خرید فالوور اینستاگرام خرید لایک اینستاگرام قالب صحیفه
الرئيسية / موقع الاجتهاد و جميع المواضيع / جميع الأبحاث والأحداث / حوارات ومذکّرات / 4 حوار / الشهيد الصدر في رؤى العلماء والمفكرين.. حوار مع العلامة الشيخ حسن طراد العاملي
الشهيد الصدر

الشهيد الصدر في رؤى العلماء والمفكرين.. حوار مع العلامة الشيخ حسن طراد العاملي

الاجتهاد: حوارات حول شخصية السيد الشهيد محمد باقر الصدر “قدس سره” وفكره ودوره اجرتها هيئة تحرير مجلة المنهاج مع ثله من العلماء والمفكرين ‏هم: المشاركون: العلامة السيد محمد حسن الأمين، العلامة الشيخ حسن طراد، د. حسن حنفي.

تكن شخصية السيد الشهيد محمد باقر الصدر متعددة الجوانب، ومتفردة على مختلف المستويات، وما كان ممكنا ان يكتمل‏ التعرف اليها من طريق الدراسات والمقالات فحسب، ولهذا رات هيئة تحرير مجلة المنهاج ان تعتمد مقاربة اخرى ‏تتمثل في اجراء حوارات مع علماء ومفكرين عرفوا السيد الشهيد معرفة شخصية وثيقة او من خلال كتبه وآثاره‏ العلمية.

فسعت الى عدد من العلماء والمفكرين تطلب منهم المشاركة. ووفقت، بعون اللّه، الى اجابات نخبة منهم هم: السيد محمد حسن الامين، الشيخ حسن طراد، الدكتور حسن حنفي، الدكتور محمد البشير الهاشمي مغلي، الشيخ دكتور فتحي يكن، عن كثير من الاسئلة التي طرحتها، وفي ما ياءتي يجد القارئ الاسئلة والاجابات عنها…

وكان اللقاء الثاني مع سماحة العلامة الشيخ حسن طراد العاملي

ـ سماحة العلامة الشيخ حسن طراد هو احد تلامذة الشهيد الصدر(رض) المبرزين الذين حضروا دروسه ومحاضراته، وتعاملوا معه، طوال سنوات، فعرفه عن قرب. التقيناه، وكان هذا الحوار:

كيف تقومون، سماحتكم، صلتكم العلمية والروحية بهذا العالم والمفكر الاسلامي الكبير؟

ان صلتي بهذا العالم العظيم والمحقق الجليل والفيلسوف العملاق هي صلة تاريخية عميقة الجذور، واسعة الافاق، بدات منذ اليوم الاول الذي قدر لي فيه ان اتوفق لاخذ درس الاصول، بمستوى بحث السطوح العالية من الكفاية بجزئيها للمحقق الخراساني (قده)، والرسائل للشيخ الانصاري (قده)، على يد اخيه العلامة الجليل والمجتهد الكبيرسماحة حجة الاسلام والمسلمين السيد اسماعيل الصدر (قده). وكان ذلك اول وصولي من لبنان الى النجف الاشرف سنة 1954م، بعد ان

طويت رحلة المقدمات المعهودة في النحو والصرف والبلاغة ومنطق الحاشية والشمسية والمعالم في الاصول والجزء الاول من مختصر الفصول، تمهيدا للشروع بدراسة الكفاية مع دراسة الشرائع، على يد افاضل علماء لبنان في ذلك التاريخ.

وبعد الفراغ من دراسة الكتابين المذكورين (الكفاية والرسائل)، على يد العلامة اسماعيل الصدر، بدات بحضور بحث الخارج في الاصول على يده، واستمر على الاعطاء والافادة وطلابه الفضلاء على الاخذ والاستفادة، مدة غير قصيرة،وبعدها توقف عن ذلك لتلبية نداء الواجب المقدس الذي توجه نحوه، بطلب اهالي مدينة الكاظمية للانتقال اليها ليقوم بدور المعلم والمرشد المربي في تلك المدينة التاريخية المقدسة.

