الاجتهاد: من السنن الإلهية الثابتة في عالمنا الدنيوي أنْ تنقسم فيه الشعوب على محورين رئيسين لا ثالث لهما وهو محور الخير الذي يُمَثِّلَه المؤمنون الصادقون الرافعون لراية الحق والعدل، والثاني هو محور الشَّر الذي يرفع راية الظلم والعدوان والاستكبار،
وأمَّا إعلان موقف الحياد فهو مُلْحَق بمحور الشر من حيث يعلم صاحبه أو لا يعلم؛ ولا تنفعه الذرائع الواهية والتأويلات الباطلة للتهرب من تحمل التكليف والمسؤولية إتجاه نصرة الحق والعدل وإنقاذ المستضعفين.
إذ إنَّ حدود المحورين واضحة لا لبس فيها ولا ريب.
ومن هنا ينبغي على الإنسان العاقل أنْ لا يقع في شباك وسائل الإعلام الكيدية والعملاء المرتزقة والمطبعين الخونة مع محور الشر الذين يُمَارسون التضليل والتجهيل وقلب الوقائع والحقائق بمعسول الكلام ورونقه وصرف الأموال لسلب العقول وحرف الإرادات عن مسارها الصحيح وشراء المواقف والذمم وايقاع الجهلاء والجبناء والخائنين والطامعين في شراك الاستضعاف والعبودية وفق سياسة الترغيب والترهيب والحيلة؛
ولذا كشف الله تعالى لنا في كثير من آياته عن أسلوب المكر والخديعة التي يمارسها الشيطان وأتباعه من الإنس المتشيطنين الذين يتكلمون بمنطق السفسطة والهرطقة تحت عناوين زائفة كنشر ثقافة الحياة ونبذ ثقافة الموت حتى يضمنوا استسلام وخنوع الإنسان حُبّاً في الحياة وما فيها وإن كان غارقاً بمستنقع الذلة والمهانة والانكسار والعبودية ليستمكن العدو ويتسلط على الحكم ومقدرات الحياة بمختلف الوسائل وإن كانت احتلالا واستعمارا بالقوة بزعم أنَّهم ينشرون الحرية والديمقراطية وثقافة الحياة، والتي تعني الاستسلام المطلق لإرادة المستكبرين، فقال تعالى : (وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعۡجِبُكَ قَوۡلُهُۥ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَيُشۡهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلۡبِهِۦ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلۡخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلۡأَرۡضِ لِيُفۡسِدَ فِيهَا وَيُهۡلِكَ ٱلۡحَرۡثَ وَٱلنَّسۡلَۚ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلۡفَسَادَ ) البقرة / ٢٠٤ – ٢٠٥.
ومن منطلق هذا الواقع المرير الثابت بالحس والوجدان والمكشوف لعامة الناس، نجد محور الشر الأمريكي والبريطاني والإسرائيلي والمتحالفين والمطبعين معهم اليوم يقطعون آلاف الكيلو مترات ويعبرون القارات مصطحبين معهم الأساطيل البحرية ومؤسسين لقواعد عسكرية ليُمَارسوا بحق الشعوب المستضعفة أبشع أنواع الكذب والخديعة والتضليل وارتكاب الجرائم المنظمة والمجازر المروعة وحروب الإبادة وعمليات التهجير القسري واحتلال البلدان ونهب الخيرات واغتيال القادة والعلماء والمقاومين الشرفاء وكل ذلك تحت راية نشر ثقافة حب الحياة،
فأيُّ أكذوبة وخديعة ومغالطة لهذه الثقافة وهم ينشرون الخوف والرعب والمجاعة والموت، ويعملون على تخريب كافة البنى التحتية والأبنية السكنية والمخيمات والمستشفيات والمدارس والمؤسسات الخدمية للماء والكهرباء والصرف الصحي وغيرها ويقتلون عشرات الآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ والعاجزين، ويُلاحقون المقاومين الشرفاء، الأحرار، الشجعان الذين يدافعون عن المقدسات والأعراض وأرض آبائهم وأجدادهم التي عمّروها بشكل متواصل وهي أرض الحياة إلا أنَّ محور الشر يحرقها ويقلبها إلى أرض الخراب والموت بكل وقاحة وبلا أدنى بُعُد إنساني.
ولمَّا يعمل المجاهدون على مقاومة قوى الظلام والاحتلال والاستعباد وجمع قواهم وترتيب صفوفهم وتوحيد ساحة مواجهتم تحت عنوان محور المقاومة وتوحيد الساحات الذي يُمَثّل عنصر الخير المستند إلى العدل والحقوق المشروعة في مواجهة التحديات والمخاطر والجرائم والتهجير وأعمال الإبادة والحرب الوجودية ببذلهم الغالي والنفيس من أجل حياة عزيزة كريمة تُحْتَرَم فيها الإنسانية والحقوق والعدالة، نجد أنَّ الذيول والأذناب والخونة يتبعون أسيادهم بقلب الحقائق والوقائع ليتهموا المجاهدين بأنهم ينشرون ثقافة الموت، وأن المحتل الطاغي المجرم القاتل الغاصب الغريب جاء لينشر ثقافة الحياة إلا أنَّها في الواقع مسلوبة الإرادة والحرية والسيادة والاستقلال والعزّة والكرامة، وهذه ثقافة العبيد وأراذل الناس الذين يعشقون الاستضعاف والاستسلام ويخضعون لارادة الإستكبار لكسب وِدِّهِم ورضاهم ما داموا على قيد الحياة حيث أنْ البُعد الإنساني فيهم لا قيمة له؛ ولذا صح فيهم القول أنهم احياء بلا حياة حيث لا قيمة لوجودهم وسلامهم وأمانهم وثقافتهم الانهزامية الاستسلامية التي لا تعبر عن الحياة،
بخلاف المؤمنين المجاهدين العاشقين للحياة الحرة الكريمة والعزيزة ذات الجذور الأصيلة والهوية الصالحة؛ ولذا لا يخشون الموت الكريم في سبيل نيل الحرية والعزة والكرامة ورفض الاستضعاف والاستسلام والإستعباد، وحياتهم باقية وإن ماتت أجسادهم لأنهم يمنحوها بإيمان ورضا وقناعة إلى أبنائهم وأجيالهم وشعوبهم لينعموا بحياة الأحرار الأسياد ويحفظوا هويتهم وانتماءهم وولائهم ومقدساتهم وأعراضهم وأرضهم وخيراتهم، وهذا نتاج حب المجاهدين للحياة بأسلوب عقلائي وشرعي؛ لأنه من صميم الفطرة الإنسانية والتشريعات الربّانية.
وعموماً فإنَّ الحديث طويل ولكنّ لابد من بيان موقفنا الرسالي الداعم وبكل قوة لمحور الخير الذي يمثله اليوم فصائل المقاومة في غزّة فلسطين ولبنان حزب الله ومن وافقها وأنصار الله في اليمن والحشد وفصائل المقاومة العراقية وعلى رأس هذا المحور الشريف جمهورية إيران الإسلامية التي منذ انطلاق ثورتها وهي تدعم المستضعفين وخصوصاً في فلسطين المحتلة التي تخلّى عن دعمها ومساندتها العرب والمسلمون، بل شكّل الكثير منهم جبهة إسناد ودعم لمحور الشر ضد محور الخير.
وهنا أخاطب العالم الحُر أجمع بضرورة الوقوف مع محور الخير ضد محور الشر الغازي لبلادنا والقاتل لرموزنا وقادتنا ومجاهدينا وعلمائنا وشعوبنا مع بيان الاستنكار والشجب لجرائمهم وابادتهم لشعب فلسطين وإلا فلا يسلمن أحد بعد استمكان الاحتلال الصهيو صليبي من السيطرة على بلادنا، فاعدوا ما استطعتم من قوة لمحاربة الغزاة المجرمين القتلة، ولات حين مناص، ولات ساعة مندم .
أبو الحسن حميد المُقَدَّس الغريفي
النجف الأشرف
٢٤ / محرم الحرام / ١٤٤٦ هجرية