الاجتهاد: يبدأ آية الله الشيخ عبدالله جوادي الآملي في تفسير تسنيم (الذي ترجم حتى الآن أكثر من ثلاثين مجلدا منه إلى العربية) بذكر مقدمة للسورة تشتمل على فضل السورة, وأسمائها, و اوصافها, مع بيان المناسبة بين اسم السورة ومضمونها, وذكر عدد آيات السورة, وإبراز الآيات المركزية والمحورية في السورة, ثم التطرق الى بيان الخطوط العامة لمعارف السورة, ويتم ذلك عبر سلوك الطرق التالية :
أ- تحديد هوية السورة – مكية أو مدنية – ودراسة أجواء نزولها .
ب- دراسة صدر السورة وخاتمتها, لأن خاتمة السورة يعد بمثابة تبويب لمضامين السورة.
ج- الانسجام والارتباط بين أبحاث السورة وآياتها .
د- تكرار بعض المواضيع في مضامين السورة .
هـ- دراسة الغرر من آيات السور, التي هي بمنزلة وساطة العقد, كأية شهد الله وآية ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (آل عمران: 26), التي تتسم ببروز خاص في سورة آل عمران مما يوحي بأن الخط العام لهذه السورة هو تبيين التوحيد الحق, و لا سيما التوحيد في أفعال الله تعالى .
و- دراسة شأن ومناسبات نزول بعض الآيات وأجواء نزول السورة كلها .
ز- توجيهات الأحاديث المعتبرة, التي جاءت للتوعية والتنبيه إلى المسير الأصلي لمعارف السورة .
ويتطرق الشيخ الآملي بعد ذلك إلى تحديد هدف السورة, ويرى أن لكل سورة هدفًا ورسالة وغرضًا واحدًا.
وبعد أن يتم البحث في مقدمة السورة يدخل الشيخ الآملي في تفسير الآيات على مرحلتين :
المرحلة الأولى : مرحلة إجمالية يُبين فيها خلاصة تفسير الآية, ويُبين مختاره في تفسيرها .
المرحلة الثانية : مرحلة تفصيلية, وهذه المرحلة تتوزع على ثلاثة أنواع من البحوث :
البحث الأول : “البحث التفسيري” يتناول فيه التفسير المفرداتي للآية, والانسجام في الآية وتناسبها مع الآيات السابقة أو اللاحقة, ثم التفسير الجملي للآية .
البحث الثاني : يتناول الشيخ الآملي بـعنوان “لطائف وإشارات” بعض المعاني الباطنة للآية, والأسرار التي فيها, مع ذكر المطالب التربوية, والأخلاقية المرتبطة بها, وهذا العنوان مأخوذ من الروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام), إذ ورد عن الإمام الصادق “ع” أنه قال : ( كتاب الله على أربعة أشياء: على العبارة, والإشارة, واللطائف, والحقائق, فالعبارة للعوام, والإشارة للخواص, واللطائف للأولياء, والحقائق للأنبياء), أي أن كل آية فيها أربع طبقات من المعاني, طبقة بإمكان الجميع معرفتها, وطبقة لا يعرفها إلا العلماء, وطبقة لا يدركها إلا الأولياء, وطبقة مختصة بالأنبياء فقط .
وفي ضوء رواية الإمام الصادق (عليه السلام) فإن البحث الأول للشيخ الآملي يمثل مرتبة العبارة, إذ إن البحث فيه عن مفردات الآية وتفسيرها الجملي, وبعبارة أخرى فإن البحث فيه عن طبقة المعاني الظاهرة, ويمثل البحث الثاني مرتبة الإشارة, ومرتبة اللطائف, إذ يكون البحث فيه عن طبقات أخرى للمعنى .
ويرى الشيخ الآملي أنه لتفسير المرتبة الظاهرة لا بٌد من التمسك بجناحين أحدهما (البرهان العقلي), أي العلم الحصولي, و الآخر سنة المعصومين “عليهم السلام” التي تتعلق بالمعارف الظاهرة, وأنه لتفسير المرتبة الباطنة للقرآن الكريم, لا بد من التمسك بجناحين أيضا, أحدهما (العرفان القلبي), أي العلم الحضوري, والآخر سنة المعصومين (عليهم السلام) التي تتعلق بالمعارف الباطنة.
ويرى الآملي أن هذا الارتباط الولائي بسنة النبي محمد (صلى الله عليه واله) وأهل بيته “عليهم السلام” (يهب القدرة والجرأة للمفسر الجامع بين الظواهر من جهة, والبواطن من جهة ثانية, والظاهر والباطن في كل مرتبة متلاصقة من جهة ثالثة أن يصدر الفتوى بأن مثل هذه الطريقة في التفسير هي من مصاديق ” إقرأ وأرق”) .
فنلاحظ أن الشيخ الآملي يمزج بين ثنائية الظاهر والباطن, والعقل والقلب, وهي إحدى تجليات النزعة الشمولية .
البحث الثالث : “البحث الروائي” يورد الشيخ الآملي الروايات التي لها مناسبة مع الآية المبحوث مع تصنيفها, وعنونتها بعنوانات تفصح عن مضامينها مع ذكر بعض التعليقات والتوضيحات حولها .
ويقوم الشيخ الآملي بعد الانتهاء من تفسير السورة بتقديم خلاصة عن طريق تقديم إيجاز للمضامين السامية في السورة، وأهم الأحداث التي في السورة.