وعلى اثر ذلك، وبلا فاصل، بدات بحضور بحث الخارج في الاصول على يد الشهيد الصدر (قده)، مع اخذ درسين آخرين في خارج الاصول والفقه على يد آية اللّه العظمى السيد الخوئي (قده). وهكذا بقيت ملازما لدرس الشهيد مدة لاتقل عن ثلاث عشرة سنة.

والذي جذبني الى حضور بحثه العلم هو ما عرف به (قده) من عمق الفكر ودقة النظر ومحاولة اعطاء كل موضوع حقه بالبحث العميق والاحاطة المستوعبة.

وهذا وذاك هو ما كنت راغبا فيه، وحريصا عليه، منذ بدات بدراسة المقدمات المعهودة والسطوح بمرحلتها الاولى، ثم السطوح بالمستوى العالي المتمثلة، بابحاث الكفاية والرسائل في الاصول والمكاسب في الفقه، حيث كنت حريصا على مطالعة الشروح وما تشتمل عليه غالبا الاشكالات العلمية الواردة، ولو ظاهرا، مع الاجابات المفيدة والحلول السديدة.

وكان ذلك من اجل تحصيل مطالب الكتاب باتقان واحاطة. وبقيت على ذلك مدة استفادتي العلمية من مدرسة الشهيد الصدر (قده) التي اخذت طابعا متميزا لفت الانظار وبعث على التقدير والاكبار.

وبذلك يعرف مدى صلتي العلمية بهذا المحقق الكبير والفيلسوف القدير وما استفدته منه خلال المدة المذكورة. وحيث ان اشباع الجوعة الفكرية وازالة الظما العقلي بالغذاء العلمي الوافي والشراب الثقافي المروي ينعكس ايجابا على العلاقة الروحية، حيث تتعمق وتقوى بقدر قوة رابطة العقل والفكر الاخذ المستلهم بالعقل والفكر المعطي والمعلم.

اجل، على ضوء ادراك مدى التفاعل والتجاوب الحاصل بين عقل الشهيد الاستاذ المفيد وفكره وبين وعقل تلميذه المستفيد وفكره، وما يرتب على ذلك من الانجذاب الروحي، يعرف مدى عمق الصلة الروحية التي صهرت روحيهما في بوتقة الحب والاخلاص والتقدير والاجلال، لتجعلهما بمنزلة الروح الواحدة الحالة في جسمين متقابلين، بحيث يصبح هذا الانصهار والوحدة الروحية المعنوية مصداقا لصدر بيت الشعر القائل: «انا من اهوى ومن اهوى انا».

حبذا لو تفضلتم بالحديث عن موقع الشهيد الصدر(قده) بين العلماء المراجع والمفكرين الاسلاميين المعاصرين.

ان الموقعية التي وصل اليها الشهيد الصدر(قده) بين المراجع والمفكرين بلغت المرتبة السامية في ميزان التقدير والاعتبار، انه(قده) تمتع بنبوغ متالق، وهمة عالية، وعزيمة ماضية، ورغبة جامحة لا تعرف معها الملل، ولا يعترف بالصعوبات، بدليل انه كان يملا فراغ ست عشرة ساعة من الوقت مكبا على الافادة بقلمه مؤلفا، ومنبره مدرسا، ومدرسة منزله مربيا، وعلى الاستفادة بالمطالعات الموسوعية المتنوعة من اجل الالمام والاحاطة بكل ما تحتاجه الساحة الفكرية وعلى نطاق واسع، الامر الذي مكنه من اغناء المكتبة العربية والاسلامية بمؤلفاته القيمة المتنوعة المعهودة.

كما زود الاسلام والمسلمين، بل والمجتمع العام، بعلماء اجلاء، ومدرسين فضلاء، ومجاهدين مضحين في سبيل القضية العادلة التي جاهد من اجلها، واستشهد في سبيلها.

اجل، ان مجموع هذه المزايا والخصوصيات التي تجمعت في شخصيته متاثرا بعامل الوراثة، فهو من اسرة علمية قيل في حقها: لا يوجد فيها عالم من علمائها الاجلاء الا وهو مرجع عام يقود الامة، او مجتهد مجاهد في سبيل نصرة الحقفي مختلف المجالات. واذا اضيف الى عامل الوراثة الفاعلة عامل التربية الواعية الموجهة، فذلك نور الى نور. وحيث كان محققا ومحلقا في جميع العلوم والفنون العلمية المعهودة، والعصرية المنشودة، فقد ملك اعجاب جميع الطبقات

والفئات وتقديرها، فالفقهاء يقدرونه لعمقه الفقهي، والاصوليون لدقته واحاطته الاصولية، والفلاسفة لنضج فلسفته، ورجال الاقتصاد لبلوغه قمة النجاح في اقتصاده، وهكذا وعلى مثلها فقس ما سواها.

كيف تقومون منهج الشهيد الصدر في البحث الفقهي والاصولي؟ وما الذي يمتاز به هذا المنهج من خصائص؟

قد عرف منهجه، في هذين البحثين، مما اشرت اليه خلال الاجابة عن السؤالين السابقين. وللتفصيل اقول: لقد تميز فيذلك، وفي سائر العلوم التي كتب فيها، او درسها، بعمق النظر ودقة الفكر، ليبرز البحث العلمي باسلوب عميق ومستوعب لما يناسب ان يذكر فيه من الخصوصيات الدقيقة.

كما تميز ايضا بمحاولة التجديد في اي بحث من الابحاث التي تطرق لها تدريسا او تاليفا. وبرز ذلك باسلوب العرض المفصل والترتيب الفني الذي راعاه بين موضوعات البحث مع اختيار بعض المصطلحات العصرية التي تلقي الضوء على المضمون المقصود بيانه للقارى والمجتمع، وذلك مثل اصطلاح «العناصر المشتركة» الذي اطلقه على القواعد الاصولية التي يمكن الاستفادة منها في كل باب من ابواب الفقه.

واكد الاصطلاح المذكور باطلاق عنوان: «منطق الفقه» على علم الاصول بالوجه المذكور نفسه، لاطلاق اصطلاح العناصر المشتركة على القواعد الاصولية، وهو تطبيق قواعده والاستفادة منها في كل باب من الابواب الفقهية، كما يستفاد من علم المنطق بوجه عام في جميع العلوم والفنون.

ويتضح ما ذكرته للاجابة على هذا السؤال الثالث بمطالعة حلقاته الاصولية، حيث تميزت من غيرها من كتب الاصول بالخصوصيات المشار اليها، مع تحرره من الاسلوب التقليدي المعهود المتبع من جهة ترتيب الابحاث والموضوعات،ومن حيث الاسلوب البياني الدارج لدى الكثيرين.

ما هي ابرز آراء الشهيد الصدر الفقهية والاصولية التي تميز بها، او اضاف فيها جديدا الى نظريات من سبقه من الفقهاءوالاصوليين؟

ان الاراء الفقهية والاصولية التي تميز بها الشهيد (قده)، من غيره من الفقهاء والاصوليين، كثيرة بحكم رغبته في التجديد ودقة نظره التي توحي له غالبا بالاراء الجديدة المفيدة، وساقتصر على ذكر مثالين من آرائه الجديدة في علم الاصول التي خالف فيها المشهور:

الاول: اعتماده، في حجية الاجماع، على نظرية حساب الاحتمالات التي تحرر بها من عامل الكم الذي يفهم اعتباره من كلمات الكثيرين المفسرين للاجماع، وقد استطاع ببركة تطبيقه النظرية المذكورة ان يتحلل من هذا العامل ويرى ان لا موضوعية له، ويرى ان الميزان في حجيته هو كل ما تؤدي ملاحظته الى حصول العلم او الاطمئنان الملحق به بمطابقة مضمون الاجماع للواقع وان الحكم الذي قام عليه صادر من الشارع.

والمثال الثاني: انكاره للبراءة العقلية المعتمدة على نظرية قبح العقاب بلا بيان.وقد اخذ المشهور بهذه النظرية، وبنى عليها البراءة العقلية في كل مورد لا يوجد فيه بيان من قبل الشارع على الحكم الشرعي.

ولا يخفى ان البراءة العقلية انما يحتاج اليها في المورد الذي لا تجري فيه البراءة الشرعية المستفادة من الكتاب الكريم، مثل قوله تعالى: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا)، او من السنة المطهرة، واوضح مصاديقها حديث الرفع المشهور، وذلك لانه بعد صدور المؤمن الشرعي من العقاب لا يبقى هناك شك واحتمال، محصوله حتى يحتاج الى ما ينفيه. وبالاعتبار المذكور تكون البراءة الشرعية حاكمة على البراءة العقلية لرفعها لموضوعها، وهو الشك واحتمال العقاب تعبدا.

وحاصل الوجه الذي اعتمده الشهيد لانكاره البراءة العقلية، رغم ذهاب المشهور اليها وعملهم بها، هو ان تطبيق قاعدة قبح العقاب بلا بيان انما يصح بالنسبة الى المولى العرفي باعتبار ان حق الطاعة الثابت له على عبده وبموجبه وجبتعليه تاديته، وحرمت مخالفته، انما ثبت له عليه ببناء العقلاء وجريان سيرتهم على ثبوت هذا الحق للمولى على عبده.

وبعد التامل وملاحظة ان العقلاء لا يعطون للمولى هذا الحق الا في المورد الذي يحصل للعبد العلم او الاطمئنان بتوجيه التكليف اليه من قبل المولى وفي ما عداه من الموارد التي لا يحصل له فيها الا الظن او الشك بتوجه هذا التكليف نحوه فلا يحكمون بثبوت حق الطاعة له على عبده لقاعدة قبح العقاب بلا بيان.

واما المولى الحقيقي، وهو اللّه سبحانه المالك لكل كيان العبد المادي والمعنوي، فلا مجال لتطبيق القاعدة العقلية المذكورة بالنسبة اليه، وذلك لان حق الطاعة الثابت له على عبده بحكم العقل السليم والعقلاء الحكماء، لا يختص ثبوته له عليه بخصوص مورد العلم، بل يشمل حتى مورد الظن والشك، لان اللّه سبحانه مالك لكل طاقاته المادية والمعنوية،ولا يجوز له ان يصرف او يتصرف بها في اي مورد من الموارد بالفعل والاقدام او الترك والاحجام الا مع اقران رضا المولى بذلك.

وحيث لا يحرز رضاه بالترك في مورد الشبهة الوجوبية ولا بالفعل في مورد الشبهة التحريمية، فلا بد له من الاحتياط بفعل جميع الافراد والاطراف في مورد الشبهة الاولى، وبتركها في مورد الثانية لان ذلك هو الذي يحرز رضا المولى به من دون سواه من التصر فات كما هو واضح.

ما هي ابرز جهود الشهيد الصدر واسهاماته الفكرية في حقول المعرفة الاسلامية الاخرى التي كتب فيها غير الفقه والاصول؟

ان جهود الشهيد الصدر واسهاماته المشكورة التي قدمها في حقول المعرفة الاسلامية، غير الفقه والاصول، كثيرة ومشهورة ابرزها كتب «فلسفتنا» و«اقتصادنا» و«الاسس المنطقية للاستقراء» و«المدرسة القرآنية» و«التفسير الموضوعي للقرآن الكريم»، وهو مجموع محاضرات القاها على الحشد الغفير من طلابه وبقية احبابه في النجف الاشرف قبل شهادته.

كيف تقومون حركة الشهيد الصدر الجهادية من اجل رفعة الاسلام وتحكيم الشريعة الاسلامية في الحياة في مختلف مجالاتها؟

ان حركة الشهيد الجهادية من اجل تحقيق الهدف المذكور، وهو هدف الانبياء والائمة السادة النجباء والمصلحينالعظماء في التاريخ، كانت حركة رائدة وقائدة قام بها منذ احس بضرورة العمل الاسلامي الموضح لاهداف الاسلام، والمزيل لجميع العقبات التي تعترض سبيل انتصاره وانتشاره، وقد اعد لاضطلاعه بهذا الدور الرسالي عدته اللازمة، حيث وسع دائرة ثقافته العصرية الرسالية، وذلك باطلاعه على اهم العلوم العصرية المتنوعة ليخاطب الجيل المعاصر بلغته المفهومة لديه والمؤثرة على سير تفكيره، ليتحول من خط الانحراف الفكري والعملي الى نهج الاسلام القويموصراطه المستقيم.

وتاتي مؤلفاته الفكرية الرائعة والرائدة، وخصوصا «فلسفتنا» و«اقتصادنا» و«الاسس المنطقية للاستقراء»، لتكون الشاهد الحي المعبر عن سعة دائرة معارفه ومدى تاثيرها على الفكر المعاصر، الامر الذي ساعده على بناء قاعدة شعبية واسعة اكثر افرادها من الشباب الطليعي المثقف.

ولا تزال صورة مجلسه اليومي الذي كان يستقبل فيه، يوميا، الوافدين لزيارته على اختلاف طبقاتهم ومستوياتهم،ماثلة في ذهني تبعث في العقل النور، وفي النفس الاعجاب والتقدير بما كان يجيب به عن اسئلتهم مع تنوعها وعمقالكثير منها، وبهذا وذاك كان بجدارة واستحقاق مرجع العصر وقائد الامة العامة في طريق الرسالة الخالدة والمنطلق بهانحو اهدافها السامية وخصوصا جيل الشباب منها، حيث شغفوا به حبا وتفاعلوا مع دعوته الواعية الرائدة المحركة للعودة الى الاسلام من جديد، لتدرك به كل ما تصبو اليه وترغب فيه من الاهداف الرسالية التي تنعش الانسان فردا ومجتمعا، ماديا ومعنويا، دنيويا واخرويا، وليس غريبا ان يكون كذلك ما دام مشرعا من قبل رب العالمين الذي بعث به سيد المرسلين ليكون رحمة للعالمين، وآخر دعوانا ان الحمد للّه رب العالمين. 

 

المصدر: مركز الابحاث والدراسات التخصصية للشهيد الصدر

 

العلامة الشيخ حسن طراد العاملي

ولد سماحة الشيخ حسن بن الحاج محمد طراد سنة 1931 م في بلدته معركة من أبوين مؤمنين متمسكين بتعاليم الدين مقدرين لرجاله، فبدأ سماحته دراسة العلوم الدينية حيث أتم دراسة المقدمات علي يد نخبة من علماء جبل عامل أمثال: العلامة السيد محمد جواد الحسيني والعلامة السيد هاشم معروف والعلامة الشيخ خليل مغنية والعلامة الشيخ موسى عزالدين،

متنقلاً بين قرى العباسية ومعركة وطيردبا وجناثا، وقد أمضى سماحته تلك المرحلة الدراسية من حياته متفرغا تفرغا كليا لطلب العلم، ومخلصاً للهدف العلمي الذي وضعه نصب عينيه بشكل قد يتخطى في بعض الأحيان كل المقاييس الدراسية المطلوبة من الطالب في حينها، حيث كانت تدفعه الرغبة الجامحة والعزيمة الماضية في طلب العلم كي يمضي طيلة ساعات النهار وأكثر ساعات الليل بالمطالعة والكتابة دون ملل أو كسل، وأيضا هذه المثابرة اللامتناهية جعلت سماحة الشيخ محط إعجاب الإمام السيد عبد الحسين شرف الدين (قده) الذي كان يشد على يديه ليبقى باندفاعه وتصميمه على إكمال هذا الطريق بذلك النشاط، وقد بعث الإمام شرف الدين لسماحة الشيخ هذين البيتين من الشعر وهما: طلبت المعالي وهي بِكرٌ فنلتها/ وما كل من رام المعالي ينالُها/ خلوتَ بها والناس في رقدة الكرى/ هجودٌ ولم يخطر إليهم خيالها.

المجاهد علْماً وعملاً

سافر سماحة الشيخ حسن طراد إلى النجف الأشرف سنة 1954 م، وقد توفق للدراسة على يد كبار علماء ومراجع الحوزة العلمية أمثال: المقدس الشيخ محمد تقي الجواهري وآية الله السيد اسماعيل الصدر (قده) وأخيه آية الله الشهيد السيد محمد باقر الصدر وكذلك درس سماحته عند زعيم الحوزة العلمية السيد الخوئي (قده) وعند الإمام السيد محسن الحكيم (قده)،

هذا و قد أمضى سماحته أكثر من سبعة وعشرين عاما في النجف الأشرف طالبا مثابراً وأستاذا لامعا، وقد اشتهر عن سماحته أنه كان من الطلاب المقربين من أستاذه الشهيد آية الله السيد محمد باقر الصدر حيث كان يُجلسه دائماً إلى يمناه ولا يشرع بإعطاء الدرس قبل حضوره.

وكان عمدة تحصيله لبحث الخارج الفقهي والأصولي على يد أستاذه آية الله الخوئي (قده) وأستاذه آية الله الصدر، فأكمل على يديهم أكثر من دورة أصولية، هذا وكان لسماحته علاقة وثيقة ومودة عميقة تربطه بالإمام الخميني (قده) وبالإمام المغيب السيد موسى الصدر حيث كانا مقيمين بالنجف أثناء فترة دراسته هناك.

وفي العام 1981عاد سماحته الى وطنه حيث كانت ساحة الجهاد العلمي والعملي بانتظاره. فبدأ نشاطه في مسجد الإمام المهدي (عج) في منطقة الغبيري، إذ كان يؤم المصلين ويقوم بواجب الإرشاد والتوجيه والتفقيه.

ومن المسجد انطلق الى المجتمع ففتح له قلبه ومنزله، فكان ولازال يستقبل الفقراء والأيتام ويحنو عليهم حنو الأب على أبنائه بالإضافة الى أصحاب المشكلات والحاجات وغيرها من القضايا الشرعية و الإجتماعية التي كان يتصدى لحلها .

وبالإضافة الى ذلك كان سماحته يقوم بجولات أسبوعية على القرى والبلدات الجنوبية، محاضراُ ومثقِّفاً، إيماناً منه بأهمية ترسيخ المفاهيم الإسلامية الحقة في مواجهة موجة الإنفتاح الحضاري على الغرب، وخصوصاً أن تلك الفترة كانت الصحوة الإسلامية في لبنان ما زالت في بداياتها.

بدأ سماحة الشيخ بإعطاء الدروس الحوزوية وذلك بعد قدومه من النجف الأشرف بفترة وجيزة في حوزة الرسول الأكرم (ص) والتي كان له دور التأسيس والتدريس فيها، وقد استمر على التدريس فيها لأكثر من سبعة عشر عاماً.

هذا وقد تتلمذ على يده مجموعة كبيرة من أفاضل العلماء أثناء فترة تدريسه في العراق وفي لبنان، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر: آية الله العظمى المرجع السيد محمد صادق الصدر(قده)، نائب أمين عام حزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم، سماحة القاضي الشيخ يوسف عمرو، سماحة المفتي الشيخ عبد الأمير شمس الدين، سماحة الشيخ عبد الكريم عبيد وغيرهم العديد من العلماء الأفاضل.

علاقة جمع

لعب سماحة الشيخ دورا بارزا في توحيد صفوف الطائفة وتحصينها في مواجهة رياح الفتنة التي عصفت بها، محافظا على التوازن في العلاقات الإجتماعية مع كل الفئات والتنظيمات العاملة على الساحة اللبنانية، وذلك من خلال انفتاحه على الجميع من أجل تشجيع المحسن على إحسانه وتنبيه المخطئ على خطئه بالحكمة والموعظة الحسنة، فكان دائما ولا يزال بامتيازعلامة الجمع.

وعلى صعيد آخر كان لسماحته دور بارز أيضا في دعم ثقافة المقاومة في وجه العدو الصهيوني في كل المجالات وعلى مختلف الإتجاهات التي كان يتحرك من خلالها، فأعطى الترخيص الشرعي للشهيد بلال فحص بالقيام بعملية استشهادية ضد العدو الصهيوني.

ومما كان يقوله سماحته للمجاهدين: “إن جهادكم اليوم على أرض الجنوب لهو امتحان متجدد في تاريخ الصراع بين عز وإباء الحق وبين ذل وهوان الباطل. أبنائي إن كل رصاصة تطلق على صدر العدو هي صلاة تتقربون بها الى الله تعالى، وإن كل قرية وبلدة تتحرر تصبح كعبة ثانية، نطوف حولها طواف العزة والإباء، هذه المعركة معركتنا وهذا المصير مصيرنا، فلا قيمة لحياة تنكسر فيها الرقاب وتذل فيها النفوس وتضعف فيها القلوب، فإما أن نعيش أعزاء أحراراً وإما نتوج بشرف الشهادة”.

ومن جهة أخرى يحدثنا سماحته عن تجربته في التعليم الديني فيقول : “تجربتي كانت نابعة من حرصي على الدين وأحكامه السمحاء والذي يشتمل على جميع ما يحتاجه الإنسان في حياته الدنيوية والأخروية، وبهذا الإعتبار عُرف عن الإسلام أنه دين الحياة”.

معتبراً أنها تجربة موضوعية استطاع أن يدمج فيها بين بناء الفكرالحوزوي وبناء الفكر التربوي والأخلاقي للطلاب، وهذا التوجه الذي اعتمده في التدريس عبر عنه مخاطبا الأستاذ المربي من خلال هذه الأبيات الشعرية التي يقول فيها “بعثتك ألطافُ السماء رسولا/ لتشيد مجتمعاً وتبني جيلا/ فاغرس بذورَ الدِّين في أفكاره/ لتنال من توجيهه المأمولا/ الدينُ مدرسةُ الهدى فبغيره/ لا تستطيعُ إلى الصلاح وصولا/ والعلم لا يُجدي بغير عقيدة/ كالنور لا يُجدي الضرير فتيلا/ إن التقدُمَ في العلوم تأخرٌ / إن لم يهذِّب أنفساً وعقولا”.

وعن نظرته الى المشهد الداخلي في ظل الإصطفاف الطائفي والمذهبي في لبنان يقول سماحته :” نحن اليوم بحاجة أكثر من أي وقت مضى الى عمل دؤوب وجاد لإعادة ترشيد ثقافة العيش المشترك، فلم يعد مقبولا أن تمزقنا الحياة السياسية بكل تقلباتها.

فإذا كانت هناك للأسف ظروف ومعطيات محلية وإقليمية تتحكم في مسار ومصير هذا الوطن، فما من مبرر مطلقا لنا كلبنانيين بالسماح للخطاب السياسي بأن يبني الحواجز المصطنعة بين أبناء الوطن الواحد على اختلاف طوائفهم وتوجهاتهم، خصوصاً في هذه الأيام، حيث أنني أرى أن آلة الشحن الطائفي لا تهدأ، لذلك علينا جمعيا أن نتحمل المسؤولية لا أن نتقاذفها، وكلٌّ من موقعه السياسي والديني والتربوي والإجتماعي، وإلا فإن الأجيال القادمة لا ترحمنا”.

مؤلفات سماحته
من وحي الإسلام
فلسفة الصيام في الإسلام
فلسفة الحج في الإسلام
فلسفة الصلاة في الإسلام
دروس تربوية من وحي النهضة الحسينية
من نور الإسلام (شعر)

 

موسوعة الإمام الشهيد السيد محمد باقر الصدر “قدس سره”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign