الاجتهاد: اكتسبتْ نظريّة ولاية الفقيه التجسّم الوحيانيّ العينيّ والعلميّ لأوّل مرّة منذ تاريخ الغيبة والانتظار مع انتصار الثورة الإسلاميّة، فظهرت جليّة في المجتمع وبدأت تجربة الحاكميّة والإدارة الدينيّة على شكل نظام يعتمد ولاية الفقيه. عرض الإمام قدس سره بعض الاصلاحات على هذه النظريّة بعدما دخلت ساحة العمل والاختبار واتضحت بعض زواياها من خلال الدخول إلى مرحلة الاختبار والعمل. يُعتبر هذا المقال محاولة للاطلالة على إنجازات الإمام الخمينيّ قدس سره حيث سيجري التعرّف على المباني المعرفيّة والدينيّة لنظريّة ولاية الفقيه بقلم : الشيخ الدكتور عباس مخلصي
كثر البحث في العقدين الأخيرين حول القيادة الدينيّة وبالأخص ولاية الفقيه. اتجه البعض للشّكّ والترديد في البناء والمبادئ النظريّة والفكريّة، ورفضوا القراءات والتوضيحات الإسلاميّة التي مهّدت للقبول بهذه النظريّة، في المقابل اتّجه آخرون لقبول النظريّة واعتبروها تتلاءم مع الإدراكات الذهنيّة والتعاليم الدينية.
لعلّ الدافع الأهمّ للغوص في هذا الموضوع، بعض الأفعال وردّات الأفعال الجدليّة التي أخذت شكلاً سياسيّاً ـ اجتماعيّاً، إتسمت بعض الآراء في هذا المجال بتبعيّتها للأجنحة السياسية، وعَمَلُ المجموعات من الناحية الاجتماعيّة أكثر من كونها بحثاً نظريّاً تحقيقيّاً.
أدّى هذا الخلط في المسألة إلى عدم القدرة على الاطّلاع على الآراء الصحيحة والكلام الشفّاف والأصيل. وفي بعض الحالات كان الدفاع عن هذه النظريّة بمثابة “حبُّك للشيء يُعمي ويصم”1. ممّا لا شكّ فيه أنّ بعض الآراء اللّامعقولة التي قُدّمت في هذا الإطار، كانت تنطلق من مبدأ الحقد والغضب والانتقام في المجالات السياسيّة والاداريّة على مستوى المجتمع.
إذا لم تُصَفَّ أجواء البحث والتحقيق من هذا الخلط، وإذا لم يجرِ إرجاع المشاركة في الحوار إلى عقيدة وفكرة معياريّة، لن يتمكّن أيّ مفكّر عالم من خدمة الفكر. لذلك يجب العمل وبوعي لتخليص الحوار من قطّاع طرق الفكر وأعداء ومُحبِّي الجدالات، ليمكن بعد ذلك الوصول إلى أبحاث ودراسات شفّافة ذات قيمة وخلوص عمليّ.
تمكّن الإمام الراحل قدس سره من إحياء نظريّة ولاية الفقيه في الثقافة الدينيّة. ويعود إحياء هذه النظريّة على المستوى الذهنيّ إلى ثلاثة عقود ماضية. قام الإمام قدس سره بتدريس هذا الموضوع في ثلاث عشرة جلسة في النجف فكان كتاب ولاية الفقيه خلاصة تلك الدروس. ثمّ طرح الموضوع مرّة ثانية في كتاب البيع مع بعض الإضافات والإنقاصات.
اكتسبتْ هذه النظريّة التجسّم الوحيانيّ العينيّ والعلميّ لأوّل مرّة منذ تاريخ الغيبة والانتظار مع انتصار الثورة الإسلاميّة، فظهرت جليّة في المجتمع وبدأت تجربة الحاكميّة والإدارة الدينيّة على شكل نظام يعتمد ولاية الفقيه. عرض الإمام قدس سره بعض الاصلاحات على هذه النظريّة بعدما دخلت ساحة العمل والاختبار واتضحت بعض زواياها من خلال الدخول إلى مرحلة الاختبار والعمل.
يُعتبر هذا المقال محاولة للاطلالة على إنجازات الإمام الخمينيّ قدس سره حيث سيجري التعرّف على المباني المعرفيّة والدينيّة لنظريّة ولاية الفقيه.
مبادئ الدين المعرفيّة
تتناسب نظريّة ولاية الفقيه مع مجموعة من مبادئ الدين المعرفيّة الخاصّة حيث يؤدّي عدم الاعتقاد وعدم المعرفة الفقهية والعلم بها إلى عدم القدرة للوصول إلى هذه النظريّة في المعرفة الدينية. من هنا اعتبر الإمام قدس سره أنّ معرفة المسائل العقائديّة والفقهيّة الإسلاميّة مصدراً لتصوّر نظريّة ولاية الفقيه والتصديق بها: “إنّ من عرف الإسلام أحكاماً وعقائد يرى بداهتها”5.
يعتقد الإمام قدس سره أنّه إذا أمكن إدراك المبادئ والمسائل العقائديّة وكذلك الهويّة الجمعيّة والاجتماعيّة للعديد من أحكام الدين بالشكل المطلوب، عند ذلك يمكن الوصول إلى نظريّة ولاية الفقيه ولا حاجة عند ذلك للدليل والبرهان.
سنتعرّض هنا لدراسة الجزء الأوّل أي المبادئ والمسائل العقائديّة والكلاميّة وذلك طبق قراءة الإمام الخميني قدس سره التي انتهت إلى النظريّة المشار إليها.
يقول الإمام قدس سره: “إذاً فإنّ كلّ من يتظاهر بالرأي القائل بعدم ضرورة تشكيل الحكومة الإسلامية فهو ينكر ضرورة تنفيذ أحكام الإسلام ويدعو إلى تعطيلها وتجميدها وهو ينكر بالتالي شمول وخلود الدين الإسلاميّ الحنيف”6.
جرى الحديث هنا عن مسألتي “الخلود” و”الجامعيّة”، ونُسبتا إلى الدين واعتُبرتا مبدئَيْن كلاميَّيْن. هنا سنعمد إلى دراسة القراءة الذهنيّة للإمام الخميني قدس سره التي تربط بين هذين الأصلين والنظريّة المتقدّمة.
1ـ خلود الإسلام
إنّ مسألة خلود الشريعة الإسلاميّة، مقبولة عند كافّة المسلمين. وقد أشارت الآيات الشريفة إلى خلود الإسلام إلّا أنّ بعضها تحدّث عن ذلك بوضوح وتحدّث البعض الآخر بالإشارة.
137
﴿… وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾7.
اعتبر العلّامة الطباطبائيّ أنّ الآية المذكورة مساوية للآية الآتية في الدلالة على خلود الإسلام8: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾9.
يقول الإمام عليّ عليه السلام: “ذلك القرآن فاستنطقوه ولن ينطق لكم، أخبركم عنه، إنّ فيه علم ما مضى وعلم ما يأتي إلى يوم القيامة”10.
ويقول أيضاً: “إنّ هذا الإسلام… لا انهدام لأساسه، ولا زوال لدعائمه، ولا انقلاع لمدّته، ولا عفاء لشرائعه، ولا جذَّ لفروعه”11.
ويدلّ على عالميّة وخلود الإسلام الدليل العقليّ مثل: “اعتماد الإسلام على الفطرة” و”خاتميّة الإسلام” وذلك إضافة إلى الآيات والروايات12. بناءً على هذا الأصل، فإنّ تعاليم الإسلام، ليست محدودة بزمان خاصّ، بل تعاليمه عالميّة خالدة تصلح لكافّة الأزمنة حيث إنّ الهدف منها هداية البشر نحو الحياة الدينيّة والحياة الإنسانيّة اللّائقة.
من جهة أخرى فإنّ قوانين وتعاليم الإسلام على نوعين: بعض القوانين ذات هويّة فرديّة، إذ يجب على كلّ شخص الإتيان بها من دون أن يكون لذلك أيّ علاقة بالآخر، مثل: الصلاة، الصوم و… إلّا أنّ البعض الآخر ذو هويّة اجتماعيّة ـ حكوميّة. ولا يمكن العمل بتلك القوانين من دون وجود نظام سياسيّ اجتماعيّ ومن دون وجود قوى تنفيذيّة، مثل: القوانين الجزائيّة، الماليّة، الدفاع الوطنيّ و… كما أنّ بعض تعاليم دين الإسلام ذات هويّة اجتماعيّة مثل اقامة العدالة في المجتمع.
لا يعتبر الإمام أنّ خلود الإسلام يرتبط بثبات دين الإسلام ودوام الأبحاث والدراسات العلميّة ذات العلاقة بالدين، بل خلود الدين، يرتبط من وجهة نظره بالأهداف والحاجات والبرامج والقوانين الموجودة في الدين، وذلك في مستويات ثلاثة: الفكر، البيان والعمل والتي يتردّد صداها في كلّ عصر وعند كلّ جيل. ويؤكّد الإمام قدس سره أنّ خلود الدين، هو الحضور والتجسّم العينيّ للدين على امتداد الزمان: “إنّ الإسلام لا يُحدُّ بزمان أو مكان، لأنّه خالد فيلزم تطبيقه وتنفيذه والتقيّد به إلى الأبد.
وإذا كان حلال محمّد حلالاً إلى يوم القيامة وحرامه حراماً إلى يوم القيامة، فلا يجوز أن تُعطَّل حدوده وتُهمل تعاليمه ويُترك القِصاص أو تتوقّف جباية الضرائب الماليّة أو يُترك الدفاع عن أمّة المسلمين وأراضيهم. واعتقاد أنّ الإسلام قد جاء لفترة محدودة أو لمكان محدود، يخالف ضروريّات العقائد الإسلاميّة”.
يشير هذا الكلام إلى عدم صحّة الفصل بين ثبات وخلود بعض الأحكام وانتهاء العمل بالبعض الآخر. إنّ كافّة أحكام الدين خالدة وباقية، فالأحكام الفرديّة في الإسلام دائمة ويجب على المؤمنين العمل بها، كذلك الأحكام وبرامج الدين الاجتماعيّة التي هي دائمة وخالدة. يعتبر الإمام أنّ الفهم الصحيح والحقيقيّ لخلود الدين عبارة عن حضور الدين في المجتمع وجعل تعاليمه وتوقّعاته واقعيّة وعمليّة: “فاقتضت الحكمة الإلهيّة أن يعيش الناس بالعدل في الحدود التي حدّها الله لهم. وهذه الحكمة مستمرّة وأبديّة”
بناءً على رأي الإمام قدس سره فالله تعالى طَلَبَ منّا أمرَيْن:
1- تأسيس حياتنا الاجتماعيّة على أساس العدل.
2- ربط قوانين وتعاليم الشريعة بالحياة. ويُعتبر هذان الأمران، المحورَيْن والمؤلفَيْن الأوّلَيْن للدين. والشارع لم يرضَ تركهما على الإطلاق.
هنا، يتقدّم السؤال الآتي، هل بإمكان أيّ نوع من أنواع إدارة المجتمع جعل الأمرين المتقدّمين عمليّيْن؟ هل بإمكان أيّ نوع من الحاكميّة متابعة الشؤون الدينيّة والأخلاقيّة والمعنويّة للناس ومن ثمّ التخطيط لمؤسّسات إدارة المجتمع بما يؤدّي إلى إقامة العدالة الاجتماعيّة والاقتصاديّة والقضائيّة بالإضافة إلى باقي القيم الفرديّة والاجتماعيّة التي أرادها الدين؟
هل هناك من دور يؤدّيه الهيكل الإداريّ على مستوى خدمة الدين والتديّن أو العكس؟ هل يمكن إحياء أهداف وتعاليم الدين في الحكومة العلمانيّة وجعلها خالدة؟ إذا كان ذلك ممكناً على مستوى التعاليم والأهداف الفرديّة، فما هو حال القيم والأهداف ذات العلاقة بالحريم الجمعيْ؟ فهل بالإمكان جعلها خالدة؟ ممّا لا شكّ فيه أنّ أصحاب الدقّة والبحث، لم يقدّموا جواباً إيجابياً عن هذه الأمور.
“وعلى هذا فوجود وليّ الأمر القائم على النظم والقوانين الإسلاميّة ضروريّ، لأنّه يمنع الظلم والتجاوز والفساد، ويتحمّل الأمانة ويهدي الناس إلى صراط الحقّ ويبطل بدع الملحدين والمعاندين”.
إنّ هذه العقيدة هي ترجمة لكلام الإمام الرضا عليه السلام الذي وضّح حاجة المؤمنين إلى “وليّ الأمر” و”الحاكم الصالح” بأسلوب عقليّ حيث هناك العديد من الدوافع التي تبيّن ضرورة وجود “وليّ الأمر”، من جملة ذلك:
“… ومنها أنّه لو لم يجعل لهم إماماً قيّماً، أميناً، حافظاً، مستودعاً، لدرست الملّة، وذهب الدينِ وغُيِّرت السُّنة والأحكام ولزاد فيه المبتدعون ونقص منه الملحدون وشبّهوا ذلك على المسلمين إذ قد وجدنا الخلق منقوصين محتاجين غير كاملين، مع اختلافهم واختلاف أهوائهم وتشتت حالاتهم، فلو لم يجعل قيّماً حافظاً لما جاء به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم, لفسدوا على نحو ما بيَّنا وغيّرت الشرائع والسنن والأحكام والإيمان وكان في ذلك فساد الخلق أجمعين”
قدّم هذا الحديث أسباباً أخرى تُضاف إلى ضرورة وجود القائد والحكومة الدينيّة، من جملة ذلك أنّه لو لم يكن القائد الأمين الحافظ… موجوداً لتخطى الناس الحقوق والقوانين الدينيّة لأسباب عديدة وتجاوزوا العدالة الاجتماعيّة، يضاف إلى ذلك أنّ عدم وجود القيادة الدينيّة يمنع القيام بالشؤون الاجتماعيّة مثل: الدفاع عن الأمّة الإسلاميّة، إقامة العبادة الجماعيّة كصلاة الجمعة وغيرها.
يعتقد الإمام الراحل أنّ العلل التي ذكرتها الرواية المتقدّمة على ضرورة وجود القيادة والحكومة الدينيّة في المجتمع الإيمانيّ، هي علل دائمة الوجود حيث يحتاج المؤمنون في كلّ عصر وزمان إلى قائد ووليّ كما هو الحال في صدر الإسلام, لأنّ العلل التي وضّحت ضرورة قيادة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم للمجتمع ما زالت موجودة وباقية، وتظهر هذ الضرورة في أهداف الوحي.
لا يمكن القول إنّ المجتمع الإسلاميّ كان في ذاك الزمان بحاجة إلى حاكم إسلاميّ واليوم لا يحتاج لذلك، بل هناك حاجة للقائد ووليّ الأمر في كلّ زمان وفي كلّ مجتمع بناءً على تلك الأهداف والبرامج والقيم الوحيانيّة، فهو الخبير بالدين والمسؤول عن متابعة وإقامة أهداف وبرامج الوحي، وبرامج الدين دائمة غير محدودة بزمان دون آخر.
“فأنتم ترون أنّ الإمام يستدلّ بوجوه عدّة على ضرورة وجود وليّ الأمر الذي يقوم بحكومة الناس. وتلك العلل التي ذكرها موجودة في كلّ زمان، ويترتّب على ذلك ضرورة تشكيل الحكومة الإسلاميّة في كلّ وقت”17.
على هذا الأساس فالقيادة الدينيّة مرتبطة بالتديّن والدين وهي ثابتة دائمة بثبات ودوام وخلود الدين, لأنّ المؤمنين يصبحون ملتزمين بعقائدهم ويصلون إلى البرامج والأهداف الدينية عندما يمهّدون الطريق لتديّن الناس بوساطة سلوكهم الاجتماعيّ وإيجاد حلقة الاتصال بين الحكومة والمجتمع.
لا يمكن أن يتحقّق هذا الأمر، إلّا إذا أصبحت الحكومة مسؤولة عمليّاً عن اعتقادات وثقافة الناس الدينيّة, وهذا يعني أنّ شكل النظام الإداري هو الذي يدلّ على الالتزام والتديّن. من هنا نجد أنّ حاجة المجتمع الدينيّ إلى وليّ الأمر والقيادة الدينيّة ممتزجةٌ بحاجته إلى تشكيل الحكومة، وهذا هو الذي يبيّن نظريّة ولاية الفقيه في كلّ عصر.
جواب عن توهّم
يتوهّم البعض ويقول: بما أنّ الحكومة، ظاهرة متحوّلة ومتغيّرة تتأثّر بالثقافة والعلم والتجارب الاجتماعيّة للبشر التي تتجدّد باستمرار، لذلك لا يمكن اعتبارها دينيّة, لأنّ شأن التحوّل والتغيّر لا يتناسب ولا يتلاءم مع ثبات وخلود الدين.
ينشأ هذا التوهّم، إمّا لأنّ أصحابه لم يتمكّنوا من الجمع والمواءمة بين ثبات ودوام تعاليم الدين وتغيّر الاحتياجات البشريّة عبر الزمان وإمّا أنّهم أردوا إيجاد مسوِّغ لخطئهم الآخر, أي “عدم وجود نظريّة الحكومة في الإسلام, وهذا يعني أنّهم قدّموا تفسيراً خاطئاً لمسألة خلود الدين”.
إنّ خلود الإسلام كما تقدّم في شرح رأي الإمام قدس سره، أحد مبادئ تشكيل الحكومة في الإسلام, لأنّنا عندما نعتقد بأنّ تعاليم وقوانين وأهداف الإسلام الاجتماعيّة، شأنها شأن الأحكام الفرديّة لناحية الخلود والدوام، وأنّ هذه الأهداف والقوانين لن يكون لها دور في الحياة من دون الحكومة، عند ذلك ندرك بوضوح ضرورة تشكيل الحكومة وهو أصل متفرّع على خلود الشريعة.
إذا كانوا يقصدون من عدم التلاؤم بين الحكومة وخلود الدين، أنّ الإسلام لم يقدّم أسلوباً وطريقة لإدارة المجتمع في المستقبل، وهو لم يأخذ بعين الاعتبار هكذا أمر وأنّ حاجات البشر تتغيّر من زمان إلى آخر لذلك لا يمكن تقديم أسلوب دائم خالد، إذاً وبما أنّ شكل الحكومة لا يمكن أن يكون خالداً فهي لا تتلاءم مع برامج وقوانين وتعاليم الوحي الخالدة.
في الجواب يجب القول إنّ الحكومة في الإسلام لا تعني أنّ الإسلام قدّم أساليب وطرقاً مؤقّتة للحكم وإدارة أوضاع الناس في كافّة الأزمان وأنّ الحاكم الإسلاميّ هو المكلّف بإجرائها، بل الحكومة في الإسلام تعني أنّ الإسلام استفاد من الحكومة كأداة لتكريس أهدافه وبما أنّ أيّ شكل من أشكال الحكومة ليس قادراً على تكريس تلك الأهداف، لذلك أشار إلى الأصول الأساسية والمبادئ والهويّة الدينيّة للحكومة.
أمّا ما هي التدابير والأساليب العلميّة والتجريبيّة الناجحة لإدارة المجتمع وكيف يمكن إقامة العدالة الاجتماعيّة، فهو أمر آخر يحتاج إلى الاجتهاد والفهم العلميّ والمتخصّص والعالم. ومن هنا لا يمكن الحديث عن عدم تلاؤم وتناسب بين الحاجات الإداريّة والحكوميّة، وخلود الأصول والهويّة الدينيّة.
2ـ جامعيّة الشريعة
إنّ الاعتقاد بجامعيّة دين الإسلام، أحد مبادئ ولاية الفقيه الأخرى حيث يقوم بدورٍ أساسيّ في وجود هذه النظرية. تشير العديد من الآيات والروايات وكذلك الأدلّة العقليّة والرؤية الخارجيّة إلى جامعيّة الشريعة الإسلاميّة:
– ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ﴾18.
– ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾19.
– ﴿مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ﴾20.
وهناك العديد من الروايات في هذا الخصوص نكتفي بذكر إحداها:
يقول الإمام الصادق عليه السلام: “إنّ الله تبارك وتعالى أنزل في القرآن تبيان كلّ شيء حتّى والله ما ترك الله شيئاً يحتاج إليه العباد، حتّى لا يستطيع عبد يقول: لو كان هذا أنزل في القرآن، إلّا وقد أنزله الله فيه”21.
اتفق كافّة المسلمين على جامعيّة دين الإسلام، وتعدّدت الآراء حول مفهوم، معنى دوائره شمول هذه الجامعيّة. في البداية يجب التعرّف على المقصود من “الدين” وما المراد من جامعيّته. نشير في هذا البحث إلى رأي الإمام الخمينيّ قدس سره في هاتين المسألتين.
محتويات المقالة
مبادئ الدين المعرفيّة
1ـ خلود الإسلامجواب عن توهّم
2ـ جامعيّة الشريعة
المقصود من الدين
معنى الجامعيّة
النسبة بين الدين والدنيا
الهدف الأساس للدين
الحكومة والديانة
الإمامة والقيادة، السمة الدينيّة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم
البناء الطبيعيّ للدين
تعيين الخليفة
تشريع الإسلام يحتاج إلى منفّذ
خلود ودوام الإمامة
الأسلوب العقلي
الأسلوب النقليّ
الهوامش
لتحميل المقالة أضغط على الملف