أسبوع القدس العالمي يوم القدس العالمي

تصنيف العلاقات الدبلوماسية لدول العالم الإسلامي مع إسرائيل / السيد علي بطحائي

خاص الاجتهاد: قضية القدس “هي القضية المركزية للعالم الإسلامي.”في سياقِ إحياءِ فكرة تحرير القدس، تمَّ اعتماد نوعين من الاحتفاء في العالم الإسلامي حتى الآن:

الطريقة الأولى:يوم القدس العالمي“: هو اليوم الأخير من شهر رمضان، والذي أعلنه الإمام الخميني (قدس سره) يوماً رسمياً للتضامن مع الشعب الفلسطيني والعمل على قطع دابر الكيان الصهيوني.

الطريقة الثانية: “أسبوع القدس العالمي” (23-30 رجب المرجب): اقترح الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في السنوات الأخيرة اعتبار الأسبوع الأخير من شهر رجب أسبوعًا عالميًا للقدس، وذلك تخليداً لذكرى تحرير بيت المقدس على يد صلاح الدين الأيوبي في 27 رجب 583 هجري. وسنتناول في هذا السياق بعض النقاط حول هذا الأسبوع والرؤى المختلفة للعالم الإسلامي تجاه القضية الفلسطينية والمواجهة مع الكيان الصهيوني.

أولاً: ترتبط قضية تحرير القدس في العالم الإسلامي ارتباطًا وثيقًا بشخصية صلاح الدين الأيوبي(598). ويتجلى ذلك في الاحتفالات والمؤتمرات التي تُعقد في العالم الإسلامي والتي يرتبط الكثير منها بشخصية صلاح الدين بطريقة أو بأخرى. ففي نهاية عام 2020، عندما ظهرت بوادر التطبيع مع إسرائيل، نظم أردوغان مؤتمراً دولياً باسم صلاح الدين الأيوبي، في إشارة ضمنية للدول التي تسعى للتطبيع. وقد وصف نفسه بأنه “صلاح الدين الأيوبي المعاصر”، وهو لقب يلقى ترحيباً واسعاً بين سائرِ مُنقذي بيت المقدس في العالم الإسلامي. ومع ذلك، فقد انضم أردوغان لاحقاً إلى قائمة الدول التي لها علاقات مع إسرائيل، مما يجعل هذا اللقب يبدو متناقضاً مع أفعاله.

ثانيًا: تُعتبر طبيعة العلاقات بين الدول الإسلامية وإسرائيل مسألة معقدة ومتشعبة تستحق المزيد من الدراسة والتحليل. ففي حين ترفض الجمهورية الإسلامية الإيرانية على سبيل المثال الاعتراف بإسرائيل وتدعو إلى زوالها عبر استفتاء شعبي، تتبنى دول أخرى في العالم الإسلامي سياسات مختلفة تجاه هذه القضية. فقد تُعتبر تركيا أول دولة إسلامية تعترف بإسرائيل(1949)، ثمّ إنّ هذه العلاقات شهدت تقلّباتٍ بعد وصول الإسلاميين إلى السلطة. ففي الوقت الحالي، تمارس تركيا علاقاتٍ دبلوماسية مع إسرائيل، مع إطلاق تصريحاتٍ شديدة اللهجة ضدّ قادة إسرائيل. كما أنّ الزوّار الأتراك يتمتّعون بسهولة الوصول إلى القدس منذ فترة طويلة؛ ومع ذلك، فإنّ أحلام تحرير القدس لا تزال حاضرة بقوّة بين كبار المسؤولين الأتراك. وأخيرًا، حوّل أردوغان حلقة “التطبيع العبري العربي” إلى “تطبيع عبري عربي تركي”.

ثالثًا: كان الرئيس المصري أنور السادات أول رئيس دولة عربية – من أطراف الحرب بين العرب وإسرائيل – يقدم على توقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل، ويُقدم على الاعتراف بها، وكان ذلك عام 1978. إلا أن أعضاء “الجماعة الإسلامية” في مصر أظهروا غضبهم من هذا الإجراء، وقاموا باغتيال السادات بعد عامين، أثناء عرض عسكري.

كما أن الأزهر، الذي يتبع عادةً سياسات الحكومة المصرية، وباسم “المصلحة”، قام بإضفاء الشرعية على العلاقات مع إسرائيل، بتوقيع من شيخ الأزهر. أما موقف “جماعة الإخوان المسلمين” من إسرائيل فهو واضح تمامًا ولا يحتاج إلى توضيح. فعلى سبيل المثال، بينما كان الشيخ عبد العزيز بن باز يُجيز للحاكم المسلم إقامة علاقات مع إسرائيل، كان الشيخ يوسف القرضاوي يؤكد أن إسرائيل لا تفهم إلا لغة السلاح والقوة.

رابعا: تتميز إندونيسيا بنظرة فريدة للقضية الفلسطينية مقارنة بدول العالم الإسلامي الأخرى. ويمكن تفسير إقامة علاقات دبلوماسية بين أكبر دولة إسلامية في العالم وإسرائيل على ضوء التأويل الإندونيسي للإسلام، المعروف بالإسلام الوسطي أو الرحماني. إنّ تنامي التيارات التكفيرية في العالم الإسلامي، وخاصةً في فلسطين ولبنان، دفع “نهضة العلماء” الإندونيسية إلى التشكيك في جدوى هذه التيارات، وتبني نهجٍ مختلفٍ في التعامل مع إسرائيل، سعيًا منها إلى ترويج “الإسلام الرحماني” في العالم.

خامسًا: لا يزال شعور التضامن مع القدس حاضراً بقوة في المجتمع الكويتي. فقد انتشر في بداية عام 2021 صور تبين المسافات بين مختلف مناطق الكويت والقدس، مما يعكس عمق الارتباط الشعبي بهذه القضية. كما لا تربط الكويت علاقات رسمية مع إسرائيل، بل تعتبرها “أخطبوطًا بألف ذراع” يُلصق به المسؤولية عن المشاكل الرئيسية التي تواجه العالم الإسلامي. ومع ذلك، يجب أن ندرك أن الكويتيين، على الرغم من ارتباطهم العاطفي بالقدس، غير مستعدين لتحمل تكلفة سياسية باهظة، ولم تتخذ الحكومة الكويتية موقفًا جادًا تجاه القضية الفلسطينية.

سادسًا: تتسم مواقف مسلمي شبه القارة الهندية تجاه القضية الفلسطينية بالتنوع والتناقض. فمن جهة، نجد جماعات مثل التبليغ التي تتجنب الانخراط في السياسة، وتسمح لأعضائها بزيارة إسرائيل بحرية. ومن جهة أخرى، نجد التيارات الدينية الأخرى، مثل التيار الديوبندي، الذي يتخذ موقفاً معادياً لإسرائيل. وقد ساهمت الصراعات الداخلية في شبه القارة، مثل الصراع مع الهند حول كشمير، في تعزيز النزعة الجهادية لدى بعض فئات المسلمين، مما أدى إلى توجيه بوصلة الجهاد نحو إسرائيل. أما بالنسبة لباكستان، فلم تتبنَ موقفاً إيجابياً تجاه إسرائيل على الإطلاق.

سابعًا: التطبيع العربي – العبري: مرحلة جديدة من العلاقات مع إسرائيل في العالم الإسلامي. يمثل التطبيع العربي العبري، الذي تمثله دول الإمارات والبحرين والمغرب، مرحلة جديدة من العلاقات بين بعض الدول الإسلامية وإسرائيل. وقد لاقى هذا التطبيع استنكارًا واسعًا من مختلف الأوساط الإسلامية، حتى في أمريكا وكندا، التي اعتبرته خيانة للقضية الفلسطينية. إلا أن ما لم يُسلَّط عليه الضوء بشكل كافٍ، هو الفتاوى “المُيسِّرة” التي أصدرها بعضُ مُفتيي الإمارات، وارتباط المؤسسات الدينية في هذه الدول بالحكومات، ممّا سهَّل عملية التطبيع وخفَّف من تكلفتها السياسية.

ما تم ذكره آنفًا، هو مجرد لمحة عن طبيعة العلاقات بين العالم الإسلامي وإسرائيل، واقتُصِرَ على الحد الأدنى الضروري. أما مواقف الدول الأخرى، مثل سوريا والأردن وليبيا والسعودية وعمان والجزائر واليمن وغيرها، فيمكن تصنيفها ضمن الفئات المذكورة أعلاه. وتُعد الجزائر نموذجًا استثنائيًا يُحتذى به في التمسك بأهداف الشعب الفلسطيني.

 ختامًا: في ظلّ هذا المشهدِ المُشتَّتِ والمواقفِ المُتباينةِ في العالمِ الإسلامي تجاهَ إسرائيل، تمكّن الاتّحادُ العالميُّ لعلماءِ المُسلمين، الذي تأسَّسَ بِهمّةِ الشيخِ يوسف القرضاوي وآيةِ اللهِ واعظ زاده الخراساني وأحمد بن حمد الخليلي مفتي عام سلطنة عُمان، وبعدَ سنواتٍ من الجُهودِ المُتواصلةِ، من إعلانِ وتسجيلِ الأسبوعِ الأخيرِ من شهرِ رجب كأسبوعٍ عالميٍّ للقدس. لذا، من المناسب أن تقوم المنظمات ووسائل الإعلام والنخب الشيعية والإيرانية، بالتزامن مع الفعاليات في العالم الإسلامي، بدور فعّال في إحياء قضية تحرير القدس، وأن تتجنب اتخاذ سلوكيات تاريخية أو خلافات وحدوية مع “صلاح الدين الأيوبي” ذريعةً لتجنب الاهتمام بالأسبوع العالمي للقدس. وبالمشاركة الفعّالة في هذا المجال، يمكن تقليل الفجوة مع التطورات الثقافية والأحداث في العالم الإسلامي. 

 

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

Clicky