الاجتهاد: من المعلوم أنّ مناسبة الغدير تُمَثِّل عيداً اسلامياً يتبادل فيه المسلمون التهاني والتبريكات لأداء التبليغ بالرسالة وإكمال الدين ويتعاهدون فيه الميثاق العظيم بولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام والأئمة الأطهار عليهم السلام ويُجددون ذلك بإيمان راسخ وعقيدة ثابتة؛
ولذا يختلف هذا العيد عن باقي الأعياد موضوعاً وحكماً؛ بلحاظ نظرته إلى إكمال الدين عامة مع تكليف الأمة بوصية ملزمة فيها الهدى والرشاد وفي خلافها الضلال والضياع، بخلاف باقي الأعياد التي تستتبع أداء حكم فرعي كالصيام والحج، والفارق بينهما عظيم.
إذن الغدير هو عيد تبليغ الرسالة وإكمال الدين واتمام النعمة ووضع الأمة على جادّة الصواب إلى قيام الساعة؛ حيث أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بتبليغ أمر عظيم فقال له :(( يَٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغۡ مَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَۖ وَإِن لَّمۡ تَفۡعَلۡ فَمَا بَلَّغۡتَ رِسَالَتَهُۥۚ وَٱللَّهُ يَعۡصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡكَٰفِرِينَ)) المائدة ٦٧/فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعدما سمع هذا التهديد الإلهي بجمع الصحابة وهم آلاف مؤلفة بعد حجة الوداع في موقع غدير خم لتبليغ رسالته بالولاية لأمير المؤمنين عليه السلام وتعيين المرجعية الهادية للأمة، فقال صلى الله عليه وآله وسلم بصريح العبارة وبنص متواتر تناقله المسلمون في صحاحهم وسننهم وتفاسيرهم وكتبهم التأريخية : (( إنّي تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي؛ أحدهما أعظم من الآخر؛ كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما)).
ولم يقتصر الأمر على هذا البيان الواضح، بل قام بتعيين الإسم بصريح العبارة، فقال صلى الله عليه وآله وسلم في خطابه : ((ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم، قالوا بلى يا رسول الله. فرفع يد علي بن أبي طالب عليه السلام وقال : (( مَنْ كنتُ مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره وأخذل من خذله وأدر الحق معه حيثما دار)).
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل جعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم مكانا خاصاً لأمير المؤمنين عليه السلام حتى يدخل عليه المسلمون بتهنئته ومباركته، وقد اشتهرت في ذلك مقولة أبي بكر وعمر بن الخطاب حيث قالا له : ((بخ بخ لك يا علي أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة)).
وأنشد حسان بن ثابت قصيدته العصماء في المناسبة :
يُناديهم يوم الغدير نبيهم ….. بخم وأسمع بالنبي مناديا
فقال له قُم يا علي فإنني….رضيتك من بعدي إماما وهاديا إلى آخر القصيدة.
فنزلت حينها الآية الكريمة :(( ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينٗاۚ )) المائدة / ٣.
ولا نطيل عليكم أحبتي فدلالة النصوص على الإمامة والخلافة والولاية بالتصرف واضحة لا غبار عليها، والأدلة والقرائن ثابتة عند المسلمين، فالولاية الممنوحة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم وللإمام علي عليه السلام واحدة في البُعْدين النظري والعملي إلا أن ولاية الرسول من موقع النبوة، وولاية أمير المؤمنين من موقع الإمامة.
ولذا نجدد عهدنا دائماً بهذه الولاية لأمير المؤمنين عليه السلام والأئمة الأطهار عليهم السلام، فهم سُبُل الهداية والنجاة، ونهنئ بهذه المناسبة العظيمة مولانا وقائدنا وإمامنا الحجة بن الحسن صلوات الله عليه وفقهاء آل محمد والموالين.
والحمد لله الذي جعلنا من المتمسكين بولاية أمير المؤمنين عليه السلام والأئمة الأطهار عليهم السلام، ونسأل الله تعالى تعجيل فرج مولانا صاحب العصر والزمان وأن يجعلنا من أنصاره وأعوانه والذابِّين عنه والمستشهدين بين يديه في جملة أوليائه إنه نعم المولى ونعم النصير.
بقلم: سماحة الأستاذ : السيد أبو الحسن حميد المقدس الغريفي