الاجتهاد: ظهر جماعة من الكتّاب في الآونة الأخيرة دعوا إلى قراءة التشيع قراءة تجديدية من خلال إعادة النظر في أهم أركانه ومقوماته فتوقفوا، بل أنكروا جميع ما يعدّ من الأركان الأساسية للمذهب، فالنصب الإلهي كالنص النبوي وعلم والغيب والعصمة المطلقة.
يتميز التشيع وهو المذهب الذي ينتمي له أتباع أهل البيت(ع) بمقومات أساسية وأركان ثابتة تميزه عن بقية المذاهب الإسلامية الأخرى فهو يتقوم بالاعتقاد بالنصب من الله سبحانه وتعالى لخلفاء النبي(ص) والنص عليهم من قبل رسول الله(ص) كما أن أحد أركانه الاعتقاد بكون خلفاء رسول الله(ص) وأوصيائه والأئمة الأطهار(ع) من بعده، يعلمون الغيب وأنهم معصومون ومطهرون من كل ذنب ومعصية فلا يتصور صدور المعصية الصغيرة منهم فضلاً عن الكبيرة.
وقد ظهر جماعة من الكتّاب في الآونة الأخيرة دعوا إلى قراءة التشيع قراءة تجديدية من خلال إعادة النظر في أهم أركانه ومقوماته فتوقفوا، بل أنكروا جميع ما يعدّ من الأركان الأساسية للمذهب، فالنصب الإلهي كالنص النبوي وعلم والغيب والعصمة المطلقة.
وقد تمسك هؤلاء بأمور لدعواهم، فجعلوا أحد دوافعهم إلى انكار العصمة مثلاً الاستشهاد بكلام الشيخ الصدوق(ره) في مسألة سهو النبي(ص)، وقد رتب هؤلاء أثراً مهماً وهو: أن الشيعة الأوائل كانوا يجيزون وقوع السهو والنسيان من النبي(ص)، فيما هو خارج عن مجال النبوة والتبليغ عن الله، ومن باب أولى كانوا يعتبرون مثل ذلك جائزاً في حق الأئمة الأطهار(ع)، وهذا فرع النظرة البشرية التامة إلى مسألة الإمامة[1].
والمقصود من كلام الصدوق(ره)، ما ذكره في كتابه الفقيه، حيث قال(قده): إن الغلاة والمفوضة لعنهم الله ينكرون سهو النبي(ص)، ويقولون: لو جاز أن يسهو(ع) في الصلاة لجاز أن يسهو في التبليغ، لأن الصلاة عليه فريضة كما أن التبليغ عليه فريضة.
وهذا لا يلزمنا، وذلك لأن جميع الأحوال المشتركة يقع على النبي(ص) فيها ما يقع على غيره، وهو متعبد بالصلاة كغيره ممن ليس بنبي، وليس كل من سواه بنبي كهو، فالحالة التي اختص بها هي النبوة، والتبليغ من شرائطها، ولا يجوز أن يقع عليه في التبليغ ما يقع عليه في الصلاة لأنها عبادة مخصوصة والصلاة عبادة مشتركة، وبها تثبت له العبودية وبإثبات النوم له عن خدمة ربه عز وجل من غير إرادة له وقصد منه إليه نفي الربوبية عنه، لأن الذي لا تأخذه سنة ولا نوم هو الله الحي القيوم، وليس سهو النبي(ص) كسهونا، لأن سهوه من الله عز وجل، وإنما أسهاه ليعلم أنه بشر مخلوق فلا يتخذ رباً معبوداً دونه، وليعلم الناس بسهوه حكم السهو متى سهوا.
وسهونا من الشيطان وليس للشيطان على النبي(ص) والأئمة(ع) سلطان:- (إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم مشركون)، وعلى من تبعه من الغاوين، ويقول الدافعون لسهو النبي(ص) إنه لم يكن في الصحابة من يقال له ذو اليدين، وإنه لا أصل للرجل ولا للخبر، وكذبوا، لأن الرجل معروف وهو أبو محمد عمير بن عبد عمرو، المعروف بذي اليدين، وقد نقل عنه المخالف والمؤالف، وقد أخرجت عنه أخباراً في كتاب وصف قتال القاسطين بصفين.
وكان شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد(ره) يقول: أول درجة من درجات الغلو نفي السهو عن النبي(ص) ولو جاز أن ترد الأخبار الواردة في هذا المعنى لجاز أن نرد جميع الأخبار، وفي ردها إبطال الدين والشريعة[2].
