محمد مهدي الآصفي

العلامة الفقيد الشيخ محمد مهدي الآصفي.. سيرة موجزة / د. علي المؤمن

الاجتهاد: اجتمعت في شخصية الفقيد الشيخ محمد مهدي الآصفي عناوين الجهاد الفكري والسياسي ومقارعة الاستبداد والظلم البعثي الى جانب رعايته للفقراء والمعوزين من مختلف الجنسيات وزهده العجيب في ظاهره وباطنه .

ولد آية الله الشيخ محمد مهدي الآصفي في النجف الأشرف عام 1939 من عائلة دينية علمية، فكان جده مرجعاً دينياً في إيران، وأبوه آية الله الشيخ علي محمد الآصفي من مجتهدي النجف.

وقد جمع الشيخ محمد مهدي الآصفي بين الدراستين الدينية والأكاديمية؛ إذ تخرج من كلية الفقه في النجف الأشرف في دورتها الأولى، ثم درس الماجستير في جامعة بغداد، وتتلمذ في دراسته الدينية في الحوزة العلمية في النجف الأشرف على كبار الفقهاء ومراجع الدين؛

ففي مرحلة السطوح كان من أبرز أساتذته العلامة الشيخ محمد رضا المظفر والعلامة الشيخ عبد المنعم الفرطوسي والشيخ مجتبى اللنكراني.

وفي مرحلة البحث الخارج ( الدراسات العليا) تتلمذ على الامام السيد محسن الحكيم وآية الله الشيخ مرتضى آل ياسين وآية الله الشيخ حسين الحلي والإمام الخوئي والإمام الخميني، حتى مكّنته ملكاته العلمية من الحصول على درجة الاجتهاد في سن مبكرة. وكان أحد أبرز وكلاء الإمام الخوئي في العراق ثم الكويت وإيران بعد هجرته اليهما في سبعينات القرن الماضي.

عمل العلامة الآصفي أستاذاً للفلسفة لأكثر من 15 سنة في كلية أصول الدين ببغداد وكلية الفقه في النجف الأشرف، إضافةً إلى تدريسه الفقه والأصول والفلسفة في الحوزة العلمية النجفية. وكان أسلوبه في التدريس مميزاً؛ لأنه كان يجمع بين المنهجية الأكاديمية والمنهجية المسجدية.كما كان يقيم المحاضرات الأسبوعية والدورية الإسلامية في أكثر من مكان منذ أواخر الخمسينات .

انتمى الى حزب الدعوة الإسلامية في عام 1962، وما لبث أن أصبح من كوادره المتقدمة ومسؤولاً عن تنظيم الحوزة العلمية في النجف الأشرف. وعمل أيضاً مع جماعة العلماء في النجف الأشرف في هذه الفترة. وفي عام 1971 بدأت السلطة البعثية تتابع نشاطاتها وتحركاته، وتحولت المتابعة إلى ملاحقة دائبة؛ فاضطر الى التخفي بعد صدور أمر إلقاء القبض عليه، حتى هاجر إلى الكويت عام 1974 بجواز سفر مزور.

ثم حملته ظروف العمل الإسلامي على السفر إلى إيران، إلاّ أن سلطات الشاه بدأت بملاحقته، نظراً لعلاقاته مع المقربين من الإمام الخميني في إيران واتصالاته بهم، وحاول السافاك (الأمن الإيراني) إلقاء القبض عليه، ثم احتجزه واحتجز جواز سفره، إلاّ أنه عاد إلى الكويت متخفياً خلال عام 1975، واستقر فيه ثانية، حيث ساهم في قيادة العمل الإسلامي من هناك، بعد أن اختير عضواً في القيادة العامة لحزب الدعوة الإسلامية.

وبعد انتصار الثورة الإسلامية هاجر إلى إيران، وساهم في إعادة بناء تنظيمات حزب الدعوة التي تعرضت لضربات شديدة في العراق، وانتخب ناطقاً رسمياً لحزب الدعوة خلال عام 1980. وساهم في العام نفسه في تأسيس مجلس العلماء لقيادة الثورة الإسلامية في العراق مع قياديين آخرين في الحزب ومستقلين. كما انتخب عضواً في الهيئة الإدارية لجماعة العلماء المجاهدين في العراق عام 1982، كما شغل منصب نائب رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق لسنتين، ثم استقال منه مع ممثلي الحزب الآخرين في المجلس.

وبقي يعمل في صفوف قيادة الدعوة حتى عام 1999؛ إذ جمّد عضويته فيها بعد ذلك؛ الا انه بقي على تواصل مع الحزب، وكان يعد أحد أبرز حكماء الدعوة، وظل يساهم في حل الإشكالات التي تحصل داخل الحزب حتى وفاته. وكان آخر مسعى له ( وقد بدأه قبل وفاته بشهر ونصف تقريباً، وتوفي وهو يتابعه متابعة حثيثة) هو إعادة ترتيب الأوضاع داخل قيادة حزب الدعوة؛ ضماناً لوحدة الحزب وتمهيداً لانعقاد مؤتمره القادم.

وكان الإمام الخامنئي قد عيّن العلامة الآصفي أميناً عاماً للمجمع العالمي لأهل البيت (ع) في عام 2000. وبعد ثلاث سنوات تقريباً استقال منه ( ولكنه بقى من اعضاء المجمع ) ليتفرغ للعمل العلمي والخيري؛ وذلك إمتداداً لنشاطاته في هذين المجالين؛ إذ كان من أساتذة الفقه والأصول والأخلاق والعقائد في الحوزة العلمية في قم منذ وصوله اليها.

كما كان يرعى في ايران والعراق وافغانستان آلاف الفقراء والمعوزين من مختلف الجنسيات؛ ولا سيما العراقيين والأفغانيين والباكستانيين؛ وذلك عبر مؤسسات خيرية كبيرة؛ أهمها مؤسسة الإمام الباقر (ع).

وبعد سقوط نظام صدام؛ عاد الشيخ الآصفي الى النجف الأشرف، وشرع فوراً بتدريس الفقه والأصول على مستوى البحث الخارج في الحوزة العلمية. وكان من الشخصيات المعتمدة والبالغة الإحترام لدى اية الله السيستاني والإمام الخامنئي. وأصبح في السنوات الأخيرة ممثلاً للإمام الخامنئي في النجف الأشرف.
وفي الوقت نفسه كانت لديه وكالة من المرجع السيستاني.

كما كان يحظى باحترام جميع الحركات والتيارات الإسلامية الشيعية العراقية. وساهم عبر بياناته وفتاواه وتوجيهاته وتحركاته في تثبيت الأوضاع في العراق الجديد ومحاربة الإرهاب.

ويعد الشيخ الآصفي أحد المفكرين الإسلاميين المعاصرين، ويبلغ عدد مؤلفاته المطبوعة أكثر من ثلاثين مؤلفاً في الفلسفة والفكر والفقه والتفسير والاقتصاد منها: ((الإمامة في التشريع الإسلامي)) و((المدخل إلى دراسة التشريع الإسلامي)) و((دور الدين في حياة الإنسان))و((ملكية الأرض– رسالته في الماجستير)) و((تداول الثروة)) و (( ولاية الأمر)) و (( تاريخ الفقه الإسلامي )) و (( آية التطهير)) و (( نظرية الإمام الخميني في دور الزمان والمكان في الإجتهاد ))، (( وأثر العلوم التجريبية في الإيمان بالله )) و (( الدعاء )) و((بحوث في الحضارة الإسلامية )).

وكان أهم مايميز العلامة الآصفي هو تواضعه الجم وأخلاقه العالية، وانطباق وعضه ونصائحه وإرشاداته مع تفكيره وسلوكه وأسلوب حياته. ولذا كان نموذجاً للداعية والمفكر والسياسي الإسلامي الحقيقي.

ولكن أكثر ماكان يلفت النظر في سلوكه هو زهده العجيب؛ في ظاهره وباطنه؛ في مسكنه ومركبه وملبسه ومأكله؛ على الرغم من وضعه الديني والعلمي والسياسي والإجتماعي؛ الذي يسمح له أن يكون من الأثرياء وأصحاب المظاهر؛ ولكنه فضّل أن يعيش عيشة الفقراء؛ الذين كان يحبهم ويرعاهم ويخدمهم بنفسه؛ إذ كان الشيخ الآصفي يشتري المواد الغذائية والسلع المنزلية ويملأ سيارته بها، ويخرج كل ليلة مع مرافقه ليوزعها بنفسه على الفقراء في بيوتهم.

توفي العلامة الشيخ الآصفي في مدينة قم؛ حيث كان يخضع لدورة العلاج الكيمياوي؛ وذلك في صبيحة يوم الخميس 16 شعبان 1436هـ الموافق 4 حزيران/ يونيو 2015؛ عن 76 عاماً؛ بعد أدائه صلاة الفجر مباشرة

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky