لا شك في ثبوت وأصالة “فكرة الوسطية” في الاسلام؛ كيف وأن القرآن والسنة صرحت بها ونصت عليها، لكن رغم كونها كلمة جذبت القلوب والافكار، ورغم صيرورتها شعارا يطلق دائما ومصطلحا يكرر كثيرا، غير أنها مبتلاه بأزمة في التطبيق (امكانية التطبيق ونوعية التطبيق وكيفيته)
انقاذ فكرة الوسطية”مقالة من الدكتور أحمد المبلغي
تعالوا نخرج فكرة الوسطية من الازمة التي وقعت فيها
بسم الله الرحمن الرحيم
▪ فكرة الوسطية أصيلة:
لا شك في ثبوت وأصالة “فكرة الوسطية” في الاسلام؛ كيف وأن القرآن والسنة صرحت بها ونصت عليها، وهو معلوم لا حاجة هنا الدخول في ذلك.
▪ فكرة الوسطية في أزمة:
إن فكرة الوسطية، رغم كونها كلمة جذبت القلوب والافكار، ورغم صيرورتها شعارا يطلق دائما ومصطلحا يكرر كثيرا، غير أنها مبتلاه بأزمة في التطبيق (امكانية التطبيق ونوعية التطبيق وكيفيته)، حيث:
• لا تستطيع هذه الفكرة أن تحل مشكلة من مشاكل التطرف على ارض الواقع بصورة جدية.
• الكثير منا رغم اننا نهتف شعار الوسطية نتطرف.
▪ الازمة التطبيقية لفكرة الوسطية منشأها وجود ازمة تنظيرية لها:
ان الوسطية في الواقع رغم ان الكثير يتصورون وضوحها وانكشاف أبعادها، فانها تكتنف بالغموض والابهام، والذي واضح منها لا يعدو عن مفاهيم لغوية لها اما لبها والمقصود الاصلي منها وابعادها و … فهي مستورة وغير منكشفة.
▪ تداعيات الازمة ونتائجها:
وقد آل هذا الغموض والابهام بهذه الفكرة الى أن تفقد حضورها في منظومة الفكر الاسلامي، وتضيع مكانتها في عملية الاستنباط الفقهي، ويضعف دورها في الحياة الاجتماعية للمسلمين. وهذه النتائج خطيرة جدا.
▪ نقطة الانطلاق للخروج عن الازمة:
وللخروج عن هذه الازمة، تكون نقطة الانطلاق هي طرح مجموعة من المباحث العميقة والجدية والجذرية حول موضوع الوسطية تهدف الى إزالة الابهام والغموض عنها.
▪ الوسطية وصف او معيار؟
ومن جملة هذه المباحث ما يتمحور حول السؤال التالي:
هل الوسطية وصف أو معيار او هي وصف من جهة ومعيار من جهة؟
الفرض الاول: انها وصف، فحينئذ فهل هي:
1. وصف للشريعة؛ بمعنى أن الشريعة الالهية متصفة بالوسطية؟ وعلى ذلك تكون النتيجة: ان الذي عليكم ليس أكثر وأزيد من العمل بالشريعة، وبهذا العمل تحقق الوسطية أتوماتيكيا، ووفقا لذلك فليس هناك مجال لان يتبنى المستنبط الوسطية كمعيار للانطلاق والاستنباط.
2. أو هي وصف للامة؛ بمعنى ان الامة الاسلامية تكون أمة وسطا؟ وهذا الثاني نفسه يندرج بالنسبة اليه احتمالان:
الاحتمال الاول: انه وصف للامة مطلقا؛ وهذا يعني ان الامة متصفة بالوسطية من دون اي قيد وعلى اي حال. وبطلان هذا واضح. فان الامة ليست حالاتها متساوية من حيث الوسطية، فقد تسودها التطرفية فاذا تطرفت او أصبح زمام امرها بيد المتطرفين فلا تعتبر امة وسطا.
الاحتمال الثاني: انها متصفة بالوسطية بصورة مقيدة، فيسأل حينئذ ما هذا القيد؟ وطبعا إذا اكتشفنا هذا القيد، فانه الذي متصف بالوسطية اولا، ومن ثم وبسببه تتصف بها الامة.
وحول هذا القيد افتراضان:
الافتراض الاول: أمكن القول بان القيد هو العمل بالشريعة، وعليه فالمتصف بالوسطية هو الشريعة اولا والامة التي تعمل بها ثانيا. ووفقا لذلك تكون الوسطية وصف لأمرين ولكن بصورة طولية. ولكن ما هو الطريق الى العمل بالشريعة وهل هناك طريق اليه غير الفقه، وعليه يرجع هذا الى الافتراض الثاني.
الافتراض الثاني: انه هو العمل بالفقه (الاحكام التي يفتي بها الفقيه بعنوان احكام الشريعة) وحينئذ يسأل: كيف يكون ذلك مع ان جملة من الفتاوى هي التي اوجدت التطرف؟! وهذا بحاجة الى بحوث ربما سندخل فيها لو تتسنى الفرصة انشاء الله.
الفرض الثاني: انها معيار من المعايير الشرعية:
اي انها قاعدة يجب على الفقيه ان ينطلق منها الى كشف الحكم الذي هو الضامن لتحقق الوسطية.
فحينئذ يسأل ما هو الدليل على ذلك؟ وما هي حدود هذه القاعدة لو ثبتت؟ وما هي صلتها بالقواعد الاخرى؟
الفرض الثالث: انها وصف ومعيار في نفس الوقت:
أي: انها وصف للشريعة او الامة او كلتيهما ومع ذلك تعد معيارا اعطتها الشريعة بيد الفقيه كي تكون استنباطاتها معتدلة.
▪ أهمية البحث المطروح اعلاه:
هذا البحث الذي طرحته هو مدخل مهم وبداية جدية لإعادة النظر وتجديد البحث حول الوسطية.
ولو اوفق انشاء الله فسأكتب في ذلك مطالب اخرى وكتتمة متابعة لهذا البحث انشاء الله.
المصدر: الدكتور أحمد المبلغي
تحميل المقال بصيغة WORD