إنّ مشكلة الدراسة تكمن في إيجاد جيلٍ واعٍ مُترَبٍ اقتصاديا أساسه منظومة كاملة من التشريعات الربانية في كسب الحلال وترك الحرام، لينعكس ذلك إيجابا على تكوين الأسرة المسلمة، وذلك من خلال التوجيهات الاقتصادية الإسلامية التي تحثه على الكسب المشروع، وتحذره من الكسب غير المشروع. الدكتور المفتي محمود فهد مهيدات/دار الافتاء العام
الاجتهاد: لا شك أن للمال الحرام آثارا سلبية ليس فقط على العلاقات الأسرية بل تتعدى إلى حياة الأمة كلها أفرادا وجماعات، وبالنظر في واقع أسرنا ومجتمعاتنا في ظل المتغيرات الراهنة التي يشهدها العالم ونحن جزء من هذا العالم نرى تهاونا بل وجرأة في كسب المال من غير النظر إلى مصدره، بل بعضهم يجعل الحرام حلالا والحلال حراما.
قال عليه السلام: (ليأتين ّعلى الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال أمن الحلال أم الحرام)، ومن أسباب هذا الانحراف في السلوك الاقتصادي لدى الفرد المسلم، غياب التربية الاقتصادية الإسلاميةـ التي تعمل على تنظيم حياة المسلم المعيشية من حيث: كسبه للمال وإنفاقه واستثماره وادخاره وفق الضوابط والأحكام الشرعية،
ومن هنا تظهر الحاجة إلى دراسة علمية متخصصة في هذا الجانب التربوي في ظل المتغيرات الراهنة تعنى بتربية النشء تربية اقتصادية إسلامية، تنظم لهم حياتهم الاقتصادية، وذلك بتكوين ثقافة اقتصادية إسلامية لديهم تحثهم على أخذ المال من حلّه، وتحذرهم من أخذه من غير حلّه، وذلك حتى يستقيم سلوكهم على طلب الحلال وترك الحرام.
وبهذا نُكون أُسراً مسلمة مستقيمة ملتزمة بشرع الله تعالى، متماسكةً في بنيانها خاليةً من كل ما من شأنه أن يفككها، وهذا ما سنعمل عليه في هذه الدراسة من خلال تسليط الضوء على دور التربية الاقتصادية الإسلامية في إقامة سلوك النشء على كسب الحلال وترك الحرام، ومن ثم بيان أثر في تكوين الأسرة المسلمة في ظل الظروف المعاصرة.
مشكلة الدراسة
إنّ تطبيق مبدأ الأخذ بالحلال وترك الحرام في واقع الحياة أشق على النفس من العبادات، لأنه يحتاج إلى صبر ومشقة أكثر، ولا شك أن للتحليل والتحريم أثرا ليس فقط على حياة الفرد المسلم، بل يتعدى ذلك إلى حياته الأخلاقية والاقتصادية والاجتماعية التي تحيط به، وعلية فإذا تربى الطفل منذ صغره على النظرة الصحيحة إلى الرزق والتعامل معه وحسن طلبه وإداراته بطريقة شرعية، سيكون له أثر طيب على مستقبل حياته كلها من حيث قناعته بالحلال وترك الحرام، مما سينعكس إيجابا على علاقته بأسرته ومن ثم بمجتمعه، وعليه فإنّ مشكلة الدراسة تكمن في إيجاد جيلٍ واعٍ مُترَبٍ اقتصاديا أساسه منظومة كاملة من التشريعات الربانية في كسب الحلال وترك الحرام، لينعكس ذلك إيجابا على تكوين الأسرة المسلمة، وذلك من خلال التوجيهات الاقتصادية الإسلامية التي تحثه على الكسب المشروع، وتحذره من الكسب غير المشروع .
أهمية الدراسة
تظهر أهمية الدراسة في تحقيق الأهداف التالية:
تعريف النشء بالتربية الاقتصادية الإسلامية وبيان أهميتها ودورها في ضبط سلوكه الاقتصادي المعيشي.
بيان أثر الحلال والحرام على حياة الفرد، ومن ثم على تكوين الأسر.
دور التربية الاقتصادية الإسلامية في إقامة سلوك النشىء على الكسب الحلال وترك الكسب الحرام.
التدليل على أن التربية الاقتصادية الإسلامية عنصر مكمل لتربية الإسلامية.
رفد المؤسسات التعليمية بدراسة علمية تربوية جديدة تضاف إلى الدراسات التربوية الاقتصادية تسهم في إيجاد جيلٍ واعٍ ومُتَرَبٍ اقتصاديا أساسه منظومة كاملة من التشريعات الربانية في كسب الحلال وترك الحرام.
منهج الدراسة
سيعتمد المنهج الاستقرائي في هذه الدراسة ابتداءً، حيث سنجمع ما أمكن كافة النصوص الشرعية من الكتاب والسنة، وأقوال الفقهاء ذات الصلة بموضوع الدراسة، ومن ثم دراسة تلك النصوص وتحليلها لربطها بمفردات الدراسة، وهذا يستدعي إتباع المنهج التحليلي.
الدراسات السابقة
بحدود إطلاعي لم أقف على دراسة اقتصادية إسلامية مختصة بدور التربية الاقتصادية بإقامة سلوك الفرد على كسب الحلال وترك الحرام، وما لكسب الحلال والحرام من آثار تعود على سلوك النشء داخل وخارج محيط أسرته في جميع مراحل نموه، إنما كلها دراسات تربوية اقتصادية إسلامية عامة، لذلك سأكتفي بذكر دراستين كان لها صلة -وإن كانت غير مباشرة- بموضوع دراستنا،
لكن يستفاد منهما، وتفصيل ذلك كما يلي:
1- شحادة، حسين، حسين، أصول منهج التربية الاقتصادية في الإسلام سلسلة دراسات في الفكر الاقتصادي الإسلامي.(د،ت).
بيّن الباحث في دراسته وجوب التربية الاقتصادية في الإسلام من خلال ربطها بالتربية الإسلامية العامة.
ثم أشار الباحث إلى أنّ هناك انحرافات ومخالفات في سلوكيات بعض أفراد المسلمين من المنظور الاقتصادي الإسلامي، وقد عزا ذلك إلى عدة أسباب منها انخفاض الحس والوعي والفهم الاقتصادي الإسلامي في مراحل المسلم المختلفة منذ طفولته في البيت وحتى ممارسته للمعاملات الاقتصادية في جوانب حياته، ثم وضع العلاجات لتلك الانحرافات من خلال قواعد سلوكية عامة تعنى بتربية النشء في مراحله المختلفة تربية اقتصادية إسلامية تعالج سلوكهم قبل وبعد الانحراف إذا حصل.
2 – التركاوي، كيندة حامد، التربية الاقتصادية في الإسلام وأهميتها للنشء الجديد، دار إحياء للنشر الرقمي، مركز أبحاث فقه المعاملات الإسلامية، مجلة الاقتصاد الإسلامية العالمية، الإصدار الأول، 8/2013.
تناولت الباحثة أهمية التربية الاقتصادية للأبناء، وخصائصها وقواعدها السلوكية، ومن ثم أشارات إلى بعض الممارسات السلوكية المنهي عنها في الإسلام “الإسراف، التبذير ..الخ” ومن ثم عرضت أهم أدوات التربية الاقتصادية الإسلامية “الأسرة، المدرسة، وسائل الإعلام …الخ” وما لهذه الأدوات من دور في عالج سلوكيات الطفل الاقتصادية، وخلصت الباحثة إلى أن أهم عناصر نجاح العملية التربوية وجود الاستعداد للتلقي والتوجيه والتغيير لدى الفرد، وهذا الاستعداد يكون كبيرا في الصغر.
الخلاصة: بالنظر إلى ما تناوله الباحثون في دراساتهم، نرى أنهم لم يبحثوا موضوع دراستنا بشكل مستقل ومفصل، إنما هي دراسات عامة في التربية الاقتصادية الإسلامية، وإن كانت هناك إشارات تتعلق بموضوع دراستنا، إلا إنها إشارات غير مباشرة.وعليه فإنّ دراستنا تمتاز بانحصارها بدور التربية الاقتصادية الإسلامية في توجيه النشء في جميع مراحل نموه نحو الكسب المشروع، وترك الكسب غير المشروع ومن ثم معالجة انحرافاتهم السلوكية إن وجدت، ومن ثمّ بيان أثر ذلك في تكوين الأسرة المسلمة في ظل ما نشهده من التغيرات المعاصرة في مجتمعاتنا الإسلامية.
وذلك من خلال منظومة الأحكام الشرعية التي تضبط عملية كسب الرزق، وطريق ذلك جمع وتحليل النصوص الشرعية وأقوال الفقهاء ذات الصلة بتحقيق هذا الهدف.
خطة الدراسة
المبحث الأول: التربية الاقتصادية: مفهومها،علاقتها بالتربية الإسلامية أهميتها ومدى الحاجة إليها في ظل الظروف المعاصرة.
المبحث الثاني: الرزق حقيقته وهل يزيد وينقص، وعلاقته بالأسباب الظاهرة.
المبحث الثالث: الحلال والحرام: المفهوم، وانعكاساتهما على الأسرة المسلمة.
المبحث الرابع: التوجيهات الاقتصادية الإسلامية لضبط سلوك النشء وإقامته على كسب الحلال وترك الحرام، وأثر ذلك في تكوين الأسرة المسلمة.
تحميل البحث