تنبيه مهم:
ولا ينبغي الغفلة عن كون الكاتب ملتفتاً إلى كون الصدوق(ره) يرى أن الصادر من النبي(ص) إسهاء وليس سهواً، فلا يصح النقض عليه بأن الصدوق(قده) يعتقد في المعصومين(ع) ما نعتقده من الصفات لنصه على ذلك[3].
وكيف ما كان، إن الوقوف مع الدعوى المذكورة تحتاج الإحاطة بداية بالمستند الذي جعل أحد أركانها، وهي نظرية الصدوق(ره) في مسألة سهو النبي(ص)، وملاحظة مدى تماميتها لتصح مستنداً يؤسس على وفقه نظرية أو مقالة ما.
دوافع وجود نظرية الإسهاء:
لقد تضمنت المصادر الإسلامية مجموعة من النصوص تتحدث عن صدور السهو من النبي الأكرم محمد(ص)، وإن اختلفت في مضامينها، إذ جاء في بعضها أنه(ص) قد سهى في الصلاة فسلم على ثنتين، وجاء في نصوص أخرى أنه(ص) قد نام على الصلاة، وغير ذلك.
وقد أوجب وجود هذه النصوص في المصادر الإسلامية الحيرة بين الأعلام، خصوصاً وأن جملة منها معتبر الأسناد، بل هي من الكثرة التي تجعلها مستفيضة.
وبسبب ما تضمنته بعض النصوص من المنع عن رد الروايات الواردة عن أهل البيت(ع)، ولأن هذه النصوص تشتمل على ما لا يمكن الالتزام به من المنافاة لأساس من الأسس العقدية في الإسلام، وهو قانون العصمة، تبلورت عند الصدق(ره) رؤيته ونظريته التي استفادها من بعض النصوص المتضمنة لحصول السهو للنبي(ص)، تبعاً لأستاذه محمد بن الحسن بن الوليد(قده)[4]، حيث عمد(ره) إلى الجمع بين هذه النصوص، وبين ما دل على العصمة المطلقة للنبي(ص)، فكانت النتيجة أنه(ص) قد صدر منه السهو، إلا أن السهو الصادر منه ليس كالسهو الذي يصدر من بقية الناس، إذ أن سهوهم من الشيطان، وأما سهوه(ص)، فهو من الله تعالى، وحتى يفرق بينهما، عبر(قده) عما صدر من رسول الله(ص) بأنه إسهاء، وليس سهواً.
وقد نسب(ره)، لكل من لا يقول بهذه النتيجة التي وصل إليها بأنه من الغلاة، وذلك لأنه يدعي في النبي(ص) ما هو فوق البشرية.
ولا يخفى أن ما ألتـزم به العلمان ابن الوليد، وتلميذه النجيب الصدوق(ره)، من الإسهاء من الله سبحانه وتعالى للنبي(ص)، يختص بمجال التطبيق، ولا يتصور جريانه في مجال التشريع، ولا التبليغ، فهما يعتقدان في هذين المجالين بالعصمة المطلقة، والتي لا يحصل فيهما حتى الإسهاء من الله سبحانه وتعالى، حذراً من نقض الغرض.
وبعبارة أخرى، إن لرسول الله(ص) في علاقته مع الله والناس ثلاثة مجالات:
1-مجال التبليغ للوحي عن الله سبحانه وتعالى.
2-مجال التشريع والجعل للأحكام الشرعية عن الله تعالى.
3-مجال تطبيق ما تقدم منه في المجالين السابقين، بعدما تم إبلاغه للناس.
وما يتصور حصول الإسهاء من الله سبحانه وتعالى لنبيه(ص) فيه مختص بخصوص المجال الثالث دون المجالين الأولين.
أركان النظرية:
ويتضح من خلال ما تقدم، قيام نظرية الإسهاء التي يتبناها الصدوق(ره) على أركان ثلاثة:
الأول: إن هناك فرقاً بين الحالة التي تصيب النبي(ص)، والحالة التي تصيب بقية الناس، إذ أن ما يصيبه(ص)، لا ربط للشيطان به من قريب أو بعيد، لأنه ليس للشيطان عليه سلطان أبداً، لقوله تعالى:- (إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون* إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون)[5]. وهذا بخلافه لما يقع فيه بقية الناس، فإن للشيطان عليهم سلطاناً، فكل ما يقع لهم من تأثير الشيطان عليهم. ولهذا عبر(ره) عما يصيب النبي(ص) بالإسهاء، وليس السهو، تفريقاً بينه وبين السهو الذي يصيب الناس.
الثاني: إن حصول الإسهاء لرسول الله(ص) يختص بما يكون مشتركاً بينه وبين الناس، سواء كانت في الأمور العبادية كصلوات الفرائض اليومية، أو صيام شهر رمضان المبارك مثلاً، أم العادية مثل القصة المشهورة في عملية تأبير النخل التي جرت بينه وبين بعض أصحابه. وهذا يعني أنه لا يجري شيء من ذلك في الأمور التي تكون مختصة به فلا يشترك بقية الناس معه فيها، كالتبليغ عن الله سبحانه وتعالى، والجعل والتشريع للأحكام الشرعية.
الثالث: لما كان الله سبحانه وتعالى حكيماً، فلا يصدر منه عز وجل فعل من الأفعال لغير حكمة، فإن هذا يدل على أن حصول الإسهاء لرسول الله(ص) لحكمة اقتضت ذلك، لما عرفت من أن الحكيم سبحانه وتعالى لا يفعل فعلاً من دون حكمة ترجع إليه الأمة. وهذا بخلاف سهو الناس، فإنه لا يرتجى منه أية حكمة ولا يكون لغاية مقصودة.
ملاك نظرية الإسهاء:
ولما كان الإسهاء الحاصل للنبي الأكرم محمد(ص) لحكمة اقتضت ذلك، فقد ذكر الصدوق(ره) ملاكين يكشفان عن تلك الحكمة المقصودة من هذا العمل:
أولهما: استئصال كل ما يوجب حصول الغلو في ذات النبي(ص) من الوسط الإسلامي وذلك بإبراز صفاته البشرية وأنه لا يختلف عن بقية البشر في أنه يسهو ويغفل.
ثانيهما: بيان أهمية التعليم العملي والميداني للأحكام الشرعية، والتي منها أحكام السهو في الصلاة، لأن المسائل النظرية تأثر في النفوس بصورة أقوى عند تطبيقها عملياً مما لو ألقيت للناس بصورة نظرية.
ووفقاً لما تقدم، فسر الصدوق(ره) المراد من النصوص التي تضمنت صدور السهو من رسول الله(ص) بالإسهاء، وحفظ بذلك العصمة المطلقة للأنبياء(ع)، لأن حصول الإسهاء من الله تعالى لهم لن يكون منافياً لإطلاق عصمتهم.
موافقة العلمين للمشهور:
ومقتضى ما تقدم بيانه لقاعدة الإسهاء التي ألتـزم بها العلمان الصدوق وأستاذه(ره)، لن يكونا مخالفين لما عليه أعلام الطائفة(رض) من القول بالعصمة المطلقة، ولن يكونا منكرين للعصمة المطلقة للأنبياء والأئمة(ع)، لعدم منافاة قاعدة الإسهاء لذلك، إذ قد عرفت أنه يقرر أن حصولها من الله سبحانه وتعالى، وليس من تأثير الشيطان، وأن حصولها لفائدة مرجوة ومرتقبة.
وقد استند(قده) في هذه النتيجة إلى بعض النصوص التي تضمنت حصول السهو من النبي(ص)، كمعتبرة سعيد الأعرج، قال: سمعت أبا عبد الله(ع) يقول: صلى رسول الله(ص) ثم سلم في ركعتين فسأله من خلفه يا رسول الله، أحدث في الصلاة شيء؟ قال: وما ذلك؟ قالوا: إنما صليت ركعتين، فقال: أكذلك يا ذا اليدين؟ وكان يدعى ذا الشمالين، فقال: نعم، فبنى على صلاته فأتم الصلاة أربعاً. وقال: إن الله هو الذي أنساه رحمة للأمة ألا ترى لو أن رجلاً صنع هذا لعيّر، وقيل: ما تقبل صلاتك فمن دخل عليه اليوم ذاك، قال: قد سنّ رسول الله(ص) وصارت أسوة وسجد سجدتين لمكان الكلام[6].
مدرك قاعدة الإسهاء:
وقد اتضح من خلال ما سبق مدرك نظرية الإسهاء التي قال بها العلمان المذكوران، وهو عبارة عن نصوص السهو المذكورة في شأن النبي الأكرم محمد(ص)، بل ربما وقف القارئ لعبارات الشيخ الصدوق(ره) أنه قد نقل عين ألفاظ الروايات، وإنما عمد فقط لحذف أسنادها، وهذا يعني أن مناقشة النصوص المذكورة صدوراً ودلالة، يكفي لبطلان النظرية المذكورة، ما يمنع من الاستناد إليها، والاستدلال بها.
موانع القبول بنظرية الإسهاء:
ومضافاً لما اتضح من أن المناقشة في مدرك القاعدة المذكورة، يمنع من الاستناد إليها[7]، فإن هناك موانع أخرى تحول دون القبول بها، فلا يبقى مجال لقول من يتصور إمكانية الاعتماد عليها، والتمسك بها، ومن تلك الأمور:
1-إن النصوص المذكورة لا تصلح أن تكون دليلاً على المطلوب، لمخالفتها للقاعدة العقلية المعتبرة في حجية الخبر، بيان ذلك:
إن القبول بأي خبر من الأخبار يتوقف على نقده من ناحيتين، سنداً ومتناً، حتى ما يحرز فيه الأصالات الثلاث، أصالة الصدور، وأصالة الظهور، وأصالة الجهة. ولا ينحصر إحراز الأصالة الأولى أعني أصالة الصدور على خصوص نقد الخبر من ناحية السند، بل يتدخل في ذلك نقده متناً أيضاً، فإذا لم يكن الخبر من حيث المتن موافقاً للقاعدتين الشرعية من خلال عدم مخالفته للقرآن الكريم، والعقلية، بعدم مخالفته لأمور معلومة تذكر في محلها، لم يحكم بصدوره.
ولو بني على سلامة الأخبار المذكورة من الناحية السندية، ولو في الجملة لاعتبار بعضها، إلا أنها تفتقر للناحية الثانية، وليس ذلك لمخالفتها للقاعدة الشرعية، إذ يمكن دعوى تخصيص العموم الكتابي بخبر الواحد، وبالتالي تكون النتيجة مختار الصدوق(ره)، وأستاذه(قده). وإنما لمخالفتها للقاعدة العقلية، فإن هذه النصص مخالفة لما هو الثابت والتيقن من الدين، لمنافاتها للاعتقاد بالنبوة بصدور الخطأ من رسول الله(ص)، وهو خلاف ما دل على أن عصمته(ص) مطلقة وليست منحصرة في جانبين دون الثالث[8]، سيما وأن هذا يمنع من جعله(ص) أسوة وقدوة.
2-إن قاعدة الإسهاء المدعاة من قبل العلمين المذكورين(قده)، مخالفة لحكم العقل، ذلك لأن الإسهاء كالسهو في منافاته لحكم العقل بالعصمة المطلقة، لأن الإسهاء يفقد الناس ثقتهم في النبي(ص)، ويوجب الشك عندهم في قدرته على إيصال الشريعة إليهم كاملة من دون نقص، خصوصاً وأن عامة الناس لا يملكون القدرة على التفريق بين الإسهاء والسهو.
3-إن الذهن العرفي لا يملك القدرة على التفريق بين المفهومين الذين أراد الصدوق(ره) التفريق بينهما، وهما مفهوم الإسهاء، والسهو، وأن الأول منهما من الله سبحانه وتعالى، والثاني من الشيطان، وذلك لأن الذهن العرفي يقرر أن كليهما عبارة عن طرو حالة ما على الإنسان جعلته يخرج عن حالته الطبيعية بحصول شيء آخر طارئ عليه لم يكن من أصله عنده[9].
4-إن الحكمة التي ذكرها شيخنا الصدوق(ره) من أن أحد الغايات التي من أجلها حصل السهو لرسول الله(ص) حتى لا يعير المسلمون بعضهما بعضاً عندما يحصل السهو من أحدهم، وفق ما تضمنه معتبر سعيد المتقدم، لن تحصل، وذلك لأن الفرض أن السهو الحاصل لرسول الله(ص) سهو رباني من الله سبحانه وتعالى، والسهو الحاصل للناس شيطاني، فلا مجال لأن يقاس أحدهما على الآخر.
على أن بعض النصوص ولو كانت واردة في مصادر الجمهور، لا تنسجم والنظرية المذكورة لشيخنا الصدوق(قده)، ففي سنن أبي داوود، عن أبي هريرة ، قال: صلى بنا رسول الله(ص) إحدى صلاتي العشي: الظهر أو العصر، قال: فصلى بنا ركعتين، ثم سلم، ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد، فوضع يديه عليه إحداهما على الأخرى يعرف في وجهه الغضب، ثم خرج سرعان الناس، وهم يقولون: قصرت الصلاة، قصرت الصلاة، وفي الناس أبو بكر وعمر، فهاباه أن يكلماه، فقام رجل كان رسول الله(ص) يسميه ذا اليدين، فقال: يا رسول الله، أنسيت أم قصرت الصلاة؟ قال: لم أنس ولم تقصر الصلاة. قال: بل نسيت يا رسول الله. فأقبل رسول الله(ص) على القوم، فقال: أصدق ذو اليدين؟ فأومؤوا: أي نعم، فرجع رسول الله(ص) إلى مقامه فصلى الركعتين الباقيتين[10].
وقد يقال: بأن غضب رسول الله(ص) لم يكن منشأه نقصان الصلاة، بل لسبب آخر لم تذكره الرواية، فلا يصلح الاستناد للخبر المذكور نقضاً على الصدوق(قده).
وما ذكر وإن كان محتملاً، إلا أنه يحتمل أيضاً أن يكون منشأ غضبه هو نقصان الصلاة، وعدم تنبيهه من قبل أحد من المصلين، وما جاء في متن الخبر من أنه أجاب: لم أنس ولم تقصر الصلاة، قد يكون غايته التأكيد على عدم وقوع شيء من ذلك منه، فتأمل.
وبالجملة، إن الخبر المذكور لم يكن حجة يصلح للاستدلال، إلا أنه يمكن أن يكون منبهاً على أن القضية لم يكن المقصود منها إبراز العنصر البشري للنبي الأكرم محمد(ص)، وتعليم الأمة حذراً من تعيـير بعضهم لبعض، كما أراد ذلك الشيخ الصدوق(ره).
خاتمة:
هذا ولو قيل، إن ما ذكرتموه من موانع تحول دون القبول بقاعدة الإسهاء، لا ينهض للمانعية، وبالتالي يبقى ما بنى عليه الصدوق(ره) وأستاذه من القول بالقاعدة المذكورة محكماً.
قلنا، بأن ذلك لو تم إلا أنه لا يكون موجباً للبناء على ما أراده الكاتب ومن وافقه، من دعوى مغايرة واقع التشيع اليوم عما كان عليه في السابق، وأن العرض الموجود للتشيع اليوم يختلف عما كان عليه سابقاً، وهو الذي عبر عنه في كلماته بالقراءة المنسية، وجعلناه تجديداً لقراءة التشيع، وذلك لأنك قد عرفت عدم مخالفة الصدوق(ره) وأستاذه لما عليه أعيان الطائفة، فإنهما قائلان بثبوت العصمة المطلقة للأنبياء والأئمة الأطهار(ع)، وهذا يخالف ما يروم الكاتب المذكور الوصول إليه، مضافاً إلى أن الصدوق(ره) يقرر أن ذلك فعلاً من الله سبحانه وتعالى، وليس أمراً عادياً، كما يريد الوصول إليه ذلك الكاتب، من التركيز على عنصر البشرية في شخصيات المعصومين(ع).
مضافاً إلى تحديد دائرة جريان القاعدة عند الصدوق(ره) كما عرفت، وحصرها في جانب جزئي جداً، وليس في مطلق الأمور كما يرغب الكاتب المذكور الوصول إليه.
على أننا لو رفعنا اليد عن جميع ما ذكر، فإن أقصى ما يتصور أن هناك اجتهاداً من شيخنا الصدوق(ره)، وأستاذه في جزء من أجزاء العصمة، وهذا لا يوجب ما يريد الكاتب تحصيله.
الهوامش:
[1] القراءة المنسية ص 73.
[2] من لا يحضره الفقيه ج 1 باب احكام السهو في الصلاة ذيل الحديث 1031 ص 249-250
[3] القراءة المنسية ص 73.
[4] الشيخ محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد(ره)، ذكره النجاشي(ره)، وقال عنه: شيخ القميـين، وفقيههم، ومتقدمهم، ووجههم، ثقة ثقة، عين، مسكون إليه. وقال عن الشيخ(قده) بأنه جليل القدر، عارف بالرجال، موثوق به.
[5] سورة النحل الآية رقم 100.
[6] الكافي ج 3 باب من تكلم في صلاته أو انصرف قبل أن يتمها أو يقوم في موضع الجلوس ح 6 ص357.
[7] قد تعرضنا للحديث عن النصوص المذكورة والمرتبطة بمسألة سهو النبي(ص)، وعمدنا إلى مناقشتها بصورة مفصلة في مقال بعنوان سهو النبي(ص).
[8] تقدمت الإشارة للجوانب الثلاثة عند الحديث عن بيان قاعدة الإسهاء الواردة في كلام الصدوق(قده).
[9] عصمة الأنبياء ونظرية الإسهاء عند الشيخ الصدوق(ره) ص 329-331 (بتصرف).
[10] سنن أبي داوود ج 1 ص 159، بحار الأنوار ج 17 باب سهوه ونومه(ص) عن الصلاة ص 112.