السادس ومسئلة الإغتیالات فی الفصل السابع من کتاب “الحریة فی القرآن” واَشرتُ هناک الی اختلاف هاتین المسألتین. تختلف قضیة السلم والجهاد عن موضوع إغتیال الشخص وقتله.

فی موضوع اغتیال کعب بن أشرف ونظائره_الذی حصلت حسب استقصائی علی ثلاثة موارد فی التاریخ _ یجب ان لاننسی ان رسول الله صلى الله عليه وآله کان علی عقد اتفاق مع الیهود من بنی قریضه وبنی نضیر وبنی المصطلق. وفقا للاتفاقیه کان یجب علی النبی صلى الله عليه وآله الدفاع عنهم والحفاظ علی أمنهم اذالم یخونوا ولم یتعاهدوا مع الاعداء ولم یعملوا علی تشویة سمعة رسول الله صلى الله عليه وآله.

ولکنهم خانوا مرارا وتکرارا ومن کل الاتجاهات. استفزوا المشرکین علی المسلمین و تعاونوا معهم.

وکان الشعراء یومیا ینشدون اَشعارا مثل کعب بن أشرف. أشعاراً لیس فیها نقد النبی صلى الله عليه وآله فحسب، بل کانوا یهجئون زوجات النبی والمسلمین ایضاً. کما تععابيلمون کان هجاء المسلمین وزوجات النبی صلی الله علیه وآله وذکر اسمائهن فی الاجتماعات العامة استفزازیا جدا. لذلک امر رسول الله بقتل الکعب. جاء الیهود فی وقت لاحق و قالوا: لم یکن من المقرّر ان تفعلوا هکذا. فرد  المسلمون:لم یکن من المقرر ان تنقضوا العهد. اعترف العیهود بذالک وجاءوا وتعهدوا بعدم تکرار ذالک مره اخری.

قضیتهم کانت السب والشتم. کما تعلمون أن في الفقه الإسلامي عناوین مستقلة للسب والجهاد والارتداد . کما فی القرآن الکریم تکون شواهد علی هذا العنوان المستقل.

السوال الخامس: هل یمکن تفسیر نظریه الخاص بکم بأصالة السلام؟

نعم. الاصل هو السلام. الا ان یرید احد بزعزعة الامن او إنتهاك حقوق المسلمین أو یرید غيرها من المواضيع التي هي أساس كل عقلانية. وبشکل عام کل شئ یحسبه العقلاء حقا لهم ویدافعون عنه.

السوال السادس: اذاً فغزو ایران والروم کان غیرشرعیة؟

هنا نقطتین. الأولى هي عدم رضا الإمام علي عليه السلام بذلك وهذا یفهم من کلماته عليه السلام فی نهج البلاغة. حیث قال ما کنتُ راضیاً ولا موافقا بذالک وانتم تعلمون ان الخلفاء کانوا یفعلون ما یریدون.

الثانية : ما هو السبب لغزو ایران والروم؟ یشار إلی عدة أسباب. هم یقولون ان الایرانیین کانوا یریدون الاغارة علی المسلمین. بعض الآخر یذکرون سببا آخر وهو أن بعد وفاة النبی کانت المدینة میلئة بالقواة العسکریة وهم لایریدونهم ان ینشغلوا بالمدینه و لیکون هم مصدر ازعاج للحکومة لذلک أمر بالقتال مع الایرانیین والروم.

هذا السبب هو اکثر الاحتمالات تشاؤماً واعتقد ان هذه الحروب لا علاقة لها بالقرآن الکریم ولاالسیرة النبویة. نحن بحاجة إلی دراسة مستقلة للنظر فی أبعاد هذه المسئلة وخلفیاتها.

السوال السابع: ما هي حدود أصالة السلام ؟ هل يمكن استخدامها للسلم بين المسلمين ؟ إلى متى يستمر السلم بين المسلمين؟

” وَإِن طَائفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنهمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلىَ الْأُخْرَى‏ فَقَاتِلُواْ الَّتىِ تَبْغِى حَتىَ‏ تَفِى‏ءَ إِلىَ أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنهَُمَا بِالْعَدْلِ وَ أَقْسِطُواْ  إِنَّ اللَّهَ يحُِبُّ الْمُقْسِطِين”

تقدم سورة الحجرات ثلاثة طرق للتعامل عند بغي طائفة من المسلمين علي الأخرى.

السوال الثامن: إذاً كيف تبرر حروب أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام ؟

نعم. لقد بغوا وكانت حكومة أمير المؤمنين عليه السلام رسمية ومشروعة. كان الجميع قد صوّتوا و بايعوا. سواء الجمل و صفين والخوارج يعني الثلاثة بغوا على المسلمين. فالناس قد صوّتوا وأعطوا الشرعية.

وقفوا في وجهه وحاربوا دون أي دليل. حاول أمير المؤمنين تجنّب تلك الحروب. قاموا بمضايقته عدة مرات في النهروان حتى يحرضوا الإمام فيبدأ الحرب. كما أوصى الإمام عليه السلام أصحابه عدة مرات أن لا يباشروا الحرب طالما لم يطلقوا سهماً. هم من بدأوا القتال حتى أنهم قتلوا عدة أشخاص من جيش الإمام ليضطر بعد ذلك إلى محاربتهم.

كان الإمام يسعى أنه إذا تراجعوا فسينسحب مباشرة. لذلك نرى أنه بعد الحرب كان الإمام يسير فوقع بصره على جثة الزبير بن العوام الذي كان قد اعتزل الحرب وقد قتله شخص في الطريق.

فقال الإمام القاتل والمقتول كلاهما يستحقان العذاب الإلهي. لماذا الزبير في العذاب؟ واضح. لأنه أشعل فتيل الحرب. أما القاتل فلماذا؟ كان دليل الإمام أنه إذا ترك شخص الحرب فليس هناك دليل لقتله. يمكن أن يكون من أهل جهنم لكن لا يمكن أن يكون لنا الحق في قتله.

السؤال التاسع: كيف يمكن تفسير البغي على أنه حد السلام بين المسلمين؟ إذا كان هناك مجموعة من المسلمين يعارضون الحكومة المركزية من الناحية الفكرية والدينية. يقوم بالدعوة إلى فكره إلى الحد الذي يرى فيه الحاكم الشرعي أن أسس الإسلام الحقيقي في خطر. فهل التعامل مع هذا الفريق مشروع؟

إن ما هو موجود لدينا في الروايات«شاهراً سیفه». نرى في التاريخ أن الخوارج يأتون إلى مسجد الكوفة و كانوا يتحدثون الإمام أمير المؤمنين. كان الإمام يقول طالما أنهم لم يشهروا السيف فلا شأن لكم بهم. حتى أن حصتهم من بيت المال لا أقطعها. يعبرون اليوم عن مفهوم جدید باسم الحرب الثقافي. ليس لدينا مثل هذا العنوان في الفقه والروايات أنه إذا تكلم شخص بكلام ما يُطلق عليه عنوان البغي.

فالحرب و البغي ليس لهما حالة لفظية وكلامية. فالحرب والبغي فقط في المكان الذي يريد الشخص أن يطلق حرباً مسلحة. أو بلغ إلى مرحلة يمكن أخذ أسلحته حتى لا يتمكن من الحرب أو المجيء إلى الشارع وإطلاق حرب شوارع. على أي حال يجب أن يكونوا مسلحين حتى يمكن التعامل معهم.

أشكركم على الفرصة التي منحتم لنا لهذا الحوار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky