الأقليات

الشيعة ومقولة الأقليات في الشرق .. من وصايا الإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين

الاجتهاد: في منطقتنا العربية الإسلامية ـ لا توجد أقليات مسلمة ولا توجد مسيحية. توجد أكثريتان كبيرتان: إحداهما أكثرية كبيرة هي الأكثرية العربية التي تضم مسلمين وغير مسلمين، والأخرى هي الأكثرية الأكبر، وهي الأكثرية المسلمة التي تضم عرباً وغير عرب. والشيعة مندمجون في هاتين الأكثريتين، وهم تارة من الأكثرية العربية، وهم تارة جزء من الأكثرية الإسلامية، وكل شيء دون هذا فهو مشروع فتنة، وفخ لاستخدام الشيعة في مصالح غربية أجنبية مخالفة لمصالحهم هم كشيعة، ومخالفة لمصالحهم عرباً ومسلمين.

الاجتهاد: نسجل هذه الوصية * في منتصف ليل الاثنين ـ الثلاثاء، السابع من شهر شوال من سنة 1421 للهجرة النبوية الشريفة، الثاني من الشهر الأول من سنة 2001م، في منزلنا في “شاتيلا”.

وهذه الوصية تتعلق بمقولة الأقليات التي لها تاريخ قديم، منذ بدأ الغرب يتعامل مع الشرق على قاعدة الاستيلاء والاستحواذ والتفتيت الداخلي للجماعات، على أسس عرقية ودينية ومذهبية. وقد تفاقم هذا التوجه في السنوات الأخيرة نتيجة لجملة من العوامل أبطأت من عملية التطور أو التغير الطبيعي.

ولكن في الحقيقة، العوامل الأساسية هي عوامل سياسية مصطنعة، تحركها القوى الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، تحت ستار العولمة وما أشبه ذلك. وهذه الدعوة تهدف إلى إثارة الفوارق الثانوية أو الأساسية داخل كل جماعة سياسية في دولة أو في مجتمع، وتدفع بها نحو المطالبة بتمايزات خاصة بها، تجعلها ثغرة هشة أو نقطة هشة في البناء الوطني العام لتلك الدولة وذلك المجتمع.

إن القوى العظمى، سواء في العالم الغربي أو في أماكن أخرى من آسيا، تركز على التنوعات الموجودة داخل المجموعات الوطنية والقومية الأخرى، وتركز على حقوق هذه الأقليات. وهذه القوى حينما تنشئ الهيئات وتعقد المؤتمرات والندوات، فإن حافزها الحقيقي ليس إطلاقاً تحري العدالة في إنصاف هذه الأقليات مما يصيبها من الأكثرية التي تعيش بينها، وإنما هدفها هو إعادة تقسيم المجتمعات الوطنية في العالم الثالث تمهيداً لبث الفتن بينها، والسيطرة عليها، واقتطاع أجزاء منها تتعامل معها ضد أوطانها وضد مصالحها العامة.

من الأخطار التي تحيق بوجود المسلمين الشيعة على مستوى الأمة الإسلامية أو على مستوى كل دائرة أقليمية ـ ونتحدث خاصة على مستوى العالم العربي ـ هو إيقاع الشيعة في هذا الفخ، هو إشعارهم بأنهم يمثلون أقلية في المسلمين، وأنهم مضطهدون هنا وهناك، لأنهم أقلية، وأن عليهم أن يجتمعوا وينظموا صفوفهم ويبلوروا مصالحهم على أساس أنهم أقلية، وأن يستعينوا بالأجانب في الدول الأجنبية، أو بالمؤسسات التي أنشأتها القوى العظمى في نطاق الأمم المتحدة أو غيرها لأجل رعاية ما يسمى حقوق الأقليات.

ونعلم أنه منذ سنتين أو ثلاث سنوات، بدأت الولايات المتحدة تسن قوانين خاصة بها، تعطيها السلطة والصلاحية للتدخل بصورة منفردة في هذه الحالات، ومنها “قانون حرية الأديان” وما إلى ذلك.

ومن هنا، نحن وضعنا قاعدة نتمسك بها، وهي أن الشيعة ليسوا أقلية في العالم الإسلامي، وليسوا أقلية في الوطن العربي، وكذلك هو شأن المسيحيين أيضاً في العالم العربي. لذلك فإن أية دعوة لحماية الأقليات، وإنصاف الأقليات، هي مخاطرة كبرى لا يجوز السير فيها، وينبغي التوقف عندها.

وهناك قد تثار قضايا الاضطهاد والحرمان التي يتعرض لها الشيعة في كثير من أوطانهم في العالم العربي وغيره. ونقول: نعم، إن هذه المظالم موجودة، وإن هذا الحرمان موجود، ولكن التغلب عليه لا يكون بالاستجابة لدعوات حقوق الأقليات، وإنما يكون بالعمل السياسي الإنساني الدائم لتوثيق عرى الاندماج، بجميع سبل الاندماج، في الحياة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية في أوطانهم، وفي توثيق نظام المصالح العام، وفي زيجات مختلطة، وفي كل شئ يمكن أن ينشئ شبكة مصالح عامة للمجتمع، يكون الشيعة جزءاً من نسيجها لا ينفصم.

وها نحن أمام تجربة شيطانية نحاربها وتحاربنا، فنرى كيف تعمل إسرائيل لتندمج مع محيطها ولتكون جزءاً منه، ولئلا تكون شاذة عنه. فهي بعد جميع حروبها لجأت أخيراً إلى الطريق الذي لا طريق غيره، وهو الاندماج في نظام المصالح العام لكل وطن عربي، ولمجموع الأوطان العربية، لتكون جزءاً لا يستغنى عنه في عملية سيرورة الحياة والتنمية.

وصيتي إلى أبنائي الشيعة في لبنان وفي سائر العالم العربي، وصيتي لهم ألا يقعوا في هذا الفخ أبداً، وأن يرفضوا أية دعوة لاعتبار أنفسهم أقلية، تحت أي إغراء من الإغراءات أو سمة من السمات، لأنهم لن ينتفعوا إطلاقاً بهذه الدعوة، بل سيكونون سبباً لإضعاف البنية الوطنية لكل مجتمع يجتمعون إليه، وفي إضعاف وحدة الأمة الإسلامية على المستوى العربي العام، وعلى المستوى الإسلامي العام.

وبدل أن يحصلوا على اعتراف منصف لوضعهم المذهبي، أو على إنصاف سياسي في وضعهم السياسي، فإنهم في الأقل لن يربحوا شيئاً، وربما سيزداد وضعهم تأزماً لأنهم بعملهم هذا سيخلقون مخاوف وهواجس عند المسلمين الآخرين وسينظر إليهم وكأنهم فئة موالية للأجنبي.

هذه النقطة أرجو أن تكون موضع عناية واعتبار من كل ذوي الرأي الشيعة في العالم العربي والإسلامي. وأنا أعلم وأعرف أن هناك شخصيات ـ قسم منها نحسن الظن به ونحترمه ـ قد اندفعت في هذا التيار إما بداعي الغيرة على مصلحة الشيعة، أو بدواع أخرى لا يخلو منها الدافع الشخصي، دافع إيجاد منصة ووسيلة للدخول في العمل العام عن طريق هذا المشروع. هذا الأمر آمل أن يعاد النظر به بصورة جذرية، ولو بالدعوة إلى مؤتمر مصغر لأجل أن تبحث فيه طريقة الخروج من هذا الفخ الذي بدأ البعض يقع فيه.
ومن هنا فأنا لا أميل إطلاقاً، بل أرفض إنشاء جمعيات تحت شعار حقوق الإنسان الشيعي، أو حقوق الشيعة، أو ما شابه ذلك، وتسجيلها في مؤسسات منتمية ومتفرعة من الأمم المتحدة، وإعطائها دوراً في ما يسمى الهيئات غير الحكومية، وجعلها أداةً في إثارة المطالب هنا أو هناك عند كل حادث من الحوادث. هذه وصية أساسية أرجو أن تؤخذ بنظر الاعتبار.

وأما المظالم التي يتعرض لها الشيعة بين حين وآخر، سواء كانت على المستوى المذهبي أو على المستوى السياسي، مستوى الحرمان السياسي، فقد بينت في بعض الوصايا السابقة، وأكرر البيان الآن، أن العمل لها يكون بالمزيد من كسب ثقة الآخرين، ومن تأكيد إسلامية الانتماء، ومن تأكيد عدم وجود أي مشروع منفصل عن المشروع الوطني العام لكل مجتمع، وعدم وجود نظام مصالح منفصل عن نظام المصالح العام لكل مجتمع.

هناك مشكلة لا تزال حية في بعض الأوساط المتعصبة في التيارات الوهابية، وهي تعمق الموقف السلبي المذهبي. هذا الأمر يجب أن يواجه من جهة بالصبر، ومن جهة بالاستعانة بالتيارات الإسلامية السنية المستنيرة، والتي قطعت شوطاً كبيراً في رؤيتها الإسلامية الصافية. وأعتقد أن هذا الأمر ـ بعد زمان قد يطول، ولا أقول قصير، ولكني لا أراه طويلاً جداً ـ هذا إلى زوال .

وحينما نلاحظ ونقارن بين ما كانت عليه الحال قبل عقدين من السنين مثلاً وما عليه الحال الآن في جميع أنحاء العالم الإسلامي بالنسبة إلى نظرتهم إلى الشيعة وإلى وضعهم المذهبي، فسنجد فرقاً واضحاً بين الحالين، وهو يشكل دليلاً واضحاً على أن الأمور تسير باتجاه سليم وباتجاه الاعتراف بالوضع المذهبي للمسلمين الشيعة من جهة، وبحقهم في الإنصاف والعدالة في المجال السياسي وفي المجال التنموي من جهة أخرى.

ومن هنا فإننا نشجع بقوة على دعم أي بادرة يقوم بها أي نظام حكم في العالم العربي نحو الديمقراطية، ونحو إقامة أي شكل من أشكال الشورى، وألا يطالب بالديموقراطية في صيغها العليا بل أن يسير الأمر رويداً رويداً، وأن يحقق هذا النمو السياسي وهذا التكامل السياسي رويداً رويداً.

ومن هنا اتخذنا قرارنا بدعم التوجه الذي أقدم عليه سمو أمير البحرين بتحديث النظام السياسي، وتحويله إلى ملكية دستورية تقوم على أساس مجلس منتخب، ومجلس أعيان معين، وقوانين تحدد الصلاحيات وتحدد الحدود. وهذا الأمر نأمل أن ينال عناية الجميع، في مقابل بعض الاعتراضات، إما سيئة النية أو قصيرة النظر، التي لا تقبل بهذا المقدار من التطور، وتريد وضعاً انقلابياً كاملاً. وهذه التيارات الحزبية خبرناها على مدى العشرين سنة الماضية، فلم نجد منها تأثيراً يذكر في تحسين أوضاع الشيعة، بل زادت الأمر سوءاً في كثير من الحالات… والحمد لله رب العالمين.

وتتمة لما قلنا، نكرر مقولتنا الشهيرة على المستوى العربي وعلى المستوى الإسلامي، وهي أنه ـ في منطقتنا العربية الإسلامية ـ لا توجد أقليات مسلمة ولا توجد مسيحية. توجد أكثريتان كبيرتان: إحداهما أكثرية كبيرة هي الأكثرية العربية التي تضم مسلمين وغير مسلمين، والأخرى هي الأكثرية الأكبر، وهي الأكثرية المسلمة التي تضم عرباً وغير عرب. والشيعة مندمجون في هاتين الأكثريتين، وهم تارة من الأكثرية العربية، وهم تارة جزء من الأكثرية الإسلامية، وكل شيء دون هذا فهو مشروع فتنة، وفخ لاستخدام الشيعة في مصالح غربية أجنبية مخالفة لمصالحهم هم كشيعة، ومخالفة لمصالحهم عرباً ومسلمين… والحمد لله رب العالمين.
نختم هذا الوجه الأول من الشريط الثاني (من الأشرطة) التي نسجل عليها هذه الوصايا.

 

*من كتاب وصايا الإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين.
هذا الكتاب هو من أواخر ما تحدث به الشيخ مهدي شمس الدين ، الرئيس الأسبق للمجلس الشيعي الأعلى في لبنان ، وهو يوصي فيه اتباعه و شيعة لبنان عامة بالسير على نهجه ونهج موسي الصدر من قبله والمخالف لنهج ” حزب الله ” الذي يسير في الفلك الإيراني ، أحببنا نشر الكتاب بكامله بدلاً من عرضه لصغر حجمه وأهميته في هذه المرحلة .
أصل الكتاب أحاديث شفوية لشمس الدين وهو على سرير المستشفي في باريس ، سجلها له ابنه إبراهيم ومن ثم قام بتفريغها ونشرها ونص إبراهيم شمس الدين علي أن : ” بعض المواضع من التسجيل، هناك انقطاع كامل أو شبه كامل لصوت الإمام، إما بدخول صوت أقوى من صوته التقطه الجهاز، وإما نتيجة اضطراب في تشغيل مفاتيح الآلة. وقد أشرنا بوضوح إلى مواضع الفراغ في النص، إذ وضعنا الكلمات أو العبارات القليلة المضافة بين معقوفين (هكذا: [ ])؛ وهي إضافات يقتضيها اتصال السياق “.
ونشرنا لها لا يقتضي الموافقة على كل ما جاء فيها.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky