فقه العمران

فقه العمران.. حين تحترم المساكن حقوق الإنسان

الاجتهاد: كتاب فقه العمران لمؤلف مصري يذهب إلى أن العمارة الإسلامية في نشأتها منذ عهد الرسول محمد اعتمدت المبدأ الفقهي: “لا ضرر ولا ضرار”

يرصد الكاتب المصري خالد عزب في كتابه الجديد، “فقه العمران.. العمارة والمجتمع والدولة في الحضارة الإسلامية”، كيف كان البناؤون المسلمون يعتمدون في بناء المساكن على مبدأ احترام حقوق الفرد، وتحري احتياجاته الشخصية، بما لا يجور على حقوق الآخرين.

والكتاب يعد دراسة شاملة للعلاقة بين العمارة الإسلامية والمجتمع، صدر في 580 صفحة عن “الدار المصرية – اللبنانية” هذا العام (2013)، ويضم 8 فصول، إضافة إلى ملحق لمصطلحات فقه العمران.

يقدم هذا الكتاب علم فقه العمران، وليد الحضارة الإسلامية، كما يكشف هذا العلم وظائف الدولة والمجتمع في المجال العمراني.
فيأخذك الكتاب لتتعرف على علم السياسة الشرعية وفقه العمارة الإسلامية، فيعرفنا بالحدود الفاصلة والمشتركة بين العلمين، وكيف يكونان معًا علم فقه العمران، ويحدد بعد ذلك تفاصيل هذا العلم في فصول الكتاب المختلفة مثل: (دور الفقه في التنظيم العمراني، فقه عمارة المساجد، فقه الأسواق والعمارة التجارية، الفقه الإسلامي والعمارة السكنية، فقه المياه والمنشآت المائية، المجتمع والأوقاف والعمارة).

الكتاب بتعدد فصوله وتنوعها يبحر بك في رحلة تاريخية ممتعة عبر الزمان والمكان؛ لتشاهد- في انبهار- كثيرًا من معالم آثارنا وعمارتنا الإسلامية، وتقف في الوقت ذاته على أسرار فقه هذا العمران. 

أما فكرته الأساسية، فتنطلق من أن فقه العمران ارتبط بإطارين حاكمين له، أولهما السياسة الشرعية، أي التي يتبعها الحاكم في المجال العمراني، سواء كانت تتعلق بالأمور السياسية العامة أو بالعمران مباشرة.

أما الثاني فهو فقه العمارة، وهو مجموعة القواعد التي ترتبت على تساؤلات الأفراد حول أمور في البناء، وأجاب عنها فقهاء المسلمين، مستنبطين أحكام فقهية من خلال علم أصول الفقه.

ويذكر “عزب” كيف أن فقه العمران اعتمد على نظرة علماء الشرع للعمارة، فهناك البناء الواجب، مثل دور العبادة، والمندوب كالأسواق، التي تندب لتوفير السلع للناس، والمباح كالمساكن، والبناء المحظور كالبناء على أرض الغير.

ويذهب إلى أن الفقهاء استندوا في بنائهم لفقه العمارة إلى الحديث النبوي: “لا ضرر ولا ضرار”، وعلى الآية القرآنية: “خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين”.

ويوضح أن هناك العديد من المصطلحات التي ظهرت في سجلات المحاكم الشرعية والمصادر الفقهية، مثل حفظ حق الطريق وحقوق الجوار وضرر الدخان والحوائط المشتركة، وغيرها، وهي تدل على مدى التقدم الذي وصلت إليه الحضارة الإسلامية في مجال إقرار قوانين تحافظ على البيئة الحضرية في المدن.

ويتعرض المؤلف إلى فقه عمارة المساجد، بدءًا من عمارة المسجد النبوي في المدينة المنورة، ويفصل عناصر المسجد المعمارية، مثل حائط القبلة، فالاتجاه إلى القبلة شرط لصحة الصلاة؛ لذلك حرص المسلمون على ضبطه، وترتب على ذلك براعة المسلمين في علوم الهندسة والفلك.

أما المآذن، فعلى عكس كثيرين من خبراء العمارة، يرى “عزب” أن المئذنة بدأ ظهورها في عصر الرسول في تجديده للمسجد النبوي، وكانت عبارة عن ثلاث درجات يتبعها قاعدة يؤذن من عليها الصحابي الجليل بلال بن رباح.

ويتطرق إلى تطور عمارة المآذن، ثم يعرج إلى بعد اجتماعي، وهو ضرر “الكشف”، حيث يستطيع المؤذن كشف الجيران من أعلى المئذنة، وأثر ذلك على فتحات الإضاءة الطولية في المآذن وارتفاع شرفات بعض المآذن، كمئذنة مسجد الكتبية في مدينة مراكش المغربية.

كما أن ضرر الكشف جعل الكثيرين يفضلون أن يتولى وظيفة المؤذن، المكفوفين في المساجد، فهذا يوفر لهم وظائف، ويتلافى ضرر الكشف لأسرار بيوت المسلمين من أعلى المآذن.

ويتناول الكتاب فقه الأسواق والمنشآت التجارية في الحضارة الإسلامية. وبتطبيق القواعد الفقهية، يرى المؤلف أن هناك اعتبارات عديدة في تخطيط أسواق المدن، لعل أولها، التوزيع المكاني الذي حكمته الحاجات الضرورية والمتكررة للسكان، ما قد يتطلب وجود أسواق معينة في كل حي عرفت بـ”السويقة”؛ لتلبية المتطلبات اليومية للسكان.

بينما التوزيع المكاني يرتبط أحيانا بضرر بعض السلع التي يجب أن تكون في ساحات عامة خارج المدن، كأسواق الدواب، والفواخير التي تسبب نيرانها ضررا للسكان.

ويخصص الكتاب مجالا للحديث عن عمارة الحمامات في الحضارة الإسلامية، فالمسلمين بنوا حمامات للرجال وأخرى للنساء، أو خصصوا أوقاتا في الحمامات للرجال وأخرى للنساء.

ويبين “عزب” مراحل الاستحمام، وخصائص عمارة الحمامات، وفقاً للقواعد التي وردت في كتب فقه العمارة القديمة، والتي خصص بعضها لعمارة الحمامات.

ويخصص المؤلف فصلا للربط بين المجتمع والأوقاف والعمارة، حيث إن العديد من الوظائف، ومنها الرعاية الاجتماعية والصحية، كانت تقوم بها المجتمعات الإسلامية، فلم تكن من وظائف الدولة؛ لذا نشأت مؤسسة الوقف لأداء هذه الوظائف، فعرف المؤلف الوقف وبين مؤسساته.

كما تناول دور رعاية المطلقات والأرمل التي كانت توفر لهن حياة كريمة بعيداً عن تعقيدات الحياة الاجتماعية، بل وكثيراً ما كانت تسعى المشرفات على هذه الدور للإصلاح بين الأزواج المختلفين. وتطرق المؤلف للمطابخ، التي كان يشيدها السلاطين والأمراء والأثرياء؛ لتوفير الطعام للفقراء، كمطابخ القدس والمدينة المنورة وسرايفو ومدينة إسطنبول التركية

 

كوثر الخولي

القاهرة- الأناضول

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky