المرأة-في-الفقه-الشيعي

المرأة في الفقه الشيعي / بقلم الدكتور حسن أنصاري

خاص الاجتهاد: قضية المرأة بحد ذاتها أصبحت إحدى القضايا التي يجب أن تدارس فيها مرة أخرى في المصادر الإسلامية و تقدم لها تفسير جديد يتماشى مع حقوق الإنسان. إحدى مشاكل الفقه الإسلامي هو التأثر بالأنظمة الديموقراطية التي بدورها كانت متأثرة بالعادات الاجتماعية المختلفة على مر التاريخ الإسلامي.

يجب أن لا تتم دراسة مكانة المرأة في المؤسسة العقائدية والحقوقية للشيعة ومكانتها الاجتماعية في المجتمعات الشيعية سواء كان في مسيرتها التاريخية أو وضعها الراهن إلا في الإطار العام لهذه المكانة في المنظومة الفكرية والحقوقية والدينية للدين الإسلامي ككل.

مع هذا هناك تمايزات و فروق واضحة في بعض من التفاصيل بين ما يسمى المنظومة الفكرية و الدينية الشيعية و ما كان و يكون سائرا اجتماعيا و عمليا في المجتمعات الشيعية مع سابقتها الإسلامية بشكل عام. ليست هذه الفروقات و التمايزات معتمدة و مبنية على القضايا اللاهوتية و الحقوقية فقط ؛ بل كانت السوابق التاريخية و الاجتماعية المختلفة مؤثرة جدا في هذا المجال .

خاصة إذا أخذنا هذه النقطة بعين الاعتبار أن الشيعة على الأقل منذ مئات السنين متمركزون بشكل كبير في إيران وعلى الأساس الثقافة والحضارة الايرانتين (حتى سوابقها قبل الإسلامية) بشكل عام كانت مؤثرة جدا في التشيع و مفاهيم ومعتقداته العقائدية و الحقوقية وتداعياته الاجتماعية السياسية؛ بينما يكون السواد الأعظم من المسلمين أي المذاهب والمدارس العقائدية المنتمية إلى أهل السنة والجماعة مقيمين غالبا في البلدان التي يتحدث سكانها باللغات العربية والتركية أو البلدان التي تقع في الشرق الأدنى بماليزيا و اندونيسيا ومن الطبيعي أن قضية مهمة كقضية المرأة و مكانتها الاجتماعية في المجتمع من شأنها أن تتأثر مباشرة بالعوامل البيئية والاجتماعية والسياسية و المعتقدات و التقاليد المحلية.

أحد من العوامل المؤثرة في هذا المجال هو حصة المعتقدات الدينية و الوطنية الشعبية والأدب الشعبي والمعارف المجتمعية لكل قوم وشعب ومنها الأدب الملحمي الوطني سواء كان نثرا أو نظما أو القصص الشعبية التي كان ويكون لها تأثير مباشر في السلوكيات وتكوين التقاليد على مر التاريخ.

لو بدأنا من الثقافة الدينية للمسلمين و نفس نصهم المقدس أي القرآن، لنؤكد على هذه النقطة دون أي ترديد أن المرأة من منظر القرآن مساوية و مماثلة مع الرجل على الأقل في علاقتها مع الله و التكاليف التي على عاتقها أمام الله . ليست حصة المرأة أقل من حصة الرجل في مجال التحلي بالإيمان بالله و طاعته أو ممارسة بعض من الطقوس الدينية كالصلاة .

إن المرأة قد خُلقت على فطرة الهية كالرجل وفق ما تم تأكيده في القرآن و إذا تنخدع حوّاء أمام إبليس كأولى إمرأة تكون في هذا المجال مساوية مع آدم أول بشر و ليست أكثر منه لا حصة لها في انخداع زوجها آدم فالمرأة ليست رمزا للخداع أو ” الذنب الأول ” أو ليست لها حصة أكثر.

إجماليا الصورة التي تعطيها النصوص الرئيسية الدينية في الإسلام عن المرأة هي صورة من الطهارة و النقاوة للمرأة يمكنها أن تنخدع للإبليس أو ترتكب المعصية متماثلة بالرجل و ليس أكثر منه . فيما يتعلق بالطقوس الدينية البحتة يتمتع كل من المرأة و الرجل بتكاليف متساوية. هذا الأمر يختلف في مجال الحقوق الاجتماعية و من وجهة نظر القرآن و التعاليم الإسلامية لا يحظي المرأة و الرجل بحقوق و تكاليف متماثلة تامة .

لكن هذه القضية تختلف من وجهة نظر كل من الشيعة و السنة نظرا للفروقات الموجودة في مجال التفسير و القضايا الفقهية و الحقوقية.

قضية المرأة في التشيع تحظي بأبعاد مختلفة : لا تستمر سلالة النبي (ص) إلا عبر بنته فاطمة. هي ليست بنت الرسول فقط بل من وجهة نظر الشيعة هي أم أئمة الشيعة و ناقلة تراث و سلالة النبي (ص) إلى أئمة الشيعة و كل ذريات النبي (ص) في الأجيال القادمة .

تتضاعف أهمية مكانة فاطمة (س) كزوجة علي بن أبي طالب (ع) صهر و ابن عم النبي (ص) و الإمام الأول للشيعة . ترسم في الروايات الشيعية احترام بالغ من جانب الرسول (ص) تجاه بنته و هذا الأمر لعب دورا بارزا في مكانة المرأة في السنة و الذاكرة الجماعية الشيعة .

تقدم فاطمة (س) في بعض الروايات الشيعية كناقلة نور النبي و روحه إلى ذرياته من الأئمة. هي تعتبر مفسرة للقرآن و يعتبر علمها متساويا مع علم الأئمة و تحظي بعلم رباني . ففاطمة كإمرأة لا مانع لها أن تكون في مكانة الأئمة الإلهية للشيعة ؛ الأئمة الذين لم تغمرهم الطهارة و النقاوة الإلهيتين و النور الأزلي فقط بل يُقدّمون كمعلمين للأمة الإسلامية و زعماء الهيين.

تكون فاطمة (س) في المجتمعات الشيعية حتى أيامنا هذه قدوة ؛ القدوة التي لا تُقدّم للنساء الشيعيات في مجال كسب العلم فقط بل تحظي مكانتها بالاهتمام كشخصية قامت بدور اجتماعي بعد وفاة النبي (ص) كمدافعة عن أحقية زوجها علي بن أبي طالب (ع) للخلافة المتنازع عليها .

كما تعرّف فاطمة كشخصية قام علي بن أبي طالب بكتابة تعاليمها في كتاب كي يكون دليلا لأئمة الشيعة . لايعطي اهل السنة كمدرسة متمايزة عن التشيع في الإسلام، هذه المكانة لأي إمرأة و هذا الأمر قد أثر على فكر السنة وسلوكها على مر التاريخ فيما يتعلق بقضية المرأة.

صحيح أن عائشة زوجة النبي (ص) و بنت الخليفة الأول تحظي بإعجاب بالغ بين أهل السنة على عكس الشيعة و لها مكانة مهمة بين أبناء هذا المذهب ويعتبرونها راوية ومصدرا للشريعة والفقه لكن مكانتها لن تبلغ المكانة التي بلغتها فاطمة. كما لزينب بنت فاطمة مكانة مهمة للغاية في الشيعة. كانت حاضرة مع حسين بن علي (ع) بحادثة كربلاء و لها دور كبير في التفكر الملحمي الشيعي و المعتقدات المذهبية الشيعية.

يحظي مدفنها بدمشق باحترام بالغ من جانب الشيعة. بعد مأساة مقتل شقيقها حسين بن علي الإمام الثالث للشيعة على يد الدولة الأموية كان لزينب دور هام في مجال الحفاظ على آل النبي و تبليغ الرسالة السياسية و الدينية لنهضة أخيها .

تحظي عدة نساء أخرى بين آل النبي باهتمام بين الشيعة و يُمثّلن مكانة المرأة و أهميتها في الفكر الشيعي. من بين هؤلاء ينبغي أن نشير إلى فاطمة المعصومة بنت الإمام السابع موسى بن جعفر التي وفّر مدفنها بقم سببا لإنشاء هذه المدينة كأحد أهم المراكز الرئيسية للتشيع على مر التاريخ و المركزية الحالية للمرجعية الشيعية .

حتى في حكومة الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تشكل قوانين الشريعة أساسا للدستور، هذه الصورة يعني الصورة التي ترسخت في السنة الشيعية عن فاطمة و زينب رغم التأكيد الذي يتم على محافظة على الحجاب كقانون ملزم التنفيذ لجميع النساء و كقانون للشريعة أدى إلى أن يتم التأكيد على الدور الاجتماعي و السياسي للنساء منذ بداية الثورة الإسلامية و يفسر هذا الأمر في إطار التأسي على فاطمة و زينب ( عليهما السلام ) .

هذا الأمر مهّد الطريق أمام تواجد النساء في المجتمع الإيراني كبلاد ذات غالبية شيعية. هذا التواجد لم يكن محصورا فقط في المجالات السياسية و الاجتماعية فقط بل كان في الجامعات و المراكز التعليمية أيضا لحد ما مشاركة النساء في هذه الشؤون كميا غير قابل للمقارنة مع معظم البلدان الإسلامية بل و حتى مع إبان الحكومة البهلوية الإيرانية التي كان يتم تأكيد آنذاك على حرية النساء كإنجاز للتجدد كثيرا . هذا الأمر كان له تداعياته الخاصة في الإيران الشيعية مقارنة بمعظم البلدان الإسلامية الأخرى غير الشيعية . كانت للنساء خلال السنوات 35 الماضية مطالبات متزايدة .

سجّل معدل التعليم العام بين المجتمع النسائي نموا مطردا و قد وفر معه المجال لتعرف النساء على الحداثة و العناصر المختلفة للتجدد . اليوم قد تحولت مطالبات النساء نفسها إلى مطالبة مدنية. تواجد النساء في مجال الانتخابات والمناصب الحكومية و المؤسسات المنتخبة كمجلس الشورى الإسلامي و مجالس البلديات و أيضا مشاركة النساء في مناصب الوزارة و أعضاء مجلس الوزراء للحكومات المختلفة بعض من نماذج يمكن أن يشار إليها في هذا المجال . مع هذا لا ينحصر تداعيات هذا التصور إلى المرأة بهذه الأمور

هناك مشاركة فعالة للنساء في المطبوعات و وسائل الإعلام و تسجل المطالبات ذات محورية النساء نموا مطردا كالماضي خاصة عبر الجمعيات غير الحكومية و وسائل الإعلام . كل هذه النشاطات كانت سببا لتلطيف كثير من القوانين تجاه النساء ؛ في قضايا كالزواج و الطلاق و قضية الإرث و القضايا الجزائية الخاصة للنساء و سائر القضايا التي كان يحكم نظام سلطة الأب أحيانا في تفسير الشريعة بين الرجل و المرأة.

أحد الأسباب المؤثرة لتغيير النظرات إزاء النساء في الأنظمة الحقوقية هي أن كثيرا من النساء في المجتمع الإيراني بعد الثورة في إطار التأسي بمكانة فاطمة و زينب في الفكر الشيعي أقبلن على الدراسات الدينية بالمراكز التعليمية في مدن قم و طهران و المدن الأخرى .

سنة القيام بالدراسات الدينية من جانب السيدات بين المسلمين لها سابق قديم جدا لكن هذا الأمر تبلور في التشيع كنموذج للتأسي بمكانة فاطمة كمعلمة أيضا. كانت نساء عديدة و مازلن يحاولن في إيران في مجال حل كثير من المشاكل الحقوقية المتعلقة بالنساء في القوانين الرسمية لحكومة الجمهورية الإسلامية التي معتمدة على الشريعة. في هذا المجال التجدد الديني الذي سجل نموا زائدا في السنوات الأخيرة يتطرق إلى قضية المرأة كمطالبة مهمة للتغيير في الأنظمة الفقهية.

لهذا قضية المرأة بحد ذاتها أصبحت إحدى القضايا التي يجب أن تدارس فيها مرة أخرى في المصادر الإسلامية و تقدم لها تفسير جديد يتماشى مع حقوق الإنسان. إحدى مشاكل الفقه الإسلامي هو التأثر بالأنظمة الديموقراطية التي بدورها كانت متأثرة بالعادات الاجتماعية المختلفة على مر التاريخ الإسلامي.

حاليا تقديم تفسير جديد عن حقوق النساء و كثير من القضايا المتعلقة بالمرأة أيضا قد أصبح بحد ذاته تحديا مهما أمام المطالبين بالتجدد في الدين؛ خاصة يبدو أن النزعات السلفية و التقليدية الإسلامية ركزت معظم ضغوطها على فرض أفكارها بشأن قضية المرأة في المجتمعات الإسلامية.

هناك امتياز ذاتي للفكر الشيعي لأنه يرى أن الاجتهاد و التجديد في الفتاوى الشرعية أمر مستمر و متواصل يجب على الفقهاء أن يواصلوه في كل العصور و لأنه يناهض السلفية مبدئيا التي نمت بشكل متزايد مع الأسف في البلاد الإسلامية السنية .

هذا الامتياز الذي يحظي به الفكر الشيعي يوفر مجالا لمراجعة مكانة المرأة و حقوق السيدات في الفقه الإسلامي. بينما بين فقهاء الشيعة منهم يواجهون هذه القضية بالتحفظ لكن كثيرين منهم أيضا تطرقوا إلى قضية المرأة كتحد مهم في تفسير الشريعة و تحديثها لأجل الحفاظ على حقوق النساء و تغيير القوانين الشرعية الخاصة بالنساء .

كان مرتضى مطهري كأحد مفكري الجمهورية الإسلامية يكرس قسما من نشاطاته الدينية لقضية المرأة و منها قضية الحجاب الذي كان للمطهري آراء جديدة فيها .
في قضية إرث النساء كما نعلم هي إحدى حالات عدم المساواة بين النساء و الرجال في الشريعة الإسلامية. بذلت جهود في السنوات الأخيرة في إيران لرفع القيود الحقوقية .

لهذه القضية جذور في التعاليم الأولية الشيعية أيضا . نظرا لمكانة فاطمة في نقل تراث أبيها سيدنا محمد (ص) بعض من قوانين الإرث خلافا للفقه السني الذي أكثر انحيازا للرجال بالنسبة للفقه الشيعي إذن في قضية الإرث كفة الميزان منحازة للنساء إلى حد ما . يرى الفقه الشيعي أن أحد امتيازاته أمام الفقه السني في اعتقاده أن الاجتهاد الحديث و الجديد ممكن في الفقه .

لو يريد فقهاء الشيعة تنفيذ رؤيتهم هذه في قضية المرأة في أي مكان هناك حالات كثيرة بعد في الفقه الإسلامي في مجال قضية المرأة تحتاج إلى مراجعة و مدراسة جديدة ؛ الضرورة التي تعتبر أحد محكات رئيسية و تحديات أساسية لتقابل هاتين الفكرتين أحدهما القراءة التجددية عن الإسلام التي يعوزها المسلمون أكثر من أي وقت لمواجهة التطرف و من جانب آخر القراءة الأصولية و الرجعية عن الإسلام.

 

الدكتور حسن أنصاري: باحثٌ معروف، متخصِّص في علم الكلام والفلسفة الإسلاميّة. ومن الشخصيات البارز في مجال نقد النسخ والمخطوطات والكتب القديمة. أحد أساتذة جامعة برلين في ألمانيا، وعضو الملتقى الدولي حول تاريخ العلوم والفلسفة في باريس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky