نصر فريد واصل

مفتي مصر الأسبق: أطالب المسؤولين في بلادنا العربية بتطبيق المنهج الإسلامي في مكافحة الفساد

الحالة المتردية التي تعيشها الأمة الإسلامية اليوم وعجزها عن التصدي للتحديات الكثيرة التي تواجهها على جميع الصعد السياسية والاقتصادية والعسكرية والفكرية والحضارية ترجع إلى حالة التفرق والتشرذم التي عاشتها وتعيشها الأمة.

موقع الاجتهاد: يطالب الفقيه الأزهري البارز د. نصر فريد واصل، عضو هيئة كبار العلماء، مفتي مصر الأسبق، بأعلى صوته كل عقلاء الأمة من العلماء والمفكرين وقادة الرأي بالعمل المخلص والجاد على تجاوز الخلافات والصراعات، ورفع شعار «إن هذه أمتكم أمة واحدة»، والعمل على إعادة تماسك الأمة وتوعية كل أبنائها بخطورة التحديات وما يحاك لهم من مؤامرات تستهدف وجودهم وليس ثرواتهم وعقيدتهم فحسب.
كما يرفض عالم الشريعة الكبير مشاجرات بعض المثقفين مع علماء الإسلام ويصفها ب «المشهد العبثي» الذي ينبغي أن يختفي من حياتنا.

الأمة في أشد الحاجة إلى وحدة الصف وجمع الكلمة

كيف ترون حال الأمة الإسلامية اليوم؟ وهل يقوم العلماء والدعاة بواجباتهم لجمع شمل المسلمين في ظل ما نراه من فرقة وخلافات وصراعات وحروب وإهدار للثروات هنا وهناك؟

للأسف.. الأمة تدمر طاقاتها وتضعف نفسها بأيدي أبنائها، فما نراه من خلافات وصراعات وحروب هنا وهناك أدى إلى إضعاف قوة المسلمين وكسر شوكتهم أمام أعدائهم بل وأمام أنفسهم، فالسلمون اليوم فقدوا الثقة في قدراتهم واستسلموا لحالة الضعف والهوان، وتلك مصيبة كبرى.

ولذلك نرى أن الأمة الإسلامية في أشد الحاجة الآن إلى وحدة الصف وجمع الكلمة تحت راية الإسلام، وبعيداً عن التحالفات الطائفية التي استشرت في جسد الأمة بعد أن استسلمنا لأعداء الدين والوطن وأصبحنا أداة في أيدي القوى المتآمرة على الإسلام والحاقدة على المسلمين.
وعلماء الأمة ودعاتها يتحملون عبء مواجهة هذا الواقع المتردي للأمة مع غيرهم من أصحاب القرار والرأي فواجبهم أن يواجهوا بجهد متميز حالة التشرذم والخلاف، وأن ينشروا الوعي بأهمية التضامن والوحدة في هذه الظروف الحرجة التي تمر بها الأمة، والتي تحولت إلى جماعات وطوائف متناحرة وطوائف متناحرة وأن يعلوا الشعار القرآني «إن هذه أمتكم أمة واحدة» في كل الأحوال.

تطاول على الإسلام

بعيداً عن الخلافات والصراعات السياسية والاقتصادية وحالة الفرقة والتشرذم بين أهل الحل والعقد في الشأن العام نرى مشاجرات فكرية وثقافية بين العلماء والمثقفين.. كيف ترى المشهد؟

– هذا مشهد عبثي مرفوض ويجب أن يختفي. فعلماء الإسلام لا يتشاجرون مع أحد، لكنهم يهبون للدفاع عن الإسلام وثوابته وقيمه وأخلاقه كما يرون إسفافاً وتطاولاً على الإسلام، وهناك فئة من المثقفين – أو بمعنى أصح مدعي الثقافة والفكر – تختلق الشجار وتريد أن تعيش دائماً في أجواء الخلاف والصراع مع العلماء، وهم في واقع الأمر من محدودي الفكر والثقافة ومعلوماتهم عن الإسلام وشريعته محدودة للغاية والأكرم لهم أن يصمتوا حرصاً على علاقتهم بدينهم وحرصاً على علاقتهم بالناس، لأن الشعوب العربية عموماً مرتبطة بدينها ولا تنجرف وراء دعاوى وأباطيل الجهلاء والمتطاولين.

وأنا هنا أطالب النخبة المثقفة بأن تتعامل مع الإسلام برؤية عصرية واعية شاملة، وأن ينظروا إليه على أنه عقيدة وشريعة، وأن الالتزام والترابط بينهما قائم ودائم في كل قضايا الحياة مع اختلاف الأزمان والأجناس واللسان والألوان بين الناس، حيث إنه عقيدة من دون شريعة، ولا شريعة من دون عقيدة في نظر الإسلام.
ومن هنا ينبغي أن يكون مستقراً في ضمير كل مسلم أن الإسلام جاء لتنظيم حياتنا كلها باعتباره «عقيدة وشريعة»، ولذلك لا يجوز لأحد أن يعزل الدين عن الحياة، ولا أن يردد المقولة الساذجة «لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين»، وقس على ذلك كل أمور الحياة، لأن من يعتقد هذا الفهم الخاطئ للدين يعزل العقيدة والشريعة عن الحياة، مع أن الارتباط بينهما كارتباط الروح بالجسد في الإنسان، حيث إنه لا غنى لأحدهما عن الآخر في حياة هذا الإنسان واستمرار وظيفته الإنسانية والبشرية في هذه الحياة، فالعقيدة مهمتها ربط الإنسان بخالقه بإيمان جازم يتعلق بوحدانية الله وعبادته، والشريعة هي المظهر العملي والجانب التطبيقي بين البشر في هذه الحياة.
لذلك فالمسلم الحق هو الذي يعيش حياته كلها وفقاً لمعطيات العقيدة وتعاليم الشريعة وعندما يعيش المسلمون جميعاً وفقاً لهذا المنهج الإلهي سوف ينصلح حالهم وترى الوحدة بينهم في أجمل وأبهى صورها.

معاملات أخلاقية

ارتبط الدين الإسلامي بالمعاملة.. كيف ترى معاملات المسلمين الاقتصادية الآن؟

للأسف، لا تزال معاملات المسلمين الاقتصادية خليطاً بين الحلال والحرام، فالمعاملات الربوية لا تزال هي المسيطرة على مجتمعات المسلمين إلا من رحم ربك، ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: (الدين المعاملة) فأين الدين في معظم تعاملات المسلمين اليوم؟

والمعاملة في الإسلام لا يراد بها جانب المعاملات فحسب، بل يقصد بها المعنى العام الذي يضمن كل معاملات الحياة من النواحي العقائدية والأخلاقية والقانونية إلى جانب المعاملات الاقتصادية ويدل على هذا المفهوم العام قوله تعالى: «وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً». حيث ربط سبحانه وتعالى بين الإيمان والعمل والعقيدة والعبادة والشريعة في إطار واحد متكامل.

التفقه في الدين

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين». هل ترى لهذا التوجيه النبوي الكريم أثراً في حياة المسلمين الآن؟

التفقه في أمور الدين لا يعني التخصص فيها، بل يعني معرفة كل مسلم أمور دينه حتى تكون قائدة وموجهة له.. ومن الأمور الثابتة والمؤكدة في الإسلام وشريعته وفقهه التشريعي أن فقه الدين يتطلب فقه الحياة بكل مقوماتها المادية والمعنوية، بما يحقق دوام هذه الحياة وكمال استخلاف الإنسان في الأرض واستخراج كل خيراتها وكنوزها لاستمرار العيش فيها والقدرة على تعميرها واستعمارها إلى ما شاء الله سبحانه وتعالى، وذلك لقوله تعالى: «هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها».

ولذلك كان الدين والدنيا في نظر الإسلام صنوين لا غنى لأحدهما عن الآخر بالنسبة للإنسان ووجوده في هذه الحياة واستمرار بقائه ودوامه فيها، فهما بالنسبة له (وجهان لعملة واحدة) أو كالروح مع الجسد بالنسبة للإنسان. وإذا كان الدين والدنيا متلازمين فواجب المسلم أن يجعل تعاليم الدين هي القائدة والموجهة له، وعندما يفعل ذلك تستقر حياته كلها.
لذلك نحن الآن في أمس الحاجة لمعرفة حقائق ديننا كما عرفها المسلمون الأوائل الذين أدركوا حقائق دينهم والتزموا بها في حياتهم، وكانوا بحق مسلمين يعيشون في تكامل واضح بين الدين والدنيا.

هل ترون أن البنوك الإسلامية نجحت في فرض رؤيتها في المعاملات المصرفية؟

إلى حد كبير، ولا شك أن التطبيق العملي يكشف عن أخطاء وتجاوزات لكنها والحمد لله كما يقول خبراء الاقتصاد وعلماء الشريعة الذين يتابعون أعمال ونشاطات هذه البنوك لا تزال بسيطة ويمكن تلافيها في المستقبل.

وأنا من خلالكم أقول لمن يعادون التوجه الإسلامي في الاقتصاد، وهم بالطبع لا يعترفون بنجاح البنوك الإسلامية: راجعوا أنفسكم وتسلحوا بالموضوعية لأن الإسلام يملك حلولاً لكل مصائب الأمة الاقتصادية، والربا أفسد حياة المسلمين، وتذكروا دائماً قول الحق سبحانه: «يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين. فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون».

المسلمون.. والفقر

رغم ما حبانا الله به من خيرات.. لا يزال معظم سكان العالم الإسلامي من الفقراء.. ترى ما أسباب ذلك؟

معظم خيرات الأمة – للأسف – مهدرة في الحروب واللهو والعبث، ونتيجة تراجع قيم العمل والإنتاج وجودته، وعدم التوزيع العادل للثروات والخيرات وليس عيباً أن يكون بين المسلمين فقراء ومحدودو دخل، فالفقر موجود في كل المجتمعات بل وفي مجتمعات كبيرة وقوية اقتصادياً نجد فقراء يبحثون عن قوت يومهم في صناديق القمامة.. لكن العيب أن يوجد الفقر ولا نتعامل معه وفق رؤى موضوعية وحلول عملية، وشريعتنا الإسلامية جاءت بحلول موضوعية وجادة لمشكلات الفقر والبطالة لكننا للأسف لا نطبقها.

هل يمكن أن ترشدنا إلى أبرز هذه الحلول؟

الإسلام حارب الفقر بوسائل عملية وليس بنظريات، وأغلق كل الأبواب المؤدية إليه وأكبرها الفساد، وتراجع العدالة الاجتماعية، وانعدام ظاهرة التكافؤ، وتدني مستوى الدخول للأغلبية بسبب تركز الثروات في أيدي القلة، وسوء توزيع الدخول، وحجم الأموال المنهوبة بسبب الفساد سنوياً والتي تكفي لتوفير فرص عمل جديدة، كما حارب الإسلام المحسوبية والوساطة التي تؤدي إلى إفقار الفئات التي لا تملكها.

ومن يتأمل تشريعات الإسلام سيجد فيها الزكاة والصدقات التطوعية والوقف الخيري وغير ذلك من العبادات الاقتصادية التي تحارب الفقر بصورة لا تتوافر لأي بيئة أخرى.. لكننا للأسف لا نطبق تشريعات الإسلام ونبحث عن حلول عند الآخرين.

من أين لك هذا؟ هل ترى أن شيوع الفساد في العديد من البلاد العربية والإسلامية قد ضاعف من مشكلات وأزمات الفقراء والعاطلين؟

طبعاً، لأن ما نهبه الفاسدون وأهدروه من المال العام في العديد من البلاد العربية كان يكفي لحل مشكلات الفقراء وتوفير فرص عمل للعاطلين، وهذا أمر يؤكده كل خبراء الاقتصاد في عالمنا العربي والإسلامي ففاتورة الفساد في بلاد المسلمين مزعجة للغاية.

وأن أطالب المسؤولين في بلادنا العربية بتطبيق المنهج الإسلامي في مكافحة الفساد، وهو منهج عادل لا يظلم ولا يتهاون مع فاسد، ويكفي أن تعلم أن الشريعة الإسلامية هي أول من رفع شعار: (من أين لك هذا؟) فمصادر دخل الإنسان لابد أن تكون معلومة ومشروعة، وعلى الفاسد أن يتحمل نتيجة إفساده، كما أن شريعتنا لا تعرف التصالح السلبي مع الفاسدين، ومن هنا لا يكفي أن يرد الفاسد ما نهبه.. بل يحاسب على ما اقترف من فساد حتى تحقق العقوبة أهدافها في الردع ويكون الفاسد عبرة لمن يعتبر.

المصدر: حوار الدكتور نصر فريد واصل لـ “الخليج”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky