الاجتهاد: يعتبر الشهيد السيد محمد باقر الصدر(قدس سره) أحد أبرز المراجع والمفكرين المجددين في تاريخ الفكر الإسلامي المعاصر، مارس دوراً محورياً وبمسؤولية رسالية متميزة ومتوازنة على مستوى تجذير الفهم الحضاري للإسلام في ذهنية الأمة، والذود عنه في مواجهة الطروحات الفكرية والأيديولوجية المقابلة للدين الإسلامي والتي شكلت في وقت من الأوقات تحدياً حقيقياً له ومحاولة تقديم هذا الدين كمنطلق إنساني قادر على قيادة مركب الحياة البشرية إلى شاطئ وبر الأمان..
انطلاقاً من هذا كله، لا بد من التعرف على الآراء والأفكار والنتاجات العملية للسيد الشهيد الصدر التي خدم من خلالها عالم الإسلام والمسلمين وعلى تلامذته الذين نهلوا من علمه وانتشروا رواداً للحركة الإسلامية في أرجاء العالم الإسلامي، ولعل الذكرى السنوية لاستشهاده مع شقيقته العلوية بنت الهدى في هذا الشهر من العام 1982 على يد نظام صدام المجرم البائد، وتضحية الشهيد الكبيرة هي من أهم المنابر التي يمكن الحديث عبرها بهذا الشأن أو ذاك من فكر وسيرة وحياة هذا العالم الفريد.
ضمن هذا السياق أجرت صحيفة الوفاق مقابلة مع الباحث في الشؤون الإيرانية والإقليمية الدكتور محمد مهدي شريعتمدار، وكان اللقاء التالي:
من هم أبرز تلامذة الشهيد الصدر؟
قد يكون الشهيد الصدر يشكل ظاهرةً فريدةً من نوعها في تاريخ الحوزات العلمية المقدسة، لأنه بدأ تدريس ما يسمى ببحث الخارج في سنٍ مبكرة في الخامسة والعشرين من عمره الشريف وبدأ بحث الخارج في أصول الفقه.
وفي الثامنة والعشرين بدأ بحث الخارج في الفقه وقد تخرج على يده الكثير من تلامذته المبرّزين الذين أصبحوا فيما بعد ولاحقاً من كبار الأساتذة أو من العلماء الحركيين النشطين في مختلف مناطق العالم الإسلامي ولا سيّما في العراق وايران ولبنان ودول الخليج الفارسي والبعض منهم وصل إلى مرحلة الاجتهاد.
من بين تلامذته يمكننا أن نشير إلى السيد هاشم الشخص من المنطقة الشرقية في الجزيرة العربية، المملكة العربية السعودية، إلى المرجع الراحل السيد محمود الهاشمي الشاهرودي وأيضاً المرجع السيد كاظم الحائري، من تلامذته أيضاً الشهيد السعيد السيد محمد باقر الحكيم بالإضافة إلى مجموعة من العلماء الكبار أمثال السيد محمد باقر المهري، الشيخ محسن الأراكى والسيد نور الدين الأشكوري، المرحوم الشيخ أكبر برهان، العلامة السيد عبد الهادي الشاهرودي وأيضاً يمكن الإشارة إلى المرجع الراحل محمد حسين فضل الله، سماحة الشيخ عيسى قاسم من البحرين، سماحة السيد عبد الله الغريفي، المرحوم السيد عبد الغني الأردبيلي، المرحوم الشيخ محمود الخطيب، العلامة السيد محمد الغروي، سماحة الشيخ محمد عبد الساتر وآخرين.
لكن علينا أن نضيف أنّ خمسةً من تلامذته كان هو يعتمد عليهم وهم الشهيد السعيد السيد محمد باقر الحكيم الذي يصفه في كتابه فلسفتنا بـ “عضدي المفدى” وكذلك المرجعين المرحوم السيد محمود الهاشمي الشاهرودي والسيد كاظم الحائري،
وبالمناسبة هنا أود أن أقول إن هذين المرجعين هما من أبرز تقريرات دروس الشهيد السيد محمد باقر الصدر وقد نشرت أجزاء من هذه التقريرات، بالإضافة يمكن الإشارة للمرحوم السيد عبد الغني الأردبيلي.
هؤلاء هم من ضمن الخمسة الذي كان يعتمد عليهم السيد الشهيد، طبعاً بالإضافة لهولاء يمكن الإشارة إلى الشيخ محمد يزبك وإلى الكثير من العلماء لا سيّما من لبنان والعراق ومن إيران ومن العلماء الشيعة في منطقة الخليج الفارسي.
ما هو تأثير هؤلاء التلامذة على الحالة الفكرية الاسلامية الحالية؟
يمكننا أن نقول إنّ الكثير من هؤلاء العلماء هم رواد الحركة الإسلامية في المنطقة إن كان ذلك في لبنان من أمثال المرحوم العلامة السيد محمد حسين فضل الله والشهيد السيد عباس الموسوي وحتى سماحة السيد حسن نصر الله (حفظه الله) الأمين العام لحزب الله الذي حضر فترةً قصيرةً جداً في دروس السيد الشهيد الصدر لكن بعدما أُخبر بنيّة النظام العراقي السابق لإلقاء القبض عليه اضطر لمغادرة العراق، بالإضافة لهولاء العلماء الذين كانوا في إيران والعراق.
لذلك يمكن أن نقول إنه بخلاف ما شهدناه في بعض الحوزات العلمية ولا سيّما حوزة النجف المباركة بالأخص في ماضي هذه الحوزة في العقود السابقة أن اهتمام طلاب العلوم الدينية والأساتذة والعلماء ينصب على دراسة وتدريس الفقه وأصوله والاهتمام بجانب الأحكام الفقهية دون التطرق إلى العلوم والمعارف الإسلامية الأخرى ودون الاهتمام مثلاً بتفسير القرآن الكريم أو بنهج البلاغة في مناهج التدريس أو في العمل الاجتماعي والسياسي والحركي.
في هذه الأجواء يمكن أن نقول إنّ مدرسة الشهيد الصدر كانت متميزةً وفريدةً من نوعها في الاهتمام بهذه الجوانب من الحياة، الشهيد الصدر هو من اهتم بالابداع في بعض قواعد أصول الفقه، الإبداع في التأليف في كتابة الرسالة العملية للأحكام الفقهية في مختلف المجالات، الإبداع في طرح الرؤية الإسلامية في شتى مجالات الحياة مثلاً “اقتصادنا” “فلسفتنا” “التفسير الموضوعي للقرآن الكريم “مجموعة “الإسلام يقود الحياة” التي ألفها بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران و”البنك اللاربوي” والكثير من النماذج الأخرى،
وبالمناسبة بما أننا ذكرنا البنك اللاربوي في الإسلام فإنّ منظمة العمل الإسلامي المؤتمر الإسلامي سابقاً كانت تنوي تأسيس بنك إسلامي(كان بعد ذلك بنك التنمية الإسلامي)، طلبت من الشهيد الصدر تقديم أطروحة لهذا البنك الإسلامي وهو الذي أوفد المرحوم السيد محمود الهاشمي الشاهرودي ليشارك في اجتماعات المؤتمر الإسلامي سابقاً وليقدم أطروحته والتي تحولت لاحقاً إلى كتاب البنك اللاربوي في الإسلام،
لذلك هذا الاهتمام إنّ صح التعبير بالعلوم الانسانية والإسلامية وأسلمة العلوم الإنسانية في الاقتصاد في الفلسفة وفي السياسة والمجتمع “كتاب الأسس المنطقية للاستقراء” وكذلك أشير هنا إلى مشروعين آخرين كان ينوي الشهيد الصدر أن يؤلف فيهما وهما سياستنا ومجتمعنا، بالإضافة إلى جانب اقتصادنا وفلسفتنا كان ينوي تأليف كتابين بعنوانين سياستنا ومجتمعنا لكنه لم يتمكن من ذلك.
طبعاً بعض آرائه الإجتماعية وردت في التفسير الموضوعي للقرآن الكريم أو في بعض كتيباته ومؤلفاته ومحاضراته، لكنه لم يتسع له المجال لتأليف هذين الكتابين لذلك هذا الاهتمام إلى جانب الفقه وأصوله لا سيّما في حُلته التقليدية، هذا الاهتمام بالجوانب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وكل مناحي الحياة وتقديم الرؤية الإسلامية والحكم الشرعي والفقهي فيها يتميز به الشهيد الصدر انعكس على عمل تلامذته، الاهتمام بالفقه الاجتماعي وبالفقه السياسي وفقه الحكومة الإسلامية، النشاط الاجتماعي الذي قام به إنّ كان ذلك في إطار حزب الدعوة ولو أنه تراجع لاحقاً عن موقفه وحرم على علماء الدين الانخراط في الأحزاب السياسية ومنها حزب الدعوة، كذلك في مواجهته للمد الماركسي وللإلحاد، كل ذلك أسس لمدرسةٍ جديدةٍ حققت الكثير من المكتسبات.
لذلك نحن نشاهد اليوم تلامذة الشهيد الصدر الذين هم رواد الحركة الإسلامية كسماحة الشيخ عيسى قاسم في البحرين مثالاً، علماء الحركة الإسلامية في لبنان والتي تحولت لاحقاً إلى المقاومة الإسلامية، والعلماء الذين استشهدوا ضمن شهداء الحركة الإسلامية في العراق والعلماء الذين سنحت لهم الفرصة بالانتقال إلى قم ليتابعوا من قم هذه الحركة الإسلامية والثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني (قدس) وهنا أشير بالمناسبة إلى أنه من المعروف أنّ الشهيد الصدر كان قد كلف السيد محمود الهاشمي لحضور حلقات دروس الإمام الخميني (قدس)حينما كان في النجف الأشرف والارتباط به.
الشهيد السعيد الصدر الذي أدى دوراً كبيراً في الحركة الإسلامية في العراق قبل سقوط النظام العراقي البائد وكذلك في إرساء أسس وأركان العراق الجديد ما بعد السقوط، لكن مصيره كان الشهادة في سبيل الله واستشهد قبل أن يكمل مسيرته. وسماحة الشيخ عيسى قاسم مثالاً من تلامذة الشهيد الصدر وهو الذي يقود اليوم الحركة الإسلامية في البحرين.
لذلك يمكننا أن نقول إنّ هؤلاء التلامذة تركوا أثاراً كبيرة على الحالة الفكرية الإسلامية ليس في جانبها الحركي وإنما أيضاً في الجانب النظري والفكري، ونحن نشهد الكثير من المؤلفات التي ألفها هؤلاء التلامذة والتي أثرت المكتبة الإسلامية ومصادر الفكر الإسلامي الحديث الذي يطرح الرؤية الإسلامية في جميع مناحي الحياة.
لقد مضى على استشهاد السيد الشهيد الصدر أكثر من ثلاثة عقود، ما الذي يلزم على تلاميذه والحوزات والنظام الإسلامي والتشيع من ضرورة إعادة قراءة أفكار وأراء السيد الشهيد في الظروف الراهنة من وجهة نظركم؟
أولاً أود القول إنّ عملية واسعة أجريت من أجل جمع تراث السيد الشهيد الصدر وتبويبه وطباعته ونشره وتوثيق كل ما هو موجود عنه، وهذا يشمل الكتب والمؤلفات التي ألفها أو ما ألفه الآخرون ولا سيّما تلامذته عنه، طبعاً للأسف هناك جزءٌ من تراث الشهيد الصدر الذي ضاع أو أتلفه النظام العراقي البائد بعد هجومه على منزل الشهيد الصدر وسيطرته على مؤلفاته وعلى ما تمكن من الحصول عليه في منزل الشهيد. هذه النقطة الأولى.
أمّا النقطة الثانية فهي تتمثل في الحركة المعرفية الواسعة التي أُنجزت بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران لا سيّما في أروقة الدراسة والتدريس والبحث العلمي في قم المقدسة في مختلف المجالات المعرفية وكذلك في العلوم الإنسانية ومختلف نواحي الحياة في الاقتصاد الإسلامي في العلوم الإسلامية والاجتماعية في تفسير القرآن في الفقه السياسي في الفقه المضاف، بمعنى فقه الفن فقه الموسيقى فقه الاعلام فقه السياسة فقه الحكومة الاسلامية.
والكثير، حتى فقه الحياة المدنية وفقه المدينة الإسلامية وفقه التربية، هذه الحركة الواسعة هي في الحقيقة استمرار للحركة التي بدأها الشهيد الصدر في تقديم الرؤية المعرفية الإسلامية لمختلف مناحي الحياة والتي توجت بمجموعة جيدة.
وإن كانت مجموعة صغيرٌ حجمها وهي مجموعة “الإسلام يقودها الحياة”، ولكنها كانت بمثابة اللبنة الأولى في المسيرة، وللأسف تم قتل الشهيد الصدر فلم يستطع إكمال مسيرته، ولكن مع الحركة التي تمت فيما بعد انتصار الثورة الإسلامية يمكن اعتبارها امتداداً للتحرك العلمي المعرفي الواسع الذي قام به الشهيد الصدر في تقديم الرؤية الإسلامية المتكاملة.
لكن وعلى الرغم من هاتين النقطتين أود أن أطرح نقطتين أخرتين:
الأولى، هي ضرورة تسجيل التاريخ الشفهي الكامل لتلامذة الشهيد الصدر لا سيّما أن أغلب تلامذة الشهيد الصدر توفوا أو استشهدوا وهناك من يتبقى منهم على قيد الحياة، ولذلك أتصور أنه يجب على المؤسسات المعنية أن تقوم بجمع وعرض تراث الشهيد الصدر والعمل على محاورة التلامذة المتبقين وتسجيل تاريخهم الشفهي لا سيّما فيما يرتبط بتاريخ الحوزة العلمية المقدسة في النجف الأشرف في العقود الأخيرة من النظام العراقي البائد وتجربتهم في دروس الشهيد الصدر وأرائه الفكرية.
الثانية، هي ضرورة الإنتاج المعرفي الذي يستلهم من أفكار الشهيد الصدر والقواعد والأسس التي أبدعها في مجال أصول الفقه مثلاً نظريته في “حق الطاعة ” يمكن التفصيل فيها، نظرية “منطقة الفراغ”، هناك كثير من الأراء الفقهية والأصولية والمعرفية. أنا لا أركز على الفقه وأصوله وإنما مختلف العلوم للمعارف والعلوم الإسلامية يمكن أن يتم تقديم دراسات أوسع والتوسيع في هذه النظريات لتبقى هذه المدرسة حيةً لدى الأجيال.
يمكننا القول إنه للأسف مدرسة الشهيد الصدر ربما ستواجه حالة فتورٍ لا سيّما بعد وفاة من تبقى من التلامذة، وربما هذا سيجعل هذه المدرسة أن لا تتحول إلى مدرسةٍ فقهيةٍ أصوليةٍ معرفيةٍ متشعبةً سائدةٍ في أروقة الدرس والبحث العلمي في الحوزات العلمية لا سيّما أن هذه الحوزات تميل إلى العودة للنمط التقليدي في التعاطي مع الفقه وأصوله، أو إلى التفاعل مع متطلبات المجتمعات ومقتضيات العصر الحديث بناءً على أراء قد لا تكون مستلهمة من مدرسة الشهيد الصدر.
بما إن تلامذة الشهيد الصدر باستثناء بعض الأشخاص كالهاشمي الشاهرودي أو السيد كاظم الحائري لم تُتح لهم الفرصة لتربية أجيالٍ صاعدةٍ من الطلاب والعلماء. لذلك هناك خشية على أن تواجه هذه المدرسة مجموعة أفكار ورؤى الشهيد الصدر حالةً من الفتور وأن تُصاب بالنسيان أو عدم الاستمرار والإنتاج المتكرر الذي يمكن أن يحول هذه المدرسة إلى مدرسةٍ رائدةٍ في تاريخ الفكر الإسلامي، وهذا ربما من واجبات المتبقين من تلاميذ الشهيد الصدر أو تلامذة هؤلاء لإبقاء هذه المدرسة حيةّ ليس فقط بهدفٍ علميٍ بحت، وإنما بهدف توظيف هذه المدرسة ونظريات الشهيد الصدر في مواجهة التحديات الفكرية في العالم المعاصر وتقديم الحلول والرؤى والمسائل المستحدثة التي تطرح في عالمنا المعاصر.
يواجه المجتمع الإسلامي الشيعي الكثير من المخاطر والتحديات، ما هي الأفكار الجوهرية التي يعتنقها تلامذته والتي كان ينشدها السيد الشهيد لبناء المجتمع والعالم الاسلامي المطلوب، وما دور هؤلاء التلامذة في الترويج لأفكاره والسعي لتطبيقها؟
إنّ السيد الشهيد الصدر في طرحه للرؤية الإسلامية المتكاملة التي تعالج مختلف مناحي الحياة وتقدم الحلول لما يتطلبه العالم المعاصر نظريته في الاقتصاد الإسلامي ربما كانت نظرية تأسيسية لم يكتب أحدٌ قبله فيها لا بين الشيعة ولا بين السنة.
والبنك اللاربوي كان هو المشروع التأسيس في مجال البنوك اللاربوية وهناك الكثير من هذه الأمثلة. لذلك تقديم الرؤية والمعرفة الإسلامية بشكلٍ يمكن أن يساعد على تقديم الحلول لمقتضيات ومتطلبات العصر وأن لا تبقى أروقة البحث العلمي في الحوزات العلمية تقتصر على الفقه وأصوله بشكلهما التقليدي،
النقطة الثانية هي الإبداع ومحاولة طرح نظريات جديدة بكل جرأة وشجاعة، طبعاً بعقلانية بتوظيف العقل بكل معنى الكلمة في فعالية الاستنباط الفقهي حينما نشاهد أن الشهيد الصدر يكتب كتاب الأسس المنطقية للإستقراء، عندما نشاهد أنه حتى رسالته العملية يقدمها بشكلٍ جديد وإلى جانب بيان الحكم الشرعي يحاول أن يقدم برهاناً واستدلالاً على ما يطرحه.
بمعنى أنه يوظف العقل الإنساني في فهم النص وفي فهم الحكم الشرعي، إلى جانب ذلك العمل الاجتماعي والتنظيمي، تأسيس حزب الدعوة الإسلامية وتعاونه مع جماعة العلماء في النجف الأشرف وهو كان رغم صغر سنه يكتب المقال الافتتاحي لمجلة الأضواء ويدير المجلة، تربيته للتلامذة في سنٍ مبكرة. كل ذلك يعني أن الشهيد الصدر بالإضافة إلى تقديمه الرؤية الإسلامية في مختلف مناحي الحياة بالإضافة إلى إبداعه وتقديمه للحلول في المسائل المستحدثة قام بعملٍ حركيٍ وتنظيميٍ وتأسيسيٍ لتربية أجيال العلماء والمفكرين والنخب.
وإلى جانب كل ذلك نشاهد أنه يقدم كل الدعم لحركة الإمام الخميني (قدس) والثورة الإسلامية في إيران بل ومن موقعه كمرجعٍ ديني ومفكرٍ إسلامي مشهور ليس على صعيد الحوزة العلمية إن كانت في النجف أو غير النجف ليس على صعيد الشيعة فحسب بل، وإنما على الصعيد العالمي لكننا نراه يقول إنه مستعد القيام بدوره في قريةٍ من قرى إيران إذا كلفه الإمام الخميني (قدس) وهو الذي قال ” ذوبوا في الإمام الخميني (قدس) كما ذاب هو في الإسلام” وهو الذي بذل حياته وروحه في سبيل الدفاع عن هذه الثورة الإسلامية،
عندما طلب منه صدام حسين أن يستنكر حركة الثورة الإسلامية في إيران لم يقبل بذلك، أيضاً انتماءه إلى القيادة والثورة الإسلامية بل والتضحية والفداء التي جسدها في حياته على الرغم من مركزه المرجعي المتميز، كل ذلك يدل على أنه يشعر بالمسؤولية ويعمل بها، لأن تشخيص المسؤولية والعمل بذلك على الرغم من العناوين والاعتبارات الأخرى هو أمرٌ مهم،
أخر ما أود أن أقوله هو الجانب الأخلاقي والتقوائي في حياته، كان الشهيد ذا عاطفةٍ متدفقةٍ، كان زاهداً وزهده معروف في حياته في عبادته في مرجعيته وفي تعامله مع طلابه وتلامذته بل ما ينقل عنه تعامله الطيب مع جلاوزة نظام صدام الذين كانوا في فترة أسره بالبيت يطوقون البيت، كل هذا يدلل على أنه بالإضافة إلى الجانب العلمي إلى تقديم الرؤية المعرفية الإسلامية إلى الإبداع والمحاولات لتقديم الحلول لمتطلبات العصر إلى عامله التأسيس والتنظيمي والتربوي وتنشأة الأجيال إلى الالتحاق والإعلان عن إنتمائه إلى الحركة الإسلامية الكبرى والثورة الإسلامية، إلى جانب كل هذا، كان لديه البعد المعنوي والأخلاقي فقد كان زاهداً عابداً وخلوقاً يتعامل مع الآخرين من موقع الأخلاق الإسلامية الرفيعة والتواضع والعاطفة وما إلى ذلك.
لذلك قدم نموذجاً متكاملاً للإنسان المتربي في مدرسة الإسلام العليا، هذا النموذج يمكن أن يقُدم عبر الكتابة عنه ومن خلال بيانه ومناقبه ومدرسته وخصوصيته وأيضاً عبر العمل بكل ذلك، أتصور إنه يجب على كل من يعرف شخصية هذا الإنسان الكريم أن ينهض للعمل بذلك،
الحوزات العلمية اليوم مدعوة للسير على خطاه وإلى تقديم الرؤية الإسلامية في السياسة في الاقتصاد في الاجتماع في الثقافة في الفن في كل مناحي الحياة، أن تقدم حلولاً للمسائل المستحدثة، أن تكون على مستوى المسؤولية في مواجهة التحديات التي تعاني منها مجتمعاتنا ويعاني منها شبابنا، في مواجهتم للأفكار المستوردة للحملات الإعلانية الواسعة التي اكتسحت مجتمعاتنا الإسلامية، الشهيد الصدر يمكن أن يكون نموذجاً لكل ذلك وتلامذته أيضاً يمكنهم القيام بدورهم في بناء المجتمع والعالم الإسلامي المطلوب وفق الرؤية التي قدمها، والعمل على ترويج أفكاره لتطبيقها ليتمكن العالم الإسلامي من تجاوز الظروف السيئة والحرجة والخروج من المأزق الراهن، بل وأن ينتقل إلى الالتحاق بركب بناء الحضارة الإسلامية الجديدة التي ستكون حضارةً عالميةً وإنسانيةً بامتياز.