الإمام موسى الكاظم

الإمام موسى الكاظم.. صحح مسار عقائد الأمة رغم طغيان هارون

الاجتهاد: عند الحديث عن أئمة أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين يجب الأشارة الى قمم الروح والفكر والجهاد والانفتاح على الواقع الاسلامي كلِّه الذي كانوا يحملونه من موقع القيادة والمسؤولية…

حيث كانوا عليهم السلام وبعد مرحلة الامام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين وولديه الإمامين الحسن والحسين علیهم السلام أجمعين، يسلكون الأسلوب العملي الذي ينسجم مع المرحلة المعاصرة التي يعيشونها وفي مقدمتها أسلوب التوعية الروحية والثقافية والتعبئة السياسية نحو تكوين القاعدة الاسلامية الرافضة للانحراف في مستوى الواقع.. حيث كان جل جهدهم هو تكوين هذه القاعدة الشعبية المعارضة وحمايتها من أي اهتزاز أو ضغط أو انفعال أو انحراف.

الإمام موسى الكاظم اضافة الى أنه عاش مرحلته في حركة العلم في جميع حاجات الناس آنذاك، واجه عليه السلام ايضا التيارات المنحرفة التي حاولت أن تفرض نفسها على الواقع الإسلامي لتبتعد به عن الخط المستقيم، وكان (ع) يبرز الرأي الصحيح في كل خلاف فكري على مستوى القضايا العقيدية والشرعية وكافة المفاهيم الاسلامية، وكان في كل مواقفه ناصحا للمسلمين في شؤونهم الخاصة والعامة وشتى مجالات حياتهم.

صادفت فترة مدة إمامة موسى بن جعفر فترة صعود الدولة العباسية وانطلاقتها. وهي فترة تتّسم بالقوة والعنفوان والصعوبة والقساوة بممارساتهم الفرعونية وفي مقدمتهم المنصور العباسي الأمر الذي أوقع شيعة أهل بيت الوحي والتنزيل في حال اضطراب ادعاء الامامة زوراً من قبل أحد أبناء الامام جعفر الصادق وهو “عبد الله الأفطح” وصار له أتباع عرفوا بـ”الفطحية”،

كما كان هناك “الاسماعيلية” الذين اعتقدوا بإمامة إسماعيل الابن الأكبر للامام الصادق عليه السلام مع أنه توفي في حياة أبيه.. لكن هذه البلبلة ساعدت في الحفاظ على سلامة الامام موسى الكاظم، حيث اشتبه الأمر على الحكام العباسيين فلم يتمكنوا من تحديد امام الشيعة ليضيقوا عليه أو يقتلوه.

جسد الامام موسى بن جعفر الكاظم الذي نعيش هذه الأيام ذكرى استشهاده الأليمة، دور الامامة السماوية بأجمل صورها ومعانيها حيث واصل على ادامة الدروس والمحاضرات التى كان يلقيها والده الامام الصادق في المدينة المنورة وعمل على احتواء هذه المدرسة الفذة ورجالها المخلصين وكان يأمرهم بتدوين العلم وبثه بين الناس، لأن العلم هو الاداة الوحيدة لمحاربة الجهل وسياسة التجهيل التى يشنها بنو العباس، الى جانب قيامه بدوره الاقتصادي لانقاذ العوائل الهاشمية والشيعية المتضررة من سياسة العباسيين، بإرساله الاموال اليهم كي لا يفقدوا دينهم تحت ضغط الظالمين، اضافة الى حمله الطعام الى الفقراء ليلاً أسوة بأمة الهداة الذين سبقوه.

قيامه بتصحيح المسار العقائدي للأمة أدى الى حقد الحكام العباسيين الطغاة عليه أكثر من سائر النشاطات التي كان يقوم بها، حيث توعية الناس والعودة الى مسار الاسلام المحمدي الأصيل يهدد عروش الطغاة والفراعنة على مر العصور والأزمنة حتى يومنا هذا؛ فكان الامام الكاظم عليه السلام يعقد الحلقات الكبيرة بحضور تلامذته وعامة الناس في المسجد النبوي ويناظر الملحدين والمنحرفين أمثال “المجسمة” الذين يعتقدون أن الله عزوجل جسم، وكذا حواره المتواصل مع سائر الفرق المنحرفة فى موضوع الإمامة الألهية، وغيرها من الانحرافات التى خلقها بعض علماء السوء ووعاظ السلاطين مثل فتنة أن “القرآن غير مخلوق”.

واجه الامام موسى بن جعفر أربعة من اعتى الظلمة والجبابرة والفراعنة العباسيين فى حياته المليئة بالمتاعب والمصاعب والمصائب الجمة وهم:

1- أبو جعفر المنصور الدوانيقي: الملك الثانى للدولة والذي سم الامام الصادق واستشهاده، وهو من بنى الاسطوانات الدائرية على شيعة أهل البيت وهم أحياء فعرف بحقده للشيعة.

2- محمد المهدي،الذي انشغل باللهو والطرب وسمح لنسا البلاط بالحكم فكانت “الخيزران” ام هارون الرشيد هي من تعين وتفصل وتقرب وتبعد من تشاء في السلطة؛ كما وأنه سجن الامام الكاظم ذات مرة ثم أطلق سراحه.

3- موسى الهادي، كان شاباً يا فعاً قاسي القلب، شرس الاخلاق، صعب المرام؛ سار على خطى من سبقه في اللهو والطرب كما هو حال الكثير من حكام بلادنا الاسلامية.. أدى ذلك لاندلاع أكبر ثورة قادها العلويين وشيعتهم ضده وهي “وقعة فخ” التي قادها “الحسين بن علي” أحد أحفاد الامام الحسن (ع).

4- هارون الرشيد، الذي بلغ السلطة بفضل المكيدة التي دبرتها أمه “الخيزران” تم فيها اغتيال أخوه موسى بمساعدة يحيى البرمكى “رئيس وزراء هارون فيما بعد” ليستولي هارون على الملك كما لدى ملوك زماننا.. عاش هارون كما اقرانه السابقين في الفسق والفجور والظلم والجور لكنه ضرب الرقم القياسي في قتل العلويين واستئصالهم فكان يوصي عماله بقتلهم دون ذنب او خطأ بل لمجرد الحقد الدفين لأهل بيت النبوة والامامة؛ وأول ما فعله عندما استلم الملك بان امر باخراج جميع الطالبين من بغداد الى المدينة كرهاً لهم ومقتاً.

ومن أقبح اعمال هارون العباسي واشهرها هي:

1- نبش قبر الامام الحسين عليه السلام ومنع زيارته لانه تحول الى قبلة الثائرين ومحطة الرساليين.
2- سجن الإمام الكاظم عدة مرات لالتفاف الناس الشرفاء والعلماء و طلاب الحق والمضطهدين والمتضررين من سياسة هارون، حوله.
3- قتل الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام بدس اليه السم وهو في السجن الذي قبع في قعره المظلم لمدة 14 عاماً وبعد عدة عمليات اغتيال فاشلة، كل ذلك خوفاً وفزعاً من اتساع رقعة محبة الامام الكاظم واحتوائه قلوب الناس حتى وهو في داخل السجن.

المواجهة بين الإمام موسى الكاظم المعارض القوي لسياسة هارون الفرعونية والمستهتر بالأموال والدماء، كانت على أشدها من قبل الامام المعصوم بحملات إعلامية فتوائية دون توقف رغم كثرة الواشين به من قبل المرتزقة ما دفع هارون العباسي الى سجنه فى سجن البصرة لايفتح عليه الا للطهور وإدخال الطعام ولكن الامام موسى بن جعفر،

وبعد فترة طلب والي البصرة من هارون ان ينقل الإمام عليه السلام الى بغداد وإلا اطلق سراحه لانه ما رأى من الامام الا العبادة والبكاء، فحُمل الامام صلوات الله وسلامه عليه مقيداً بالحديد الى بغداد وأودع فى سجن “الفضل بن الربيع”، ولم يزل ينقل من سجن الى سجن حتى انتهى به الأمر الى سجن “السندي بن شاهك” وكان أشد السجون عليه وأضيقها واظلمها وكان “السندي” اللعين قد قيد الامام الكاظم بالحديد من ساقيه.

بعث الطاغية هارون رطباً مسموماً وأمر أن يقدم الى موسى بن جعفر، فقام “السندي” بإجبار الامام الكاظم على الأكل من هذا الرطب رغم أنه كان صائماً، فأكل منه وبعد لحظات أخذ السم يجرى فى جسمه الشريف وهو يعانى أشد المعاناة من ألم السم فبقي متألماً ثلاثة أيام بعدها انتقل الى رحمة ربه بعد حوالي 14 عاما من السجن ليستشهد في الخامس والعشرين من شهر رجب سنة 183ه، ودفن في الكاظمية – مناقب ابن شهرآشوب، ج:2، ص:379.

رغم أن الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام لم يكن يعترف بشرعية خلافة الطاغية العباسي هارون، إلاَّ أنه كان يلتقيه ويحاوره ويناظره، وكان هارون لا يملك إلا أن يعظمه، وهذا ما أشار إليه المأمون ابن الرشيد، الذي قيل له: من أين تعلمت التشيّع؟

فقال: لقد تعلمته من أبي هارون ، وذكر ما لقيه الامام الكاظم(ع) من تعظيم عند استقبال هارون له، ما أدى الى اعتراض المأمون على أبيه لجهله بالامام، فقال هارون له: إن الناس لو عرفوا من فضل هذا وأهل بيته ما نعرفه لما تركونا في مواقعنا. فقال له المأمون: لِمَ لم تتنازل عن موقعك اذا كنت تعرف من فضله ما تقول؟

فقال هارون لأبنه المآمون: “إنَّ المُلْكَ عقيم، ولو نازعتني عليه لأخذتُ الذي فيه عيناك” – ابن منظور في معجم لسان العرب، مسند الإمام الكاظم للعطاردي ج 1 ص 88، عيون أخبار الرضا للشيخ الصدوق ج1 ص91 وج 2 ص86.

 

بقلم: / د. جميل ظاهري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky