الإسلام فوبيا

عمامة سوداء في البيت الأبيض وتداعيات الهوية والإسلام فوبيا / د. نضير الخزرجي

الاجتهاد: نكتشف من خلال قراءة كتاب “الإسلام في أميركا” للمحقق الكرباسي تعمد بعض الدوائر البحثية تعمية حقيقة المسلمين في أميركا من حيث تاريخ الوجود والنشأة أو عدد المسلمين والنسبة المئوية.

لا أدري لماذا كلما طرق سمعي إسم أميركا أو أمريكا أو أمِرِكا تراءى أمام ناظري صورة أنف الإنسان أو الخنزير لا فرق، لا لإن خارطة أميركا تشبه الأنف كما كان مدرس الجغرافيا في مرحلة الثانوية يقرب لنا معالم خارطة بلد ما بمقارنته مع صورة شيء نعرفه وتشبيهه به مثلما كان يقول لنا مثلاً إذا أردت أن ترسم خارطة إيطاليا في ذهنك أو على الورق أثناء الإمتحان فتذكر جزمة المرأة الأنيقة (حذاء ذو رقبة) أو حذاء المقاتل العسكري (البسطال)، فهما متشابهان حذو النعل بالنعل والحذاء بالحذاء، ولا أدري إن كان الإيطاليون يقبلون على بلدهم بهذه الوصف والتشبيه أم لا، ولكن القدر المتيقن أن التشبيه لغير المواطن الإيطالي أمر وارد.

فالأنف بعيداً عن الوصف الجسماني كأداة للشهيق والشم، له في التراث العربي حالات عدة يوصف به سلوك الفرد سلباً او إيجاباً، خيراً أو شراً، انتقاداً أو تثميناً، مثلما هو قولنا في الفرد الفضولي “يدس أنفه في كل شيء” أو “يدس أنفه فيما يعنيه وفيما لا يعنيه” أو “دس أنفه في التراب” أي أرغمه على شيء لا يرغب به، أو “شامخ بأنفه” دلالة على صفة الكبرياء بصورتيها السلبية والإيجابية، أو “شم الأنوف” دلالة على علو الرأس رفعة ومقاماً وبما فيها من دلالات الحسن والخير والخصال الحميدة مثل قول الشاعر حسان بن ثابت الخزرجي:

بِيضُ الوُجُوهِ، كَرِيمةٌ أَحْسابُهُم … شُمُّ الأَنُوفِ من الطِّرازِ الأَوَّلِ

ولوقوع الأنف في وسط الوجه، فإنَّ له تأثيراً كبيراً على وجه الإنسان وصورته الشخصية ومعدلات الجمال في نظر الآخر، ولذلك ازدادت في العقود الأخيرة عمليات تعديل الأنف التي يقال لها مجازاً “تجميل الوجه”، وبخاصة لدى الإناث، وأكرر في نظر الآخر لأن الجمال مسألة نسبية تخضع بشكل عام لنظرة الآخر للشخص، فما أراه جميلاً قد لا يراه غيري.

ولكن ما علاقة الولايات المتحدة الأميركية بالأنف والأمثال الشعبية؟

تبدو العلاقة قائمة واضحة إذا ما أخذنا بنظر الإعتبار تدخل أميركا في كل صغيرة وكبيرة في هذا العالم، فهي تدس أنفها فيما يعنيها وفيما لا يعنيها تحت دعوى حماية مصالحها القومية أو حماية أصدقائها وإن كان على حساب الشعوب الأخرى، وعلى بعد آلاف الأميال، وهو كذلك بالفعل كتدخلها البشع في مسائل الشرق الأوسط وتورطها في الكثير من الإنقلابات العسكرية التي حصلت في القرن العشرين والقرن الواحد والعشرين ومداعبة أحلام الشباب في تلك البلدان عبر إعلام صاخب بربيع خُلَّب.

حديث الأنف ودخوله في الأمثال ودس أميركا أنفها في شؤون الآخرين رغبة أو عنوة وبعطرها المشوب برائحة البارود والدماء قد لامس أنفي ومشامي وأنا بصدد قراءة كتاب “الإسلام في أميركا للكرباسي” الذي صدر حديثاً عن بيت العلم للنابهين في بيروت في 112 صفحة من القطع المتوسط، من إعداد وتعليق الشيخ محمد فلاح العطار المولود في مدينة كربلاء المقدسة بالعراق سنة 1964م والمقيم منذ أكثر من ثلاثة عقود في لوس أنجلس بولاية كاليفورنيا الأميركية.

أميركا .. البدايات

يتابع المحقق الكرباسي في هذا الكتاب بدايات نشأة الولايات المتحدة الأميركية كدولة لها اعتبارها الدولي وتأسيسها في 4/7/1776م، مع الإعتقاد اليقيني بأن القارة الأميركية بسكانها الأصليين كانت معروفة عند بلدان السواحل الأفريقية الغربية وبلدان السواحل الأوروبية الغربية قبل أن يُنسب اكتشافها سنة 1492م إلى الإيطالي كريستوفر كولومبوس (1451- 1506م) الذي عمل تحت العلم الإسباني وكان يظن حينها أنها متصلة بالقارة الآسيوية من الجهة الثانية،

أو الإيطالي أميركو فسبوتشي (1454- 1512م) الذي عمل تحت العلم البرتغالي حيث ترى بعض المصادر ان القارة أخذت اسمها من أميركو فسبوتشي الذي اكتشفها في رحلاته المتكررة في السنوات 1499 و1507م، على ان البعض يرى كما يذهب إليه المحقق الكرباسي أن المسلمين عرفوا القارة الأميركية قبل كولومبوس وفسبوتشي بقرنين من الزمن وكانت تعرف عندهم بالأرض المجهولة أي أن الإسلام كان موجوداً في القارة ولم يأت به المسلمون الذين رافقوا كولومبوس في رحلته الإستكشافية، بل ويرجع البعض تاريخ معرفة المسلمين بالقارة الإميركية بنحو خمسة قرون من اكتشافها من قبل الإسبان والبرتغال عندما أبحروا من الأندلس وبعضهم انطلق بمراكبه من أفريقيا في بحر الظلمات (المحيط الأطلسي) ووصولهم القارة المجهولة.

وأيا كان المكتشف فإن القارة الأميركية كانت مأهولة بالسكان وأهلها متوزعون على أميركا الشمالية وأميركا الجنوبية، واشتهار القارتين باللغات الإنكليزية والفرنسية والإسبانية والبرتغالية إلى جانب لغات أخرى أكثرها محلية إنما هو خاضع للحملات التي انطلقت من القارة الأوروبية للإستيلاء على القارة الأميركية وثرواتها وإخضاع أهلها لسياسة الإستعمار والإستحمار والعبودية،

على أن بعض المصادر التاريخية ترى أن مفردات عربية كثيرة قائمة في لغة السكان الأصليين مما يوحي أن العرب سبقوا الأوروبيين في التعرف على القارة واستيطانها، بيد أن الحملات الأوروبية جرت تحت راية التبشير المسيحي وأخضت الناس لحكم التاج إن كان في إسبانيا أو البرتغال أو بريطانيا أو في غيرها،

واستمرت سياسة العبودية لقرون متمادية حتى بدأ السكان الأصليون ومثلهم الذين استقدمهم الأوروبيون والغربيون من أفريقيا بأخذ حقوقهم رويداً رويداً على أن الولايات المتحدة الأميركية لم تتخلص حتى الآن من سياسة التفريق العنصري بين السكان وما زالت تداعياتها قائمة حتى اليوم في عدد غير قليل من مظاهر الحياة رغم قانون تحرير العبيد الذي أطلقه الرئيس الأميركي ابراهام لنكولن في الأول من يناير كانون الثاني 1863م.

حديث الأرقام والنسب

كانت حوادث 11 سبتمبر 2001م وتفجير برج التجارة العالمي في نيويورك بغض النظر عما يقال عنها ما إذا كانت مفتعلة أو حقيقية، نقطة تحول ليس أقل في ولايات أميركا الخمسين، لأن المتهم فيها هو الإسلام والمسلمين ومن هنا انطلقت مراكز الأبحاث ودوائر صنع الأفكار والقرار في أميركا وأوروبا الغربية الحديث عن الإسلام كدين ومعتقد وعن المسلمين كشعوب وقوميات،

فيما انطلق الإعلام الأميركي والغربي المسيس صب الزيت على النار وتأليب غير المسلمين على المسلمين وتوجيه بوصلة الإرهاب والعنف نحو الإسلام والمسلمين بما يُعرف بالإسلام فوبيا (رهاب الإسلام)، وهي سياسة خبيثة تقف وراءها دوائر المال المسيطرة على الإقتصاد العالمي والتي نجحت في بعض صورها.

ولكن رغم الإعلام الظالم، فإن قسماً من المجتمع الأميركي الذي بلغت نفوسه نحو 334 مليون نسمه، يبدي تعاطفاً مع المسلمين في أميركا بوصفهم ضحايا الإعلام المضلل كما هم بقية المجتمع الأميركي الذي هم ضحية أرباب السياسة والمال، حيث ينام الكثير منهم بلا عشاء أو يستوطنون الشوارع ومحطات القطارات بلا مأوى، وهي صفة غالبة للأنظمة الرأسمالية القائمة في أميركا وعموم أوروبا رغم حياة الضمان الإجتماعي التي لا يمكنها أن تسد احتياجات الإنسان في حدودها الدنيا.

كانت أحداث سبتمبر 2001م رغم الهجمة الشرسة على الإسلام والمسلمين، مناسبة طيبة للتعرف على تاريخ الإسلام والمسلمين في الولايات المتحدة الأميركية حيث يبلغ نفوسهم نحو أربعة ملايين مسلم حسب أحصائيات متداولة ربما أكثر من ذلك، وهو ما يوضحه المحقق الكرباسي في هذا الكتاب ويزيد عليه من معرفة وأرقام المعد الشيخ العطار بوصفه شاهد عيان وملامس للحقيقة وإمام للجمعة والجماعة في المركز الحسيني في مدينة لوس أنجلس منذ أنْ وطأت قدمه أميركا سنة 1988م للعمل في صفوف الجالية المسلمة.

ونكتشف من خلال قراءة الكتاب تعمد بعض الدوائر البحثية تعمية حقيقة المسلمين في أميركا من حيث تاريخ الوجود والنشأة أو عدد المسلمين والنسبة المئوية، على أن التعمية لا يمكنها أن تخفي الحقائق القائمة وحسب تعبير المعد: (إن النسب الرسمية التي تعلن عنها ليست بصحيحة لأنها مسيسة لصالح جهات هي على تضاد مع المسلمين ولذلك لابد من الإنتباه إلى أن عدد المسلمين هو أكثر بكثير مما يعلن، إن الإسلام هو ثاني أكبر دين بعد المسيحية، وعلى سبيل المثال فإن الجالية اليهودية لا يتجاوز عددهم خمسة ملايين ولكن في الإعلام يذكر بأنَّ نفوسهم يتجاوز إثني عشر مليوناً وربما ذكر أكثر من خمسة عشر مليوناً)، والمعد هنا يعطينا تصوراً بأنَّ نفوس المسلمين في أميركا يفوق الخمسة ملايين نسمة.

وحيث يقوم المحقق الكرباسي ببيان أعداد المسلمين في الولايات الأميركية ونسب أعدادهم ومراكزهم الإسلامية والثقافية والإجتماعية، فإن الشيخ العطار يؤكد: (إنَّ المؤسسات الإسلامية الآن بلغت أربعة آلاف ما بين مسجد وحسينية ومركز معترف بها في أمريكا رسمياً، أما غير المعترف بها فحدِّث ولا حرج، وأكثر من 450 مركزاً خاصاً بالشيعة)، أما في ولاية كاليفورنيا كما يؤكد المعد: (وصل عدد المراكز التي تحيي ذكرى عاشوراء أربعين مركزاً، وفي جنوب كاليفورنيا يوجد أكثر من 150 مسجداً وحسينية).

وحسب الإحصاء الرسمي فإن المسلمين يتواجدون بكثرة في الولايات والمدن العشر التالية: إيلينوي، فرجينيا، نيويورك، نيوجيرسي، تكساس، ميشيغان، فلوريدا، ديلاوير، كاليفورنيا، وبنسلفانيا،

وكما يؤكد المعد أن شيكاغو قاعدة إيلينوي: (فيها في الوقت الحاضر أكثر من ثلاثمائة ألف نسمة من المسلمين، ولا يخفى أن واشنطن العاصمة فيها تجمع كبير قد يصل إلى مليون نسمة)، وحيث جعلت الأرقام كاليفورنيا بعد نيويورك من حيث الكثافة السكانية للمسلمين فإن الشيخ العطار ومن خلال عمله ومشاركته المباشرة في تأسيس مجلس الشورى الإسلامي المتشكل سنة 1991من علماء سنة وشيعة في كاليفورنيا يؤكد:

(إنَّ نيويورك ليست هي صاحبة أكبر تجمع إسلامي ولكن كاليفورنيا تناهز وتضاهي نيويورك بل تفوق عليها، ولكن الفرق بين نيويورك وكاليفورنيا أن المسلمين في نيويورك مجتمعون كلهم في دائرة ضيقة ولكن في كاليفورنيا موزعون على مساحة كبيرة جداً).

العمامة في البيت الأبيض

أورد المؤلف الكرباسي الكثير من الأرقام والنسب التي توضح حقيقة الأصول القومية لعموم الأميركيين، ونسبة الوجود المسلم في أميركا الدولة فضلا عن أميركا القارة، وبيان الهجرات المتعددة للمسلمين للولايات المتحدة الأميركية من الهند وباكستان وإيران والعراق ولبنان وغيرها من البلدان العربية والإسلامية، كما أولى المؤلف أهمية للمسلمين الأميركيين الأصل وبيان أسباب تقبلهم للإسلام، ووجد أنَّ:

(من أسباب تنامي عدد المسلمين وتضاعف نفوسهم في الولايات المتحدة الأمريكية هو الإضطهاد الذي مورس بحق الجنس البشري الأسود، وسحق حقوقهم)، ويضيف المعد: (إنَّ الذين يتحولون إلى الإسلام في الغالب لأسباب ثلاثة هي: إنهم لا يعتقدون بالمسيحية، أو التزاوج من الجنسين، أو بسبب قراءتهم للقرآن والتمعن فيه، وعدد اليهود المتحولين قلّة جداً، هذا فإن عدد المتحولين في الأعم الأغلب نصفهم من البشرة البيضاء والنصف الآخر من البشرة السمراء وفي الغالب سببه الإضطهاد، إذاً فأسباب التحول هي أربعة أمور).

إذن فما عليه الإسلام من يسر التعامل والتعاطي مع مفردات الحياة اليومية تجعل تقبله أسهل لدى من يبحث عن الحقيقة، ويكثر تقبله عند النساء ويوعزه الكتاب إلى أن النساء: (يمتلكن العقل العاطفي خلافاً لغالب الرجال الذين يملكون العقل المصالحي، فلذلك فإن الأنثى تبحث عن الحقيقة بروح أقل تعصباً من الذكر الذي في الغالب يبحث عن مصلحته في الحياة ليكون الأقوى).

وإذا كان حادث تفجير برج التجارة العالمي في نيويورك قد فتح العيون على حقيقة الإسلام في أميركا، فإن الساسة في واشنطن أدركوا قبل ذلك حقيقة النمو المضطرد للمسلمين في هذا البلد المتمادي المساحات، ولهذا دخلت العمامة المسلمة (السيد حسن السيد مرتضى القزويني) لأول مرة البيت الأبيض أثناء توقيع الرئيس الأميركي جورج بوش الإبن على مشروع دعم الجمعيات الدينية في 29/1/2001م، ولأول مرة تتزين ناطحة سحاب امباير ستيت (Empire State Building) في نيويورك بالأضواء احتفالاً بعيد الفطر المبارك سنة 2007م بعد أن كانت قد أضاءتها هذه البناية ذات الطوابق (102) أولاً سنة 1932م عند انتخاب الرئيس فرانكلين روزفلت، كما أضيئت بالألوان سنة 1976م لأحياء الذكرى المئوية الثانية لاستقلال أميركا.

ورغم كثرة المسلمين، لكنهم لم يصلوا بعد إلى مستوى التأثير على القرار الأميركي في جانبه الخارجي، والحال مثله في البلدان الأوروبية الأخرى مثل بريطانيا وفرنسا رغم الأعداد المتزايدة للمسلمين، وربما احتاج المسلمون إلى جيلين أو أكثر حتى يكونوا موضع تأثير على القرار الغربي فيما إذا احسنوا استخدام المال ودخلوا العملية السياسية بكامل قواهم العددية والإعتبارية.

 

الرأي الآخر للدراسات- لندن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky