الاجتهاد: يقول الدكتور الشيخ عبد الهادي الفضلي “ره” في كتابه “غدير خم دراسة تاريخية وتحقيق ميداني” حول جهود العلامة الأميني في تأليف موسوعة الغدير من حيث المنهج والمادة:
إني لا أستكثر هذا العمل الضخم (تأليف موسوعة الغدير) من الانتاج العلمي أن يصدر من الشيخ الاميني الذي عرفته عن قرب يوم كنت أتشرف بلقاه في داره أو في (مكتبة الامام أمير المؤمنين العامة) في النجف الاشرف، فرأيته الدؤوب على العمل والضنين على أن لا يضيع وقته سدًى، فكان خِدنه الكتاب، وقرينه القلم ، ومحور تفكيره هو إعداد وإنجاز موسوعته الثقافية هذه،
فقلَّ أن يرى إلاّ في مكتبته الخاصة في بيته قبل أن ينشئ مكتبته العامة، أو في مكتبة أخرى من مكتبات النّجف الاشرف الحافلة بالكتب المراجع من أمثال مكتبة آل كاشف الغطاء ومكتبة الحسينية الشوشترية ومكتبة الشيخ السماوي، وبعد أن أنشأ مكتبته العامة التي أسماها ( مكتبة الامام أمير المؤمنين العامة) كان لا يوجد خارجها إلاّ نادراً ، سواء ذلك في أوقات دوامها أو في خارجه.
وكان تعامله مع الكتاب المرجع لا يقتصر على الرجوع إليه في الباب أو الفصل المعقود لموضوع بحثه، أو في المظان منه لذلك، وإنما كان يقرأ الكتاب كاملا، أو يمر به مرورًا متأنيًا واعيًا، يلتقط منه نكاته العلمية، ويقتبس شواهده، ويستخرج ذخائره، ويلمس ذلك من يقرأ كتابه هذا في أي موضع منه شاء، وإحصائياته المذكورة فيها برهان ما ذكرت.
ومن النادر جدا أن نقرأ قائمة مراجع لكتاب ألِّف فيما يماثل موضوعات کتاب الغدير ولا نجد عنوان کتاب الغدير من بينها.
إنّ كتاب موسوعة الغدير هذا من الظواهر العلمية والفنية المميزة في عالم التأليف، ذلك أن ما ألِّف في الغدير يربو على ما ألِّف فيما يماثله، ولم يقدَّر لأي كتاب منها أن يشتهر اشتهار هذا الكتاب، وأن يحتل المركز الذي احتله هذا الكتاب في قائمة المصادر الأصلية، وأن يخلد مؤلّف من مؤلفي تلك الكتب بسبب كتابه في الغدير مثلما خُلِّد الشيخ الأميني بسبب هذا الكتاب.
ويرجع هذا إلى ما تميز به هذا الكتاب في المنهج والمادة، فقد اعتمد الشيخ الأميني طريقة الاستقراء، وهي الطريقة التي ينبغي أن تعتمد في دراسة أسانيد الأحاديث و دراسة حوادث التاريخ في مجال التوثيق.
کما اعتمد طريقة التحليل النقدي في دراسة الشعر المقول في الغدير لإيضاح وتبيان دلالته على الحديث أو الحادثة أو يرتبط بهما أو يلابسهما ولو من بعيد، ثم – ولإثبات ما يذكره الشعر مما يرتبط بالموضوع أو يلامسه – يعود فيستعمل الطريقة الاستقرائية أيضا، لأنها – کما ألمحت – الطّريقة المناسبة والمطلوبة في هذا المجال.
مع قدرة متفوقة في التّتبع والمتابعة بغية الاستيعاب والشّمولية.
هذا كله في المنهج.
وأما في المادة، فقد كرَّس كل طاقته لاستعراض جميع ما له علاقة بالحديث والحادثة، وبالولاية والولي، والظروف السياسية والاجتماعية التي أحاطت ورافقت، ثم أفرزت ما أفرزت من حوادث تاريخية، وذلك ليخرج القارئ للكتاب بذهنية الواثق بحق عليٍّ في الولاية.
ولكثرة وتنوّع ما احتوى من بحوث وموضوعات عُدّ من الموسوعات.
وعلى أساس من هذا يحق لنا أن ندرج الكتاب في قائمة الكتب الخالدة، وأعني بها تلك الكتب التي أعطت أصحابها الشهرة على امتداد التاريخ، أمثال (الجمهورية) لأفلاطون، و(القانون) لابن سینا، و(الكتاب) لسيبويه، و(المقدمة) لابن خلدون، و(الكافي) للكليني، و (الصحیح) للبخاري، وغيرها.
عناصر البحث العلمي في موسوعة الغدير
ويمكننا أن نلخّص عناصر البحث العلمي التي توافرت في شخصية شيخنا الأميني وهو يؤلف هذا الكتاب بالتالي:
١- المنهجية
وألمحت إلى أنه “ره” استعمل طريقة الاستقراء وطريقة التحليل النقدي.
ويظهر هذا واضحا في الجزء الأول من كتابه، الذي خصصه لدراسة الغدير حادثة وحديثًا، بدأ بتحديد مفهوم التاريخ الصحيح، ليكون الانطلاق في دراسة الحادثة من نقطة ارتكاز متفق عليها، ثم تلاه ببيان أهمية الغدير في التاريخ ليضعه في مستوى الاهتمام به علميا وعقائديا.
وبعد هذا وضع بين يدي القارئ قصة الحادثة بكل تفاصيلها وأبعادها، وهو من أهم مقتضيات المنهج العلمي في دروس الحوادث التاريخية.
وأخيرا، انتقل – وبتسلسل مترابط عضويا – إلى دراسة الحديث سندًا و متنًا، فاستقرأ واستوعب، ثم أحصى، وأسلمته إحصائياته إلى نتيجتها الطبيعية والحتمية، وهي تواتر الحديث، وليس بعد التواتر حجة في صدق وصحة صدور الحديث عن رسول الله.”صلى الله عليه وآله”
وملخص إحصائياته، هو:
۱. رواة حديث الغدير :
* من الصحابة: ۱۱۰.
* من التابعين: 84.
* من العلماء: ۳۶۰.
* المؤلفون في الغدير: ۲۹.
۲، المناشدات والاحتجاجات بحديث الغدير : ۲۲.
٣. تقویم سند الحديث: 43 عالما من علماء أهل السنة والجماعة، وضعوه موضع الاعتبار والصحة.
ولا إخال أن باحثًا موضوعيًا ينصف نفسه وينصف الحق بری هذه الكثرة في رواية الحديث التي ترتفع به إلى أعلى من مستوى التواتر لا يقول بتواتره.
ثم في دراسته لمفاد أو دلالة الحديث لم يكتف باستنطاقه في هدي القواعد العلمية، بل جمع كل ما يصلح لأن يكون قرينة تثبت صحة ما انتهى إليه من معنى، كالآيات الثلاث: آية التبليغ وآية الإكمال وآية: “سأل سائل”، وكالأحاديث المفسِّرة لمعنى المولى والولاية.
٢- الموضوعية
وتمثّلت هذه في اعتماد المصادر السنيّة، وتوثيقها من قبل العلماء المعنيين بذلك من أهل السنة أيضا.
٣- الصراحة
وهي أمر مطلوب في الدّراسات العلمية، وبخاصة في المسائل الخلافية، إذا اعتمد الباحث قاعدة تقويم الرجال بالحق؛ لأن الحق هو الميزان العدل والقسطاس المستقيم.
4- الشجاعة في الدفاع عن حق أهل البيت ع
وقد لا أبوح بسرّ إذا قلت إنّي لم أقرأ باحثًا جريئًا، و شجاعًا قويًا في الدفاع عن حق أهل البيت “عليهم السلام” إلا كالشيخ المفيد في القدامى، والشيخ الأميني في المحدثين.
5. الدعوة إلى الوحدة الإسلامية
انطلق إليها من واقع هدفه، وهو الوقوف على الحقيقة ومعرفة الحق في الإمامة والطريق في الوصول إلى الحكم الشرعي، فتراه لا يفوت المناسبة في الدعوة إلى وحدة المسلمين عن طريق تقييم الرجال بالحق وليس العكس.
6- المثابرة والصبر
وهما أهم مواصفات الباحث العلمي، ونلمس هذا في إحصائياته، وقد مر شيء منها، وفي تخريجاته الأحاديث والأقوال بذكر أعلى رقم يمكنه الوصول إليه من المصادر. وكمثال لهذا يُرجع إلى بحثه في الموضوعات والوضّاعين.
۷- الموسوعية في الثقافة
وذلك عندما يتناول المسائل العلمية، ففي المسائل الفقهية تراه الفقيه المقتدر، وفي الأدبية تقرأه الأديب الناقد، وفي التاريخية تجده المؤرخ المحقق، وهكذا.
8- أسلوب التّعبير
حاول المؤلف في حدود ما يمتلك من طاقة تعبيرية أن يستعمل الأسلوب الأدبي العربي، ومنه إكثاره من استعمال الألفاظ اللغوية المتجانسة والمترادفة، إلا أن طبيعة المادة العلمية المبحوثة مضافا إليها مؤثرات نشأته الأولى تجرّه – غالبًا – إلى الأسلوب العلمي جرًّا.
9- ثوابت البحث الإمامي
وأعني بها: الأصالة والعمق والاستقلالية.
وهي الأبعاد التي تتسم بها البحوث عند علماء الإمامية منذ نشأة الاجتهاد لديهم حتى يومنا هذا.
والشيخ الأميني – لأنه من مجتهدي الإمامية – ترى هذه العناصر المذكورة واضحة بصماتها في مختلف دراساته في هذا الكتاب وغيره .
وبها تبرز شخصية الباحث العلمية، ويتبيّن مستواه العلمي.
الخطوط العامة لمادة الموسوعة
أما الخطوط العامة لمادة بحثه في هذا الكتاب، مضافة إلى ما ذكرته من دراسته للغدير حادثة وحديثًا، فتتلخص بالتالي:
أولاً: نقد الكتب
فقد تناول عددا كبيرًا من الكتب قديمة وحديثة بالنّقد علميًّا وفنّياً.
فمثلا في الجزء الثالث نقد الكتب التالية:
1. العقد الفرید، لابن عبد ربه الأندلسي.
۲، الانتصار، لأبي الحسين عبد الرحيم الخياط المعتزلي.
٣. الفَرْق بين الفِرَقْ، لأبي منصور عبد القاهر البغدادي.
4. الفصل في الملل والنحل، لأبي محمد بن حزم الظاهري الأندلسي
5. الملل والنحل لأبي الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني.
6. منهاج السنة، لابن تيمية أحمد بن عبد الحليم الحراني.
۷. البداية والنهاية، لأبي الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي.
۸. محاضرات تاريخ الأمم الإسلامية، لمحمد الخضري.
9. السنة والشيعة، لمحمد رشید رضا صاحب المنار.
10- الصراع بين الإسلام والوثنية ، لعبد الله القصيمي.
11- فجر الإسلام، لأحمد أمين المصري.
12- ضحى الإسلام، له أيضا.
13- ظهر الإسلام، له أيضا.
14- جولة في ربوع الشرق الأدنى، لمحمد ثابت.
15- عقيدة الشيعة، للمستشرق رونلدسن.
16- الوشيعة في نقد عقائد الشيعة، لموسی جار الله .
ثانيا: رد الشّبهات والمفتريات حول التشيع والشيعة
انظر- على سبيل المثال – موضوع التوسل في الأجزاء: الثالث والرابع والخامس والسادس والسابع والحادي عشر
ثالثا: کشف الأخطاء والمفارقات
کملاحظاته على ابن خلكان في نقل قصة الغدير في الجزء الأول وملاحظاته على محمد حسين هيكل حول حديث العشيرة في الجزء الثاني، وملاحظاته على الابتداع في سبّ عليّ “عليه السلام” على المنابر في الجزء الثاني، وفي تحريم المتعة في الجزأين الثالث والسادس.
رابعا: دراسات موسّعة في المناقب
کدراسته لمناقب علي “عليه السلام” علت في الجزأين الأول والثاني.
خامسا: دراسات موسعة أخرى
أمثال: دراسته للأحاديث الموضوعة، ودراسته لأحاديث الغلو، وغيرها.
وللاستزادة في معرفة مختلف الموضوعات التي تناولها المؤلف بالبحث والدراسة، يرجع إلى كتاب (على ضفاف الغدير)، وهو فهرس موضوعي و تحليلي لموسوعة الغدير، من إعداد الأساتذة: عبد الله محمد ومحمد بهرمند ومحمد محدث، ومراجعة وتنسيق أخينا الدّكتور السيد فاضل الحسيني الميلاني.
غدير خم.. دراسة تاريخية وتحقيق ميداني؛ للشيخ عبد الهادي الفضلي / تحميل pdf