زيارة الأربعين

زيارة الأربعين وأثرها الفكري في قوام فكر الشباب

الاجتهاد: عند الرجوع والبحث في نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) نجد ان النهضة المباركة لم تنتهِ فعلاً فقد تكرست مرة أخرى في زيارة الأربعين وما تحمله تلك الزيارة من أفكار مواكبة للعصر، فالزيارة تمثل القيمة الحقيقة لكل زائر يخوض غمار الزيارة.

ليس بغريب عن أي فكرة تطرح وتطبق في المجتمعات، بصورة عامة حيث أن الأفكار التي تطرح يكون لها أثر وتأثير لأي مجتمع يتبنى تلك الأفكار ويطبقها فترى تأثيرها يحوم حول دائرة المجتمع الذي يتبنى الفكرة، ومن خلال ذلك المجتمع يتبين لكل شخص فاهم تلك الأفكار، يرى تأثيرها الواقعي للمجتمع المطبق لتلك الفكرة أو الأفكار، فتكون الأفكار ذات حدين لا ثالث لهما وهما:

أ. الحد المؤثر الجيد نحو تغيير نمط من أنماط الأفكار المنحرفة إلى نمط جيد.

ب. الحد المؤثر الغير مرغوب به، وهذا إذا استشرى في المجتمع فإنه يكون كالنار الملتهبة التي تأكل كل شيء.

ومن خلال ذلك الحدين يمكن لنا قراءة زيارة الأربعين فإنها هي الحد الرئيسي المتغير من صورة إلى صورة أخرى مهمة، لبناء مجتمع متكامل.

فزيارة الأربعين هي الصورة الحقيقة الثابتة والواضحة كوضوح الشمس في رابعة النهار، حيث انها تمثل العقيدة الحقة المتمثلة بالدين الإسلامي الحقيقي، فكانت نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) هي الامتداد الصلب الذي لا ينكسر لمواجهة الصورة غير المرغوب بها في المجتمعات.

ومن المتعارف عليه أن لكل شيء في هذا العالم وقتاً محدداً وينتهي أو يتغير، أما نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) هي عكس كل تلك  لقوانين والافتراضات، فإنها مستمرة إلى ما شاء الله، ولا يتبادر إلى الذهن ان نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) هي فقط معركة فيها منتصر وخاسر، بل العكس من ذلك هي نهضة الإصلاح على جميع الأصعدة التي تخدم المجتمعات، وعند إمعان النظر في القضية الإصلاحية للإمام الحسين (عليه السلام) نراه (عليه السلام) قد ربط بين العقيدة والثورة الإصلاحية؛ لأن الثورة بدون عقيدة لامعنى لها، فحتماً سوف تفشل ولا يستمر الإصاح الديني لتلك الثورة.

وعليه تكون العقيدة هي من المحاور الأولى التي: (تتمثل في نظر الإسلام بعقيدة التوحيد، وكل متفرعاتها من النبوة وامتدادها في الإمامة، والإيمان بالدار الآخرة والحساب والجزاء وامتداد الإيمان بالدار الآخرة، الإيمان بقضية العدل الذي يوصف به الله سبحانه وتعالى،

فالعقيدة تمثل الأساس الرئيس والمهم في ثبات أي مجتمع، فبمقدار ما تكون العقيدة قوية وصحيحة وأصيلة وواضحة، يكون هذا المجتمع ثابتاً ومستحكماً، وبمقدار ما تكون هذه العقيدة هزيلة وباطلة ومنحرفة وليس فيها وضوح بالنسبة إلى الناس، يكون هذا المجتمع مجتمعاً مهزوزاً ضعيفاً، من الممكن أن تعصف به الأهواء وتطيح به الحوادث()،

وعند الرجوع والبحث في نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) نجد ان النهضة المباركة لم تنتهِ فعلاً فقد تكرست مرة أخرى في زيارة الأربعين وما تحمله تلك الزيارة من أفكار مواكبة للعصر، فالزيارة تمثل القيمة الحقيقة لكل زائر يخوض غمار الزيارة.

ونقول ان هذا الكلام ليس مجرد كلام عابر أو هو تلميع لمقتضى الزيارة، بل العكس أن الزيارة هي عالم آخر خارج عن مخيلة كل شخص، ولا يعرف تأثيرها إلا من خاض غمارها وعاش في كنفها واستلهم من أفكارها وعبرها الحقيقية التي أثرت في المجتمع العراقي بصورة مباشرة، والمجتمعات الأخرى وقد ذكرنا العراق لأن تأثير الزيارة قد بدأ من العراق اولاً كما بدأ الإمام الحسين(عليه السلام) الإصلاح من العراق.

فقد احتوت زيارة الأربعين على أمور كثيرة وغير متوقعة من أي شخص أو أي محلل لتلك الزيارة، حيث تعد زيارة الأربعين هي الرافد المهم في التغيير  وتصحيح أفكار ومعتقدات كل شخص في قلبه زيغ ولا يطمأن قلبه لمن قصدهُ (الإمام الحسين)، ولكن بعد الخوض في زيارة الأربعين وإلقاء النظر الحادق في الرؤى، وما تحمله من مبادئ لا تحملها أي تجمعات عالمية، فتعد الزيارة هي المعلم الأول لجميع المبادئ والقيم التي خرج من أجلها صاحب الزيارة (الإمام الحسين)، في حين أن زيارة الأربعين تحمل شعائر قيمة لا يحملها أي شيء في الوجود،

ومن تلك الشعائر هو المبدأ المتجذر الذي لا انفكاك عنه هي العقيدة الراسخة في الذهن، حيث نرى في الديانات الأخرى الانحلال الدائم وعدم وجود العزيمة للدفاع عن المعتقد وهذا من مسبباته هو عدم وجود الرابط الإيماني بين الرسالة الإلهية وبينهم وذلك لعدم وجود من يعطيهم الشحنات الإيمانية على الدوام، فزيارة الأربعين هي حقاً تعطي الشحنات الإيمانية على الدوام وتجعل من الإنسان ذا عزيمة دائمية مستمرة وتحصنهُ دوماً من التأثير الخارجي عليه.

ومن (اهم أهداف هذه الشعائر الحسينية الأصيلة، هو تجسيد الأيمان، وتعميق الولاء، وتثبيت الانتماء، وإذكاء عنصر المواساة، والمحافظة على الهوية الصادقة لمدرسة أهل البيت (عليهم السلام) خصوصاً، وصورة الإسلام الحنيف عموما؛ لان نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) كانت الامتداد الطبيعي لرسالة جده المصطفى (ص) للأجيال القادمة؛ لتبعث فيهم روح الوعي والنهضة والإصلاح، من جور الطغاة والمارقين، وتوقظ فيهم حقيقة الانتماء الصادق للإسلام، وتبعث فيهم روح الوحي من جديد().

وهنا قد ذكرنا شعيرة واحدة على سبيل المثال على لا سبيل الحصر.

وعليه تكون زيارة الأربعين هي السحر العميق المؤثر في أصناف طبقات المجتمع العالمي من الصغير والكبير، وهذا التأثير لطالما قد قل نظيره في أوساط المجتمعات العالمية، حيثُ لا يوجد كمثل هذا التأثير في الأفكار وتقويم الإنسان من طريق الضلالة والانحراف إلى النور وطريق الحق الذي يدعو الحق تبارك وتعالى إليه،

فقد جسد الإمام الحسين (عليه السلام) ذلك الفكر القويم في كربلاء قبل الآلف السنين، ومن المؤكد ان أي فكر او سلوك تمضي عليه بضع سنين فأنه حتماً يندثر ولم يبقَ طويل الأمد، لكن ما صنعه الإمام الحسين (عليه السلام) هو كسر كل تلك القوانين والأنظمة المهيمنة على الأفكار التي تقيد الإنسان وتضعهُ تحت حاكمية الأفكار التي يتحكم بها رواد الضلالة، والاستكبار واعداء الإسلام المحمدي.

فقد يتجلى في زيارة الأربعين الكثير من السلوك الذي تسعى له بعض المجتمعات، ولكن لم تتمكن من المضي في تحقيق الأهداف المرجوة فيه، او تفشل في طرح السلوك المتكامل، اما ما طرحه الإمام الحسين (عليه السلام) فإنه السلوك الكامل الذي يقوم سلوكيات المجتمعات، وقد استمرت تلك السلوكيات المتكاملة حتى وصلت إلى يومنا هذا، فزيارة الأربعين هي تمثل البث المباشر لجميع السلوكيات المقومة للمجتمعات عامة.

فكان شعار الإمام الحسين (عليه السلام) ما خرجتُ أشراً ولا بطراً ولا مُفسداً ولا ظالماً وإنما خرجتُ لطلب الإصاح في أمة جدي لآمر بالمعروف وأنهى عن المنكر)، فهذا الشعار يبين لنا الحالة التي كانت تعيشها تلك المجتمعات التي عاصرت الإمام الحسين (عليه السلام)، فرغم خطورة الموقف الكبير الذي يعلم به الإمام الحسين (عليه السلام) لم يثنِ عزيمتهُ أي شيء.

وعلى الرغم من أن مناسبة زيارة أربعينية الإمام الحسين (عليه السلام) تعد من المناسبات الدينية السنوية المقدسة للمسلمين عموما، وللشيعة على وجه الخصوص، إلا أنها من حيث الجوهر تنطوي على أهداف متعددة لا تنحصر في جانب محدد، فهي بالإضافة الى صفتها الدينية والشعائرية والاجتماعية وما شابه، على نحو الخصوص، ليرتفع بمستواهم الثقافي إلى أعلى درجة ممكنة، لما للثقافة من دور كبير في تطوير حياة الناس.

تطبيقات زيارة الأربعين

وهنا قد ذكرنا فقط أربعة تطبيقات حتى لا يطول علينا المقام ونخرج عن ضوابط البحث، وإلا هناك العديد من التطبيقات الأخرى لزيارة الأربعين.

.1 زيارة الأربعين تمثل أكبر تكافل اجتماعي عالمي.

يوجد تكافل اجتماعي عالمي، وهذا التكافل محدود بضوابط لا يمكن إهمالها التي من خلالها نشأت فكرة التكافل الاجتماعي على أساس المساعدة بين الأشخاص، فكانت نهضتهُ إنسانية نابعة من الفطرة الإنسانية التي فطر الله الإنسان عليها وهي عمل الخير ومساعدة الآخرين.

وكما قلنا أعاه ان التكافل محدود، ولكنه لُم يصمت البتة امام تكافل زيارة الأربعين، حيث تمثل زيارة الأربعين التكافل الاجتماعي العالمي الذي لا يوجد منه في أرجاء العالم، ولا يتمثل هذا التكافل بدفع الم فقط، وإنما قد تجاوز أكثر من ذلك ومن الأمثلة عليه: (بناء بيوت للفقراء، مساعدة المحتاجين أصحاب العمليات، التكفل بزواج المحتاجين، فتح مدارس..)، وهذا التكافل متمثل بالعتبتين المقدستين.

والجدير بالذكر ان المؤسسات العالمية التي تدعي التكافل الاجتماعي رغم مضي القرون على تأسيسها إلا انها لم تصل إلى اعلى مستوياتها، مقارنته بتكافل زيارة الأربعين التي لم يتجاوز تأسيسها قرابة 16 سنة، وعندما نقول بتكافل زيارة الأربعين نعني بذلك جميع فروع العتبة الحسينية والعباسية التي أخذت على عاتقها ذلك التكافل ومن تلك المؤسسات على سبيل الذكر لا الحصر هي )مؤسسة العين، مؤسسة اليتيم، والمشاريع الخيرية…)

2 – البعد الأخلاقي لزيارة الأربعين

عندما تحدث تجمعات عالمية لحدثٍ ما، فيكون التجمع خليطاً من طبقات المجتمعات ولا يمكن الفصل بين تلك الطبقات، كلاً على حده حسب ميزته الأخلاقية وهذا من الصعب فتحدث في بعض الأحيان المشاجرات الكبيرة ولا يمكن حلها من قبل المعنيين بحفظ الأمن في ذلك المكان، وهذا ما يميز زيارة الأربعين على غيرها من التجمعات العالمية،

فزيارة الأربعين تحمل في طياتها مختلف الطبقات من المجتمع ومختلف الدول العالمية، ومن مختلف الديانات، المسلمة وغير المسلمة، وفي هذه الحالة قد اصبح هناك مزيج من الثقافة الأخلاقية التي يتمتع بها كل شخص من افراد المجتمع،

وحسب قولنا اعلاه فلا بد من حصول المشاجرة بين أفراد المجتمع الذي تجمعوا لإحياء شعيرة الأربعين، وهذا مجرد كلام، اما في حقيقة الأمر وعلى ارض الواقع، فلا يوجد حقيقة او افتراضاً لشجار ما في شعيرة الأربعين، بل العكس تماماً من ذلك نجد أن تأثير العبد الأخلاقي لزيارة الأربعين ساري المفعول على كل شخص من افراد المجتمع وعلى مختلف الديانات، حيث تجد السكينة الأخلاقية تسيطر على كاريزما الإنسان، وتجدهم قد انتزعوا الغرور والانا من انفسهم، ذلك بفضل تأثير زيارة الأربعين.

3- العبادة الخاشعة والتقرب إلى الله

ان من اهم الميزات العبادية التي تحدث في شعيرة الزيارة الأربعينية هو الخشوع اللاإرادي لدى الإنسان حيث يشعر الإنسان شعور خاص غير مسبق وغير مهيئ للنفس له حتى لا يدخل في باب الرياء، فيكون الخشوع نابع من أعماق ذات الإنسان.

فيكون التوجه نحو العبادة بجميع اشكالها مثل الصلاة، والتسبيح، والاستغفار، وذكر الله…

وهذا جانب اما الجانب الآخر هو التحشيد للصلاة عند وقتها في زيارة الأربعين، فترى الناس عند وقت الصلاة قد توقفوا عن المسير، واتجهوا نحو القبلة لأداء الصلاة، فقد تحدث في كل سنة من كل عام صلاة مليونيه في الصحن الحسيني أو في طريق المسير نحو كربلاء المقدسة.

وعند الدخول إلى الصحن الحسيني او العباسي ترى الناس بجميع اصنافها واشكالها، انهم متوجهين نحو خالق واحد ازلي، وهم متوجهون بالدعاء نحو السماء، فترى الخشوع والاطمئنان والسكينة تسود المكان، وهذا لا يحصل في أي مكان آخر.

زيارة الأربعين تمثل القوة الضاربة بوجه الطغاة رغم سلمية التجمع ان التجمع المليوني الإنساني في كربلاء من كل عام ما هو إلا تلبية نداء الإمام الحسين حينما قال: ( لا اعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا افر فرار العبيد)،

فمن هذا الكلام الجوهري الذي بقي في أذهان الاحرار، فهو يمثل لهم طريق مقارعة الظلام العالمي الذي يهدد العالم الإسامي بين الحن والآخر، فأحرار الحسين في كل زمان ومكان لا يمكن لهم ان يسكتوا على الظلم والعدوان مهما كل الأمر، وخير دليل لما قلنا، والذي ليس بزمن بعيد عن الأذهان، حينما اعتدى داعش (الظلام) على بعض مناطق العراق، فما كان من احرار الحسين (عليه السلام) إلا التدخل لمنع الاعتداء وهتك الحرمات.

وقد جاء ذلك من خلال فتوى الجهاد المتمثلة بالمرجعة العليا في العراق، حيثُ كانت المرجعية تمثل خط الحسين (عليه السلام) في العصر الحديث، وهذا ما ثبت فعلا وامام الأنظار، وهذا يدل على أن منهج الحسين (عليه السلام) عامر في كل عصر ومصر ولا يندثر ولا يتغير المبدأ الذي رسمه لجميع الاحرار.

وحيث ان لزيارة الأربعين لها دلالات كثيرة ومعاني وهي رسالة واضحة المعالم إلى كل الطغاة بإن تواصلنا مع الإمام الحسين (عليه السلام) هي قضية مبدأ وتعتبر مراسيم زيارة الأربعين إلى الإمام الحسين صرخة مدوية ضد الظالمين والطغاة وتحفز الزائرين على المجيء إلى كربلاء من اجل تجديد البيعة للإمام الحسين (عليه السلام)

 

 

المصدر: قسم من مقالة بعنوان” زيارة الأربعين و أثرها الفكري في قوام فكر الشباب، للباحثين: م.م. عماد كاظم مانع الشمري، و م.م. منتظر حليم شرهان الزبيدي. المنشور في مجلة السبط العلمية المحكمة حول وقائع المؤتمر العلمي الدولي الثالث لزيارة الأربعين المليونية المباركة والذي أقامه مركز كربلاءَ للدراساتِ والبحوثِ في العتبة الحسينية المقدسة يوم 10-11صفر الخير/1441هـ، الموافق لـ 9-10 تشرين الأول 2019م تحت شعار “زيارة الأربعين… مسيرة عطاء نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة”. (.pdfوقائع المؤتمر الدولي الثالث لزيارة الأربعين)

 

ملف زيارة الأربعين

زيارة الأربعين.. استفتاءات، بحوث، تاريخ، توصيات، شبهات و ردود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky