خرید فالوور اینستاگرام خرید لایک اینستاگرام قالب صحیفه
الرئيسية / موقع الاجتهاد و جميع المواضيع / جميع الأبحاث والأحداث / حوارات ومذکّرات / 5 مذكرة / الأقوال في تاريخ خروج الإمام الحسين “ع” من مكة المكرمة والترجيح بينها
الأقوال في تاريخ خروج الإمام الحسين “ع” من مكة المكرمة والترجيح بينها

الأقوال في تاريخ خروج الإمام الحسين “ع” من مكة المكرمة والترجيح بينها

الاجتهاد: يتطرق سماحة الأستاذ السيد محمد رضا السيستاني ضمن شرحه “مسالة العدول بالعمرة المفردة في أشهر الحج إلى عمرة التمتع”، إلى استعراض النصوص الواردة في المسألة وهي على ثلاث طوائف.

أما الطائفة الثالثة من النصوص وهي “ما دل على أن من أتى بالعمرة المفردة ولو في أشهر الحج لا يجب عليه أداء الحج” على أربعة أقسام:

القسم الرابع: ما دل على أن من يأتي بالعمرة المفردة ولو في أشهر الحج يجوز له أن يخرج إلى حيث يشاء ولو في يوم التروية، وهو ما رواه الكليني بإسناده إلى معاوية بن عمار (١) قال: قلت لأبي عبد الله(عليه السلام): من أين افترق المتمتع والمعتمر؟ فقال: إن المتمتع مرتبط بالحج والمعتمر إذا فرغ منها ذهب حيث شاء، وقد اعتمر الحسين بن علي في ذي الحجة ثم راح يوم التروية إلى العراق والناس يروحون إلى منى ولا بأس بالعمرة في ذي الحجة لمن لا يريد الحج).

وهذه الرواية هي عمدة ما استدل به الأعلام – كالسيد الحكيم والسيد الأستاذ (رضوان الله عليهما) – على خلاف ما دلت عليه جملة من النصوص من الطائفتين الأولى والثانية من أن من يأتي بالعمرة المفردة في أشهر الحج ويبقى إلى يوم التروية لا يجوز له الخروج وترك أداء الحج أو أنه تنقلب عمرته إلى المتعة قهراً عليه فيلزمه أداء حج التمتع.

وموضع الاستدلال هو ما ورد فيها من حكاية فعل الإمام الحسين عليه السلام، أما صدر الرواية وذيلها فمطلقان يمكن تقييدهما بما مر من الروايات في الطائفتين الأولى والثانية.

 قال السيد الأستاذ (٢) : إن جملة: (وقد اعتمر الحسين عليه السلام،… ) إلى أخرها ليست جملة أجنبية مستقلة عن مورد السؤال في الرواية، بل هي باعتبار التطبيق كالصريح – إن لم يكن صريحاً – في جواز الخروج حتى يوم التروية.

وهذا من غير فرق بين كون الحسين مضطراً في خروجه كما يظهر من بعض كتب التاريخ وأرباب المقاتل أم لم يكن مضطراً وأمكنه التأجيل إلى ما بعد قضاء المناسك، فإن التعرض – على التقديرين – لذكر خروج الحسين له يوم التروية بعد هذه الكبرى يدل بوضوح على أنه من صغريات تلك الكبرى، فطبعاً تدل على جواز الخروج حتى يوم التروية.

على أن قوله : ولا بأس بالعمرة .. يظهر منه أن قضية الحسين كان أمراً على القاعدة لا من جهة الاضطرار، وأن ذلك جائز لكل أحد لايريد الحج، فيجوز له أن يعتمر في ذي الحجة ثم يذهب حيث شاء).

أقول: إن الاستدلال بهذه الرواية – على خلاف ما ورد في النصوص المتقدمة في الطائفتين الأوليين – يبتني – مضافاً إلى ثبوت وثاقة إسماعيل بن مرار الذي وقع في سند هذه الرواية وهو ما مرّ الإشكال فيه ـ على تمامية ما ورد فيها من أمرين:

أحدهما أن الإمام الحسين كان قد خرج إلى العراق في يوم التروية لا قبله،

وثانيهما أنه كان قد أتى بالعمرة المفردة في شهر ذي الحجة لا قبل أشهر الحج، فإنه لو منع من أي من هذين الأمرين لا يتم الاستدلال بها على خلاف ما ورد في الروايات المتقدمة كما هو واضح.
وكلا الأمرين المذكورين لا يخلو من نقاش:

أ – أما الأمر الأول فلأن في تاريخ خروجه “عليه السلام ” من مكة المكرمة عدة أقوال:

القول الأول: أنه كان في يوم التروية الثامن من شهر ذي الحجة. وهذا ما ذكر في عدد من مصادر الأمامية وفي الكثير من مصادر الجمهور (۳).

القول الثاني: أن خروجه “عليه السلام ” كان في اليوم السابع من شهر ذي الحجة أي قبل التروية بيوم.

وهذا ما ورد في خبر إبراهيم بن عمر اليماني حسب ما هو المرجح من نسختها كما تقدم.

وفي خبر آخر رواه ابن قولويه (٤) بإسناده المعتبر عن علي بن الحكم عن أبيه وهو الحكم بن الزبير النخعي، ولم يوثق – عن أبي الجارود – وفي وثاقته أيضاً كلام – عن أبي جعفر قال: إن الحسين “عليه السلام” خرج من مكة قبل التروية بيوم فشيعه عبد الله بن الزبير، فقال: يا أبا عبد الله لقد حضر الحج وتدعه وتأتي العراق؟! فقال: يا ابن الزبير لأن أدفن بشاطئ الفرات أحب إلي من أن أدفن بفناء الكعبة).

وهذا القول هو ما تبناه سبط ابن الجوزي حيث قال(5): (خرج من مكة سابع ذي الحجة سنة ستين).

القول الثالث: أن خروجه “عليه السلام” كان في اليوم الثالث من شهر ذي الحجة. وهذا ما ذكره السيد ابن طاووس في الملهوف كما حكاه (٦) عنه العلامة المجلسي والشيخ عبد الله البحراني ونص عبارته هكذا: (توجه الحسين “عليه السلام” من مكة لثلاث مضين من ذي الحجة سنة ستين قبل أن يعلم بقتل مسلم، لأنه خرج من مكة في اليوم الذي قتل فيه مسلم (رضوان الله عليه).

ويبدو لي أن لفظة (الثلاث) محرفة (لثمان) ويشهد له ما ذكر في الذيل من أنه “عليه السلام” خرج في اليوم الذي قتل فيه مسلم، فإن مسلم قتل في يوم التروية أو في يوم عرفة، ويحتمل أن تكون كلمة (قتل) أيضاً محرفة عن كلمة (خرج)، لأن المذكور في معظم المصادر أنه خرج في يوم التروية وقتل في يوم عرفة، فلاحظ.

وكيفما كان فإن من المؤكد أن مقتل مسلم لم يكن في اليوم الثالث من شهر ذي الحجة، فالقريب إلى الذهن أن تكون كلمة (الثلاث) محرفة عن كلمة (لثمان) (٧).

والحاصل أن وجود قول بخروج الإمام الحسين في يوم الثالث من ذي الحجة غير ثابت.

القول الرابع: أن خروجه “عليه السلام” كان في اليوم العاشر من ذي الحجة. وهذا ما ذكره ابن سعد (٨) – وحكاه المزي وابن عساكر (٩) عنه – فقال: (وبعث أهل العراق إلى الحسين الرسل والكتب يدعونه إليهم فخرج متوجهاً إلى العراق في أهل بيته وستين شيخاً من أهل الكوفة، وذلك يوم الاثنين في عشر ذي الحجة سنة ستين).

وهذا القول بعيد جداً، فإن مقتضاه أن الإمام قد أدرك الحج، وهو مخالف لجميع الروايات الأخرى.

إذا يتردد تاريخ خروجه “عليه السلام “من مكة بين القولين الأولين.

وقد يرجح القول الأول المشهور من جهة ما ورد في تاريخ الطبري (١٠) عن أبي مخنف عن محمد بن قيس أن الحسين عليه السلام أقبل حتى إذا بلغ الحاجر من بطن الرمة بعث قيس بن مسهر الصيداوي إلى أهل الكوفة وكتب معه إليهم: (بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلى إخوانه من المؤمنين والمسلمين، سلام عليكم، فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد فإن كتاب مسلم بن عقيل جاءني يخبرني فيه بحسن رأيكم واجتماع ملئكم على نصرنا والطلب بحقنا، فسألت الله أن يحسن لنا الصنع وأن يثيبكم على ذلك أعظم الأجر. وقد شخصت إليكم من مكة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة يوم التروية، فإذا قدم عليكم رسولي فاكمشوا أمركم وجدوا، فإني قادم عليكم في أيامي هذه إن شاء الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته). وقد أورد مثله المفيد (١١).

فقد يقال: إن هذا الكتاب الذي تضمن تحديد تاريخ خروج الإمام عليه السلام من مكة بالثامن من ذي الحجة دليل واضح على صحة القول الأول.

ولكن الملاحظ أن البلاذري (١٢) أورد هذا الكتاب وليس فيه الفقرة المذكورة، فقد قال:

وكتب الحسين حين بلغ الحاجر مع قيس بن مسهر الصيداوي من بني أسد إلى أهل الكوفة: أما بعد فإن كتاب مسلم بن عقيل جاءني يخبرني فيه بحسن رأيكم واجتماع ملئكم على نصرنا والطلب بحقنا فأثابكم الله على ذلك أعظم الأجر، فاكمشوا أمركم وجدوا فيه فإني قادم عليكم في أيامي إن شاء الله والسلام، ونحوه ما أورده الدينوري (١٣)

فأصل اشتمال كتاب الإمام على الفقرة المذكورة ليس أمراً مسلما(١٤)، بل إن كون كتابه مع الذي بعثه مع قيس من مسهر بالمضمون المتقدم الذي أورده البلاذري والطبري ليس ثابتاً، فإن ابن اعثم الكوفي (15)نسب إليه كتاباً آخر مختلفاً تماماً عما ذكر، فلاحظ.

فالنتيجة أنه لا يمكن البناء على اشتمال كتاب الإمام “عليه السلام ” إلى أهل الكوفة على ما يدل على كون خروجه عليه السلام من مكة في يوم التروية الثامن من ذي الحجة.

وعلى ذلك يصعب البناء على كون خروجه عليه السلام في هذا اليوم لا قبله، ولا سيما مع ورود روايتين من طرقنا ورواية من طرق غيرنا تدل على أنه كان قبل التروية بيوم.

هذا على المختار من عدم اعتبار أي من الروايات الثلاث المروية من طرقنا سنداً.

وأما بناء على اعتبار سند رواية معاوية دون روايتي إبراهيم بن عمر اليماني ورواية أبي الجارود، أو التشكيك في متن رواية اليماني وإسقاطها عن المعارضة لذلك، فيمكن البناء على أن خروجه عليه السلام ” كان في يوم التروية استناداً إلى رواية معاوية.

ولو بني على اعتبار رواية أبي الجارود كما هو مقتضى القول بوثاقة رواة كامل الزيارات، أو بني على اعتبار رواية اليماني لعدم الاعتداد بتضعيفات ابن الغضائري مع ترجيح نسخة الكافي في متنها فلا سبيل إلى البناء على كون خروجه في يوم التروية حتى لو قيل باعتبار رواية معاوية، لوقوع التعارض بين الطرفين كما هو ظاهر.

هذا كله بناء على حجية خبر الثقة وإن لم يحصل الوثوق به.

وأما على القول بحجية الخبر الموثوق به فقط فمن الواضح أنه لا يمكن الاعتداد بما ورد في خبر معاوية وإن بني على اعتباره سنداً وعدم اعتبار خبري اليماني وأبي الجارود، فإنهما يمنعان من الوثوق بما ورد في خبر معاوية، كما لا يخفى. هذا في ما يتعلق بالأمر الأول الذي ورد في هذا الخبر.

ب – وأما الأمر الثاني وهو أن الإمام الحسين “عليه السلام” قد اعتمر في شهر ذي الحجة ثم خرج إلى العراق، فيمكن أن يقال:

إنه مخالف لما تسالم عليه المؤرخون من الفريقين ..

قال الشيخ المفيد (رضوان الله عليه) (١٦) : (ولما أراد الحسين “عليه السلام” التوجه إلى العراق طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة، وأحلّ من إحرامه وجعلها ـ أي حجته – عمرة، لأنه لم يتمكن من تمام الحج مخافة أن يقبض عليه بمكة فينفذ إلى يزيد بن معاوية).

ونحوه ما أورده الطبرسي (١٧) و ابن نما (١٨) والفتال النيشابوري(١٩) وغيرهم.

وحكى الطبري (٢٠) عن أبي مخنف بإسناده عن عبد الله بن سليم والمنذر بن المشعل الأسديين أنهما قالا: (خرجنا حاجين من الكوفة حتى قدمنا مكة فدخلنا يوم التروية فإذا نحن بالحسين “عليه السلام” وعبد الله بن الزبير قائمين عند ارتفاع الضحى في ما بين الحجر والباب … فما زالا يتناجيان حتى سمعنا دعاء الناس رائحين متوجهين إلى منى عند الظهر).

قالا: فطاف الحسين بالبيت وبين الصفا والمروة وقص من شعره، وحلّ من عمرته، ثم توجه نحو الكوفة وتوجهنا نحو الناس إلى منى)، ومثله ما أورده ابن كثير (٢١).

ويمكن أن يقال: إن المراد بقول الراويين (حل من عمرته) هو الإحلال من العمرة المفردة بعد عدوله “عليه السلام” بإحرامه للحج إليها، إذ لو كان محرماً للعمرة المفردة لما أخر أعمالها إلى ظهر يوم التروية.

وبعبارة أخرى: إن ظاهر الرواية أن الذي دعا الإمام “عليه السلام” إلى الإتيان بالطواف والسعي وغيرهما من أعمال العمرة في ذلك الوقت من يوم التروية هو انعقاد عزمه آنذاك على الخروج من مكة متوجهاً إلى الكوفة، مما يشير بوضوح إلى أنه “عليه السلام” لم يكن محرماً عموماً بإحرام العمرة المفردة، وإلا لأتى بأعمالها قبل ذلك، ولم يكن وجه للانتظار إلى حين العزم على الخروج، فليتأمل.

وأوضح عما أورده الطبري ما ذكره القندوزي الحنفي (٢٢) حيث قال: (وكان فيه – أي يوم التروية – خروج الحسين (رض) من مكة إلى العراق بعد أن طاف وسعى وأحل من إحرامه وجعل حجه عمرة مفردة، لأنه لم يتمكن من إتمام الحج مخافة أن يبطش به ويقع الفساد في الموسم وفي مكة، لأن يزيد أرسل مع الحجاج ثلاثين رجلاً من شياطين بني أمية وأمرهم بقتل الحسين “عليه السلام” على كل حال.

والحاصل أن الذي يظهر من المؤرخين هو أن الإمام “عليه السلام” كان محرماً بإحرام الحج، ولكنه عدل به إلى العمرة المفردة حين عزم على الخروج في يوم التروية، لا أنه أتى بعمرة مفردة في شهر ذي الحجة ثم خرج إلى العراق من دون أن يحرم للحج كما ورد في رواية معاوية.

وأما ما أشكل به بعض المؤرخين المعاصرين (٢٣) على ما ذكر المتقدمون من أن المصدود عن الحج يكون إحلاله بالهدي – حسب ما نص عليه الفقهاء ـ لا بقلب إحرام الحج إلى عمرة، فإن هذا لا يوجب الإحلال من إحرام الحج. فهو في غير محله، لأن ذلك في المصدود عن الحج كله، أي عن الموقفين والطواف والسعي، وأما المصدود عن الموقفين مع تمكنه من الطواف والسعي فلا دليل على أن إحلاله يكون بذبح الهدي وحده بل لا يبعد أن يكون هو من موارد العدول من الحج إلى العمرة المفردة.

ويمكن الاستدلال له بموثقة الفضل بن يونس (٢٤) قال: سألت أبا الحسن الأول “عليه السلام” عن رجل عرض له سلطان فأخذه يوم عرفة قبل أن يعرف، فبعث به إلى مكة فحبسه. فلما كان يوم النحر خلى سبيله كيف يصنع؟ قال: (يلحق يجمع ثم ينصرف إلى منى ويرمي ويذبح ولا شيء عليه). قلت: فإن خلى يوم الثاني كيف يصنع ؟ قال: (هذا مصدود عن الحج، إن كان دخل مكة متمتعاً بالعمرة إلى الحج فليطف بالبيت أسبوعاً ويسعى أسبوعاً ويحلق رأسه ويذبح شاة، وإن كان دخل مكة مفرداً للحج فليس عليه ذبح ولا حلق).

فإن المستفاد من هذه الموثقة أن الحاج المصدود عن الموقفين تلزمه أعمال العمرة المفردة، أقصى الأمر أنه إن كان متمتعاً يلزمه الهدي أيضاً، وإن كان مفرداً فلا هدي عليه.

وكيفما كان فلا وجه لاستبعاد كون الإمام “عليه السلام” عند خروجه إلى العراق محرماً بإحرام حج الإفراد أو آتياً بعمرة التمتع ليأتي بعدها بحج التمتع. بل يمكن أن يقال: إن سير الوقائع والأحداث تشير إلى أنه لما كان بصدد أداء الحج ولم يكن ينوي الخروج قبيل الموسم، ولكنه اضطر إلى ذلك مخافة اعتقاله أو اغتياله قبل وصوله إلى العراق.

ومما يشهد لذلك ما حكاه المفيد والطبري (25) من أن الفرزدق سأله”عليه السلام” : ما أعجلك عن الحج؟ فقال: (لو لم أعجل لأخذت).

وفي لفظ ابن سعد (٢٦): أن الفرزدق قال: لقيت حسيناً فقلت: بأبي أنت لو أقمت حتى يصدر الناس لرجوت أن يتقصف أهل الموسم معك. فقال: (لم آمنهم يا أبا فراس).

وبالجملة: إن من المؤكد – وليس من المظنون كما ورد في كلام السيد الحكيم (٢٧)- أن الإمام “عليه السلام” قد اضطر إلى ترك الحج والتوجه إلى الكوفة، بمعنى أنه لو تيسر له البقاء لبقي وأدى الحج ولم يتركه …

أولاً: لنيل ثوابه العظيم، فإنه مما لا يدعه المسلم الحاضر في الموسم من دون أن يعيقه مانع من ذلك، فكيف يحتمل في حق الإمام “عليه السلام” تركه له من دون عذر؟!

وثانياً: لئلا تفتح عليه الأفواء بالاعتراض، كما تقدم نقله عن ابن الزبير في رواية أبي الجارود.

وثالثاً: لأجل أن يخرج معه عند انتهاء الموسم عدد أكبر من الحجاج، كما أشار إليه الفرزدق.

ولكنه “عليه السلام” لما علم أن نية بني أمية هي منعه من الوصول إلى العراق والقيام بنهضته التي خطط لها جده الرسول الأعظم بادر إلى الخروج من مكة في يوم التروية أو قبله بالرغم من كل ما تقدم.

ومقتضى ذلك أنه”ع” كان بصدد أداء الحج قبل أن يعزم على الخروج إلى العراق، ولا يناسب هذا كونه معتمراً بالعمرة المفردة في شهر ذي الحجة، فإنه إنما يؤدي العمرة من يريد الخروج قبل موسم الحج، وأما المجاور الذي يريد البقاء حتى يؤدي الحج فإما أن يحرم لحج الإفراد في أوائل ذي الحجة من مكة نفسها أو من أدنى الحل، أو يؤدي عمرة التمتع في أشهر الحج محرماً لها من بعض المواقيت ثم يحرم لحج التمتع في يوم التروية من مكة.

وعلى ذلك فما ورد في المصادر التاريخية المتقدمة هو الذي تقتضيه الشواهد والقرائن دون ما ذكر في رواية معاوية بن عمار من أن الإمام “عليه السلام” اعتمر في شهر ذي الحجة.

وبهذا يظهر النظر في ما أفاده السيد الحكيم (٢٨) من أن: (ما في بعض كتب المقاتل من أنه جعل عمرته عمرة مفردة – مما يظهر منه أنها كانت عمرة تمتع فعدل بها إلى الإفراد – ليس كما يصح التعويل عليه في مقابل الأخبار المذكورة التي رواها أهل الحديث).

وجه النظر: أنه ليس في مقابل ما ورد في كتب التاريخ سوى حديث واحد، وهو وإن كان معتبراً سنداً عنده (ره)، ومثله وإن كان مقدماً على ما في كتب التاريخ التي لا يعتني أصحابها غالباً بضوابط اعتبار الخبر وحجيته، إلا أنه مع احتفاف ما ورد في كتب التاريخ ببعض القرائن والشواهد لا يمكن الاعتماد على خبر واحد مخالف له.

ومن نماذج ذلك ما رواه الكليني (٢٩) من صحيحة بريد بن معاوية قال: سمعت أبا جعفر “عليه السلام” يقول: إن يزيد بن معاوية دخل المدينة وهو يريد الحج فبعث إلى رجل من قريش فأتاه فقال له يزيد: أتقرّ لي أنك عبد لي .. إن لم تقر لي قتلتك. فقال له الرجل: ليس قتلك إياي بأعظم من قتلك الحسين بن علي ابن رسول الله، فأمر به فقتل. ثم أرسل إلى علي بن الحسين “عليه السلام”)، وفي الرواية أن الإمام “عليه السلام” أقر له بما أراد.

وعلق العلامة المجلسي “ره” (٣٠) على هذه الرواية قائلاً: (هذا غريب، إذ المعروف بين أهل السير أن هذا الملعون بعد الخلافة لم يأت المدينة، بل لم يخرج من الشام حتى مات ودخل النار. ولعل هذا كان من مسلم بن عقبة والي هذا الملعون، حيث بعثه لقتل أهل المدينة فجرى منه في قتل الحرة ما جرى، وقد نُقل أنه جرى بينه وبين علي بن الحسين “عليه السلام” قريب من ذلك فاشتبه على بعض الرواة).

أقول: أصل ما ذكره “عليه السلام” من عدم دخول يزيد في المدينة المنورة بعد قتل الحسين في صحيح ومسلم به في كتب التاريخ، وأما ما ذكره من التوجيه فلم أعثر على شاهد له فيها، بل المذكور في بعض المصادر التاريخية (۳١) ان مسلم بن عقبة أخذ البيعة من الإمام السجاد بوصية من يزيد على أنه أخو يزيد وابن عمه، فراجع.

وكيفما كان فالملاحظ أن رواية بريد المذكورة بالرغم من اعتبارها سنداً إلا أنه لما كان مضمونها مخالفاً لما هو المسلّم به في كتب التاريخ لم يمكن التعويل عليها.

وعلى ذلك يُشكل الأخذ بما ورد في خبر معاوية بن عمار من أن الحسين “عليه السلام” اعتمر في شهر ذي الحجة، فإنه يكاد أن يشبهها في ذلك. اللهم إلا أن يقال: إنه لو بني على تمامية خبر معاوية سنداً فليس في مقابله إلا ما ذكره المفيد (رضوان الله عليه ومن تبعه كالطبرسي وابن نما والفتال النيشابوري، وهو مرسل لا يعرف مصدره ولا يعول عليه.

وأما ما ذكره الطبري (٣٢) فهو لا ينافي ما ورد في الخبر المذكور بل لعله يتطابق معه بظاهره، إذ ليس فيه ما يشير إلى أن الإمام “عليه السلام” عدل بحجه إلى العمرة.

أما القول بأنه لو كان الإمام محرماً للعمرة المفردة لما أخر أعمالها إلى قبيل الظهر من يوم التروية عند انعقاد عزمه على الخروج إلى الكوفة فهو مخدوش، لاحتمال أنه فمن أراد أن يفاجئ عيون بني أمية بخروجه من مكة فلم يأت بالطواف والسعي إلا قبيل أن يخرج ليوهمهم أنه محرم للحج ولا يخرج إلى العراق قبل انتهاء الموسم.

وأما ما تقدم من أن مقتضى الشواهد والقرائن أن الإمام “عليه السلام” كان عازماً على أداء الحج في تلك السنة ولكنه اضطر إلى تركه والخروج من مكة يوم التروية فهو وإن كان صحيحاً إلا أنه لا يقتضي أنه فيه كان محرماً بإحرام الحج أو بإحرام عمرة التمتع، إذ لعله لالتقائه من أول الأمر إلى احتمال اضطراره إلى الخروج من مكة قبل موسم الحج أتى بعمرة مفردة في شهر ذي الحجة بانياً على أنه إن تيسر له الحج عدل بها إلى عمرة التمتع وأتى بحجها، وإن لم يتيسر له خرج من دون حاجة إلى العدول.

فالنتيجة أنه لو بني على اعتبار رواية معاوية بن عمار فليس في مقابلها شيء يعتد به يمكن الأخذ به والاعتماد عليه في تأويل هذه الرواية أو ردها.

 

الهوامش

(1) الكافي ج : ٤ ص: ٥٣٥. وقد أورده الشيخ عن الكليني مع اختلاف يسير في تهذيب الأحكام ج: ٥ ص ٤٣٧، الاستبصار في ما اختلف من الأخبار ج ۲ ص: ۳۲۸.
(٢)مستند العروة الوثقى (كتاب الحج) ج ۲ ص ۲۳۸
(٣) لاحظ الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ج ۲ ص: ٦٦، وإعلام الورى بأعلام الهدى ج:1 ص: ٤٤٥، وأنساب الأشراف ج ۲ ص : ٤٦٤، والفتوح لابن اعثم ج:٥ ص: ٦٩، وتاريخ الطبري ج: ص: ٢٨٦، والكامل في التاريخ ج: ٤ ص: ٣٩، وتاريخ مدينة دمشق ج: ۲۸ ص: ٢٠٦، والاستيعاب في معرفة الأصحاب ج:۱ ص: ٣٩٦، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج: ۲۰ ص: ۱۱۷، ومقتل الحسين للخوارزمي ج:۱ ص:۲۲۰، وينابيع المودة لذوي القربي ج: ٣ ص: ٥٩، وغيرها من المصادر.
(٤) كامل الزيارات ص: ١٥١-١٥٢.
(5) تذكرة الخواص ص: ۲۱۷
(٦) بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ج: ٤٤ ص: ٣٦٦، عوالم العلوم والمعارف والأخبار ص: ٢١٦.
(٧) وفي الطبعة الجديدة من الملهوف في قتلى الطفوف (ص: ١٢٤) هكذا: (وكان قد توجه الحسين من مكة يوم الثلاثاء لثلاث مضين من ذي الحجة وقيل لثمان مضين من ذي الحجة سنة ستين من الهجرة). وعلى هذا النص لا يحتمل التحريف الذي ذكرناه، ولكن في الهامش أن جملة: (وقيل: لثمان مضين من ذي الحجة) لم ترد في البحار ويبدو أنها لم ترد في بعض النسخ الأخرى أيضاً، والظاهر أنها كانت في الأصل إضافة من بعضهم في الهامش ثم أدرجت في المتن عند الاستنساخ كما يحصل مثله كثيراً.
(٨) ترجمة الإمام الحسين “عليه السلام” من طبقات ابن سعد ص: ٦١ . وهذه الترجمة كانت ساقطة من مطبوعة هذا الكتاب فقام بطبعها بصورة مستقلة العلامة المحقق السيد عبد العزيز الطباطبائي.
(٩) تهذيب الكمال في أسماء الرجال ج: ٦ ص: ٤٢٠. تاريخ مدينة دمشق ج: ١٤ ص ٢١٢ .
(١٠) تاريخ الطبري ج: ٤ ص : ٢٩٧ .
(١١) الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ج ۲ ص ٧٠
(١٢) أنساب الأشراف ج:1 ص:٤٧٠.
(١٣) الأخبار الطوال ص: ٢٤٥
(١٤) الفتوح لابن أعثم ج ۵ ص ۸۱
(15) بل يمكن أن يقال: إن ما ورد في تلك الفقرة من كون يوم الثلاثاء هو اليوم الثامن من شهر ذي الحجة غير صحيح على الظاهر، فإن المستفاد من بعض البرامج الكمبيوترية لتشخيص أيام الشهور القمرية أن أول أيام شهر ذي الحجة عام ستين للهجرة كان هو يوم الجمعة أو السبت فلم يكن يوم الثامن منه يوم الثلاثاء نعم العاشر منه لعله كان يوم الاثنين كما ورد في رواية ابن سعد في الطبقات، فراجع.
(١٦) الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ج٢ ص ٦٧.
(١٧) إعلام الورى بأعلام الهدى ج:1 ص: ٤٤٥
(١٨) مثير الأحزان ص: ۲۷.
(١٩) روضة الواعظين ص: ۱۷۷
(٢٠) تاريخ الطبري ج: ٤ ص: ٢٨٨-٢٨٩.
(٢١) البداية والنهاية ج: ٨ ص : ١٧٩.
(٢٢) ينابيع المودة لذوي القربى ج ٣ ص ٥٩
(٢٣) موسوعة سيرة أهل البيت ج: ١٤ ص ٥٢. (٢٤) تهذيب الأحكام ج:٥ ص : ٤٦٥.
(25)الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ج٢ ص: ٦٧
(۲٦) ترجمة الإمام الحسين من طبقات ابن سعد ص: ٦٣.
(٢٧) مستمسك العروة الوثقى ج ۱۱ ص: ۱۹۲ (بتصرف).
(٢٨) مستمسك العروة الوثقى ج: ۱۱ ص: ١٩٢.
(٢٩) الكافي ج: ٨ ص : ٢٣٥ .
(٣٠) مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول ج: ٢٦ ص: ۱۷۹-۱۷۸
(۳١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ٣ ص ٢٥٩ . ولاحظ أيضاً البداية والنهاية ج:۸ ص: ٢٤١ ، ومروج الذهب ج:۱ ص: ۳۷۸، وإعلام الورى ج ٢ ص : ٢٠٥.
(٣٢) وأما ما ذكره القندوزي فهو مما لا سبيل إلى الاعتماد عليه، لأنه نسيه – كما في (ص: ٥٣) – إلى مقتل أبي مخنف، وهو مخالف لما ورد فيه بحسب ما ذكر في المصادر الأخرى، فلاحظ.

 

المصدر: كتاب بحوث في شرح مناسك الحج/ المجلد التاسع / الصفحة ٤٣٦

 

قراءة وتحميل الكتاب 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign