الإمام الخوئي

الإمام الخوئي “قدس سره” والمرجعية الدينية

الاجتهاد: يعتبر عصر الإمام الخوئي في المرجعية والعلم معيداً لعصور الإزدهار العقلي لمدرسة الإجتهاد أيام المحقق الحلي  ولعصر الشيخ الأنصاري، وكانت له قبل توليه الزعامة الروحية مواقف عارض فيها سياسة الحكم الملكي الإيراني أيام الشاه المقبور وقد نشرت تصريحاته في هذا الشأن عام (۱۳۸۲ هـ/ ۱۹6۲م).

بعد وفاة السيد محسن الحكيم (رض) سنة ۱۳۹۰ هـ/ ۱۹۷۰م صارت المرجعية الدينية يتقاسمها أكثر من فقيه، فقد تشطرت بين آية الله السيد محمود الشاهرودي (قدس سره) (1976م/1396 هـ) وبين آية الله السيد ابوالقاسم الخوئي، إلا أن زعامة الإمام الشاهرودي ومرجعيته لم تنشر على نطاق واسع ولم تمتد في أوساط المسلمين العرب مثلما إمتدت زعامة ومرجعية الإمام الخوئي، وحتى عند المسلمين غير العرب لم تكن نسبة المقلدين كما هي للسيد الخوئي (رض).

وقد تميز الإمام الخوئي عن بقية الفقهاء بأنّه صاحب مدرسة عقلية خرجت مجموعة كبيرة من المجتهدين ربما لم يحصل ذلك لفقيه آخر في تاريخ الزعامة الشيعية من قبل.

ويرجع السبب في ذلك إلى أن الإمام الخوئي سعى لتخريج نخبة من العلماء خلال أكثر من نصف قرن تأثروا بمدرسته الفكرية وكتبوا تقریرات بحوثه في علمي الفقه والأصول وقد كان لهذه النخبة الفاضلة دورٌ أساسيٌ في توسيع رقعة مقلدي أستاذهم في الأقطار الإسلامية المختلفة كالشهيد محمد باقر الصدر (رض) في العراق، والعلامة السيد محمد حسين فضل الله في لبنان ومحمد سرور واعظ في أفغانستان والذي كان يقود الفصائل الأفغانية الجهادية ضد الإحتلال الروسي(1).

فقد كان الإمام الخوئي قبل وصوله إلى زعامة الطائفة يوصف بأنه من كبار مدرسي الحوزة العلمية وبعد إستلامه للزعامة الدينية لُقب بزعيم الحوزة العلمية، ثم لُقّبَ بالإمام.

ويعتبر عصر الإمام الخوئي في المرجعية والعلم معيداً لعصور الإزدهار العقلي لمدرسة الإجتهاد أيام المحقق الحلي (القرن السابع الهجري/ الحادي عشر الميلادي) ولعصر الشيخ الأنصاري (أواخر القرن الثالث عشر الهجري / التاسع عشر الميلادي) وكانت له قبل توليه الزعامة الروحية مواقف عارض فيها سياسة الحكم الملكي الإيراني أيام الشاه المقبور وقد نشرت تصريحاته في هذا الشأن عام (۱۳۸۲ هـ/ ۱۹6۲م).

كما حمل هذا الفقيه في شبابه نظرات إصلاحية تتعلق بإصلاح المؤسسة الدينية الشيعية حيث فكّر في الأربعينات الميلادية بإعادة إحياء المركز الدراسي في مدينة كربلاء حيث استقر هناك للتدريس إلّا أنه لم يحقق نجاحاً في هذا المضمار، فرجع إلى النجف مرة أخرى.

وقد عاصر الإمام الخوئي مرحلة حرجة من تاريخ العراق الحديث منذ بداية السبعينات وبعد قيام الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني (قدس سره) وتحوّل الأوضاع السياسية في العراق بشكل كبير.

وعند قيام الحرب العراقية – الإيرانية عام ۱۹۸۰ كانت الحكومة العراقية تسعى إلى استحصال تأیید من القيادة الدينية المتمثلة بمرجعية الإمام الخوئي إلا أنه فوت عليهم ما أرادوا ولم يتدخل في الوضع السياسي القائم بين البلدين وبقي محتفظة باستقالية الحوزة العلمية في النجف.

وقد تحمل من جراء موقفه هذا ضغوطاً من جانب الحكومة العراقية ولم تنتهِ هذه الضغوط بقتل صفوة ليست بالقليلة من تلامذته الروحيين الّا أن موقفه لم يتغير وبقي ثابتاً في عدم إدانة الثورة الإسلامية في إيران وزعيمها الكبير آية الله الخميني (رض)، أو حتى إصدار فتوى تتعلق بالقتال الدائر بين الطرفين.

وقد عبر أحد المقربين للسيد الخوئي عن ذلك بقوله ” إنّ الظرف الذي حتم على السيد الخوئي تجنب السياسة في العراق هو في حدّ ذاته نوع آخر من السياسة (1). لتجنب الصراع بين المرجعيات الكبيرة كالذي حصل بشكل واسع بين القطيفي والكركي في القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي، أو بشكل أقل منه بين اليزدي والخراساني (في القرن الرابع عشر الهجري/ العشرين الميلادي).

وبخصوص موقف الإمام الخوئي من الثورة الإسلامية الإيرانية نجد أنه كان في أوائل إنتصار الثورة الإسلامية قد بعث ببرقية هنّأ فيها الإمام الخميني (رض) بتأسيس الجمهورية الإسلامية وقد ردّ عليه الإمام الخميني (رض) ببرقية جوابية كما أقام الخوئي حفلًا تأبينياً بعد إغتيال آية الله مرتضی مطهري عام (۱۳۹۹هـ/ ۱۹۷۹م)، وقد اعتبر مجلساً سياسياً (2) في تلك الظروف التي مرت بها النجف.

ولما كان السيد الخوئي المرجع الأول للطائفة الشيعية في النجف فإنه لم يمنع من ظهور تلميذه الشهيد محمد باقر الصدر (رض) کفقيه كبير درج على تسلم الزعامة لو لا مقتله في العراق عام (1400هـ/ ۱۹۸۰م).

إن المرحلة التي عاصرها آية الله الشهيد محمد باقر الصدر تعتبر من المراحل المتميزة في تاريخ المرجعية الدينية الإثني عشرية والتي تبدأ بمواكبة التحرك السياسي الإسلامي في العراق منذ الخمسينيات الميلادية وتنتهي باستشهاده بعد نجاح الثورة الإسلامية في إيران حيث أغتالته يد الغدر والخيانة لجلاوزة النظام الصليبي في العراق.

بروي نجل الإمام الخوئي الراحل، السيد عبد المجيد الخوئي، أنه عندما بدأ دراسته للعلوم الدينية وسَّط والدته لكي يحصل على راتب شهري من والده كطالب في الحوزة العلمية، وكان جواب سماحته (رض) أنه قال: إذا كان طالباً بالفعل فليذهب ليمتحن مثل غيره في “البراني”، حيث ينعقد المجلس الذي يختبر فيه طلبة العلوم الدينية قبل تعیین رواتبهم.

يقول نجله لقد ذهبت يوم الخميس ” يوم إنعقاد لجنة الإمتحانات ” وكنتُ خائفاً أن لا أنجح بدرجة تريح سماحة السيد الوالد، فامتحنتُ لدى الشيخ مصطفى الهرندي في الشرائع وألفية ابن مالك، وفي المساء أخبروا السيد الوالد بأنني قد إجتزت الإمتحان، فنظر سماحته إلى النتيجة وعين لي راتباً كما يعين لباقي الطلبة غير المتزوجين، ثم جئته بعد مدة اطلب منه زيادة في الراتب لمساراتي بباقي الطلبة الذين يتقاضون رواتباً اضافيةً من حوزات أخرى، حيث كانوا يستلمون رواتباً من بقية المراجع الأخرين بينما لم أكن أتقاضى إلا من حوزة السيد الوالد. فكان رد الإمام : إن مصاريفك الأخرى ” من لباس و مأكل مكفولة”، وعلى أي حال فقد زاد في عطائي قليلاً بعد أن قام بعملية حسابية دقيقة حول إحتياجاتي.

وهذه الحادثة التي يرويها السيد عبد المجيد ما هي إلا مؤشر على طريقة تعامل الإمام الراحل مع الأموال العامة، فلم يكن يصرف على نفسه وبيته من الحقوق الشرعية أبدا، بل أنه يستخدم في ذلك ما يأتيه من الهدايا الخاصة والتي كان يذكِّر العائلة بأهمية الترشيد في الصرف، فكانت حياة العائلة بسيطة ولا تتميز عن حياة الآخرين، وكان يحث أبناءه وعائلته على عدم التفاضل والتميز في المعيشة بل يجب عليهم أن يعيشوا كأقرانهم في الحوزة.

الهوامش

1 – تحرير الوسيلة للإمام الخميني (قدس سره الشريف) ج1 / 5، 8.

2- من زعماء الثوار الأفغان إعتقلته السلطات الروسية أول دخولها إلى أفغانستان واختلف أخباره بعد ذلك، علماً بأنه كتب تقريرات بحث الأصول لأستاذه الخوئي وطبعت في مجلدين بعنوان ” مصباح الأصول”.

3- مذكرات سماحة حجة الإسلام محمد تقي الخوئي نجل الإمام الخوئي لندن 15/ 11 / 1988.

4- مذكرات محمد تقي الخوئي

5- مذكرات السيد عبدالمجيد الخوئي.

 

المصدر:

الكتاب: سيرة حياة الإمام الخوئي، دراسة عن حياته العلمية ونشاطاته الفكرية والإجتماعية في إطار الحوزة الدينية

المؤلف: أحمد الواسطي

عدد الصفحات: 120 صفحة

الناشر: دار الكاتب العربي للطباعة والشر التوزيع – إبداع للنشر

الطبعة الأولى 22013م – 1434هـ

سيرة حياة الإمام الخوئي، دراسة عن حياته العلمية ونشاطاته الفكرية والإجتماعية

تحميل الكتاب pdf

12

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky