الاجتهاد: في سنة (448 هـ) نزح إلى مدينة النجف من بغداد كبيرُ علماء الشيعة، الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، إثر فتنة طائفية أثارها السلجوقيون في مفتتح حكمهم في العراق، والتي من آثارها الهجوم على دار الطوسي، ونهب كتبه وإحراق كرسيّه الذي يجلس عليه للتدريس، وإحراق مكتبات أخرى.
فكان ارتحال الشيخ الطوسي إلى النجف، بداية عهد جديد في حياة هذه المدينة التي أخذت منذ ذلك العهد تتحول من مدينة ومزار إلى جامعة كبرى.
اليوم، تمثل مرجعية وحوزة النجف، المرجعية الاولى في المجتمع الشيعي لذلك يمتد مقلدوها في بقاع مختلفة من العالم، ويرجعون اليها في استيضاح مستجدات المسائل الشرعية، ويتواصلون معها من خلال حلقة الوكلاء الذين ينوبون عنها في المناطق التي يتواجدون فيها اتباعهم .
في زمن تتحدث تقارير صحفية من خارج العراق عن انتشار افكار غربية عن انماط الفكري المجتمعي العراقي وتتجذب الشباب يرى رجل الدين الشيعي اباذر الامين (الاستاذ في الحوزة ومدير مدرسة خاتم الانبياء)، ان “الحوزة العلمية تقسم الى قسمين، الحوزة الحرة وحوزة المدارس، الاولى هي أكبر من الثانية وتكون الدراسة فيها عن طريق المساجد والحسينات، في حين ان حوزة المدارس تستوعب الطالب وتهيأ له السكن والطعام والراتب الشهري والدروس”.
ويضيف اباذر الامين أن “الحوزتين تضمان أكثر من 16 ألف طالب حاليا، وهذا مؤشر واضح على الاقبال الشديد على الحوزة العلمية ، حيث ان في عهد النظام السابق كانت الحوزة العلمية لا يتجاوز عدد طلبتها الثلاثة الاف واغلبيتهم تم اعتقالهم او قتلهم والتضييق عليهم”.
ويبين ان “الحوزة العلمية حريصة على تاريخها وبنيت على الاستقلال ولا تتلقى اي أموال من الحكومة أو اي جهة اخرى سياسية او غير سياسية”، مشددا بالقول ان “بعض الجهات السياسية حاولت دعم الحوزة لكن المرجعية رفضت ذلك الاخيرة لأنها لا تريد ان تكون تابعة لاي شخصية، حتى لا تتكرر تجربة الازهر في مصر، فيحنما دعمت ومولت من قبل الحكومة قلت شعبيته وقلت هيبته أمام الناس والمجتمع”.
اما الشيخ صلاح الكعبي مدير مدرسة الامام الجواد، في حوزة النجف يبين ان “حوزة النجف الاشرف تستقبل سنويا عداد كبيرة من الشباب الراغبين بالدراسة فيها، حيث هنالك أكثر من 100 مدرسة تستقبل سنويا ما يزيد عن1000شباب للدراسة فيها، وفي بعض الاحيان تكون هنالك مدرسة واحدة يدرس فيها أكثر من 500 طالب”.
ويضيف ان “رواتب الطلبة والتدريسيين في الحوزة تتراوح بين الـ 200 و 500 ألف دينار عراقي وهي تمنح فقط لكي يستطيع الطالب توفير مستلزمات حياته ودراسته وهي تختلف باختلاف المرحلة العلمية للطالب او المعمم”.
ولا تشترط الدراسة الدينية في الحوزة العلمية في النجف الأشرف في زي خاص ومعين، بل يستطيع كلّ إنسان مهما كان زيّه الحضور في حلقات الدراسات الإسلامية من دون رادع مهما كان مستوى البحث من ناحية المقدمات أو السطوح أو الخارج.
ولكن المتعارف عليه في النجف الأشرف أن الطالب المبتدئ عندما يلتحق بالحوزة يحافظ على زيه السابق ويبتدأ بدراسة المقدمات ثم يتعمم بعد أن يقطع شوطاً من دراساته التمهيدية ويتعمم البعض الآخر عندما ينهي مرحلة المقدمات وينتقل إلى مرحلة السطوح وقلما تجد طالباً في مرحلة السطوح لم يكن معمماً ونادراً ما تواجه طالباً في مرحلة الخارج من دون عمامة.
من جانبه، قال مدير المعهد التخصصي للقران والحديث، في الحوزة، الشيخ علي الشويلي ان “الحوز الدينية هي مؤسسة قائمة ومستقلة بذاتها وليست لها اي علاقة بالحكومة باي حال من الاحوال سواء من حيث الاموال او غيرها”،
مبينا الدكتور الشويلي ان “الاقبال على الدراسة في الحوزة لا بأس به لكن المستوى المعيشي المتدني في العراق اثر على ذلك حيث ان غالبية الشباب العراقي حاليا يقف حائرا امام توفير لقمة العيش، لكن مع كل هذه الظروف نلاحظ ان الشباب لن يتركوا الدراسة الدينية حيث ان المئات منهم يتم قبولهم سنويا في مدارس الحوزة العلمية”.
وفي ذات السياق، يقول السيد محمّد الغروي، ان “الحوزة العلمية في النجف الأشرف تمنح لطالب الدراسات الدينية ألقاباً تعرب عن المرحلة العلمية الّتي بلغها الطالب، وهذه الألقاب المعروفة هي الفاضل: من كان على وشك الانتهاء من مرحلة المقدمات بجدارة واتقان، وهي: العلاّمة: كلّ من أنهى مرحلة السطوح باستيعاب كامل وجدية تامة ويقوم بتدريس بعض الكتب من مرحلة المقدمات على المبتدئين، الحجة: إذا أنهى دورة في بحث الاُصول وشيئاً كثيراً من الفقه على مستوى الخارج بتفهم ودقة وكان لامعاً بين زملائه في استيعاب الدروس من مرحلة الخارج.
آية الله: المجتهد المطلق، آية الله العظمى: المجتهد المطلق الّذي تولى الإعلان عن فتاويه وآراءه الفقهية للناس بطبع الرسالة العملية للمقلدين، و المرجع: المجتهد المطلق الّذي يقلد عند بعض الناس، المرجع الكبير: هو المرجع والمقلد لدى كثير من الناس في العالم”.
ويضيف أن “هذه الألقاب لا تعطى لأصحابها المستحقين لها من قبل جهة في الحوزة تقوم بهذه الاُمور بل تقدم من قبل الأساتذة المعروفين حيث يقرون هذه الألقاب عبر مرور الزمان وفي المجالس المختلفة وفي أحاديثهم ومخاطباتهم ومراسلاتهم”.
بقلم: رسول علي
المصدر: وان نيوز