الاجتهاد: تعتمد المصرفية الإسلامية على عدة مكونات، إذا تم تحقيق وتنفيذ هذه المكونات بالكامل، فسيتم تشكيل المصرفية الإسلامية، وإذا كانت هذه المكونات لا تُشكّل كلها أو بعضها، فلا يتم تشكيل المصرفية الاسلامية، ولو حدث شيء تحت هذا العنوان، فهو تكوين سطحي واسمي، اما المحتوى الاسلامي فليس فيه على الاطلاق.
أقامت جامعة المصطفى العالمية فرع لبنان (الأربعاء 25 / 11 /2020) ندوة افتراضية حول المصرفية الإسلامية بعنوان ” أزمة المصارف في لبنان – المؤشِّرات، الدلالات، والحلول”، في محورين، الأول: أزمة المصارف في لبنان في ظلّ السياسات الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة الراهنة -المؤشِّرات والدلالات. والثاني: الرؤية الفقهيَّة الإسلاميَّة لواقع النظام المصرفيّ وبدائله الشرعيَّة.
وتحدث رئیس مرکز البحوث الإسلامیة في مجلس الشوری الإسلامي الايراني، الدكتور الشيخ أحمد مبلغي في هذه الندوة حول المحور الثاني والذي نقدم لكم:
بسم الله الرحمن الرحيم
المكونات الأربع للمؤسسة المصرفية الإسلامية:
تعتمد المصرفيّة الإسلامية على عدة مكونات، إذا تم تحقيق وتنفيذ هذه المكونات بالكامل، فسيتم تشكيل المصرفية الإسلامية، وإذا كانت هذه المكونات لا تُشكّل كلها أو بعضها، فلا يتم تشكيل المصرفية الاسلامية، ولو حدث شيء تحت هذا العنوان، فهو تكوين سطحي واسمي، اما المحتوى الاسلامي فليس فيه على الاطلاق.
♦️ المكونة الأولى: إزالة الربا من تدفق وعمليات البنك بشكل كامل: والسبب في ذلك أن الربا هو الخط الأحمر للدين وأن الإسلام قد قبل الاسترباح بل ركز عليه، ولكنه حرم تحقيق الربح عن طريق الربا.
♦️ المكونة الثانية: وضع العقود الإسلامية في هيكل وتنظيم العمليات المصرفية: وذلك بعد أن أزلنا وألغينا الربا عن كل مراحل هذه العملية.
يظن البعض أنه عندما يريد الإسلام حذف الربا من البنوك، فهو يريد إنشاء عالم من الجمود والصمت وعدم النشاط الاقتصادي وقلة الاستثمار وتقليص وتعطيل البنك، في الواقع ليس هذا هو الحال على الإطلاق، فالإسلام يركز بشدة على الاستثمار والتنمية، وله تركيزه الخاص على عمران الأرض، يريد الإسلام أن يبث حياة جديدة في البنك إذا استطعنا فهمها وإذا استطعنا تنفيذها. والحقيقة أن العقود الإسلامية واسعة للغاية ولديها الكثير من التنوع والمرونة بحيث يمكن أن تغطي مجالات الاستثمار المختلفة بطرق عديدة ومتنوعة.
♦️المكونة الثالثة: تنفيذ واقع ومضمون العقود الإسلامية في البنك: ان التفاعل الاسمي والظاهري مع العقود الإسلامية امر خطير، لا ينبغي أن نلعب بمصطلحات وكلمات العقود الإسلامية.
ولتنفيذ واقع العقود الاسلامية، يجب أولاً معرفة العقود الإسلامية بشكل صحيح ودقيق، وفهم طبيعتها بالكامل، سواء من قبل البنك ومسؤولي البنك وسواء من قبل عملاء البنك.
وثانيا: تنفيذ هذه العقود الإسلامية بعناية في جميع مراحل العقد من بدايته إلى جميع مراحل العملية التي تتم بناءً على العقد وحتى انتهاء العقد.
♦️ المكونة الرابعة: تشكيل هيئة الرقابة الشرعية: لا ينبغي أن يكون مجلس الرقابة الشرعية هذا، شرفيًا أو استشاريًا، فمثل ذلك عديم الفائدة، بل ينبغي أن تكون هذه الرقابة الشرعية حاضرة وفاعلة في جميع مراحل عملية اجراء العقود، فالذي على الهيئة الرقابة:
أولاً: التحقق من صحة جميع الخطوات والقيام بتوقيع دقيق على صحة هذه الخطوات.
ثانيا: القيام بالجوانب القانونية للمتابعة في حالة وجود أي مشاكل، وملاحقة رسمية جادة لعدم الإنفاذ أو الانحراف عن هذه العقود.
إذا تم تنفيذ هذه المكونات الأربع في الصيرفة الإسلامية، فيمكن أن يخلق البنك الإسلامي حركة استثمارية وعمرانية كبيرة.
والواقع أن أيا منها لا ينفذ فهو ظلم للصيرفة الإسلامية.
الأجزاء الثلاثة للبنك وتكوينها في المصرفية الإسلامية
تتكون النشاطات المصرفية من ثلاثة أجزاء، وهي: تجهيز الموارد وتخصيص الموارد والخدمات المصرفية.
بالنظر إلى أن أهمية وميزة وبلورة الصيرفة الإسلامية تتعلق بطريقة أكثر جوهرية، بالجزأين الأولين، لذلك أركز فقط على هذين الجزأين.
أولا: تجهيز الموارد:
يتم ذلك بعدة طرق:
– الحساب الجاري
– حساب التوفير
– حساب الاستثمار.
١- الحساب الجاري :
هو الحساب الذي يفتحه صاحب المال في البنك ليضع ماله فيه، حفاظا عليه، ثم يطلبه عند الضرورة ويأخذه دون متاعب، أو لغرض المعاملات اليومية التي يريد القيام بها بانتظام في سوق التداول ودون الحاجة إلى حمل المال معه.
وقد جرى بحث بين الفقهاء في العالم الإسلامي أن الذي يدفعه العملاء للبنك في الحساب الجاري، هل هذا وديعة أم قرض؟
إن بعض فقهاء أهل السنة المعاصرين يعتقدون أن هذا وديعة، وقد قدموا دلائل (ليست هنا فرصة للتحدث عنها)، لكن غالبية الفقهاء من الشيعة والسنة يعتقدون أن هذا لا يمكن أن يكون وديعة.
وذلك بالنظر إلى نقطتين:
الأولى: من خواص الوديعة أنها تبقى عينها على حالها، وحتى لو قبلنا أن التصرف فيها جائز بإذن صاحب الوديعة ، إلا أن التصرفات التي تزيل جوهرها وذاتها، فهي بالتأكيد لا تتناسب مع طبيعة الوديعة،
والثانية: أن البنوك تتصرف بحرية في الأموال التي يضعها العملاء بعنوان الحساب الجاري، بل بناء البنوك من البداية على التصرف المطلق والقيام بالتصرفات المزيلة لأصل المال، بالنظر إلى هاتين النقطتين، نفهم أن الأموال التي يضعها العملاء في البنك على هذا العنوان ليست وديعة. يجب أن نتحدث عن ذلك بمزيد من التفصيل ولكن لا توجد فرصة للدخول فيه.
٢- حساب التوفير
هذا الحساب، والذي هو نشط في جذب الموارد، يمكن تحقيقه وإنجازه في البنك الإسلامي بطريقتين:
إحديهما: أن تعتمد على قرض الحسنة، والاموال المقدمة للبنك بهذه الطريقة هي ملك لللبنك، وهو على أساسها يقدم تسهيلات بموجب عقود إسلامية.
حسب هذه الطريقة، لا يتلقى أصحاب حسابات التوفير، أي فائدة ربحية.
الطريقة الثانية: هي تكوين حساب التوفير على أساس المضاربة بحيث يكون العميل هو رب المال والبنك هو العامل.
٣- حساب الاستثمار .
هو في المصرفية الإسلامية حساب يفتحه العميل بغرض أن يقوم البنك باستثمار المبلغ الذي يضعه فيه في عمليات معينة أو محددة على أساس عقد من العقود الاسلامية.
في الودائع الاستثمارية، تكون العلاقة بين البنك والعميل هي علاقة “توكيل”. في الواقع ، يتم إبرام عقدين، أحدهما هو عقد الوكالة بين العميل والبنك، والآخر هو عقد يتم بين البنك وشخص ثالث وكالة عن العميل، ويستخدم البنك على أساسه أموال هذا الحساب وكالة عن صاحب المال، بهدف الاستثمار، ويوزع البنك أرباح العمليات الاستثمارية حسب العقد
وهذا العقد الثاني متعدد ومتنوع في الفقه الاسلامي، مثل المضاربة، والإيجار بشرط التمليك والجعالة والسلف والمزارعة والمساقات، أو أي عقد آخر من العقود التي لها صلاحيات مختلفة، بعضها حتى يتخذ أشكالا جديدة.
ثانيا: تخصيص الموارد:
تخصيص الموارد هو ما يقوم به البنك في التفاعل مع العملاء من عملية تخصيص الموارد للأنشطة الاقتصادية وإثرائها وازدهارها ضمن الأطر القانونية.
إن تخصيص الموارد ميدان كبير جدًا للأعمال المصرفية الإسلامية، حيث يجب أن تتفاعل مع عملائها على أساس العقود المختلفة في هذا الميدان وتشكل نشاطًا اقتصاديًا واسع النطاق، في شكل هذه العقود.
مثل المضاربة، والمزارعة، والمساقات، والبيع بالتقسيط، والإيجار بشرط التمليك، والسلف، والجعالة، والمشاركة القانونية، والمشاركة المدنية، وشراء الديون، وقرض الحسنة والاستثمار المباشر وعقود أخرى هي متعددة جدا