الاجتهاد: في كتابه الحدائق حاول الشيخ يوسف البحراني رحمه الله فض النزاع ـ من الخارج ـ بين الأخباريين والأصوليين، بعد ما رأى أن الإعراض عن الخوض فيه أولى،ثم يبدو أنه وضع منهجه في الحدائق على هذا الأساس،وقد أفلح فيه،ولعل هذا ـ بالاضافة إلى قوته العلمية وتتبعه الروائي ـ جعل كتاب الحدائق حاضرا بقوة في الحوزات العلمية ـ الأصولية ـ ولا يستغني عنه الفقهاء عادة، إما بالتأييد أو النقد. بقلم: الشيخ فوزي السيف
يتفاوت الناس ـ والعلماء ـ في تعاملهم مع نقاط الاختلاف، فبينما تجد البعض منهم يقوم بتضخيم الخلاف، ويجعل من كسر الخصم ـ بالتالي ـ رسالته في الحياة، ولا ينظر له إلا بعين اختلافه معه، بل يحول المسألة ـ أو المسائل ـ العلمية المختلف فيها، إلى اختلاف اجتماعي وفرز جماهيري، فهؤلاء هم أتباع صاحب النظرية الأولى وأولئك هم أتباع صاحب النظرية الثانية ..
ويتصاعد الأمر حين ترتبط العلاقات بين تلك الفئات الاجتماعية بالخلاف العلمي بين أصحاب النظريات، فتغدو علاقات الزواج، والرحم، والصداقة أسيرة اشتداد أو ضعف الخلاف العلمي !
ولقد شهدنا في عصرنا كيف أن الخلافات المذهبية بين المنتمين إلى مذاهب اسلامية مختلفة تؤثر في العلاقات والروابط، بل الخلافات الفقهية في داخل المذهب الواحد كيف تقسم الأسرة والقبيلة ..
وتجد البعض الآخر من العلماء الربانيين الواعين، ممن يجعلون الخلاف العلمي في إطاره المدرسي، بل يسعون لتحريرذلك الخلاف وتحديده ضمن حدوده الحقيقية. والتفتيش عن نقاط الاشتراك والوفاق للبناء عليها .بالرغم من قلة هؤلاء وكثرة أولئك ، لسهولة الطريق الأول وانسجامه مع الحالات النفسية والمصالح الشخصية وصعوبة الثاني واقتضائه التخلي عن كثير من الدوافع الذاتية ، والتفتيش عن الأنصار .
من طليعة القلة القليلة الثانية كان المحدث والمحقق الشيخ يوسف آل عصفور البحراني، الذي كان بحقٍ جامعَ الأصوليين والأخباريين.
ولكي نكون في جو ما قام به المحقق البحراني، صاحب الحدائق الناضرة، ينبغي أن نلقي نظرة تاريخية خاطفة على المدرستين: الأصولية والأخبارية في الفقه الشيعي الإمامي .
كان شيعة أهل البيت عليهم السلام في عصر حضور الأئمة يعتمدون على ما يصلهم من خلال وكلائهم ورواتهم من الروايات والأخبار في حل مسائل العقيدة والفقه ، ولم يكن هناك حاجة أساسية إلى الاجتهاد ، إلا بمقدار ما يتم من خلاله تطبيق القواعد العامة على مواردها ومصاديقها ، إن كان هذا يسمى اجتهادا .. أو في بعض الحالات لحل ما يتراءى ظاهرا من المعارضة بين الروايات المتوفرة بين أيدي الرواة ، والتي يذكرها الفقهاء المعاصرون في باب التعادل والترجيح ..
ومع زمان غيبة الامام المهدي عجل الله فرجه ، برزت الحاجة ملحة لتدوين الروايات وجمعها كي يتم الرجوع إليها ، فكانت المدونات الحديثية الكبرى، كالكافي للشيخ الكليني ، وفقيه من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ، وفيما بعد تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي ..
وبعد هذه الفترة يمكن القول أنه نشط التوجه الاجتهادي في الوسط العلمي الشيعي، فكان الكثير من علماء هذه الفترة يحسبون عليه، ويعدون من( الأصوليين) كالشيخ المفيد، وتلميذه الشريف المرتضى، وشيخ الطائفة الطوسي، ومن جاء بعده كسلاّر وابن ادريس، فضلا عمن تأخر عن هؤلاء كالمحقق الحلي، والعلامة، والشهيدين والمحقق الثاني الكركي .. واستمر هذا التوجه في النمو والازدياد .. وسيأتي بعض وجوه الفرق بين المدرستين الفقهيتين.
في الجهة الأخرى يمكن تصنيف أصحاب المدونات الحديثية الأساسية كالكليني والصدوق على( المدرسة الأخبارية أو مدرسة المحدثين )، ثم نرى تراجعا في هذه الجهة إلى أيام والفيض الكاشاني صاحب الوافي وغيره ( توفي سنة 1094 هـ ) والعلامة المجلسي صاحب البحار( توفي سنة 1111هـ) حيث عاد شيء من الألق إلى هذه المدرسة وشهدت الساحة العلمية الشيعية علماء كبارا ينافحون عن هذا التوجه ، كالحر العاملي صاحب الوسائل ( توفي 1104 هـ) ، وقبلهم الشيخ محمد أمين الاسترابادي ( توفي سنة 1033 هـ )
والذي بعث الحياة من جديد في التوجه الأخباري ، وأعطى له زخما كبيرا ، وأدخل المدرستين في مواجهة واضحة .. فقد ألف كتاب ( الفوائد المدنية ) وشنع فيها على المجتهدين الأصوليين في ما قاله من عملهم بالاجتهاد وهو ـ كما يرى ـ العمل بالرأي والقياس ، وتقديمهم العقل على النص ، واستيراد علم الأصول من علماء السنة إلى الحالة الشيعية ، وتربيع أقسام الحديث ـ كما صنع ذلك العلامة ـ مع أنه يفترض أن يتعاملوا مع الأحاديث المدونة في موسوعات الفقه معاملة الصحيح ..
وكما تصدى الاسترابادي بقوة لنقد منهج المجتهدين ، فقد واجهه بحزم أكبر الوحيد البهبهاني ( توفي 1208 هـ) واستطاع أن يتغلب على فكرته ، وكانت تلك المواجهة النظرية ، وما تلاها من تأليفات تبناها تلامذة الوحيد البهبهاني بداية الانسحاب الكبير الذي طرأ على المدرسة الأخبارية ، التي وإن استمرت ممثلة في بعض الفقهاء العظام كالشيخ يوسف البحراني وبعض أساتذته إلا أنها اقتربت ـ ممثلة فيه ـ من المدرسة الأصولية ، وفقدت زخم المواجهة الذي كان قد بثه فيها المحدث الاسترابادي …
لقد كان منهج الشيخ يوسف بن الشيخ أحمد آل عصفور المعروف بالمحدث البحراني منهج المصالحة بين المدرستين، ورفع الحواجز بين التوجهين، وقد استمر هذا التوجه إلى حد أنك لا تستطيع أن تميز بين محدث أخباري وبين مجتهد أصولي ، كما أشار إلى ذلك بعض فقهائنا المعاصرين[1].
الفروق المتصورة بين المدرستين: الأصولية والأخبارية :
لقد تحدث المحدث الشيخ يوسف البحراني في مقدمات كتابه : الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة عن جهات الاختلاف بين المدرستين ، وحاول في آخر الأمر أن يجمع بينهما ، ونحن هنا نشير إلى القارئ العزيز حول تلك الفروق ، مع أنه لا تنضبط هذه الفروق بشكل دقيق نظرا لوجود آراء لعلماء في كل مدرسة قد تتطرف يمينا وشمالا.. ، حتى لقد أنهاها بعض علماء المحدثين كما في المقدمة الثانية عشر من الجزء الأول للحدائق إلى ما يزيد عن أربعين فرقا ، لكن كلامنا هو في المحصلة العامة ..
1/ النظرة إلى الإجتهاد : يرى المحدثون الأخباريون أن الإجتهاد ـ وهو العمل بالرأي والاستنباط من خلال القياس غير الجائز لأن دين الله لا يصاب بالعقول ـ ليس جائزا ، بل إنه وافد من مدرسة الخلفاء إلى مدرسة أهل البيت عليهم السلام ، وأن دور الفقيه بعد فهم أخبار أهل البيت هو تيسير وصول عامة الناس إليها .. والعمل بتلك الأخبار .
بينما يرى الأصوليون المجتهدون أن الإجتهاد لا يعني ما تقدم ، فإنه مرفوض وإنما هو استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها ، ومن جملة تلك الأدلة أخبار أهل البيت عليهم السلام ، وحيث أن العامة لا سبيل لهم إلى معرفة تلك الأخبار والنظر في أسانيدها وتعارضها وطرق الجمع بينها ، كان لابد من قيام المتخصصين العالمين بهذا واستنباط الأحكام من خلال تلك العملية ..
2/ النظرة إلى الأخبار والأحاديث : يرى المحدثون الأخباريون أن ما جاء في الكتب الأربعة ( الكافي ، ومن لا يحضره الفقيه ، وتهذيب الأحكام ، والاستبصار ) قطعي السند ، أو على الأقل موثوق بصدوره ، وبناء على هذا فلا معنى للبحث في علم الرجال ، ويرتبون بعض المقدمات التي تفيد هذه النتيجة من جهد العلماء والرواة وسعيهم الدؤوب في جمع الأحاديث وتهذيبها والحفاظ عليها ، وقد أشار إلى ذلك تفصيلا الحر العاملي في الجزء الأخير من كتابه وسائل الشيعة في الفائدة السادسة والتاسعة ..
وإذا كانت كذلك فلا معنى أيضا لتقسيمها إلى أقسام أربعة (صحيح وحسن وموثق وضعيف) كالذي فعله العلامة الحلي واستاذه .
بينما يخالف الأصوليون في ما تقدم ، فلا يرون قطعية الصدور في أخبار الكتب الأربعة ، وأنها بالتالي فيها الصحيح وفيها غير الصحيح ، ولأجل أن يفتي الفقيه معتمدا على حجة شرعية فلا بد من البحث في سند تلك الأحاديث ..
3/ النظر إلى أدلة الفقه : يرى المحدثون الأخباريون أن الأدلة والحجج الشرعية على المكلف ليست سوى : القرآن والسنة أي الأخبار ، وحيث أن القرآن لا يُفهم إلا من خلال أخبار أهل البيت عليهم السلام فانحصر الطريق الشرعي والدليل على الأحكام في الأخبار ..وأما الاجماع فلا قيمة له ما لم يكن معبرا عن قول المعصوم عليه السلام فينتهي بالتالي إلى الخبر والرواية .. والعقل أيضا لا يتقدم على النص في مواضع التعارض ، بل النص مقدم عليه ، وفي مواضع التوافق يكون المرجع النص كذلك ، فانتهى سبيل الأدلة إلى دليل واحد في حقيقة الأمر وهو الأخبار. وربما لوجود هذا التركيز على أخبار المعصومين ، غلبت عليهم التسمية بالأخباريين .
بينما يرى المجتهدون الأصوليون بأن كل دليل من الأدلة الأربعة قائم بنفسه ، فالقرآن الذي خوطب به عامة الناس ونُزل هدى للناس ، ظواهر ألفاظه حجة ، وهكذا العقل فإن بحوث الاستلزامات العقلية يمكن أن تشكل دليلا على ما تنتهي إليه ، وكذا الاجماع ـ مع فرض تحققه ـ هو دليل مستقل . هذا بالاضافة إلى الأحاديث وأخبار المعصومين .
4/ النظر إلى مسائل وقواعد فقهية : يرى المحدثون الأخباريون أنه لما كان الفقيه لا يقوم بشيء سوى توضيح وتيسير الخبر عن المعصوم ، وليس لرأيه ـ واجتهاده ـ قيمة كبرى، فإن هذا لا يختلف بين كون الفقيه حيا، أو ميتا .. إذ لا يعتمد على رأيه حتى يقال أن الميت لا رأي له .. وإنما يقوم بالتوضيح والإيصال للحديث .. ولهذا فإنه يرون جواز تقليد الميت ابتداء حيث أنه بشرحه للحديث ـ في كتبه ـ يستطيع ايصاله للمكلفين فلا فرق هنا بينه وبين الحي .
كما يرون أن الموقف الشرعي في مقابل الشبهات التحريمية ، وهي ما احتمل فيها الحرمة أو الإباحة ، هو الاحتياط ومقتضاه الاجتناب حتى مع عدم وجود علم إجمالي .وهذا ما يصلحون عليه بتثليث الأشياء والوقائع ، ( فحلال بيِّنٌ وحرام بين ، وشبهات بين ذلك ) وفي هذه الأخيرة ينبغي الاحتياط ..بينما رأى المجتهدون فيها البراءة وجواز الارتكاب ..
المحدث الجامع للمدرستين :
في كتابه الحدائق حاول المحدث البحراني رحمه الله فض النزاع ـ من الخارج ـ بين الأخباريين والأصوليين ، بعد ما رأى أن الإعراض عن الخوض فيه أولى ، ثم يبدو أنه وضع منهجه في الحدائق على هذا الأساس ، وقد أفلح فيه ، ولعل هذا ـ بالاضافة إلى قوته العلمية وتتبعه الروائي ـ جعل كتاب الحدائق حاضرا بقوة في الحوزات العلمية ـ الأصولية ـ ولا يستغني عنه الفقهاء عادة ، إما بالتأييد أو النقد ، فلم يكن رأي صاحب الحدائق بالرأي الذي يسكت عنه أو يعرض عنه !
وكان من الممكن أن يتعمق الصراع إلى حد الانفصال الحقيقي بين المدرستين ، والانقطاع عن بعضهما البعض ، إلا أن المحقق البحراني رحمه الله وضع كتابه الحدائق بنحو يختصر فيه المسافة بين المدرستين ، ويجسّر العلاقة بين الاتجاهين الفقهيين ، وكان قويا في حجته ومستوعبا في تتبعه ، الأمر الذي جعل المدرستين متآخيتين في الاستدلال ، وإن اختلفتا في الاختيارات .. وقد وجدنا تأثيرا مهما لصاحب الحدائق في عدد من المجتهدين الأصوليين المتأخرين بعده، وهذا يحتاج إلى بحث خاص وتتبع .
كما أنه حاول أن يستحضر مشتركات المدرستين الأساسية ، ويعوم الاختلافات إلى حد أنه يجعلها مثل اختلافات علماء كل مدرسة ، بل احيانا حتى تعدد آراء العالم نفسه بحسب كتبه وفترته الزمنية .
قال [2]: كنت في أول الأمر ممن ينتصر لمذهب الأخباريين ، وقد أكثرت البحث فيه مع بعض المجتهدين من مشايخنا المعاصرين ، وأودعت كتابي الموسوم بالمسائل الشيرازية مقالة مبسوطة مشتملة على جملة من الأبحاث الشافية والأخبار الكافية تدل على ذلك وتؤيد ما هنالك . إلا أن الذي ظهر لي بعد اعطاء التأمل حقه في المقام وامعان النظر في كلام علمائنا الأعلام هو اغماض النظر عن هذا الباب وارخاء الستر دونه والحجاب ، وإن كان قد فتحه أقوام وأوسعوا فيه دائرة النقض والابرام .
( أما أولا ) فلاستلزامه القدح في علماء الطرفين والازراء بفضلاء الجانبين كما قد طعن به كل من علماء الطرفين على الآخر ، بل ربما انجر القدح في الدين سيما من الخصوم المعاندين ، كما شنع به عليهم الشيعة من انقسام مذهبهم إلى المذاهب الأربعة ، بل شنع به كل منهم على الآخر أيضا .
( وأما ثانيا ) فلأن ما ذكروه في وجوه الفرق بينهما جله بل كله عند التأمل لا يثمر فرقا في المقام )..
ثم شرع في توجيه نقاط الاجتماع وكيف أن ما ذكر من الفروق ليس عاما ، فأنت تجد الشيخ الصدوق وهو معدود في طليعة الأخباريين يوافق الأصوليين في تثنية المسائل ، بينما ثلّث الشيخان المفيد والطوسي ـ وهما من فقهاء المجتهدين ـ المسائل مثلما ذهب إليه الأخباريون .. وهكذا.
المحقق البحراني والهمة العالية :
الذي ينظر إلى حياة الشيخ يوسف بدقة ، يرى أنه حجة على غيره من أهل العلم ، فالظروف التي مر بها لو مر بها غيره من ذوي الهمم الفاترة ، لكان في زوايا الهموم نسيا منسيا ، بينما لم تمنعه تلك الأحوال الصعبة
[3] والظروف السيئة عن التأليف لمجموعة كبيرة ومهمة من الكتب المفيدة، كان أبرزها كتاب الحدائق الناضرة، ويتعجب المتأمل من هذا العزم، والتركيز الذي حظي به، مع كل تلك الهجرات، والسفرات، والخوف والجوع ونقص الأموال،والتهديد بالقتل!
فمنذ بعد بلوغه الخامسة بدأت الحروب بين القبائل المتنازعة في البحرين ، والتي لم تهدأ حتى قام العمانيون بالهجوم على البحرين ، وقد تعاضد الطمع وحب الاستحواذ والاحتلال مع توجهات طائفية للمهاجمين حيث كان ينتمون إلى مذهب الخوارج ، فاحتلت البحرين بعد معارك سفكت فيها الدماء ، وسلبت الأموال ، وأحرقت المساكن واضطر وجهاء البلد إلى الهجرة عنها بعيالهم ، وكان والد الشيخ يوسف من جملة من جلا عنها إلى القطيف ، بينما أبقى ابنه في البحرين لحراسة البيت والمحافظة على الكتب ..وكان يرسل الكتب إليه بالتدريج في ظروف صعبة .
حاول والده الشيخ أحمد العودة بأهله إلى البحرين غير أن تجدد المشاكل فيها والتي جرت إلى إحراق منزله وما كان فيه ، جعله يمرض ويموت الوالد بعد شهرين .. موصيا إياه أن لا يترك أهله .
فبقي في القطيف سنتين درس فيها على يد الشيخ حسين الماحوزي واستفاد منه ، وبعد هدوء الوضع في البحرين رجع إليها وبقي فيها خمس سنين يدرس لدي الشيخ البلادي .
* سافر بعد ذلك إلى شيراز حيث أكرمه حاكمها ، وأقام عنده صلاة الجمعة وكان يفتي ويرشد إلى أن اضطربت الأمور فسافر منها إلى بعض أطرافها ( فسا ) واشتغل بتأليف الحدائق وكان يعمل في الزراعة بيده ، ثم حصلت اضطرابات هناك بثورة بعض أشرارها هناك ، وكانت النتيجة الهجوم على بيت الشيخ البحراني وإتلاف أمواله ومنها كتبه ، حيث قال:
وأعظم حسرة أضنت فؤادي تفرق ما بملكي من كتاب .
لقد ضاقت علي الأرض طرا وسد علي منها كل باب
طوتني النائبات وكنت نارا على علم بها طي الكتاب
والذي سلم كان ما بدأه في الحدائق ..فانتقل منها إلى اصطهبانات ..فلم يطب له المقام فيها ، فهاجر إلى كربلاء ( حوالي 1169 هـ ) حيث استقر بجوار الإمام الحسين عليه السلام ، وأكمل تأليف الحدائق وغيرها من الكتب النافعة .
تلامذة وتأليفات الشيخ يوسف البحراني :
كربلاء التي نزلها المحدث البحراني كانت تشهد نهضة علمية كبرى ، بحضور الفقيه المجدد محمد باقر المعروف بالوحيد البهبهاني ، والذي التف حوله مجموعة طيبة من الطلاب الذين صاروا فيما بعد أساطين الفقه والأصول في الطائفة ، مثل السيد محمد مهدي بحرالعلوم الطباطبائي ، والشيخ جعفر كاشف الغطاء ،والسيد مهدي الشهرستاني ، والشيخ مهدي النراقي ، والسيد علي الطباطبائي العاملي ( صاحب الرياض ) .. وغيرهم ..
وقد كان مجيء الوحيد البهبهاني سببا في أن يتراجع زخم المد الأخباري الذي بعثه الشيخ محمد أمين الاسترابادي لا سيما في جانبه السلبي الهجومي ..
وكان صاحب الحدائق المحدث البحراني ، يلتقي مع الوحيد البهبهاني في مناقشات تستمر طويلا ، مع أن الشيخ يوسف لم يكن يوافق غلاة الأخباريين ، ولم يكن يرضى بتطرف بعض المجتهدين في نفي المدرسة الاخبارية كما أشار إلى ذلك ، ونقلنا كلامه ..
ولعل هذا المسلك هو الذي جعل عددا من أفاضل طلاب الوحيد البهبهاني ، كصاحب الرياض ، وبحر العلوم ، وغيرهما يستمرون على حضور درس صاحب الحدائق ، مع أن الأجواء العامة كانت ضد التوجه الأخباري في تلك الفترة ..
بل إن هذا المسلك المعتدل والجامع هو الذي جعل الشيخ يوسف يوصي إلى الوحيد البهبهاني أن يتولى الصلاة عليه عند موته ، وهذا ما حصل بالفعل ..
عد مترجموه كتبه بما يقارب من خمسين كتابا ، أهمها كما تقدم كتاب:
1/ الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة وهو فقه استدلالي يقع في 25 مجلدا.
2/كتاب الدرر النجفية وهو يشتمل على مطالب فقهية وقواعد ، طبع في مجلدين.
3/ كتاب سلاسل الحديد في تقييد ابن أبي الحديد، يتضمن معارضة ابن أبي الحديد في شرحه للنهج في مواضيع الخلافة والصحابة .
4/ كتاب النفخات الملكوتية في الرد على الصوفية .
5/ الكشكول .
6/ لؤلؤة البحرين
7/ معراج النبيه في شرح الفقيه
8/ مجموعة رسائل : ـ في المنع من الجمع بين فاطميتين / رسالة في أفضلية التسبيح في الركعتين الأخيرتين / رسالة في تحقيق معنى الإسلام والإيمان / رسالة في انفعال الماء القليل بالنجاسة / رسالة في الرد على السيد الداماد في القول بعموم المنزلة في الرضاع / رسالة في الصلاة متنا وشرحا / رسالة في إتمام الصلاة في الحرم الأربعة .. وغيرها من الرسائل .
9/ أجوبة مسائل متفرقة : أجوبة المسائل البحرانية / أجوبة المسائل الشيرازية / أجوبة المسائل البهبهانية / الكازرونية ، الخشتية ، البهبهانية ..
وفاته
توفّي في الرابع من ربيع الأول 1186 هـ، في كربلاء، وصلَّى عليه الشيخ الوحيد البهبهاني، ودفن بجوار مرقد الإمام الحسين
هوامش
[1] ) الطباطبائي الحكيم : محمد سعيد ؛ الأصولية والأحبارية فرقة واحدة .
[2] ) البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة – 1 / 167
[3] ) لتفصيلها يراجع مقدمة الحدائق ..المحقق السيد عبد العزيز الطباطبائي ص 9
المصدر: مقتطف من كتاب: من أعلام الإمامية بين الفقيه العماني وآقا بزرك الطهراني لفوزي ال سيف